فهرس الكتاب

عون المعبود لابى داود - بَابٌ فِيمَنْ مَاتَ وَعَلَيْهِ صِيَامٌ

رقم الحديث 2089 [2089] ( أَخْبَرَنَا أَسْبَاطٌ) بِفَتْحِ الْهَمْزَةِ وَسُكُونِ السِّينِ الْمُهْمَلَةِ ( أَخْبَرَنَا الشَّيْبَانِيُّ) هُوَ سُلَيْمَانُ بْنُ أَبِي سُلَيْمَانَ أَبُو إِسْحَاقَ الشَّيْبَانِيُّ ( قَالَ الشَّيْبَانِيُّ وَذَكَرَهُ عَطَاءٌ أَبُو الْحَسَنِ السُّوَائِيُّ وَلَا أَظُنُّهُ إِلَّا عَنِ بن عَبَّاسٍ) حَاصِلُهُ أَنَّ لِلشَّيْبَانِيِّ فِيهِ طَرِيقَيْنِ أَحَدُهُمَا موصولة وهي عكرمة عن بن عَبَّاسٍ وَالْأُخْرَى مَشْكُوكٌ فِي وَصْلِهَا وَهِيَ عَطَاءٌ أبو الحسن السوائي عن بن عَبَّاسٍ وَأَبُو الْحَسَنِ كُنْيَةُ عَطَاءٍ وَالسُّوَائِيُّ بِضَمِّ الْمُهْمَلَةِ وَتَخْفِيفِ الْوَاوِ ( كَانَ الرَّجُلُ إِذَا مَاتَ) فِي رِوَايَةِ السُّدِّيِّ تَقْيِيدُ ذَلِكَ بَالْجَاهِلِيَّةِ وَفِي رِوَايَةِ الضَّحَّاكِ تَخْصِيصُ ذَلِكَ بِأَهْلِ الْمَدِينَةِ وَكَذَلِكَ أورده الطبري من طريق العوفي عن بن عَبَّاسٍ لَكِنْ لَا يَلْزَمُ مِنْ كَوْنِهِ فِي الْجَاهِلِيَّةِ أَنْ لَا يَكُونَ اسْتَمَرَّ فِي أَوَّلِ الْإِسْلَامِ إِلَى أَنْ أُنْزِلَتِ الْآيَةُ فَقَدْ جَزَمَ الْوَاحِدِيُّ أَنَّ ذَلِكَ كَانَ فِي الْجَاهِلِيَّةِ وَفِي أَوَّلِ الْإِسْلَامِ كَذَا فِي الْفَتْحِ ( كَانَ أَوْلِيَاؤُهُ) أَيْ أَوْلِيَاءُ الرَّجُلِ ( مِنْ وَلِيِّ نَفْسِهَا) أَيْ مِنْ أَوْلِيَاءِ الْمَرْأَةِ وَأَقْرِبَائِهَا مِنْ أَبِيهَا وَجَدِّهَا ( إِنْ شَاءَ بَعْضُهُمْ زَوَّجَهَا أَوْ زَوَّجُوهَا) شَكٌّ مِنَ الرَّاوِي وَفِي رِوَايَةِ الْبُخَارِيِّ إِنْ شَاءَ بعضهم تزوجها وإن شاؤوا زوجوها وإن شاؤوا لَمْ يُزَوِّجُوهَا ( فَنَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ فِي ذَلِكَ) روىQقال الحافظ شمس الدين بن القيم رحمه اللَّه وَقَدْ اِسْتَشْكَلَ بَعْض الْمُفَسِّرِينَ مَعْنَى وِرَاثَتهمْ النِّسَاء الْمَنْهِيّ عَنْهَا حَتَّى قَالَ الْمَعْنَى لَا يَحِلّ لَكُمْ أَنْ تَرِثُوا نِكَاحهنَّ لِتَرِثُوا أَمْوَالهنَّ كَرْهًا
قَالَ وَفِي الْمُرَاد بِمِيرَاثِهِنَّ وَجْهَانِ الطبري من طريق بن جُرَيْجٍ عَنْ عِكْرِمَةَ أَنَّهَا نَزَلَتْ فِي قِصَّةٍ خَاصَّةٍ
قَالَ نَزَلَتْ فِي كَبْشَةَ بِنْتِ مَعْنِ بْنِ عَاصِمٍ مِنَ الْأَوْسِ وَكَانَتْ تَحْتَ أَبِي قَيْسِ بْنِ الْأَسْلَتِ فَتُوُفِّيَ عَنْهَا فَجَنَحَ عَلَيْهَا ابْنُهُ فَجَاءَتِ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقالت يانبي اللَّهِ لَا أَنَا وَرِثْتُ زَوْجِي وَلَا تُرِكْتُ فَأُنْكَحَ
فَنَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ وَبِإِسْنَادٍ حَسَنٍ عَنْ أَبِي أُمَامَةَ بْنِ سَهْلِ بْنِ حُنَيْفٍ عَنْ أَبِيهِ قَالَ لَمَّا تُوُفِّيَ أَبُو قَيْسِ بْنُ الْأَسْلَتِ أَرَادَ ابْنُهُ أَنْ يَتَزَوَّجَ امْرَأَتَهُ وَكَانَ ذَلِكَ لَهُمْ فِي الْجَاهِلِيَّةِ فَأَنْزَلَ اللَّهُ هَذِهِ الْآيَةَ
وَرَوَى الطَّبَرِيُّ مِنْ طَرِيقِ عَلِيِّ بْنِ أبي طلحة عن بن عَبَّاسٍ كَانَ الرَّجُلُ إِذَا مَاتَ وَتَرَكَ امْرَأَةً أَلْقَى عَلَيْهَا حَمِيمُهُ ثَوْبًا فَمَنَعَهَا مِنَ النَّاسِ فَإِنْ كَانَتْ جَمِيلَةً تَزَوَّجَهَا وَإِنْ كَانَتْ دَمِيمَةً حَبَسَهَا حَتَّى تَمُوتَ وَيَرِثَهَا
وَرَوَى الطَّبَرِيُّ أَيْضًا مِنْ طَرِيقِ الْحَسَنِ وَالسُّدِّيِّ وَغَيْرِهِمَا كَانَ الرَّجُلُ يَرِثُ امْرَأَةَ ذِي قَرَابَتِهِ فَيَعْضُلُهَا حَتَّى تَمُوتَ أَوْ تَرُدَّ إِلَيْهِ الصَّدَاقَ
وَزَادَ السُّدِّيُّ إِنْ سَبَقَ الْوَارِثُ فَأَلْقَى عَلَيْهَا ثَوْبَهُ كَانَ أَحَقَّ بِهَا وَإِنْ سَبَقَتْ هِيَ إِلَى أَهْلِهَا فَهِيَ أَحَقُّ بِنَفْسِهَا
ذَكَرَ الْحَافِظُ هَذِهِ الرِّوَايَاتِ فِي الْفَتْحِ
قَالَ الْمُنْذِرِيُّ وَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ وَالنَّسَائِيُّ



رقم الحديث 2090 [29] (عَنْ يَزِيدَ النَّحْوِيِّ) مَنْسُوبٌ إِلَى نَحْوٍ بَطْنٌ مِنَ الْأَزْدِ (لَا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَرِثُوا النِّسَاءَ كرهاQأَحَدهمَا مَا يَصِل إِلَى الْأَزْوَاج مِنْ أَمْوَالهنَّ بِالْمَوْتِ دُون الْحَيَاة عَلَى مَا يَقْتَضِيه الظَّاهِر مِنْ لَفْظ الْمِيرَاث
الثَّانِي الْوُصُول إِلَى أَمْوَالهنَّ فِي الْحَيَاة وَبَعْدهَا وَقَدْ يُسَمَّى مَا وَصَلَ فِي الْحَيَاة مِيرَاثًا كَمَا قَالَ تَعَالَى { الَّذِينَ يَرِثُونَ الْفِرْدَوْس}
وَهَذَا تَكَلُّف وَخُرُوج عَنْ مُقْتَضَى الْآيَة بَلْ الَّذِي مَنَعُوا مِنْهُ أَنْ يَجْعَلُوا حَقَّ الزَّوْجِيَّة حَقًّا مَوْرُوثًا يَنْتَقِل إِلَى الْوَارِث كَسَائِرِ حُقُوقه وَهَذِهِ كَانَتْ شُبْهَتهمْ أَنَّ حَقَّ الزَّوْجِيَّة اِنْتَقَلَ إِلَيْهِمْ مِنْ مُوَرِّثهمْ فَأَبْطَلَ اللَّه ذَلِكَ وَحُكِمَ بِأَنَّ الزَّوْجِيَّة لَا تَنْتَقِل بِالْمِيرَاثِ إِلَى الْوَارِث بَلْ إِذَا مَاتَ الزَّوْج كَانَتْ الْمَرْأَة أَحَقَّ بِنَفْسِهَا وَلَمْ يَرِث بُضْعهَا أَحَد وليس البضع كَالْمَالِ فَيَنْتَقِل بِالْمِيرَاثِ
وَقَوْله فَوَعَظَ اللَّه ذَلِكَ فِيهِ وَجْهَانِ أَحَدهمَا أَيْ يُقَدَّر فِيهِ حَرْف جَرّ أَيْ فِي ذَلِكَ
وَالثَّانِي أَيْ يَضْمَن وَعَظَ مَعْنَى مَنَعَ وَحَذِرَ وَنَحْوه
وَاسْتَنْبَطَ بَعْضهمْ مِنْ الْآيَة أَنَّهُ لَا يَحِلّ لِلرَّجُلِ أَنْ يُمْسِك اِمْرَأَته وَلَا أَرَب لَهُ فِيهَا طَمَعًا أَنْ تَمُوت فَيَرِث مَالهَا وَفِيهِ نَظَر
وَاَللَّه أعلم أَنْ تَرِثُوا فِي مَوْضِعِ الرَّفْعِ عَلَى الْفَاعِلِيَّةِ بيحل أَيْ لَا يَحِلُّ لَكُمْ إِرْثُ النِّسَاءِ وَالنِّسَاءُ مَفْعُولٌ بِهِ إِمَّا عَلَى حَذْفِ مُضَافٍ أَيْ أَنْ تَرِثُوا أَمْوَالَ النِّسَاءِ وَالْخِطَابُ لِلْأَزْوَاجِ لِأَنَّهُ رُوِيَ أَنَّ الرَّجُلَ كَانَ إِذَا لَمْ يَكُنْ لَهُ فِي الْمَرْأَةِ غَرَضٌ أَمْسَكَهَا حَتَّى تَمُوتَ فَيَرِثَهَا أَوْ تَفْتَدِيَ بِمَالِهَا إِنْ لَمْ تَمُتْ
وَإِمَّا مِنْ غَيْرِ حَذْفٍ عَلَى مَعْنَى أَنْ يَكُنَّ بِمَعْنَى الشَّيْءِ الْمَوْرُوثِ إِنْ كَانَ الْخِطَابُ لِلْأَوْلِيَاءِ أَوْ لِأَقْرِبَاءِ الْمَيِّتِ وَكَرْهًا فِي مَوْضِعِ نَصْبٍ عَلَى الْحَالِ مِنَ النِّسَاءِ أَيْ تَرِثُوهُنَّ كارهات أو مكرهات (ولا تعضلوهن) جزم بلا الناهية أو نصب عطف عَلَى أَنْ تَرِثُوا وَلَا لِتَأْكِيدِ النَّفْيِ وَفِي الْكَلَامِ حَذْفٌ أَيْ لَا تَعْضُلُوهُنَّ مِنَ النِّكَاحِ إِنْ كَانَ الْخِطَابُ لِلْأَوْلِيَاءِ أَوْ لَا تَعْضُلُوهُنَّ مِنَ الطَّلَاقِ إِنْ كَانَ لِلْأَزْوَاجِ (لِتَذْهَبُوا بِبَعْضِ ما آتيتموهن) اللَّامُ مُتَعَلِّقَةٌ بِتَعْضُلُوهُنَّ وَالْبَاءُ لِلتَّعْدِيَةِ الْمُرَادِفَةِ لِهَمْزَتِهَا أَوْ لِلْمُصَاحَبَةِ فَالْجَارُّ فِي مَحَلِّ نَصْبٍ عَلَى الْحَالِ وَيَتَعَلَّقُ بِمَحْذُوفٍ أَيْ لِتَذْهَبُوا مَصْحُوبِينَ بِبَعْضِ مَا آتَيْتُمُوهُنَّ (إِلَّا أَنْ يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ) أَيْ زِنًا (وَذَلِكَ أَنَّ الرَّجُلَ كَانَ يَرِثُ امْرَأَةَ ذِي قَرَابَةٍ فَيَعْضُلُهَا) أَيِ الْمَرْأَةَ
وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْخِطَابَ فِي الْآيَةِ لِلْأَوْلِيَاءِ (فَأَحْكَمَ اللَّهُ عَنْ ذَلِكَ) أَيْ مَنَعَهُ مِنْ أَحْكَمْتُهُ أَيْ مَنَعْتُهُ (وَنَهَى عَنْ ذَلِكَ) هَذِهِ الْجُمْلَةُ مَعْطُوفَةٌ عَلَى مَا قَبْلَهَا عَطْفَ تَفْسِيرٍ