فهرس الكتاب

عون المعبود لابى داود - بَابُ الْحَدِّ فِي الْخَمْرِ

رقم الحديث 3943 [3943] ( شِرْكًا) بِكَسْرِ الْمُعْجَمَةِ وَسُكُونِ الرَّاءِ وَفِي رِوَايَةِ أَيُّوبَ عَنْ نَافِعٍ شِقْصًا وَفِي أخرى عَنْ أَيُّوبَ أَيْضًا وَكِلَاهُمَا فِي الْبُخَارِيِّ عَنْ نَافِعٍ نَصِيبًا وَالْكُلُّ بِمَعْنًى وَالشِّرْكُ فِي الْأَصْلِ مَصْدَرٌ أُطْلِقَ عَلَى مُتَعَلِّقِهِ وَهُوَ الْعَبْدُ الْمُشْتَرَكُ قَالَهُ الزُّرْقَانِيُّ ( فَعَلَيْهِ) أَيْ مَنْ أَعْتَقَ نَصِيبًا لَهُ ( عِتْقُهُ) أَيْ عِتْقُ الْمَمْلُوكِ ( كُلِّهِ) بِالْجَرِّ لِأَنَّهُ تَأْكِيدٌ لِقَوْلِهِ فِي مَمْلُوكٍ
قَالَهُ الْعَيْنِيُّ ( إِنْ كَانَ لَهُ مَا) بِلَا لَامٍ أَيْ شَيْءٌ وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ مَالٌ هُوَ مَا يُتَمَوَّلُ وَالْمُرَادُ بِهِ هُنَا مَا يَسَعُ نَصِيبَ الشَّرِيكِ وَيُبَاعُ عَلَيْهِ فِي ذَلِكَ مَا يُبَاعُ عَلَى الْمُفْلِسِ قَالَهُ عِيَاضٌ ( يَبْلُغُ ثَمَنَهُ) أَيْ ثَمَنَ الْعَبْدِ أَيْ ثَمَنَ بَقِيَّتِهِ لِأَنَّهُ مُوسِرٌ بِحِصَّتِهِ وَالْمُرَادُ قِيمَتُهُ لِأَنَّ الثَّمَنَ مَا اشْتُرِيَ به واللازم ها هنا الْقِيمَةُ لَا الثَّمَنُ
وَقَدْ بَيَّنَ الْمُرَادَ فِي رِوَايَةِ النَّسَائِيِّ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ وَعُمَرَ بْنِ نَافِعٍ وَمُحَمَّدِ بْنِ عَجْلَانَ عَنْ نافع عن بن عُمَرَ بِلَفْظِ وَلَهُ مَالٌ يَبْلُغُ قِيمَةَ أَنْصِبَاءِ شُرَكَائِهِ فَإِنَّهُ يَضْمَنُ لِشُرَكَائِهِ أَنْصِبَاءَهُمْ وَيُعْتِقُ الْعَبْدَ
قَالَ الْمُنْذِرِيُّ وَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَالنَّسَائِيُّ



رقم الحديث 3944 [3944] ( بِمَعْنَى) حَدِيثِ ( إِبْرَاهِيمَ بْنِ مُوسَى) الرَّازِيِّ
قَالَ الْمُنْذِرِيُّ وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ وَالنَّسَائِيُّ وَذَكَرَهُ الْبُخَارِيُّ تَعْلِيقًا
وَفِي حَدِيثِ النَّسَائِيِّ قَالَ يَحْيَى لَا أَدْرِي شَيْئًا كَانَ مِنْ قِبَلِهِ يَقُولُهُ أَمْ شَيْئًا فِي الْحَدِيثِ
وَذَكَرَهُ مُسْلِمٌ أَيْضًا عَنْ يَحْيَى نَحْوَهُ



رقم الحديث 3945 [3945] ( جويرية) هو بن أَسْمَاءَ ( بِمَعْنَى) حَدِيثِ ( مَالِكٍ) عَنْ نَافِعٍ ( وَلَمْ يَذْكُرْ) أَيْ جُوَيْرِيَةُ هَذِهِ الْجُمْلَةَ ( وَإِلَّا فَقَدْ عَتَقَ مِنْهُ مَا عَتَقَ) كَمَا ذَكَرَهُ مَالِكٌ ( انْتَهَى حَدِيثُهُ) أَيْ جُوَيْرِيَةَ ( إِلَى) قَوْلِهِ ( وَأُعْتِقَ عَلَيْهِ الْعَبْدُ) قَالَ الْبُخَارِيُّ فِي صَحِيحِهِ وَرَوَاهُ الليث وبن أبي ذئب وبن إِسْحَاقَ وَجُوَيْرِيَةُ وَيَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ وَإِسْمَاعِيلُ بْنُ أمية عن نافع عن بن عمر عن النبي مُخْتَصَرًا انْتَهَى
يَعْنِي لَمْ يَذْكُرُوا الْجُمْلَةَ الْأَخِيرَةَ فِي حَقِّ الْمُعْسِرِ وَهِيَ .

     قَوْلُهُ  فَقَدْ عَتَقَ مِنْهُ مَا عَتَقَ
وَالْحَدِيثُ أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ
قَالَ الْإِمَامُ الشَّافِعِيُّ لَا أَحْسَبُ عَالِمًا بِالْحَدِيثِ وَرُوَاتِهِ يَشُكُّ فِي أَنَّ مَالِكًا أَحْفَظُ لِحَدِيثِ نَافِعٍ وَلِمَالِكٍ فَضْلٌ لِحَدِيثِ أَصْحَابِهِ
وَقَالَ الْبَيْهَقِيُّ وَقَدْ تَابَعَ مَالِكًا عَلَى رِوَايَتِهِ عَنْ نَافِعٍ أَثْبَتُ ابْنَيْ عُمَرَ فِي زَمَانِهِ وَأَحْفَظُهُمْ عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ بْنِ حَفْصٍ



رقم الحديث 3946 [3946] ( عَنْ سالم عن بن عُمَرَ)
قَالَ الْمُنْذِرِيُّ وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ وَالتِّرْمِذِيُّ وَالنَّسَائِيُّ
وَفِي رِوَايَةِ النَّسَائِيِّ أُقِيمَ مَا بَقِيَ فِي مَالِهِ
قَالَ الزُّهْرِيُّ إِنْ كَانَ لَهُ مَالٌ يَبْلُغُ ثَمَنَهُ
وَذَكَرَ أَبُو بَكْرٍ الْخَطِيبُ أَنَّ الْإِمَامَ أَحْمَدَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ رَوَاهُ عَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ ثُمَّ قَالَ لَا أَدْرِي قَوْلَهُ إِذَا كَانَ لَهُ مَا يَبْلُغُ ثَمَنَ الْعَبْدِ في حديث النبي أَوْ شَيْءٍ قَالَهُ الزُّهْرِيُّ وَكَانَ مُوسَى بْنُ عقبة يقول للزهري أفضل كلامك من كلام النبي لِمَا كَانَ يُحَدِّثُ مِنْ حَدِيثِ رَسُولِ اللَّهِ فَيَخْلِطُهُ بِكَلَامِهِ انْتَهَى



رقم الحديث 3947 [3947] ( يُقَوَّمُ) بِصِيغَةِ الْمَجْهُولِ ( لَا وَكْسَ) بِفَتْحِ الْوَاوِ وَسُكُونِ الْكَافِ بَعْدَهَا مُهْمَلَةٌ بِمَعْنَى النَّقْصِ أَيْ لَا نَقْصَ ( وَلَا شَطَطَ) بِمُعْجَمَةٍ ثُمَّ مُهْمَلَةٍ مُكَرَّرَةٍ وَالْفَتْحِ أَيْ لَا جَوْرَ وَلَا ظُلْمَ ( ثُمَّ يُعْتَقُ) بِصِيغَةِ الْمَجْهُولِ
وَلَفْظُ مُسْلِمٍ ثُمَّ أُعْتِقَ عَلَيْهِ مِنْ مَالِهِ إِنْ كَانَ مُوسِرًا
قَالَ الْحَافِظُ وَاتَّفَقَ مَنْ قَالَ مِنَ الْعُلَمَاءِ عَلَى أَنَّهُ يُبَاعُ عَلَيْهِ فِي حِصَّةِ شَرِيكِهِ جَمِيعُ مَا يُبَاعُ عَلَيْهِ فِي الدِّينِ عَلَى اخْتِلَافٍ عِنْدَهُمْ فِي ذَلِكَ ولو كان عليه دين بقدر مَا يَمْلِكُهُ كَانَ فِي حُكْمِ الْمُوسِرِ عَلَى أَصَحِّ قَوْلَيِ الْعُلَمَاءِ وَهُوَ كَالْخِلَافِ فِي أَنَّ الدَّيْنَ هَلْ يَمْنَعُ الزَّكَاةَ أَمْ لَا انْتَهَى
وَأَخْرَجَ الْبُخَارِيُّ مِنْ حَدِيثِ مُوسَى بْنِ عُقْبَةَ أخبرني نافع عن بن عُمَرَ أَنَّهُ كَانَ يُفْتِي فِي الْعَبْدِ أَوِ الْأَمَةِ يَكُونُ بَيْنَ الشُّرَكَاءِ فَيُعْتِقُ أَحَدُهُمْ نَصِيبَهُ مِنْهُ يَقُولُ قَدْ وَجَبَ عَلَيْهِ عِتْقُهُ كُلُّهُ إذا كان الذي أعتق من المال ما يبلغ يُقَوَّمُ مِنْ مَالِهِ قِيمَةَ الْعَدْلِ وَيُدْفَعُ إِلَى الشُّرَكَاءِ أَنْصِبَاؤُهُمْ وَيُخَلَّى سَبِيلُ الْمُعْتَقِ يُخْبِرُ ذَلِكَ بن عمر عن النبي
وَفِي هَذَا دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الْمُوسِرَ إِذَا أَعْتَقَ نَصِيبَهُ مِنْ مَمْلُوكٍ عُتِقَ كُلُّهُ
قَالَ الحافظ بن عَبْدِ الْبَرِّ لَا خِلَافَ فِي أَنَّ التَّقْوِيمَ لَا يَكُونُ إِلَّا عَلَى الْمُوسِرِ ثُمَّ اخْتَلَفُوا فِي وَقْتِ الْعِتْقِ فَقَالَ الْجُمْهُورُ وَالشَّافِعِيُّ فِي الْأَصَحِّ وَبَعْضُ الْمَالِكِيَّةِ أَنَّهُ يُعْتَقُ فِي الْحَالِ وَقَالَ بَعْضُ الشَّافِعِيَّةِ لَوْ أَعْتَقَ الشَّرِيكُ نَصِيبَهُ بِالتَّقْوِيمِ كَانَ لَغْوًا وَيَغْرَمُ الْمُعْتِقُ حِصَّةَ نَصِيبِهِ بِالتَّقْوِيمِ وَحُجَّتُهُمْ رِوَايَةُ أَيُّوبَ عِنْدَ الْبُخَارِيِّ حَيْثُ قَالَ مَنْ أَعْتَقَ نَصِيبًا وَكَانَ لَهُ مِنَ الْمَالِ مَا يَبْلُغُ قِيمَتَهُ فَهُوَ عَتِيقٌ وَأَوْضَحُ من ذلك رواية النسائي وبن حِبَّانَ وَغَيْرِهِمَا مِنْ طَرِيقِ سُلَيْمَانَ بْنِ مُوسَى عن نافع عن بن عُمَرَ بِلَفْظِ مَنْ أَعْتَقَ عَبْدًا وَلَهُ فِيهِ شُرَكَاءُ وَلَهُ وَفَاءٌ فَهُوَ حُرٌّ وَيَضْمَنُ نَصِيبَ شركائه بقيمته
وللطحاوي من طريق بن أَبِي ذِئْبٍ عَنْ نَافِعٍ فَكَانَ لِلَّذِي يُعْتِقُ نَصِيبَهُ مَا يَبْلُغُ ثَمَنَهُ فَهُوَ عَتِيقٌ كُلُّهُ حَتَّى لَوْ أَعْسَرَ الْمُوسِرُ الْمُعْتِقُ بَعْدَ ذَلِكَ اسْتَمَرَّ الْعِتْقُ وَبَقِيَ ذَلِكَ دَيْنًا فِي ذِمَّتِهِ وَلَوْ مَاتَ أُخِذَ مِنْ تَرِكَتِهِ فَإِنْ لَمْ يُخَلِّفْ شَيْئًا لَمْ يَكُنْ لِلشَّرِيكِ شَيْءٌ وَاسْتَمَرَّ الْعِتْقُ
وَالْمَشْهُورُ عِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ أَنَّهُ لَا يَعْتِقُ إِلَّا بِدَفْعِ الْقِيمَةِ فَلَوْ أَعْتَقَ الشَّرِيكُ قَبْلَ أَخْذِ الْقِيمَةِ نَفَذَ عِتْقُهُ وَهُوَ أَحَدُ أَقْوَالِ الشَّافِعِيِّ وَحُجَّتُهُمْ رِوَايَةُ سَالِمٍ عِنْدَ الْبُخَارِيِّ حَيْثُ قَالَ فَإِنْ كَانَ مُوسِرًا قُوِّمَ عَلَيْهِ ثُمَّ يُعْتَقُ
وَالْجَوَابُ أَنَّهُ لَا يَلْزَمُ مِنْ تَرْتِيبِ الْعِتْقِ عَلَى التَّقْوِيمِ تَرْتِيبُهُ عَلَى أَدَاءِ الْقِيمَةِ فَإِنَّ التَّقْوِيمَ يُفِيدُ مَعْرِفَةَ الْقِيمَةِ.
وَأَمَّا الدَّفْعُ فَقَدْرٌ زَائِدٌ عَلَى ذَلِكَ.
وَأَمَّا رِوَايَةُ مَالِكٍ الَّتِي فِيهَا فَأَعْطَى شُرَكَاءَهُ حِصَصَهُمْ وَعَتَقَ عَلَيْهِ الْعَبْدُ فَلَا تَقْتَضِي تَرْتِيبًا لِسِيَاقِهَا بِالْوَاوِ انْتَهَى
وَقَالَ النَّوَوِيُّ إِنَّ مَنْ أَعْتَقَ نَصِيبَهُ مِنْ عَبْدٍ مُشْتَرَكٍ قُوِّمَ عَلَيْهِ بَاقِيهِ إِذَا كَانَ مُوسِرًا بِقِيمَةِ عَدْلٍ سَوَاءٌ كَانَ الْعَبْدُ مُسْلِمًا أَوْ كَافِرًا وَسَوَاءٌ كَانَ الشَّرِيكُ مُسْلِمًا أَوْ كَافِرًا وَسَوَاءٌ كَانَ الْعَتِيقُ عَبْدًا أَوْ أَمَةً وَلَا خِيَارَ لِلشَّرِيكِ فِي هَذَا وَلَا لِلْعَبْدِ وَلَا لِلْمُعْتِقِ بَلْ يَنْفُذُ هَذَا الْحُكْمُ وَإِنْ كَرِهَهُ كُلُّهُمْ مُرَاعَاةً لِحَقِّ اللَّهِ تَعَالَى فِي الْحُرِّيَّةِ
وَأَجْمَعَ الْعُلَمَاءُ عَلَى أَنَّ نَصِيبَ الْمُعْتِقِ بِنَفْسِ الْإِعْتَاقِ إِلَّا مَا حَكَاهُ الْقَاضِي عَنْ رَبِيعَةَ أَنَّهُ قَالَ لَا يُعْتَقُ نَصِيبُ الْمُعْتِقِ مُوسِرًا كَانَ أَوْ مُعْسِرًا وَهَذَا مَذْهَبٌ بَاطِلٌ مُخَالِفٌ لِلْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ كُلِّهَا وَالْإِجْمَاعِ
وَأَمَّا نَصِيبُ الشَّرِيكِ فَاخْتَلَفُوا فِي حُكْمِهِ إِذَا كَانَ الْمُعْتِقُ مُوسِرًا عَلَى مَذَاهِبَ أَحَدُهَا وَهُوَ الصَّحِيحُ فِي مذهب الشافعي وبه قال بن شبرمة والأوزاعي والثوري وبن أَبِي لَيْلَى وَأَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ وَأَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ وَإِسْحَاقُ وَبَعْضُ الْمَالِكِيَّةِ أَنَّهُ عَتَقَ بِنَفْسِ الْإِعْتَاقِ وَيُقَوَّمُ عَلَيْهِ نَصِيبُ شَرِيكِهِ بقيمة يَوْمَ الْإِعْتَاقِ وَيَكُونُ وَلَاءُ جَمِيعِهِ لِلْمُعْتِقِ وَحُكْمُهُ مِنْ حِينِ الْإِعْتَاقِ حُكْمُ الْأَحْرَارِ فِي الْمِيرَاثِ وَغَيْرِهِ وَلَيْسَ لِلشَّرِيكِ إِلَّا الْمُطَالَبَةُ بِقِيمَةِ نَصِيبِهِ كَمَا لَوْ قَتَلَهُ قَالَ هَؤُلَاءِ وَلَوْ أَعْسَرَ الْمُعْتِقُ بَعْدَ ذَلِكَ اسْتَمَرَّ نُفُوذُ الْعِتْقِ وَكَانَتِ الْقِيمَةُ دَيْنًا فِي ذِمَّتِهِ وَلَوْ مَاتَ أُخِذَتْ مِنْ تَرِكَتِهِ فَإِنْ لَمْ تَكُنْ لَهُ تَرِكَةٌ ضَاعَتِ الْقِيمَةُ وَاسْتَمَرَّ عِتْقُ جَمِيعِهِ
قَالُوا وَلَوْ أَعْتَقَ الشَّرِيكُ نَصِيبَهُ بَعْدَ إِعْتَاقِ الْأَوَّلِ نَصِيبَهُ كَانَ إِعْتَاقُهُ لَغْوًا
لِأَنَّهُ قَدْ صَارَ كُلُّهُ حرا وَالْمَذْهَبُ الثَّانِي أَنَّهُ لَا يَعْتِقُ إِلَّا بِدَفْعِ الْقِيمَةِ وَهُوَ الْمَشْهُورُ مِنْ مَذْهَبِ مَالِكٍ وَبِهِ قَالَ أَهْلُ الظَّاهِرِ وَهُوَ قَوْلٌ لِلشَّافِعَيِّ
وَالثَّالِثُ مَذْهَبُ أَبِي حَنِيفَةَ لِلشَّرِيكِ الْخِيَارُ إِنْ شَاءَ اسْتُسْعِيَ الْعَبْدُ فِي نِصْفِ قِيمَتِهِ وَإِنْ شَاءَ أَعْتَقَ نَصِيبَهُ وَالْوَلَاءُ بَيْنَهُمَا وَإِنْ شَاءَ قُوِّمَ نَصِيبُهُ عَلَى شَرِيكِهِ الْمُعْتِقِ ثُمَّ يَرْجِعُ الْمُعْتِقُ بِمَا دَفَعَ إِلَى شَرِيكِهِ عَلَى الْعَبْدِ يَسْتَسْعِيهِ فِي ذَلِكَ وَالْوَلَاءُ كُلُّهُ لِلْمُعْتِقِ قَالَ وَالْعَبْدُ فِي مُدَّةِ السِّعَايَةِ بِمَنْزِلَةِ الْمُكَاتَبِ فِي كُلِّ أَحْكَامِهِ
هَذَا كُلُّهُ فِيمَا إِذَا كَانَ الْمُعْتِقُ لِنَصِيبِهِ مُوسِرًا
فَأَمَّا إِذَا كَانَ مُعْسِرًا حَالَ الْإِعْتَاقِ فَفِيهِ مَذَاهِبُ أَيْضًا أَحَدُهَا مَذْهَبُ مَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ وَأَحْمَدَ وَأَبِي عُبَيْدٍ وَمُوَافِقِيهِمْ يَنْفُذُ الْعِتْقُ فِي نَصِيبِ الْمُعْتِقِ فَقَطْ وَلَا يُطَالَبُ الْمُعْتِقُ بِشَيْءٍ وَلَا يُسْتَسْعَى الْعَبْدُ بَلْ يَبْقَى نَصِيبُ الشَّرِيكِ رَقِيقًا كَمَا كَانَ وَبِهَذَا قَالَ جُمْهُورُ علماء الحجاز لحديث بن عمر
المذهب الثاني مذهب بن شبرمة والأوزاعي وأبي حنيفة وبن أَبِي لَيْلَى وَسَائِرِ الْكُوفِيِّينَ وَإِسْحَاقَ يُسْتَسْعَى الْعَبْدُ فِي حِصَّةِ الشَّرِيكِ وَاخْتَلَفَ هَؤُلَاءِ فِي رُجُوعِ الْعَبْدِ بِمَا أَدَّى فِي سِعَايَتِهِ عَلَى مُعْتِقِهِ فقال بن أَبِي لَيْلَى يَرْجِعُ عَلَيْهِ.

     وَقَالَ  أَبُو حَنِيفَةَ وَصَاحِبَاهُ لَا يَرْجِعُ ثُمَّ هُوَ عِنْدَ أَبَى حَنِيفَةَ فِي مُدَّةِ السِّعَايَةِ بِمَنْزِلَةِ الْمُكَاتَبِ وَعِنْدَ الآخرين هو حربا لسراية ثُمَّ ذَكَرَ النَّوَوِيُّ بَاقِي الْمَذَاهِبِ ثُمَّ قَالَ أَمَّا إِذَا مَلَكَ الْإِنْسَانُ عَبْدًا بِكَمَالِهِ فَأَعْتَقَ بَعْضَهُ فَيُعْتَقُ كُلُّهُ فِي الْحَالِ بِغَيْرِ اسْتِسْعَاءٍ هَذَا مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ وَمَالِكٍ وَأَحْمَدَ وَالْعُلَمَاءِ كَافَّةً وَانْفَرَدَ أَبُو حَنِيفَةَ فَقَالَ يُسْتَسْعَى فِي بَقِيَّتِهِ لِمَوْلَاهُ وَخَالَفَهُ أَصْحَابُهُ فِي ذَلِكَ فَقَالُوا بِقَوْلِ الْجُمْهُورِ وَحَكَى الْقَاضِي أَنَّهُ رُوِيَ عَنْ طَاوُسٍ وَرَبِيعَةَ وَحَمَّادٍ وَرِوَايَةٌ عَنِ الْحَسَنِ كَقَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ.

     وَقَالَ هُ أَهْلُ الظَّاهِرِ عَنِ الشَّعْبِيِّ وَعُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ الْحَسَنِ الْعَنْبَرِيِّ أَنَّ لِلرَّجُلِ أَنْ يُعْتِقَ مِنْ عَبْدِهِ مَا شَاءَ انْتَهَى
فَإِنْ قُلْتَ حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ الْمَذْكُورُ يَدُلُّ عَلَى ثُبُوتِ الِاسْتِسْعَاءِ وَحَدِيثُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ يَدُلُّ عَلَى تَرْكِهِ فَكَيْفَ التَّوْفِيقُ بَيْنَهُمَا
قُلْتُ إِنَّ الْحَدِيثَيْنِ صَحِيحَانِ لَا يُشَكُّ فِي صِحَّتِهِمَا وَاتَّفَقَ عَلَى إِخْرَاجِهِمَا الشَّيْخَانِ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ
وَقَدْ جَمَعَ بَيْنَ الْحَدِيثَيْنِ الْأَئِمَّةُ الْحُذَّاقُ مِنْهُمُ الْبُخَارِيُّ وَالطَّحَاوِيُّ وَالْبَيْهَقِيُّ وَغَيْرُهُمْ
قَالَ الْبُخَارِيُّ فِي صَحِيحِهِ بَعْدَ إِخْرَاجِ حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ مِنْ طُرُقٍ شَتَّى بَابُ إِذَا أَعْتَقَ نَصِيبًا فِي عَبْدٍ وَلَيْسَ لَهُ مَالٌ اسْتُسْعِيَ الْعَبْدُ غَيْرَ مَشْقُوقٍ عَلَيْهِ عَلَى نَحْوِ الْكِتَابَةِ انْتَهَى فَأَشَارَ الْبُخَارِيُّ بِهَذِهِ التَّرْجَمَةِ إِلَى أَنَّ الْمُرَادَ بقوله في حديث بن عُمَرَ وَإِلَّا فَقَدْ عَتَقَ مِنْهُ مَا عَتَقَ أَيْ وَإِلَّا فَإِنْ كَانَ الْمُعْتِقُ لَا مَالَ لَهُ يَبْلُغُ قِيمَةَ بَقِيَّةِ الْعَبْدِ فَقَدْ تَنَجَّزَ عِتْقُ الْجُزْءِ الَّذِي كَانَ يَمْلِكُهُ وَبَقِيَ الْجُزْءُ الَّذِي لِشَرِيكِهِ عَلَى مَا كَانَ عَلَيْهِ أَوَّلًا إِلَى أَنْ يُسْتَسْعَى الْعَبْدُ فِي تَحْصِيلِ الْقَدْرِ الَّذِي يَخْلُصُ بِهِ بَاقِيهِ مِنَ الرِّقِّ إِنْ قَوِيَ عَلَى ذَلِكَ فَإِنْ عَجَّزَ نَفْسَهُ اسْتَمَرَّتْ حِصَّةُ الشَّرِيكِ مَوْقُوفَةً وَهُوَ مَصِيرٌ مِنَ الْبُخَارِيِّ إِلَى الْقَوْلِ بِصِحَّةِ الْحَدِيثَيْنِ جَمِيعًا وَالْحُكْمِ بِرَفْعِ الزيادتين معا وهما قوله في حديث بن عُمَرَ وَإِلَّا فَقَدْ عَتَقَ مِنْهُ مَا عَتَقَ وَقَولُهُ فِي حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ فَاسْتُسْعِيَ بِهِ غَيْرَ مَشْقُوقٍ عَلَيْهِ
قَالَهُ الْحَافِظُ فِي الْفَتْحِ
وأما الطحاوي فإنه أخرج أولا حديث بن عُمَرَ ثُمَّ قَالَ فَثَبَتَ أَنَّ مَا رَوَاهُ بن عمر عن النبي مِنْ ذَلِكَ إِنَّمَا هُوَ فِي الْمُوسِرِ خَاصَّةً فَأَرَدْنَا أَنْ نَنْظُرَ فِي حُكْمِ عَتَاقِ الْمُعْسِرِ كَيْفَ هُوَ فَقَالَ قَائِلُونَ قَوْلُ رَسُولِ اللَّهِ وَإِلَّا فَقَدْ عَتَقَ مِنْهُ مَا عَتَقَ دَلِيلٌ أَنَّ مَا بَقِيَ مِنَ الْعَبْدِ لَمْ يَدْخُلْهُ عَتَاقٌ فَهُوَ رَقِيقٌ لِلَّذِي لَمْ يَعْتِقْ عَلَى حَالِهِ وَخَالَفَهُمْ فِي ذَلِكَ آخَرُونَ فَقَالُوا بَلْ يَسْعَى الْعَبْدُ فِي نِصْفِ قِيمَتِهِ لِلَّذِي لَمْ يُعْتِقْهُ وَكَانَ مِنَ الْحُجَّةِ لَهُمْ فِي ذَلِكَ أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَدْ روى ذلك عن النبي كما رواه بن عُمَرَ وَزَادَ عَلَيْهِ شَيْئًا بَيَّنَ بِهِ كَيْفَ حُكْمُ مَا بَقِيَ مِنَ الْعَبْدِ بَعْدَ نَصِيبِ الْمُعْتِقِ ثُمَّ سَاقَ حَدِيثَ أَبِي هُرَيْرَةَ.

     وَقَالَ  بَعْدَ ذَلِكَ فَكَانَ هَذَا الْحَدِيثُ فِيهِ مَا في حديث بن عُمَرَ وَفِيهِ وُجُوبُ السِّعَايَةِ عَلَى الْعَبْدِ إِذَا كَانَ مُعْتِقُهُ مُعْسِرًا ثُمَّ رَوَى حَدِيثَ أَبِي الْمَلِيحِ عَنْ أَبِيهِ.

     وَقَالَ  بَعْدَ ذَلِكَ فَدَلَّ قول النبي لَيْسَ لِلَّهِ شَرِيكٌ عَلَى أَنَّ الْعَتَاقَ إِذَا وَجَبَ بِبَعْضِ الْعَبْدِ لِلَّهِ انْتَفَى أَنْ يَكُونَ لِغَيْرِهِ عَلَى بَقِيَّتِهِ مِلْكٌ فَثَبَتَ بِذَلِكَ أَنَّ إِعْتَاقَ الْمُوسِرِ وَالْمُعْسِرِ جَمِيعًا يُبَرِّئَانِ الْعَبْدَ مِنَ الرِّقِّ فَقَدْ وَافَقَ حَدِيثُ أَبِي الْمَلِيحِ أَيْضًا حَدِيثَ أَبِي هُرَيْرَةَ وَزَادَ حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ على حديث أبي المليح وعلى حديث بن عُمَرَ وُجُوبَ السِّعَايَةِ لِلشَّرِيكِ الَّذِي لَمْ يُعْتِقْ إِذَا كَانَ الْمُعْتِقُ مُعْسِرًا
فَتَصْحِيحُ هَذِهِ الْآثَارِ يُوجِبُ الْعَمَلَ بِذَلِكَ وَيُوجِبُ الضَّمَانَ عَلَى الْمُعْتِقِ الموسر لشريكه الذي لم يعتق ولا يوجب الضَّمَانُ عَلَى الْمُعْتِقِ الْمُعْسِرِ وَلَكِنَّ الْعَبْدَ يَسْعَى فِي ذَلِكَ لِلشَّرِيكِ الَّذِي لَمْ يُعْتِقْ
وَهَذَا قَوْلُ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ وَبِهِ نَأْخُذُ انْتَهَى
وَفِي فَتْحِ الْبَارِي وَعُمْدَةُ مَنْ ضَعَّفَ حَدِيثَ الاستسعاء في حديث بن عُمَرَ .

     قَوْلُهُ  وَإِلَّا فَقَدْ عَتَقَ مِنْهُ مَا عَتَقَ وَقَدْ تَقَدَّمَ أَنَّهُ فِي حَقِّ الْمُعْسِرِ وَأَنَّ الْمَفْهُومَ مِنْ ذَلِكَ أَنَّ الْجُزْءَ الَّذِي لِشَرِيكِ الْمُعْتِقِ بَاقٍ عَلَى حُكْمِهِ الْأَوَّلِ وَلَيْسَ فِيهِ التَّصْرِيحُ بِأَنْ يَسْتَمِرَّ رَقِيقًا وَلَا فِيهِ التَّصْرِيحُ بِأَنَّهُ يَعْتِقُ كُلُّهُ
فَلِلَّذِي صَحَّحَ رَفْعَ الِاسْتِسْعَاءِ أَنْ يَقُولَ مَعْنَى الْحَدِيثَيْنِ أَنَّ الْمُعْسِرَ إِذَا أَعْتَقَ حِصَّتَهُ لَمْ يَسْرِ الْعِتْقُ فِي حِصَّةِ شَرِيكِهِ بَلْ تَبْقَى حِصَّةُ شَرِيكِهِ عَلَى حَالِهَا وَهِيَ الرِّقُّ ثُمَّ يُسْتَسْعَى فِي عِتْقِ بَقِيَّتِهِ فَيُحَصِّلُ ثَمَنَ الْجُزْءِ الَّذِي لِشَرِيكِ سَيِّدِهِ وَيَدْفَعُهُ إِلَيْهِ وَيَعْتِقُ وَجَعَلُوهُ فِي ذَلِكَ كَالْمُكَاتَبِ وَهُوَ الَّذِي جَزَمَ بِهِ الْبُخَارِيُّ
وَالَّذِي يَظْهَرُ أَنَّهُ فِي ذَلِكَ بِاخْتِيَارِهِ لِقَوْلِهِ غَيْرَ مَشْقُوقٍ عَلَيْهِ فَلَوْ كَانَ ذَلِكَ عَلَى سَبِيلِ اللُّزُومِ بِأَنْ يُكَلَّفَ الْعَبْدُ الِاكْتِسَابَ وَالطَّلَبَ حَتَّى يَحْصُلَ ذَلِكَ لَحَصَلَ لَهُ بِذَلِكَ غَايَةُ الْمَشَقَّةِ وَهُوَ لَا يَلْزَمُ فِي الْكِتَابَةِ بِذَلِكَ عند الجمهور لأنها غير واجبة فهده مِثْلُهَا وَإِلَى هَذَا الْجَمْعِ مَالَ الْبَيْهَقِيُّ.

     وَقَالَ  لَا يَبْقَى بَيْنَ الْحَدِيثَيْنِ مُعَارَضَةٌ أَصْلًا وَهُوَ كَمَا قَالَ إِلَّا أَنَّهُ يَلْزَمُ مِنْهُ أَنْ يَبْقَى الرِّقُّ فِي حِصَّةِ الشَّرِيكِ إِذَا لَمْ يَخْتَرِ الْعَبْدُ الِاسْتِسْعَاءَ فَيُعَارِضُهُ حَدِيثُ أَبِي الْمَلِيحِ عَنْ أَبِيهِ أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ وَالنَّسَائِيُّ
وَحَدِيثُ سَمُرَةَ عِنْدَ أَحْمَدَ بِلَفْظِ أَنَّ رَجُلًا أَعْتَقَ شقصا له في مملوك فقال النبي هُوَ كُلُّهُ فَلَيْسَ لِلَّهِ شَرِيكٌ وَيُمْكِنُ حَمْلُهُ عَلَى مَا إِذَا كَانَ الْمُعْتِقُ غَنِيًّا أَوْ عَلَى مَا إِذَا كَانَ جَمِيعُهُ لَهُ فَأَعْتَقَ بَعْضَهُ فَقَدْ رَوَى أَبُو دَاوُدَ مِنْ طَرِيقِ مِلْقَامِ بْنِ التَّلِبِّ عَنْ أَبِيهِ أَنَّ رَجُلًا أَعْتَقَ نَصِيبَهُ مِنْ مَمْلُوكٍ فَلَمْ يُضَمِّنْهُ النَّبِيُّ وَهُوَ مَحْمُولٌ عَلَى الْمُعْسِرِ وَإِلَّا لَتَعَارَضَا انْتَهَى
قَالَ الْمُنْذِرِيُّ وَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَالنَّسَائِيُّ