فهرس الكتاب

عون المعبود لابى داود - بَابٌ فِيمَنْ أَعْتَقَ عَبْدًا وَلَهُ مَالٌ

رقم الحديث 3504 [3504] (حَدَّثَنِي عَمْرُو بْنُ شعيب) أي بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ (حَدَّثَنِي أَبِي أَيْ شُعَيْبٌ (عَنْ أَبِيهِ أَيْ مُحَمَّدٍ عَنْ أَبِيهِ) أَيْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو (لَا يَحِلُّ سَلَفٌ وَبَيْعٌ) قَالَ الْخَطَّابِيُّ وَذَلِكَ مِثْلَ أَنْ يَقُولَ أَبِيعُكُ هَذَا الْعَبْدَ بِخَمْسِينَ دِينَارًا عَلَى أَنْ تُسَلِّفَنِي أَلْفَ دِرْهَمٍ فِي مَتَاعٍ أَبِيعُهُ مِنْكَ إِلَى أَجَلٍ أَوْ يَقُولُ أَبِيعُكَهُ بِكَذَا عَلَى أَنْ تُقْرِضَنِي أَلْفَ دِرْهَمٍ وَيَكُونُ مَعْنَى السَّلَفِ الْقَرْضُ وَذَلِكَ فَاسِدٌ لِأَنَّهُ يُقْرِضُهُ عَلَى أَنْ يُحَابِيَهُ (الْمُحَابَاةُ الْمُسَامَحَةُ وَالْمُسَاهَلَةُ لِيُحَابِيَهُ أَيْ لِيُسَامِحَهُ فِي الثَّمَنِ) فِي الثَّمَنِ فَيَدْخُلُ الثَّمَنُ فِي حَدِّ الْجَهَالَةِ وَلِأَنَّ كُلَّ قَرْضٍ جَرَّ مَنْفَعَةً فَهُوَ رِبًا انْتَهَى
(وَلَا شَرْطَانِ فِي بَيْعٍ) قَالَ الْبَغَوِيُّ هُوَ أَنْ يَقُولَ بِعْتُكَ هَذَا الْعَبْدَ بِأَلِفٍ نَقْدًا أَوْ بِأَلْفَيْنِ نَسِيئَةً فَهَذَا بَيْعٌ وَاحِدٌ تَضَمَّنَ شَرْطَيْنِ يَخْتَلِفُ الْمَقْصُودُ فِيهِ بِاخْتِلَافِهِمَا وَلَا فَرْقَ بَيْنَ شَرْطَيْنِ وَشُرُوطٍ وَهَذَا التَّفْسِيرُ مَرْوِيٌّ عَنْ زَيْدِ بْنِ عَلِيٍّ وَأَبِي حَنِيفَةَ
وَقِيلَ مَعْنَاهُ أَنْ يَقُولَ بعتك ثوبي بكذا وعلى قصارته وخياطته فهذل فَاسِدٌ عِنْدَ أَكْثَرِ الْعُلَمَاءِ
وَقَالَ أَحْمَدُ إِنَّهُ صَحِيحٌ
وَقَدْ أَخَذَ بِظَاهِرِ الْحَدِيثِ بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ فَقَالَ إِنْ شَرَطَ فِي الْبَيْعِ شَرْطًا وَاحِدًا صَحَّ وَإِنْ شَرَطَ شَرْطَيْنِ أَوْ أَكْثَرَ لَمْ يَصِحَّ فَيَصِحُّ مَثَلًا أَنْ يَقُولَ بِعْتُكَ ثَوْبِي عَلَى أَنْ أَخِيطَهُ وَلَا يَصِحُّ أَنْ يَقُولَ عَلَى أَنْ أُقَصِّرَهُ وَأَخِيطَهُ
وَمَذْهَبُ الْأَكْثَرِ عَدَمُ الْفَرْقِ بَيْنَ الشَّرْطِ وَالشَّرْطَيْنِ وَاتَّفَقُوا عَلَى عَدَمِ صِحَّةِ مَا فِيهِ شَرْطَانِ
كَذَا فِي النَّيْلِ (وَلَا رِبْحَ مَا لَمْ يُضْمَنُ) يَعْنِي لَا يَجُوزُ أَنْ يَأْخُذَ رِبْحَ سِلْعَةٍ لَمْ يضمنهاQقال الحافظ شمس الدين بن القيم رحمه اللَّه هَذَا الْحَدِيث أَصْل مِنْ أُصُول الْمُعَامَلَات وَهُوَ نَصّ فِي تَحْرِيم الْحِيَل الرِّبَوِيَّة وَقَدْ اِشْتَمَلَ عَلَى أَرْبَعَة أَحْكَام
الْحُكْم الْأَوَّل تَحْرِيم الشَّرْطَيْنِ فِي الْبَيْع وَقَدْ أَشْكَلَ عَلَى أَكْثَر الْفُقَهَاء مَعْنَاهُ مِنْ حَيْثُ إِنَّ الشَّرْطَيْنِ إِنْ كَانَا فَاسِدَيْنِ فَالْوَاحِد حَرَام فَأَيّ فَائِدَة لِذِكْرِ الشَّرْطَيْنِ وَإِنْ كَانَا صَحِيحَيْنِ لَمْ يَحْرُمَا
فَقَالَ بن الْمُنْذِر قَالَ أَحْمَد وَإِسْحَاق فِيمَنْ اِشْتَرَى ثَوْبًا وَاشْتَرَطَ عَلَى الْبَائِع خِيَاطَته وَقَصَارَته أَوْ طَعَامًا وَاشْتَرَطَ طَحْنه وَحَمْله إِنْ شَرَطَ أَحَد هَذِهِ الْأَشْيَاء فَالْبَيْع جَائِز وَإِنْ شَرَطَ شَرْطَيْنِ فَالْبَيْع بَاطِل
وَهَذَا فَسَّرَهُ الْقَاضِي أَبُو يَعْلَى وَغَيْره عَنْ أَحْمَد فِي تَفْسِيره رِوَايَة ثَانِيَة حَكَاهَا الْأَثْرَم وَهُوَ أَنْ يَشْتَرِيهَا عَلَى أَنْ لَا يَبِيعهَا مِنْ أَحَد وَلَا يَطَأهَا فَفَسَّرَهُ بِالشَّرْطَيْنِ الفاسدين مِثْلَ أَنْ يَشْتَرِيَ مَتَاعًا وَيَبِيعَهُ إِلَى آخَرَ قَبْلَ قَبْضِهِ مِنَ الْبَائِعِ فَهَذَا الْبَيْعُ بَاطِلٌ وَرِبْحُهُ لَا يَجُوزُ لِأَنَّ الْمَبِيعَ فِي ضَمَانِ الْبَائِعِ الْأَوَّلِ وَلَيْسَ فِي ضَمَانِ الْمُشْتَرِي مِنْهُ لِعَدَمِ الْقَبْضِ
قَالَ الْمُنْذِرِيُّ وَأَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ وَالنَّسَائِيُّ وبن مَاجَهْ.

     وَقَالَ  التِّرْمِذِيُّ حَسَنٌ صَحِيحٌ وَيُشْبِهُ أَنْ يَكُونَ صَحِيحًا لِتَصْرِيحِهِ بِذِكْرِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو وَيَكُونُ مَذْهَبُهُ فِي الِامْتِنَاعِ بِحَدِيثِ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ إِنَّمَا هُوَ الشَّكُّ فِي إِسْنَادِهِ لِجَوَازِ أَنْ يَكُونَ الضَّمِيرُ عَائِدًا عَلَى مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو فَإِذَا صَحَّ بِذِكْرِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو انْتَفَى ذَلِكَ وَاللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ أَعْلَمُQوَعَنْهُ رِوَايَة ثَالِثَة حَكَاهَا إِسْمَاعِيل بْن سَعِيد الشَّالَنْجِيّ عَنْهُ هُوَ أَنْ يَقُول إِذَا بِعْتهَا فَأَنَا أَحَقّ بِهَا بِالثَّمَنِ وَأَنْ تَخْدُمنِي سَنَة وَمَضْمُون هَذِهِ الرِّوَايَة أَنَّ الشَّرْطَيْنِ يَتَعَلَّقَانِ بِالْبَائِعِ فَيَبْقَى لَهُ فِيهَا عَلَقَتَانِ عَلَقَة قَبْل التَّسْلِيم وَهِيَ الْخِدْمَة وَعَلَقَة بَعْد الْبَيْع وَهِيَ كَوْنه أَحَقّ بِهَا
فَأَمَّا اِشْتِرَاط الْخِدْمَة فَيَصِحّ وَهُوَ اِسْتِثْنَاء مَنْفَعَة الْمَبِيع مُدَّة كَاسْتِثْنَاءِ رُكُوب الدَّابَّة وَنَحْوه.
وَأَمَّا شَرْط كَوْنه أَحَقّ بِهَا بِالثَّمَنِ فَقَالَ فِي رِوَايَة الْمَرْوَزِيِّ هُوَ فِي مَعْنَى حديث النبي لَا شَرْطَانِ فِي بَيْع يَعْنِي لِأَنَّهُ شَرَطَ أَنْ يَبِيعهُ إِيَّاهُ وَأَنْ يَكُون الْبَيْع بِالثَّمَنِ الْأَوَّل فَهُمَا شَرْطَانِ فِي بَيْع
وَرَوَى عَنْهُ إِسْمَاعِيل بْن سَعِيد جَوَاز هَذَا الْبَيْع وَتَأَوَّلَهُ بَعْض أَصْحَابنَا عَلَى جَوَازه فَسَاد الشَّرْط
وَحَمَلَ رِوَايَة الْمَرْوَزِيِّ عَلَى فَسَاد الشَّرْط وَحْده وَهُوَ تَأْوِيل بَعِيد وَنَصّ أَحْمَد يَأْبَاهُ
قَالَ إِسْمَاعِيل بن سعيد ذكرت لأحمد حديث بن مَسْعُود أَنَّهُ قَالَ اِبْتَعْت مِنْ اِمْرَأَتِي زَيْنَب الثَّقَفِيَّة جَارِيَة وَشَرَطْت لَهَا أَنِّي إِنْ بِعْتهَا فَهِيَ لَهَا بِالثَّمَنِ الَّذِي اِبْتَعْتهَا بِهِ فَذَكَرَتْ ذَلِكَ لِعُمَر فَقَالَ لَا تَقْرَبهَا وَلِأَحَدٍ فِيهَا شَرْط فَقَالَ أَحْمَد الْبَيْع جَائِز وَلَا تَقْرَبهَا لِأَنَّهُ كَانَ فِيهَا شَرْط وَاحِد لِلْمَرْأَةِ وَلَمْ يَقُلْ عُمَر فِي ذَلِكَ الْبَيْع إِنَّهُ فَاسِد
فَهَذَا يَدُلّ عَلَى تَصْحِيح أَحْمَد لِلشَّرْطِ مِنْ ثَلَاثَة أَوْجُه
أَحَدهَا أَنَّهُ قَالَ لَا تَقْرَبهَا وَلَوْ كَانَ الشَّرْط فَاسِدًا لَمْ يُمْنَع مِنْ قُرْبَانهَا
الثَّانِي أَنَّهُ عَلَّلَ ذَلِكَ بِالشَّرْطِ فَدَلَّ عَلَى أَنَّ الْمَانِع مِنْ الْقُرْبَان هُوَ الشَّرْط وأن وطئها يَتَضَمَّن إِبْطَال ذَلِكَ الشَّرْط لِأَنَّهَا قَدْ تَحْمِل فَيَمْتَنِع عَوْدهَا إِلَيْهَا
الثَّالِث أَنَّهُ قَالَ كَانَ فِيهَا شَرْط وَاحِد لِلْمَرْأَةِ فَذِكْره وَحْدَة الشَّرْط يَدُلّ عَلَى أَنَّهُ صَحِيح عِنْده لِأَنَّ النَّهْي إِنَّمَا هُوَ عَنْ الشَّرْطَيْنِ ...............................
Qوَقَدْ حَكَى عَنْهُ بَعْض أَصْحَابنَا رِوَايَة صَرِيحَة أَنَّ الْبَيْع جَائِز وَالشَّرْط صَحِيح وَلِهَذَا حَمَلَ الْقَاضِي مَنْعه مِنْ الْوَطْء عَلَى الْكَرَاهَة لِأَنَّهُ لَا مَعْنَى لِتَحْرِيمِهِ عِنْده مَعَ فَسَاد الشَّرْط
وحمله بن عُقَيْل عَلَى الشُّبْهَة لِلِاخْتِلَافِ فِي صِحَّة هَذَا الْعَقْد
وَقَالَ الْقَاضِي فِي الْمُجَرَّد ظَاهِر كَلَام أَحْمَد أَنَّهُ مَتَى شَرَطَ فِي الْعَقْد شَرْطَيْنِ بطل سواء كانا صَحِيحَيْنِ أَوْ فَاسِدَيْنِ لِمَصْلَحَةِ الْعَقْد أَوْ لِغَيْرِ مَصْلَحَته أَخْذًا بِظَاهِرِ الْحَدِيث وَعَمَلًا بِعُمُومِهِ.
وَأَمَّا أَصْحَاب الشَّافِعِيّ وَأَبِي حَنِيفَة فَلَمْ يُفَرِّقُوا بَيْن الشَّرْط وَالشَّرْطَيْنِ وَقَالُوا يَبْطُل الْبَيْع بِالشَّرْطِ الْوَاحِد لنهي النبي عَنْ بَيْع وَشَرْط.
وَأَمَّا الشُّرُوط الصَّحِيحَة فَلَا تُؤَثِّر فِي الْعَقْد وَإِنْ كَثُرَتْ وَهَؤُلَاءِ أَلْغَوْا التَّقْيِيد بِالشَّرْطَيْنِ وَرَأَوْا أَنَّهُ لَا أَثَر لَهُ أَصْلًا
وَكُلّ هَذِهِ الْأَقْوَال بَعِيدَة عَنْ مَقْصُود الْحَدِيث غَيْر مُرَادَة مِنْهُ
فَأَمَّا الْقَوْل الْأَوَّل وَهُوَ أَنْ يَشْتَرِط حَمْل الْحَطَب وَتَكْسِيره وَخِيَاطَة الثَّوْب وَقَصَارَته وَنَحْو ذَلِكَ فَبَعِيد فَإِنَّ اِشْتِرَاط مَنْفَعَة الْبَائِع فِي الْبَيْع إِنْ كَانَ فَاسِدًا فَسَدَ الشَّرْط وَالشَّرْطَانِ
وَإِنْ كَانَ صَحِيحًا فَأَيّ فَرْق بَيْن مَنْفَعَة أَوْ مَنْفَعَتَيْنِ أَوْ مَنَافِع لَا سِيَّمَا وَالْمُصَحِّحُونَ لِهَذَا الشَّرْط قَالُوا هُوَ عَقْد قَدْ جَمَعَ بَيْعًا وَإِجَارَة وَهُمَا مَعْلُومَانِ لَمْ يَتَضَمَّنَا غَرَرًا
فَكَانَا صَحِيحَيْنِ
وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ فَمَا الْمُوَاجِب لِفَسَادِ الْإِجَارَة عَلَى مَنْفَعَتَيْنِ وَصِحَّتهَا عَلَى مَنْفَعَة وَأَيّ فَرْق بَيْن أَنْ يَشْتَرِط عَلَى بَائِع الْحَطَب حَمْله أَوْ حَمْله وَنَقْله أَوْ حَمْله وَتَكْسِيره
وَأَمَّا التَّفْسِير الثَّانِي وَهُوَ الشَّرْطَانِ الْفَاسِدَانِ فَأَضْعَف وَأَضْعَف لِأَنَّ الشَّرْط الْوَاحِد الْفَاسِد مَنْهِيّ عَنْهُ
فَلَا فَائِدَة فِي التَّقْيِيد بِشَرْطَيْنِ فِي بَيْع وَهُوَ يَتَضَمَّن زِيَادَة فِي اللَّفْظ وَإِيهَامًا لِجَوَازِ الْوَاحِد
وَهَذَا مُمْتَنِع عَلَى الشَّارِع مِثْله
لِأَنَّهُ زِيَادَة مُخِلَّة بِالْمَعْنَى
وَأَمَّا التَّفْسِير الثَّالِث وَهُوَ أَنْ يَشْتَرِط أَنَّهُ إِنْ بَاعَهَا فَهُوَ أَحَقّ بِهَا بِالثَّمَنِ وَأَنَّ ذَلِكَ يَتَضَمَّن شَرْطَيْنِ أَنْ لَا يَبِيعهَا لِغَيْرِهَا وَأَنْ تَبِيعهُ إِيَّاهَا بِالثَّمَنِ فَكَذَلِكَ أَيْضًا فَإِنَّ كُلّ وَاحِد مِنْهُمَا إِنْ كَانَ فَاسِدًا فَلَا أَثَر لِلشَّرْطَيْنِ وَإِنْ كَانَ صَحِيحًا لَمْ تَفْسُد بِانْضِمَامِهِ إِلَى صَحِيح مِثْلُه كَاشْتِرَاط الْرَّهْن وَالضَّمِين وَاشْتِرَاط التَّأْجِيل وَالرَّهْن وَنَحْو ذَلِكَ وَعَنْ أَحْمَد فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَة ثَلَاث رِوَايَات
إِحْدَاهُنَّ صِحَّة الْبَيْع وَالشَّرْط وَالثَّانِيَة فَسَادهمَا
وَالثَّالِثَة صِحَّة الْبَيْع وَفَسَاد الشَّرْط
وَهُوَ رَضِيَ اللَّه عَنْهُ إِنَّمَا اعتمد في الصحة على اتفاق عمر وبن مَسْعُود عَلَى ذَلِكَ
وَلَوْ كَانَ هَذَا هُوَ الشرطان في البيع لم يخالفه لقول أَحَد عَلَى قَاعِدَة مَذْهَبه
فَإِنَّهُ إِذَا كَانَ عِنْده فِي الْمَسْأَلَة حَدِيث صَحِيح لَمْ يَتْرُكهُ لِقَوْلِ أَحَد
وَيُعْجَب مِمَّنْ يُخَالِفهُ مِنْ صَاحِب أَوْ غَيْره
وَقَوْله فِي رِوَايَة الْمَرْوَزِيّ هُوَ في معنى حديث النبي لَا شَرْطَانِ فِي بَيْع لَيْسَ تَفْسِيرًا مِنْهُ ...............................
Qصَرِيحًا بَلْ تَشْبِيه وَقِيَاس عَلَى مَعْنَى الْحَدِيث وَلَوْ قُدِّرَ أَنَّهُ تَفْسِير فَلَيْسَ بِمُطَابِقٍ لِمَقْصُودِ الْحَدِيث كَمَا تَقَدَّمَ
وَأَمَّا تَفْسِير الْقَاضِي فِي الْمُجَرَّد فَمِنْ أَبْعَد مَا قِيلَ فِي الْحَدِيث وَأَفْسَده
فَإِنَّ شَرْط مَا يَقْتَضِيه الْعَقْد أَوْ مَا هُوَ مِنْ مَصْلَحَته كَالرَّهْنِ وَالتَّأْجِيل وَالضَّمِين وَنَقْد كَذَا جَائِز بِلَا خِلَاف تَعَدَّدَتْ الشُّرُوط أَوْ اِتَّحَدَتْ
فَإِذَا تَبَيَّنَ هَذِهِ الْأَقْوَال فَالْأَوْلَى تفسير كلام النبي بَعْضه بِبَعْضٍ
فَنُفَسِّر كَلَامه بِكَلَامِهِ
فَنَقُول نَظِير هذا نهيه عَنْ صَفْقَتَيْنِ فِي صَفْقَة وَعَنْ بَيْعَتَيْنِ فِي بَيْعَة
فَرَوَى سِمَاك عَنْ عَبْد الرَّحْمَن بْن عَبْد اللَّه بْن مَسْعُود عَنْ أَبِيهِ قَالَ نهى رسول الله عَنْ صَفْقَتَيْنِ فِي صَفْقَة
وَفِي السُّنَن عَنْ أبي هريرة عن النبي من باع بيعتين في بيعة فله أوكسهما أَوْ الرِّبَا
وَقَدْ فُسِّرَتْ الْبَيْعَتَانِ فِي الْبَيْعَة بِأَنْ يَقُول أَبِيعك بِعَشَرَةٍ نَقْدًا أَوْ بِعِشْرِينَ وَنَسِيئَة هَذَا بَعِيد مِنْ مَعْنَى الْحَدِيث مِنْ وَجْهَيْنِ
أَحَدهمَا أَنَّهُ لَا يُدْخِل الرِّبَا فِي هَذَا الْعَقْد
الثَّانِي أَنَّ هَذَا لَيْسَ بِصَفْقَتَيْنِ إِنَّمَا هُوَ صَفْقَة وَاحِدَة بِأَحَدِ الثَّمَنَيْنِ
وَقَدْ رَدَّدَهُ بَيْن الْأَوَّلِيَّيْنِ أَوْ الرِّبَا
وَمَعْلُوم أَنَّهُ إِذَا أُخِذَ بِالثَّمَنِ الْأَزْيَد فِي هَذَا الْعَقْد لَمْ يَكُنْ رِبًا
فَلَيْسَ هَذَا مَعْنَى الْحَدِيث
وَفُسِّرَ بِأَنْ يَقُول خُذْ هَذِهِ السِّلْعَة بِعَشَرَةٍ نَقْدًا وَآخُذهَا مِنْك بِعِشْرِينَ نَسِيئَة وَهِيَ مَسْأَلَة الْعِينَة بِعَيْنِهَا
وَهَذَا هُوَ الْمَعْنَى الْمُطَابِق لِلْحَدِيثِ
فَإِنَّهُ إِذَا كَانَ مَقْصُوده الدَّرَاهِم الْعَاجِلَة بِالْآجِلَةِ فَهُوَ لَا يَسْتَحِقّ إِلَّا رَأْس مَاله وَهُوَ أَوَكْس الثَّمَنَيْنِ فَإِنْ أَخَذَهُ أَخَذَ أَوَكْسهمَا وَإِنْ أَخَذَ الثَّمَن الْأَكْثَر فَقَدْ أَخَذَ الرِّبَا
فَلَا مَحِيد لَهُ عَنْ أَوَكْس الثَّمَنَيْنِ أَوْ الرِّبَا
وَلَا يَحْتَمِل الْحَدِيث غَيْر هَذَا الْمَعْنَى وَهَذَا هُوَ بِعَيْنِهِ الشَّرْطَانِ فِي بَيْعٍ
فَإِنَّ الشَّرْط يُطْلَق عَلَى الْعَقْد نَفْسه
لِأَنَّهُمَا تَشَارَطَا عَلَى الْوَفَاء بِهِ فَهُوَ مَشْرُوط وَالشَّرْط يُطْلَق عَلَى الْمَشْرُوط كَثِيرًا كَالضَّرْبِ يُطْلَق عَلَى الْمَضْرُوب وَالْحَلْق عَلَى الْمَحْلُوق وَالنَّسْخ عَلَى الْمَنْسُوخ
فَالشَّرْطَانِ كَالصَّفْقَتَيْنِ سَوَاء
فَشَرْطَانِ فِي بَيْع كَصَفْقَتَيْنِ فِي صَفْقَة وَإِذَا أَرَدْت أَنْ يَتَّضِح لَك هَذَا الْمَعْنَى فتأمل نهيه في حديث بن عُمَر عَنْ بَيْعَتَيْنِ فِي بَيْعَة وَعَنْ سَلَف وَبَيْع
رَوَاهُ أَحْمَد
وَنَهْيه فِي هَذَا الْحَدِيث عَنْ شَرْطَيْنِ فِي بَيْع وَعَنْ سَلَف فِي بَيْع فَجَمَعَ السَّلَف وَالْبَيْع مَعَ الشَّرْطَيْنِ فِي الْبَيْع وَمَعَ الْبَيْعَتَيْنِ فِي الْبَيْعَة
وَسِرّ ذَلِكَ أن كلا الأمرين يؤول إِلَى الرِّبَا وَهُوَ ذَرِيعَة إِلَيْهِ
أَمَّا الْبَيْعَتَانِ فِي بَيْعَة فَظَاهِر فَإِنَّهُ إِذَا بَاعَهُ السِّلْعَة إِلَى شَهْر ثُمَّ اِشْتَرَاهَا مِنْهُ بِمَا شَرَطَهُ لَهُ كَانَ قَدْ بَاعَ بِمَا شَرَطَهُ لَهُ بِعَشَرَةٍ نَسِيئَة
وَلِهَذَا الْمَعْنَى حَرَّمَ اللَّه وَرَسُوله الْعِينَة
وَأَمَّا السَّلَف وَالْبَيْع فَلِأَنَّهُ إِذَا ...............................
Qأَقْرَضَهُ مِائَة إِلَى سَنَة ثُمَّ بَاعَهُ مَا يُسَاوِي خَمْسِينَ بِمِائَةٍ فَقَدْ جَعَلَ هَذَا الْبَيْع ذَرِيعَة إِلَى الزِّيَادَة فِي الْقَرْض الَّذِي مُوجِبه رَدّ الْمِثْل وَلَوْلَا هَذَا الْبَيْع لَمَا أَقْرَضَهُ وَلَوْلَا عَقْد الْقَرْض لَمَا اِشْتَرَى ذَلِكَ
فَظَهَرَ سر قوله لَا يَحِلّ سَلَف وَبَيْع وَلَا شَرْطَانِ فِي بيع وقول بن عُمَر نَهَى عَنْ بَيْعَتَيْنِ فِي بَيْعَة وَعَنْ سَلَف وَبَيْع وَاقْتِرَان إِحْدَى الْجُمْلَتَيْنِ بِالْأُخْرَى لَمَّا كَانَا سَلِمَا إِلَى الرِّبَا
وَمَنْ نَظَرَ فِي الْوَاقِع وَأَحَاطَ بِهِ عِلْمًا فَهِمَ مُرَاد الرَّسُول مِنْ كَلَامه وَنَزَّلَهُ عَلَيْهِ
وَعَلِمَ أَنَّهُ كَلَام مَنْ جُمِعَتْ لَهُ الْحِكْمَة وَأُوتِيَ جَوَامِع الْكَلِم فَصَلَوَات اللَّه وَسَلَامه عَلَيْهِ وَجَزَاهُ أَفْضَل مَا جَزَى نَبِيًّا عَنْ أُمَّته
وَقَدْ قَالَ بَعْض السَّلَف اُطْلُبُوا الْكُنُوز تَحْت كَلِمَات رَسُول اللَّه وَلَمَّا كَانَ مُوجِب عَقْد الْقَرْض رَدّ الْمِثْل مِنْ غَيْر زِيَادَة كَانَتْ الزِّيَادَة رِبًا
قَالَ بن المنذر أجمعوا على أن السلف إِذَا شَرَطَ عَلَى الْمُسْتَسْلِف زِيَادَة أَوْ هَدِيَّة
فَأَسْلَفَ عَلَى ذَلِكَ أَنَّ أَخْذ الزِّيَادَة عَلَى ذلك ربآ وقد روى عن بن مسعود وأبي بن كعب وبن عَبَّاس أَنَّهُمْ نَهَوْا عَنْ قَرْض جَرّ مَنْفَعَة وَكَذَلِكَ إِنْ شَرَطَ أَنْ يُؤَجِّرهُ دَاره أَوْ يَبِيعهُ شَيْئًا لَمْ يَجُزْ لِأَنَّهُ سَلَّمَ إِلَى الربا
ولهذا نهى عنه النبي وَلِهَذَا مَنَعَ السَّلَف رَضِيَ اللَّه عَنْهُمْ مِنْ قَبُول هَدِيَّة الْمُقْتَرِض إِلَّا أَنْ يَحْتَسِبهَا الْمُقْرِض مِنْ الدَّيْن
فَرَوَى الْأَثْرَم أَنَّ رَجُلًا كَانَ لَهُ عَلَى سَمَّاك عِشْرُونَ دِرْهَمًا فَجَعَلَ يُهْدِي إِلَيْهِ السَّمَك وَيُقَوِّمهُ حَتَّى بَلَغَ ثَلَاثَة عَشَر درهما فسأل بن عَبَّاس فَقَالَ أَعْطِهِ سَبْعَة دَرَاهِم
وَرُوِيَ عَنْ بن سِيرِينَ أَنَّ عُمَر أَسْلَفَ أُبَيّ بْن كَعْب عَشَرَة آلَاف دِرْهَم فَأَهْدَى إِلَيْهِ أُبَيّ مِنْ ثَمَرَة أَرْضه فَرَدَّهَا عَلَيْهِ وَلَمْ يَقْبَلْهَا فَأَتَاهُ أُبَيّ فَقَالَ لَقَدْ عَلِمَ أَهْل الْمَدِينَة أَنِّي مِنْ أَطْيَبِهِمْ ثَمَرَة وَأَنَّهُ لَا حَاجَة لَنَا
فَبِمَ مَنَعْت هَدِيَّتنَا ثُمَّ أَهْدَى إِلَيْهِ بَعْد ذَلِكَ فَقَبِلَ فَكَانَ رَدّ عُمَر لَمَّا تَوَهَّمَ أَنْ تَكُون هَدِيَّته بِسَبَبِ الْقَرْض
فَلَمَّا تَيَقَّنَ أَنَّهَا لَيْسَتْ بِسَبَبِ الْقَرْض قَبِلَهَا
وَهَذَا فَصْل النِّزَاع فِي مَسْأَلَة هَدِيَّة الْمُقْتَرِض
وَقَالَ زِرّ بْن حُبَيْش قُلْت لِأُبَيّ بْن كَعْب إِنِّي أُرِيد أَنْ أَسِير إِلَى أَرْض الْجِهَاد إِلَى الْعِرَاق فَقَالَ إِنَّك تَأْتِي أَرْضًا فَاشٍ بِهَا الرِّبَا فَإِنْ أَقْرَضْت رَجُلًا قَرْضًا فَأَتَاك بِقَرْضِك لِيُؤَدِّيَ إِلَيْك قَرْضك وَمَعَهُ هَدِيَّة فَاقْبِضْ قَرْضك وَارْدُدْ عَلَيْهِ هَدِيَّته ذَكَرهنَّ الْأَثْرَم
وَفِي صَحِيح الْبُخَارِيّ عَنْ أَبِي بُرْدَة بْن أَبِي مُوسَى قَالَ قَدِمْت الْمَدِينَة فَلَقِيت عَبْد اللَّه بْن سَلَام فَذَكَرَ الْحَدِيث وَفِيهِ ثُمَّ قَالَ لِي إِنَّك بِأَرْضٍ فِيهَا الرِّبَا فَاشٍ فَإِذَا كَانَ لَك عَلَى رَجُل دَيْن فَأَهْدَى إِلَيْك حِمْل تِبْن أَوْ حِمْل قَتّ أَوْ حِمْل شَعِير فلا تأخذه فإنه ربا ...............................
Qقال بن أَبُو مُوسَى وَلَوْ أَقْرَضَهُ قَرْضًا ثُمَّ اِسْتَعْمَلَهُ عَمَلًا لَمْ يَكُنْ يَسْتَعْمِلهُ مِثْله قَبْل الْقَرْض كَانَ قَرْضًا جَرَّ مَنْفَعَة قَالَ وَلَوْ اِسْتَضَافَ غَرِيمه وَلَمْ تَكُنْ الْعَادَة جَرَتْ بَيْنهمَا بِذَلِكَ حَسَبَ لَهُ مَا أَكَلَهُ
وَاحْتَجَّ لَهُ صَاحِب المغني بما روى بن مَاجَهْ فِي سُنَنه عَنْ أَنَس قَالَ قَالَ رسول الله إِذَا اِقْتَرَضَ أَحَدكُمْ قَرْضًا فَأُهْدِيَ إِلَيْهِ أَوْ حَمَلَهُ عَلَى دَابَّته فَلَا يَرْكَبْهَا وَلَا يَقْبَلْهُ إِلَّا أَنْ يَكُون جَرَى بَيْنه وَبَيْنه قَبْل ذَلِكَ
وَاخْتَلَفَتْ الرِّوَايَة عَنْ أَحْمَد فِيمَا لَوْ أَقْرَضَهُ دَرَاهِم وَشَرَطَ عَلَيْهِ أَنْ يُوَفِّيه إِيَّاهَا بِبَلَدٍ آخَر وَلَا مُؤْنَة لِحَمْلِهَا فَرُوِيَ عَنْهُ أَنَّهُ لَا يَجُوز وَكَرِهَهُ الْحَسَن وَجَمَاعَة وَمَالِك والأوزاعي والشافعي وروي عنه الجواز
نقله بن الْمُنْذِر لِأَنَّهُ مَصْلَحَة لَهُمَا فَلَمْ يَنْفَرِد الْمُقْتَرِض بالمنفعة وحكاه عن علي وبن عباس والحسن بن علي وبن الزبير وبن سِيرِينَ وَعَبْد الرَّحْمَن بْن الْأَسْوَد وَأَيُّوب وَالثَّوْرِيّ وَإِسْحَاق وَاخْتَارَهُ الْقَاضِي
وَنَظِير هَذَا مَا لَوْ أَفْلَسَ غَرِيمه فَأَقْرَضَهُ دَرَاهِم يُوَفِّيه كُلّ شَهْر شَيْئًا مَعْلُومًا مِنْ رِبْحهَا جَازَ
لِأَنَّ الْمُقْتَرِض لَمْ يَنْفَرِد بِالْمَنْفَعَةِ
وَنَظِيره مَا لَوْ كَانَ عَلَيْهِ حِنْطَة فَأَقْرَضَهُ دَرَاهِم يَشْتَرِي لَهُ بِهَا حِنْطَة وَيُوَفِّيه إِيَّاهَا
وَنَظِير ذَلِكَ أَيْضًا إِذَا أقرض فلاحه مَا يَشْتَرِي بِهِ بَقَرًا يَعْمَل بِهَا فِي أرضه أو بذرا يبذره فيها
ومنعه بن أَبِي مُوسَى
وَالصَّحِيح جَوَازه وَهُوَ اِخْتِيَار صَاحِب الْمُغْنِي
وَذَلِكَ لِأَنَّ الْمُسْتَقْرِض إِنَّمَا يَقْصِد نَفْع نَفْسه وَيَحْصُل اِنْتِفَاع الْمُقْرِض ضِمْنًا فَأَشْبَهَ أَخْذ السَّفْتَجَة بِهِ وَإِيفَاءَهُ إِيَّاهُ فِي بَلَد آخَر مِنْ حَيْثُ إِنَّهُ مَصْلَحَة لَهُمَا جَمِيعًا
وَالْمَنْفَعَة الَّتِي تَجُرّ إِلَى الرِّبَا فِي الْقَرْض هِيَ الَّتِي تَخُصّ الْمُقْرِض كَسُكْنَى دَار الْمُقْتَرِض وَرُكُوب دَوَابّه وَاسْتِعْمَاله وَقَبُول هَدِيَّته
فَإِنَّهُ لَا مَصْلَحَة لَهُ فِي ذَلِكَ بِخِلَافِ هَذِهِ الْمَسَائِل فَإِنَّ الْمَنْفَعَة مُشْتَرِكَة بَيْنهمَا وَهُمَا مُتَعَاوِنَانِ عَلَيْهَا فَهِيَ من جنس التعاون والمشاركة
وأما نهيه عَنْ رِبْح مَا لَمْ يُضْمَنْ
فَهُوَ كَمَا ثَبَتَ عَنْهُ فِي حَدِيث عَبْد اللَّه بْن عُمَر حَيْثُ قَالَ لَهُ إِنِّي أَبِيع الْإِبِل بِالْبَقِيعِ بِالدَّرَاهِمِ وَآخُذ الدَّنَانِير وَأَبِيع بِالدَّنَانِيرِ وَآخُذ الدَّرَاهِم
فَقَالَ لَا بَأْس إِذَا أَخَذْتهَا بِسِعْرِ يَوْمهَا وَتَفَرَّقْتُمَا وَلَيْسَ بَيْنكُمَا شَيْء
فَجَوَّزَ ذَلِكَ بِشَرْطَيْنِ
أَحَدهمَا أَنْ يَأْخُذ بِسِعْرِ يَوْم الصَّرْف لِئَلَّا يَرْبَح فِيهَا وَلِيَسْتَقِرَّ ضَمَانه
وَالثَّانِي أَنْ لَا يَتَفَرَّقَا إِلَّا عَنْ تَقَابُض لِأَنَّهُ شَرْط فِي صِحَّة الصَّرْف لِئَلَّا يَدْخُلهُ رِبَا النَّسِيئَة ...............................
Qوَالنَّهْي عَنْ رِبْح مَا لَمْ يُضْمَن قَدْ أَشْكَلَ عَلَى بَعْض الْفُقَهَاء عِلَّته وَهُوَ مِنْ مَحَاسِن الشَّرِيعَة
فَإِنَّهُ لَمْ يَتِمّ عَلَيْهِ اِسْتِيلَاء وَلَمْ تَنْقَطِع عُلَق الْبَائِع عَنْهُ فَهُوَ يَطْمَع فِي الْفَسْخ وَالِامْتِنَاع مِنْ الْإِقْبَاض إِذَا رَأَى الْمُشْتَرِي قَدْ رَبِحَ فِيهِ وَإِنْ أَقْبَضَهُ إِيَّاهُ فَإِنَّمَا يُقْبِضهُ عَلَى إِغْمَاض وَتَأَسُّف عَلَى فَوْت الرِّبْح فَنَفْسه مُتَعَلِّقَة بِهِ لَمْ يَنْقَطِع طَمَعهَا مِنْهُ
وَهَذَا مَعْلُوم بِالْمُشَاهَدَةِ
فَمِنْ كَمَالِ الشَّرِيعَة وَمَحَاسِنهَا النَّهْي عَنْ الرِّبْح فِيهِ حَتَّى يَسْتَقِرّ عَلَيْهِ وَيَكُون مِنْ ضَمَانه فَيَيْأَس الْبَائِع مِنْ الْفَسْخ وَتَنْقَطِع عُلَقه عَنْهُ
وَقَدْ نَصَّ أَحْمَد عَلَى ذَلِكَ فِي الِاعْتِيَاض عَنْ دَيْن الْقَرْض وَغَيْره أَنَّهُ إِنَّمَا يُعْتَاض عَنْهُ بِسِعْرِ يَوْمه لِئَلَّا يَرْبَح فِيمَا لَمْ يُضْمَنْ
فَإِنْ قِيلَ هَذَا يَنْتَقِض عَلَيْكُمْ بِمَسْأَلَتَيْنِ
إِحْدَاهُمَا بَيْع الثِّمَار بَعْد بُدُوّ صَلَاحهَا فَإِنَّكُمْ تُجَوِّزُونَ لِمُشْتَرِيهَا أَنْ يبيعها على رؤوس الْأَشْجَار وَأَنْ يَرْبَح فِيهَا وَلَوْ تَلِفَتْ بِجَائِحَةٍ لكانت من ضمان الْبَائِع فَيَلْزَمكُمْ أَحَد أَمْرَيْنِ إِمَّا أَنْ تَمْنَعُوا بَيْعهَا
وَإِمَّا أَنْ لَا تَقُولُوا بِوَضْعِ الْجَوَائِح
كَمَا يَقُول الشَّافِعِيّ وَأَبُو حَنِيفَة
بَلْ تَكُون مِنْ ضَمَانه فَكَيْفَ تَجْمَعُونَ بَيْن هَذَا وَهَذَا الْمَسْأَلَة الثَّانِيَة أَنَّكُمْ تُجَوِّزُونَ لِلْمُسْتَأْجِرِ أَنْ يُؤَجِّر الْعَيْن الْمُسْتَأْجَرَة بِمِثْلِ الْأُجْرَة وَزِيَادَة مَعَ أَنَّهَا لَوْ تَلِفَتْ لَكَانَتْ مِنْ ضَمَان الْمُؤَجِّر فَهَذَا رِبْح مَا لَمْ يُضْمَنْ
قِيلَ النَّقْض الْوَارِد إِمَّا أَنْ يَكُونَ بِمَسْأَلَةٍ مَنْصُوصٍ عَلَيْهَا أَوْ مُجْمَع عَلَى حُكْمهَا
وَهَاتَانِ الْمَسْأَلَتَانِ غَيْر مَنْصُوص عَلَيْهِمَا وَلَا مُجْمَع عَلَى حُكْمهمَا فَلَا يَرُدَّانِ نَقْضًا
فَإِنَّ فِي جَوَاز بَيْع الْمُشْتَرِي مَا اِشْتَرَاهُ مِنْ الثِّمَار عَلَى الْأَشْجَار كَذَلِكَ رِوَايَتَانِ مَنْصُوصَتَانِ عَنْ أَحْمَد
فَإِنْ مَنَعْنَا الْبَيْع بَطَلَ النَّقْض وَإِنْ جَوَّزْنَا الْبَيْع وَهُوَ الصَّحِيح فَلِأَنَّ الْحَاجَة تَدْعُو إِلَى ذَلِكَ
فَإِنَّ الثِّمَار قَدْ لَا يُمْكِن بَيْعهَا إِلَّا كَذَلِكَ فَلَوْ مَنَعْنَاهُ مِنْ بَيْعهَا أَضْرَرْنَا بِهِ وَلَوْ جَعَلْنَاهَا مِنْ ضمانه إذا تلفت بجائحة أضررنا به أَيْضًا فَجَوَّزْنَا لَهُ بَيْعهَا لِأَنَّهَا فِي حُكْم الْمَقْبُوض بِالتَّخْلِيَةِ بَيْنه وَبَيْنهَا وَجَعَلْنَاهَا مِنْ ضَمَان الْبَائِع بِالْجَائِحَةِ لِأَنَّهَا لَيْسَتْ فِي حُكْم الْمَقْبُوض مِنْ جَمِيع الْوُجُوه وَلِهَذَا يَجِب عَلَيْهِ تَمَام التَّسْلِيم بِالْوَجْهِ الْمُحْتَاج إِلَيْهِ فَلَمَّا كَانَتْ مَقْبُوضَة مِنْ وَجْه غَيْر مَقْبُوضَة مِنْ وَجْه رَتَّبْنَا عَلَى الْوَجْهَيْنِ مُقْتَضَاهُمَا وَهَذَا مِنْ أَلْطَف الْفِقْه
وَأَمَّا مَسْأَلَة الْإِجَارَة فَاخْتَلَفَتْ الرِّوَايَة عَنْ أَحْمَد فِي جَوَاز إِجَارَة الرَّجُل مَا اِسْتَأْجَرَهُ بِزِيَادَةٍ عَلَى ثَلَاث رِوَايَات إِحْدَاهُنَّ الْمَنْع مُطْلَقًا لِئَلَّا يَرْبَح فِيمَا لَمْ يَضْمَن وَعَلَى هَذَا فَالنَّقْض مُنْدَفِع
وَالثَّانِيَة أَنَّهُ إِنْ جَدَّدَ فِيهَا عِمَارَة جَازَتْ الزِّيَادَة وَإِلَّا فَلَا لِأَنَّ الزِّيَادَة لَا تَكُون رِبْحًا بَلْ هِيَ فِي ...............................
Qمُقَابَلَة مَا أَحْدَثَهُ مِنْ الْعِمَارَة
وَعَلَى هَذِهِ الرِّوَايَة أَيْضًا فَالنَّقْض مُنْدَفِع
وَالثَّالِثَة أَنَّهُ يَجُوز أَنْ يُؤَجِّرهَا بِأَكْثَر مِمَّا اِسْتَأْجَرَهَا مُطْلَقًا وَهَذَا مَذْهَب الشَّافِعِيّ وَهَذِهِ الرِّوَايَة أَصَحّ
فَإِنَّ الْمُسْتَأْجِر لَوْ عَطَّلَ الْمَكَان وَأَتْلَفَ مَنَافِعه بَعْد قَبْضه لَتَلِفَ مِنْ ضَمَانه لِأَنَّهُ قَبَضَهُ الْقَبْض التَّامّ
وَلَكِنْ لَوْ اِنْهَدَمَتْ الدَّار لَتَلِفَتْ مِنْ مَال الْمُؤَجِّر لِزَوَالِ مَحَلّ الْمَنْفَعَة فَالْمَنَافِع مَقْبُوضَة
وَلِهَذَا لَهُ اِسْتِثْنَاؤُهَا بِنَفْسِهِ وَبِنَظِيرِهِ وَإِيجَارهَا وَالتَّبَرُّع بِهَا وَلَكِنَّ كَوْنهَا مَقْبُوضَة مَشْرُوط بِبَقَاءِ الْعَيْن
فَإِذَا تَلِفَتْ الْعَيْن زَالَ مَحَلّ الِاسْتِيفَاء فَكَانَتْ مِنْ ضَمَان الْمُؤَجِّر
وَسِرّ الْمَسْأَلَة أَنَّهُ لَمْ يَرْبَح فِيمَا لَمْ يَضْمَن وَإِنَّمَا هُوَ مَضْمُون عَلَيْهِ بالأجرة
وأما قوله وَلَا تَبِعْ مَا لَيْسَ عِنْدك فَمُطَابِق لِنَهْيِهِ عَنْ بَيْع الْغَرَر لِأَنَّهُ إِذَا بَاعَ مَا لَيْسَ عِنْده فَلَيْسَ هُوَ عَلَى ثِقَة مِنْ حُصُوله بَلْ قَدْ يَحْصُل لَهُ وَقَدْ لَا يَحْصُل فَيَكُون غَرَرًا كَبَيْعِ الْآبِق وَالشَّارِد وَالطَّيْر فِي الْهَوَاء وَمَا تَحْمِل نَاقَته وَنَحْوه
قَالَ حَكِيم بْن حِزَام يَا رَسُول اللَّه الرَّجُل يَأْتِينِي يَسْأَلنِي الْبَيْع لَيْسَ عِنْدِي فَأَبِيعهُ مِنْهُ ثُمَّ أَمْضِي إِلَى السُّوق فَأَشْتَرِيه وَأُسْلِمهُ إِيَّاهُ
فَقَالَ لَا تَبِعْ مَا لَيْسَ عِنْدك
وَقَدْ ظَنَّ طَائِفَة أَنَّ السَّلَم مَخْصُوص مِنْ عُمُوم هَذَا الْحَدِيث فَإِنَّهُ بَيْع مَا لَيْسَ عِنْده
وَلَيْسَ كَمَا ظَنُّوهُ
فَإِنَّ الْحَدِيث إِنَّمَا تَنَاوَلَ بَيْع الْأَعْيَان.
وَأَمَّا السَّلَم فَعَقْد عَلَى مَا فِي الذِّمَّة بَلْ شَرْطه أَنْ يَكُون فِي الذِّمَّة فَلَوْ أَسْلَمَ فِي مُعَيَّن عِنْده كَانَ فَاسِدًا وَمَا فِي الذِّمَّة مَضْمُون مُسْتَقِرّ فِيهَا
وَبَيْع مَا لَيْسَ عِنْده إِنَّمَا نُهِيَ عَنْهُ لِكَوْنِهِ غَيْر مَضْمُون عَلَيْهِ وَلَا ثَابِت فِي ذِمَّته وَلَا فِي يَده
فَالْمَبِيع لَا بُدّ أَنْ يَكُون ثَابِتًا فِي ذِمَّة الْمُشْتَرِي أَوْ فِي يَده
وَبَيْع مَا لَيْسَ عِنْده لَيْسَ بِوَاحِدٍ مِنْهُمَا
فَالْحَدِيث بَاقٍ عَلَى عُمُومه
فَإِنْ قِيلَ فَأَنْتُمْ تُجَوِّزُونَ لِلْمَغْصُوبِ مِنْهُ أَنْ يَبِيع الْمَغْصُوب لِمَنْ يَقْدِر عَلَى اِنْتِزَاعه مِنْ غَاصِبِيهِ وَهُوَ بَيْع مَا لَيْسَ عِنْده قِيلَ لَمَّا كَانَ الْبَائِع قَادِرًا عَلَى تَسْلِيمه بِالْبَيْعِ وَالْمُشْتَرِي قَادِرًا عَلَى تَسْلِيمه مِنْ الْغَاصِب فَكَأَنَّهُ قَدْ بَاعَهُ مَا هُوَ عِنْده وَصَارَ كَمَا لَوْ بَاعَهُ مَالًا وَهُوَ عِنْد الْمُشْتَرِي وَتَحْت يَده وَلَيْسَ عِنْد الْبَائِع
وَالْعِنْدِيَّة هُنَا لَيْسَتْ عِنْدِيَّة الْحِسّ وَالْمُشَاهَدَة فَإِنَّهُ يَجُوز أَنْ يَبِيعهُ مَا لَيْسَ تَحْت يَده وَمُشَاهَدَته وَإِنَّمَا هِيَ عِنْدِيَّة الْحُكْم وَالتَّمْكِين
وَهَذَا وَاضِح وَلِلَّهِ الْحَمْد