فهرس الكتاب

عون المعبود لابى داود - أَبْوَابُ الْإِجَارَةِ

رقم الحديث 3029 [3029] الْجَزِيرَةُ اسْمُ مَوْضِعٍ مِنَ الْأَرْضِ وَهُوَ مَا بَيْنَ حَفْرِ أَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ إِلَى أَقْصَى الْيَمَنِ فِي الطُّولِ وَمَا بَيْنَ رَمْلِ يَبْرِينَ إِلَى مُنْقَطَعِ السَّمَاوَةِ فِي الْعَرْضِ
قَالَهُ أَبُو عُبَيْدَةَ
وَقَالَ الْأَصْمَعِيُّ
مِنْ أَقْصَى عَدَنٍ إِلَى رِيفِ الْعِرَاقِ طُولًا وَمِنْ جُدَّةٍ وَسَاحِلِ الْبَحْرِ إِلَى أَطْرَافِ الشَّامِ عَرْضًا
قَالَ الْأَزْهَرِيُّ سُمِّيَتْ جَزِيرَةً لِأَنَّ بَحْرَ فَارِسٍ وَبَحْرَ السُّودَانِ أَحَاطَا بِجَانِبَيْهَا وَأَحَاطَ بِالْجَانِبِ الشَّمَالِيِّ دِجْلَةُ وَالْفُرَاتُ انْتَهَى
وَقَالَ مَالِكُ بْنُ أَنَسٍ أَرَادَ بِجَزِيرَةِ الْعَرَبِ الْمَدِينَةَ نَفْسَهَا وَإِذَا أُطْلِقَتِ الْجَزِيرَةُ فِي الْحَدِيثِ وَلَمْ تُضَفْ إِلَى الْعَرَبِ فَإِنَّمَا يُرَادُ بِهَا مَا بَيْنَ دِجْلَةَ وَالْفُرَاتِ انْتَهَى
وَفِي الْقَامُوسِ جَزِيرَةُ الْعَرَبِ مَنْ أَحَاطَ بِهِ بَحْرُ الْهِنْدِ وَبَحْرُ الشَّامِ ثُمَّ دِجْلَةُ وَالْفُرَاتُ
( أَخْرِجُوا الْمُشْرِكِينَ) ظَاهِرُهُ أَنَّهُ يَجِبُ إِخْرَاجَ كُلِّ مُشْرِكٍ مِنْ جَزِيرَةِ الْعَرَبِ سَوَاءً كَانَ يَهُودِيًّا أَوْ نَصْرَانِيًّا أَوْ مَجُوسِيًّا ( وَأَجِيزُوا) مِنَ الْإِجَازَةِ بِالزَّايِ إِعْطَاءَ الْأَمِيرِ ( الْوَفْدَ) هُمُ الذِينَ يَقْصِدُونَ الْأُمَرَاءَ لِزِيَارَةٍ أَوِ اسْتِرْفَادٍ أَوْ رِسَالَةٍ وَغَيْرِهَا وَالْمَعْنَى أَعْطُوهُمْ مُدَّةَ إِقَامَتِهِمْ مَا يَحْتَاجُونَ إِلَيْهِ
قَالَ التُّورِبِشْتِيُّ وَإِنَّمَا أَخْرَجَ ذَلِكَ بِالْوَصِيَّةِ عَنْ عُمُومِ الْمَصَالِحِ لِمَا فِيهِ مِنَ الْمَصْلَحَةِ الْعُظْمَى وَذَلِكَ أَنَّ الْوَافِدَ سَفِيرُ قَوْمِهِ وَإِذَا لَمْ يُكَرَّمْ رَجَعَ إِلَيْهِمْ بِمَا يُنَفِّرُ دُونَهُمْ رَغْبَةَ الْقَوْمِ فِي الطَّاعَةِ وَالدُّخُولَ فِي الْإِسْلَامِ فَإِنَّهُ سَفِيرُهُمْ فَفِي تَرْغِيبِهِمْ وَبِالْعَكْسِ
ثُمَّ إِنَّ الْوَافِدَ
إِنَّمَا يَفِدُ عَلَى الْإِمَامِ فَيَجِبُ رِعَايَتَهُ مِنْ مَالِ اللَّهِ الَّذِي أُقِيمَ لِمَصَالِحِ الْعِبَادِ وَإِضَاعَتِهِ تُفْضِي إِلَى الدَّنَاءَةِ الَّتِي أَجَارَ اللَّهُ عَنْهَا أهل الإسلام ( قال بن عَبَّاسٍ وَسَكَتَ) أَيِ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ( أَوْ قَالَ) أَيْ ذَكَرَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الثَّالِثَةَ ( فَأُنْسِيتُهَا) بِصِيغَةِ الْمُتَكَلِّمِ الْمَجْهُولِ مِنَ الْإِنْسَاءِ ( وَقَالَ الْحُمَيْدِيُّ عَنْ سُفْيَانَ قَالَ سُلَيْمَانُ لَا أَدْرِي أَذَكَرَ سَعِيدٌ إِلَخْ) وعلى هذه الرواية فاعل سكت هو بن عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ.
وَأَمَّا عَلَى رِوَايَةِ سَعِيدِ بْنِ مَنْصُورٍ عَنْ سُفْيَانَ الْمُتَقَدِّمَةِ فَفَاعِلُ سَكَتَ هُوَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَمَا هُوَ الظَّاهِرُ قَالَ الْمُنْذِرِيُّ وَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ مُطَوَّلًا وَالثَّالِثَةُ قِيلَ هِيَ تَجْهِيزُ أُسَامَةَ وَقِيلَ يَحْتَمِلُ أَنَّهَا .

     قَوْلُهُ  صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا تَتَّخِذُوا قَبْرِي وَثَنًا وَفِي الْمُوَطَّأِ مَا يُشِيرُ إِلَى ذَلِكَ



رقم الحديث 3031 [331] ( وَالْأَوَّلُ أَتَمُّ) أَيِ الْحَدِيثُ الْأَوَّلُ الَّذِي قَبْلَ هَذَا أَتَمُّ مِنْ هَذَا



رقم الحديث 3032 [332] ( لَا تَكُونُ قِبْلَتَانِ فِي بَلَدٍ وَاحِدٍ) قَالَ فِي فَتْحِ الْوَدُودِ الظَّاهِرُ أَنَّهُ نَفْيٌ بِمَعْنَى النَّهْيِ وَالْمُرَادُ نَهْيُ الْمُؤْمِنِ عَنِ الْإِقَامَةِ بِأَرْضِ الْكُفْرِ وَنَهْيُ الْحُكَّامِ عَنْ أَنْ يُمَكِّنُوا أَهْلَ الذِّمَّةِ مِنْ إِظْهَارِ شِعَارِ الْكُفْرِ فِي بِلَادِ الْمُسْلِمِينَ وَقِيلَ الْمُرَادُ إِخْرَاجُ أَهْلِ الْكِتَابِ مِنْ أَرْضِ الْعَرَبِ فَقَطْ وَهُوَ بَعِيدٌ لَا يُنَاسِبُهُ عُمُومُ الْبَلَدِ وَاللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ انْتَهَى
قَالَ الْمُنْذِرِيُّ وَأَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ وَذَكَرَ أَنَّهُ روى مرسلاQقال الحافظ شمس الدين بن القيم رحمه اللَّه وَهُوَ مِنْ رِوَايَة قَابُوس بْن أَبِي ظبيان عن بن عباس وثقة بن مَعِين مَرَّة وَضَعَّفَهُ مَرَّة وَضَعَّفَهُ غَيْره وَحَدَّثَ عنه يحيى بن سعيد

رقم الحديث 3033 [333] ( جَزِيرَةُ الْعَرَبِ) مُبْتَدَأٌ تَقَدَّمَ تَفْسِيرُ جَزِيرَةِ الْعَرَبِ.

     وَقَالَ  فِي مَرَاصِدِ الِاطِّلَاعِ قَدِ اخْتُلِفَ فِي تَحْدِيدِهَا وَإِنَّمَا سُمِّيَتْ جَزِيرَةٌ لِإِحَاطَةِ الْبِحَارِ بِهَا مِنْ جَوَانِبِهَا وَالْأَنْهَارِ وَذَلِكَ لِأَنَّ الْفُرَاتَ مِنْ جهة شرقها وبحر البصرة وعبادان ثُمَّ الْبَحْرَ مِنْ ذَلِكَ الْمَوْضِعِ فِي جَنُوبَيْهَا إِلَى عَدَنٍ ثُمَّ انْعَطَفَ مَغْرِبًا إِلَى جُدَّةَ وَسَاحِلِ مَكَّةَ وَالْجَارِ سَاحِلِ الْمَدِينَةِ ثُمَّ إِلَى أَيْلَةَ حَتَّى صَارَ إِلَى الْقَلْزَمِ مِنْ أَرْضِ مِصْرَ ثُمَّ صَارَ إِلَى بَحْرِ الرُّومِ مِنْ جِهَةِ الشَّمَالِ فَأَتَى عَلَى سَوَاحِلِ الْأُرْدُنِّ وَسَوَاحِلِ حِمْصٍ وَدِمَشْقَ وَقِنَّسْرِينَ حَتَّى خَالَطَ النَّاحِيَةَ الَّتِي أَقْبَلَتْ مِنْهَا الْفُرَاتُ فَدَخَلَ فِي هَذِهِ الْحُدُودِ الشَّامَاتِ كُلُّهَا إِلَّا أَنَّهَا جُزْءٌ قَلِيلٌ بِالنِّسْبَةِ إِلَى بَقِيَّتِهَا إِذْ هِيَ مِنْهَا فِي طُولِهَا كَالْجُزْءِ مِنْهُ وَهُوَ عَرْضُ الشَّامَاتِ مِنَ الْجَزِيرَةِ إِلَى الْبَحْرِ وَذَلِكَ يَسِيرٌ بِالنِّسْبَةِ إِلَى بَقِيَّةِ الْجَزِيرَةِ الَّذِي هُوَ مِنْهَا إِلَى بَحْرِ حَضْرَمَوْتَ فَالشَّامُ سَاحِلٌ مِنْ سَوَاحِلِهَا فَنَزَلَتِ الْعَرَبُ هَذِهِ الجزيرة وتوالدوا فيها
وقد روى مسند إلى بن عَبَّاسٍ أَنَّ الْجَزِيرَةَ قُسِّمَتْ خَمْسَةَ أَقْسَامٍ تِهَامَةُ وَالْحِجَازُ وَنَجْدٌ وَالْعَرُوضُ وَالْيَمَنُ انْتَهَى كَلَامُهُ ( مَا بَيْنَ الْوَادِي) أَيْ وَادِي الْقُرَى وَهُوَ خَبَرُ الْمُبْتَدَأِ
قَالَ فِي الْمَرَاصِدِ وَادِي الْقُرَى وَادٍ بَيْنَ الْمَدِينَةِ وَالشَّامِ مِنْ أعمال المدينة كثير الْقُرَى انْتَهَى ( إِلَى تُخُومِ الْعِرَاقِ) أَيْ حُدُودِهِ وَمَعَالِمِهِ
قَالَ فِي الْقَامُوسِ التُّخُومُ بِالضَّمِّ الْفَصْلُ بَيْنَ الْأَرْضَيْنِ مِنَ الْمَعَالِمِ وَالْحُدُودِ ( عُمَرُ) مُبْتَدَأٌ ( أَجْلَى) خَبَرُ الْمُبْتَدَأِ أَيْ أَخْرَجَ أَهْلَ نَجْرَانَ بِالنُّونِ وَالْجِيمِ مَوْضِعٌ بَيْنَ الشَّامِ وَالْحِجَازِ وَالْيَمَنِ قَالَ فِي الْمَرَاصِدِ نَجْرَانُ بِالْفَتْحِ ثُمَّ السُّكُونِ وَآخِرُهُ نُونٌ وَهُوَ عِدَّةُ مَوَاضِعٍ مِنْهَا نَجْرَانُ مِنْ مَخَالِيفِ الْيَمَنِ مِنْ نَاحِيَةِ مَكَّةَ وَبِهَا كان خبر الأخدود وكان فيها أساقفة مقيمين منهم السيد والعاقب الذين جاؤوا النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي أَصْحَابِهِمَا وَدَعَاهُمْ إِلَى الْمُبَاهَلَةِ وَبَقُوا بِهَا حَتَّى أَجْلَاهُمْ عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ انْتَهَى مُخْتَصَرًا ( وَلَمْ يَجْلُوا) وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ لَمْ يَجْلِ بِالْإِفْرَادِ ( مِنْ تَيْمَاءَ) كَحَمْرَاءَ بِتَقْدِيمِ الْفَوْقِيَّةِ عَلَى التَّحْتِيَّةِ مِنْ أُمَّهَاتِ الْقُرَى عَلَى الْبَحْرِ وَهِيَ بِلَادُ طي وَمِنْهَا يُخْرَجُ إِلَى الشَّامِ وَقِيلَ غَيْرُ ذَلِكَ
قَالَهُ فِي فَتْحِ الْوَدُودِ ( أَنَّهُمْ) أَيِ الصَّحَابَةَ ( لَمْ يَرَوْهَا) أَيِ الْوَادِي
وَالْحَدِيثُ سَكَتَ عَنْهُ المنذري

رقم الحديث 3034 [334] ( وَفَدَكَ) بِالتَّحْرِيكِ قَرْيَةٌ بِالْحِجَازِ بَيْنَهَا وَبَيْنَ الْمَدِينَةِ يَوْمَانِ وَقِيلَ ثَلَاثَةٌ أَفَاءَ اللَّهُ تَعَالَى عَلَى رَسُولِهِ صُلْحًا
فِيهَا عَيْنٌ فَوَّارَةٌ وَنَخْلٌ
وَالْحَدِيثُ سكت عنه

( )


رقم الحديث 3035 [335] قال في المراصد السواد يزاد بِهِ رُسْتَاقٌ مِنْ رَسَاتِيقِ الْعِرَاقِ وَضِيَاعِهَا الَّتِي افتقحها الْمُسْلِمُونَ عَلَى عَهْدِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ سُمِّيَ سَوَادًا لِحَضْرَتِهِ بِالنَّخْلِ وَالزَّرْعِ
وَحَدُّ السَّوَادِ قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ مِنْ حَدِيثِهِ الموصل طولا إلى عبادان وَمِنْ عُذَيْبِ الْقَادِسِيَّةِ إِلَى حُلْوَانَ عَرْضًا فَيَكُونُ طُولُهُ مِائَةٌ وَسِتُّونَ فَرْسَخًا فَطُولُهُ أَكْثَرُ مِنْ طُولِ الْعِرَاقِ فَطُولُ الْعِرَاقِ ثَمَانُونَ فَرْسَخًا وَيَقْصُرُ عَنْ طُولِ السَّوَادِ خَمْسَةٌ وَثَلَاثُونَ فَرْسَخًا
قَالَ صَاحِبُ الْمَرَاصِدِ وَهَذَا التَّفَاوُتُ كَأَنَّهُ غَلَطٌ وَلَعَلَّهُ أَنْ يَكُونَ بَيْنَهُمَا خَمْسُونَ فَرْسَخًا أَوْ أَكْثَرَ
وَعَرْضُ الْعِرَاقِ هُوَ عَرْضُ السَّوَادِ لَا يَخْتَلِفُ وَذَلِكَ ثَمَانُونَ فَرْسَخًا انْتَهَى
( وَأَرْضِ الْعَنْوَةِ) أَيْ إِيقَافِ الْأَرْضِ الَّتِي أُخِذَتْ قَهْرًا لَا صُلْحًا يقال عنا يعنو عنوه إذا أخذ الشئ قهرا
قال الحافظ بن الْقَيِّمِ إِنَّ الْأَرْضَ لَا تَدْخُلُ فِي الْغَنَائِمِ وا مام مُخَيَّرٌ فِيهَا بِحَسَبِ الْمَصْلَحَةِ وَقَدْ قَسَمَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَتَرَكَ وَعُمَرُ لَمْ يُقَسِّمْ بَلْ أَقَرَّهَا عَلَى حَالِهَا وَضَرَبَ عَلَيْهَا خَرَاجًا مُسْتَمِرًّا فِي رَقَبَتِهَا تَكُونُ لِلْمُقَاتِلَةِ فَهَذَا مَعْنَى وَقْفِهَا لَيْسَ مَعْنَاهُ الْوَقْفُ الَّذِي يَمْنَعُ مِنْ نَقْلِ الْمِلْكِ فِي الرَّقَبَةِ بَلْ يَجُوزُ بَيْعُ هَذِهِ الْأَرْضِ كَمَا هُوَ عَمَلُ الْأُمَّةِ وَقَدْ أَجْمَعُوا عَلَى أَنَّهَا تُورَثُ وَالْوَقْفُ لَا يُورَثُ
وَقَدْ نَصَّ الْإِمَامُ أَحْمَدُ عَلَى أَنَّهَا يَجُوزُ أَنْ يُجْعَلَ صَدَاقًا وَالْوَقْفُ لَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مَهْرًا لِأَنَّ الْوَقْفَ إِنَّمَا امْتَنَعَ بَيْعُهُ وَنَقْلُ الْمِلْكِ فِي رَقَبَتِهِ لِمَا فِي ذَلِكَ مِنْ إِبْطَالِ حَقِّ الْبُطُونِ الْمَوْقُوفِ عَلَيْهِمْ مِنْ مَنْفَعَتِهِ وَالْمُقَاتِلَةُ حَقُّهُمْ فِي خَرَاجِ الْأَرْضِ فَمَنِ اشْتَرَاهَا صَارَتْ عِنْدَهُ خَرَاجِيَّةً كَمَا كَانَتْ عِنْدَ الْبَائِعِ سَوَاءً فَلَا يَبْطُلُ حَقُّ أَحَدِ الْمُسْلِمِينَ بِهَذَا الْبَيْعِ كَمَا لَمْ يَبْطُلْ بِالْمِيرَاثِ وَالْهِبَةِ وَالصَّدَاقِ انْتَهَى مُخْتَصَرًا
قُلْتُ قَدِ اخْتُلِفَ فِي الْأَرْضِ الَّتِي يَفْتَتِحُهَا الْمُسْلِمُونَ عَنْوَةً قال بن الْمُنْذِرِ ذَهَبَ الشَّافِعِيُّ إِلَى أَنَّ عُمَرَ اسْتَطَابَ أَنْفُسَ الْغَانِمِينَ الَّذِينَ افْتَتَحُوا أَرْضَ السَّوَادِ وَأَنَّ الْحُكْمَ فِي أَرْضِ الْعَنْوَةِ أَنْ تُقَسَّمَ كَمَا قَسَّمَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَيْبَرَ
وَذَهَبَ مَالِكٌ إِلَى أَنَّ الْأَرْضَ الْمَغْنُومَةَ لَا تُقَسَّمُ بَلْ تَكُونُ وَقْفًا يُقَسَّمُ خَرَاجُهَا فِي مَصَالِحِ الْمُسْلِمِينَ مِنْ أَرْزَاقِ الْمُقَاتِلَةِ وَبِنَاءِ الْقَنَاطِرِ وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ سَبِيلِ الْخَيْرِ إِلَّا أَنْ يَرَى الْإِمَامَ فِي وَقْتٍ مِنَ الْأَوْقَاتِ أَنَّ الْمَصْلَحَةَ تَقْتَضِي الْقِسْمَةَ فَإِنَّ لَهُ أَنْ يُقَسِّمَ الْأَرْضَ
وَأَخْرَجَ أَبُو عُبَيْدٍ فِي كِتَابِ الْأَمْوَالِ مِنْ طَرِيقِ أَبِي إِسْحَاقَ عَنْ حَارِثَةَ بْنِ مُضَرِّبٍ عَنْ عُمَرَ أَنَّهُ أَرَادَ أَنْ يُقَسِّمَ السَّوَادَ فَشَاوَرَ فِي ذَلِكَ فَقَالَ لَهُ عَلِيٌّ دَعْهُ يَكُونُ مَادَّةً لِلْمُسْلِمِينَ فَتَرَكَهُ
وَأَخْرَجَ أَيْضًا مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي قَيْسٍ أَنَّ عُمَرَ أَرَادَ قِسْمَةَ الْأَرْضِ فَقَالَ لَهُ مُعَاذٌ إِنْ قَسَمْتَهَا صَارَ الرِّيعُ الْعَظِيمُ فِي أَيْدِي الْقَوْمِ يَبِيدُونَ فَيَصِيرُ إِلَى الرَّجُلِ الْوَاحِدِ أَوِ الْمَرْأَةِ وَيَأْتِي قَوْمٌ يَسُدُّونَ مِنَ الْإِسْلَامِ مَسَدًّا وَلَا يَجِدُونَ شَيْئًا فَانْظُرْ أَمْرًا يَسَعُ أَوَّلَهُمْ وَآخِرَهُمْ فَاقْتَضَى رَأْيُ عُمَرَ تَأْخِيرَ قَسْمِ الْأَرْضِ وَضَرَبَ الْخَرَاجَ عَلَيْهَا لِلْغَانِمِينَ وَلِمَنْ يَجِيءُ بَعْدَهُمْ انْتَهَى
( مَنَعَتِ الْعِرَاقُ) أَيْ أَهْلُهَا
قَالَ النَّوَوِيُّ فِي مَعْنَاهُ قَوْلَانِ مَشْهُورَانِ أَحَدُهُمَا لِإِسْلَامِهِمْ فَتَسْقُطُ عَنْهُمُ الْجِزْيَةُ وَهَذَا قَدْ وُجِدَ
وَالثَّانِي وَهُوَ الْأَشْهَرُ أَنَّ مَعْنَاهُ أَنَّ الْعَجَمَ وَالرُّومَ يَسْتَوْلُونَ عَلَى الْبِلَادِ فِي آخِرِ الزَّمَانِ فَيَمْنَعُونَ حُصُولَ ذَلِكَ لِلْمُسْلِمِينَ
وَقَدْ رَوَى مُسْلِمٌ عَنْ جَابِرٍ قَالَ يُوشِكُ أَهْلُ الْعِرَاقِ أَنْ لَا يَجِيءَ إِلَيْهِمْ قَفِيزٌ وَلَا دِرْهَمٌ قُلْنَا مِنْ أَيْنَ ذَلِكَ قَالَ مِنْ قِبَلِ الْعَجَمِ يَمْنَعُونَ ذَلِكَ وَذَكَرَ فِي مَنْعِ الرُّومِ ذَلِكَ بِالشَّامِ مِثْلَهُ وَهَذَا قَدْ وُجِدَ فِي زَمَانِنَا فِي الْعِرَاقِ
وَقِيلَ لِأَنَّهُمْ يَرْتَدُّونَ فِي آخِرِ الزَّمَانِ فَيَمْنَعُونَ مَا لَزِمَهُمْ مِنَ الزَّكَاةِ وَغَيْرِهَا
وَقِيلَ مَعْنَاهُ أَنَّ الْكُفَّارَ الَّذِينَ عَلَيْهِمُ الْجِزْيَةُ تَقْوَى شَوْكَتُهُمْ فِي آخِرِ الزَّمَانِ فَيَمْتَنِعُونَ مِمَّا كَانُوا يُؤَدُّونَهُ مِنَ الْجِزْيَةِ وَالْخَرَاجِ انْتَهَى
قَالَ فِي النَّيْلِ وَهَذَا الْحَدِيثُ مِنْ أَعْلَامِ النُّبُوَّةِ لِإِخْبَارِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِمَا سَيَكُونُ مِنْ مِلْكِ الْمُسْلِمِينَ هَذِهِ الْأَقَالِيمَ وَوَضْعِهِمُ الْجِزْيَةَ وَالْخَرَاجَ ثُمَّ بُطْلَانُ ذَلِكَ إِمَّا بِتَغَلُّبِهِمْ وَهُوَ أَصَحُّ التَّأْوِيلَيْنِ وَفِي الْبُخَارِيِّ مَا يَدُلُّ عَلَيْهِ وَلَفْظُ الْمَنْعِ يُرْشِدُ إِلَى ذَلِكَ وَإِمَّا بِإِسْلَامِهِمُ انْتَهَى ( قَفِيزَهَا) مِكْيَالٌ مَعْرُوفٌ لِأَهْلِ الْعِرَاقِ
قَالَ الْأَزْهَرِيُّ هُوَ ثَمَانِيَةُ مَكَاكِيكَ وَالْمَكُّوكُ صَاعٌ وَنِصْفٌ وَهُوَ خَمْسُ كَيْلَجَاتٍ قَالَهُ النَّوَوِيُّ ( مُدْيَهَا) الْمُدْيُ كَقُفْلٍ مِكْيَالٌ لِأَهْلِ الشَّامِ يُقَالُ إِنَّهُ يَسَعُ خَمْسَةَ عَشَرَ أَوْ أَرْبَعَةَ عَشَرَ مَكُّوكًا
قَالَهُ الْخَطَّابِيُّ ( إِرْدَبّهَا) بِالرَّاءِ وَالدَّالِ الْمُهْمَلَتَيْنِ بَعْدَهُمَا مُوَحَّدَةٌ
قَالَ فِي الْقَامُوسِ الْإِرْدَبُّ كَقِرْشَبٍّ مكيال ضخم بمصر يضم أربعة وعشرون صَاعًا انْتَهَى ( ثُمَّ عُدْتُمْ مِنْ حَيْثُ بَدَأْتُمْ) أَيْ رَجَعْتُمْ إِلَى الْكُفْرِ بَعْدَ الْإِسْلَامِ
وَقَالَ فِي مَجْمَعِ الْبِحَارِ وَحَدِيثِ عُدْتُمْ مِنْ حَيْثُ بَدَأْتُمْ هُوَ فِي مَعْنَى حَدِيثِ بَدَأَ الْإِسْلَامُ غَرِيبًا وَسَيَعُودُ كَمَا بَدَأَ ( قَالَهَا) أَيْ كَلِمَةٌ ثُمَّ عُدْتُمْ مِنْ حَيْثُ بَدَأْتُمْ
قَالَ الْخَطَّابِيُّ مَعْنَى الْحَدِيثِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ أَنَّ ذَلِكَ كَائِنٌ وَأَنَّ هَذِهِ الْبِلَادَ تُفْتَحُ لِلْمُسْلِمِينَ وَيُوضَعُ عَلَيْهَا الْخَرَاجُ شَيْئًا مُقَدَّرًا بِالْمَكَايِيلِ وَالْأَوْزَانِ وَأَنَّهَا سَتَمْنَعُ فِي آخِرِ الزَّمَانِ وَخَرَجَ الْأَمْرُ فِي ذَلِكَ عَلَى مَا قَالَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَبَيَانُ ذَلِكَ مَا فَعَلَهُ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ بِأَرْضِ السَّوَادِ فَوَضَعَ عَلَى كُلِّ جَرِيبٍ عَامِرٍ أَوْ غَامِرٍ دِرْهَمًا وَقَفِيزًا وَقَدْ رُوِيَ فِيهِ اخْتِلَافٌ فِي مِقْدَارِ مَا وَضَعَهُ عَلَيْهَا وَفِيهَا مُسْتَدَلٌّ لِمَنْ ذَهَبَ إِلَى أَنَّ وُجُوبَ الْخَرَاجِ لَا يَنْفِي وُجُوبَ العشر وذلك أن العشر إنما يؤخذ بالقفران وَالْخَرَاجِ نَقْدًا إِمَّا دَرَاهِمَ وَإِمَّا دَنَانِيرَ انْتَهَى
وَفِي الْهِدَايَةِ وَعُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ حِينَ فَتَحَ السَّوَادَ وَضَعَ الْخَرَاجَ عَلَيْهَا بِمَحْضَرٍ مِنَ الصَّحَابَةِ وَوَضَعَ عَلَى مِصْرَ حِينَ افْتَتَحَهَا عَمْرُو بْنُ الْعَاصِ وَكَذَا اجْتَمَعَتِ الصَّحَابَةُ عَلَى وَضْعِ الْخَرَاجِ عَلَى الشَّامِ انْتَهَى
وَرَوَى الْإِمَامُ أَبُو عُبَيْدٍ فِي كِتَابِ الْأَمْوَالِ بِإِسْنَادِهِ إِلَى إِبْرَاهِيمَ التَّيْمِيِّ قَالَ لَمَّا فَتَحَ الْمُسْلِمُونَ السَّوَادَ قَالُوا لِعُمَرَ اقْسِمْهُ بَيْننَا فَإِنَّا فَتَحْنَاهُ عَنْوَةً قَالَ فَأَبَى.

     وَقَالَ  مَا لِمَنْ جَاءَ بَعْدَكُمْ مِنَ الْمُسْلِمِينَ قَالَ فَأَقَرَّ أَهْلَ السَّوَادِ فِي أَرْضِهِمْ وضرب على رؤسهم الجزية وعلى أراضيهم الخراج
وروى بن أَبِي شَيْبَةَ فِي مُصَنَّفِهِ فِي أَوَاخِرِ الزَّكَاةِ حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ مُسْهِرٍ عَنِ الشَّيْبَانِيِّ عَنْ أَبِي عَوْنٍ مُحَمَّدِ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ الثَّقَفِيِّ قَالَ وَضَعَ عُمَرُ عَلَى أَهْلِ السَّوَادِ عَلَى كُلِّ جَرِيبِ أَرْضٍ يَبْلُغُهُ الْمَاءُ عَامِرٍ أَوْ غَامِرٍ دِرْهَمًا وَقَفِيزًا مِنْ طَعَامٍ وَعَلَى الْبَسَاتِينِ عَلَى كُلِّ جَرِيبٍ عَشَرَةَ دَرَاهِمَ وَعَشَرَةَ أَقْفِزَةٍ مِنْ طَعَامٍ وَعَلَى الرِّطَابِ عَلَى كُلِّ جَرِيبِ أَرْضٍ خَمْسَةَ دَرَاهِمَ وَخَمْسَةَ أَقْفِزَةٍ مِنْ طَعَامٍ وَعَلَى الْكُرُومِ عَلَى كُلِّ جَرِيبِ أَرْضٍ عَشَرَةَ دَرَاهِمَ وَعَشَرَةَ أَقْفِزَةٍ وَلَمْ يَضَعْ عَلَى النَّخْلِ شيئا جعله تبعا للأرض انتهى
وأخرج بن سعد في الطبقات أن عمر بْنَ الْعَاصِ افْتَتَحَ مِصْرَ عَنْوَةً وَاسْتَبَاحَ مَا فيها وعزل مِنْهُ مَغَانِمَ الْمُسْلِمِينَ ثُمَّ صَالَحَ بَعْدُ عَلَى وَضْعِ الْجِزْيَةِ فِي رِقَابِهِمْ وَوَضَعَ الْخَرَاجِ عَلَى أرضهمثم كَتَبَ إِلَى عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ
وَأَخْرَجَ أَيْضًا مِنْ طَرِيقِ عَمْرِو بْنِ الْحَارِثِ قَالَ كَانَ عَمْرُو بْنُ الْعَاصِ يَبْعَثُ لِجِزْيَةِ أَهْلِ مِصْرَ وَخَرَاجِهَا إِلَى عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ كُلَّ سَنَةٍ بَعْدَ حَبْسِ مَا يَحْتَاجُ إِلَيْهِ انْتَهَى مُخْتَصَرًا
وقال بن الْقَيِّمِ وَجُمْهُورُ الصَّحَابَةِ وَالْأَئِمَّةِ بَعْدَهُمْ عَلَى أَنَّ الْأَرْضَ لَيْسَتْ دَاخِلَةً فِي الْغَنَائِمِ وَهَذِهِ كَانَتْ سِيرَةَ الْخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ فَإِنَّ بِلَالًا وَأَصْحَابَهُ لَمَّا طَلَبُوا مِنْ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنْ يُقَسِّمَ بَيْنَهُمُ الْأَرْضَ الَّتِي فَتَحُوهَا عَنْوَةً وَهِيَ الشَّامُ وَمَا حَوْلَهَا وَقَالُوا لَهُ خُذْ خُمُسهَا وَاقْسِمْهَا فَقَالَ عُمَرُ هَذَا فِي غَيْرِ الْمَالِ وَلَكِنْ أَحْبِسُهُ فِيمَا يَجْرِي عَلَيْكُمْ وَعَلَى الْمُسْلِمِينَ فَقَالَ بِلَالٌ وَأَصْحَابُهُ اقْسِمْهَا بَيْنَنَا فَقَالَ عُمَرُ اللَّهُمَّ اكْفِنِي بِلَالًا وَذَوِيهِ ثُمَّ وَافَقَ سَائِرُ الصَّحَابَةِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَكَذَلِكَ جَرَى فِي فُتُوحِ مِصْرَ وَالْعِرَاقِ وَأَرْضِ فَارِسٍ وَسَائِرِ الْبِلَادِ الَّتِي فُتِحَتْ عَنْوَةً لَمْ يَقْسِمْ مِنْهَا الْخُلَفَاءُ الرَّاشِدُونَ قَرْيَةً وَاحِدَةً وَلَا يَصِحُّ أَنْ يُقَالَ إِنَّهُ اسْتَطَابَ نُفُوسِهِمْ وَوَقَفَهَا بِرِضَاهُمْ فَإِنَّهُمْ قَدْ نَازَعُوهُ فِي ذَلِكَ وَهُوَ يَأْبَى عَلَيْهِمْ وَدَعَا عَلَى بِلَالٍ وَأَصْحَابِهِ
وَكَانَ الَّذِي رَآهُ وَفَعَلَهُ عَيْنَ الصَّوَابِ وَمَحْضَ التَّوْفِيقِ إِذْ لَوْ قُسِّمَتْ لَتَوَارَثَهَا وَرَثَةُ أُولَئِكَ وَأَقَارِبهِمْ فَكَانَتِ الْقَرْيَةُ وَالْبَلَدُ تَصِيرُ إِلَى امْرَأَةٍ وَاحِدَةٍ أَوْ صَبِيٍّ صَغِيرٍ وَالْمُقَاتِلَةُ لَا شَيْءَ بِأَيْدِيهِمْ فَكَانَ فِي ذَلِكَ أَعْظَمَ الْفَسَادِ وَأَكْبَرِهِ وَهَذَا هُوَ الَّذِي خَافَ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فَوَفَّقَهُ اللَّهُ تَعَالَى لِتَرْكِ قِسْمَةِ الْأَرْضِ وَجَعْلِهَا وَقْفًا عَلَى الْمُقَاتِلَةِ تَجْرِي عَلَيْهِمْ فِيهَا حَتَّى يَغْزُوا مِنْهَا آخِرَ الْمُسْلِمِينَ وَظَهَرَتْ بَرَكَةُ رَأْيِهِ وَيُمْنِهِ عَلَى الْإِسْلَامِ وَأَهْلِهِ وَوَافَقَهُ جُمْهُورُ الْأَئِمَّةِ انْتَهَى كَلَامُهُ
وَأَمَّا وَجْهُ اسْتِدْلَالِ الْمُؤَلِّفِ الْإِمَامِ بِهَذَا الْحَدِيثِ عَلَى مَا تَرْجَمَ بِهِ مِنْ إِيقَافِ سَوَادِ الْأَرْضِ فَبِأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ عَلِمَ أَنَّ الصَّحَابَةَ يَفْتَتِحُونَ تِلْكَ الْبِلَادَ وَيَضَعُونَ الْخَرَاجَ عَلَى أَرْضِهِمْ وَيَقِفُونَهَا عَلَى الْمُقَاتِلَةِ وَالْمُجَاهِدِينَ وَلَمْ يُرْشِدْهُمْ إِلَى خِلَافِ ذَلِكَ بَلْ قَرَّرَهُ وَحَكَاهُ لَهُمْ لَكِنَّ الْمُؤَلِّفَ لَمْ يَجْزِمْ عَلَى أَنَّ إِيقَافَهَا أَمْرٌ لَازِمٌ بَلْ تَبْوِيبِهِ كَأَنَّهُ عَلَى طَرِيقِ الِاسْتِفْهَامِ أَيْ مَاذَا يَفْعَلُ بِأَرْضِ الْعَنْوَةِ يُوقِفُ عَلَى الْمُقَاتِلَةِ أَوْ يُقَسِّمُ لِلْغَانِمِينَ وَمَا حُكْمُ إِيقَافِ أَرْضِ السَّوَادِ فَقَدْ عَلِمْتَ وَجْهَ الِاسْتِدْلَالِ بِالْحَدِيثِ الْأَوَّلِ مِنْ حَدِيثَيِ الْبَابِ
وَأَمَّا الْحَدِيثُ الثَّانِي فَفِيهِ التَّصْرِيحُ بِأَنَّ الْأَرْضَ الْمَغْنُومَةَ تَكُونُ لِلْغَانِمِينَ وَحُكْمُهَا حُكْمُ سَائِرِ الْأَمْوَالِ الَّتِي تُغْنَمُ
فَطَرِيقُ الْجَمْعِ مَا ذَهَبَ إِلَيْهِ مَالِكُ بْنُ أَنَسٍ وَتَقَدَّمَ .

     قَوْلُهُ 
قَالَ الْمُنْذِرِيُّ وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ أَيْ فِي كِتَابِ الْفِتَنِ من الصحيح

رقم الحديث 3036 [336] (أَيّمَا قَرْيَةٍ أَتَيْتُمُوهَا إِلَخْ) قَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ بِالْقَرْيَةِ الْأُولَى هِيَ الَّتِي لَمْ يُوجِفْ عَلَيْهَا الْمُسْلِمُونَ بِخَيْلٍ وَلَا رِكَابٍ بَلْ أُجْلِيَ عَنْهَا أَهْلُهَا وَصَالَحُوا فَيَكُونُ سَهْمُهُمْ فِيهَا أَيْ حَقُّهُمْ مِنَ الْعَطَاءِ كَمَا تَقَرَّرَ فِي الْفَيْءِ وَيَكُونُ الْمُرَادُ بِالثَّانِيَةِ مَا أُخِذَتْ عَنْوَةً فَيَكُونُ غَنِيمَةً يَخْرُجُ مِنْهَا الْخُمُسُ وَالْبَاقِي لِلْغَانِمِينَ وَهُوَ مَعْنَى قَوْلِهِ هِيَ لَكُمْ أَيْ بَاقِيهَا وَقَدِ احْتَجَّ بِهِ مَنْ لَمْ يُوجِبِ الْخُمُسَ فِي الْفَيْءِ
قال بن الْمُنْذِرِ لَا نَعْلَمُ أَحَدًا قَبْلَ الشَّافِعِيِّ قَالَ بِالْخُمُسَيْنِ فِي الْفَيْءِ
كَذَا فِي السَّبِيلِ
قَالَ الْمُنْذِرِيُّ وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ
قَالَ الْخَطَّابِيُّ فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ أَرْضَ الْعَنْوَةِ حُكْمُهَا حُكْمُ سَائِرِ الْأَمْوَالِ الَّتِي تُغْنَمُ وَأَنَّ خُمُسَهَا لِأَهْلِ الْخُمُسِ وَأَرْبَعَةَ أَخْمَاسِهَا لِلْغَانِمِينَ
وَقَالَ غَيْرُهُ يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ الْأَوَّلُ فِي الْفَيْءِ مِمَّا لَمْ يُوجَفْ عَلَيْهِ بِخَيْلٍ وَلَا رِكَابٍ أُجْلِيَ عَنْهُ أَهْلُهُ وَصَالَحُوا عَلَيْهِ فَيَكُونُ حَقُّهُمْ فِيهَا أَيْ قَسْمُهُمْ في العطاء ويكون المراد بالثاني مَا فِيهِ الْخُمُسُ مَا أُخِذَ عَنْوَةً انْتَهَى كَلَامُ الْمُنْذِرِيِّ مُخْتَصَرًا
(فَسَهْمكُمْ فِيهَا) أَيْ حَقُّكُمْ مِنَ الْعَطَاءِ كَمَا يُصْرَفُ الْفَيْءُ لَا كَمَا يُصْرَفُ الْغَنِيمَةُ
قَالَهُ السِّنْدِيُّ (عَصَتِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ) أَيْ أَخَذْتُمُوهَا عَنْوَةً (ثُمَّ هِيَ) أَيِ الْقَرْيَةُ لَكُمْ

(

رقم الحديث 3037 [337]
بِكَسْرِ الْجِيمِ وَهِيَ مَالٌ مَأْخُوذٌ مِنْ أَهْلِ الذِّمَّةِ لِإِسْكَانِنَا إِيَّاهُمْ فِي دَارِنَا أَوْ لِحَقْنِ دِمَائِهِمْ وَذَرَارِيِّهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ أَوْ لِكَفِّنَا عَنْ قِتَالِهِمْ
قَالَهُ الْقَسْطَلَّانِيُّ ( عَنْ عُثْمَانَ بْنِ أَبِي سُلَيْمَانَ) بْنِ جُبَيْرِ بْنِ مُطْعِمٍ
وَالْحَدِيثُ أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ مُتَّصِلًا عَنْ طَرِيقِ عَاصِمِ بْنِ عُمَرَ عَنْ أَنَسٍ وَمُرْسَلًا مِنْ طَرِيقِ عَاصِمٍ عَنْ عُثْمَانَ
قَالَهُ الْمِزِّيُّ ( إِلَى أُكَيْدِرِ دَوْمَةَ) بِضَمِّ الْهَمْزَةِ وَفَتْحِ الْكَافِ وَسُكُونِ التَّحْتِيَّةِ فَدَالٍ مَكْسُورَةٍ مُهْمَلَةٍ فَرَاءٍ بن عَبْدِ الْمَلِكِ الْكِنْدِيِّ اسْمُ مَلِكِ دَوْمَةَ بِضَمِّ الدَّالِ وَقَدْ يُفْتَحُ بَلَدٌ أَوْ قَلْعَةٌ مِنْ بِلَادِ الشَّامِ قَرِيبَ تَبُوكَ أُضِيفَ إِلَيْهَا كَمَا أُضِيفَ زَيْدٌ إِلَى الْخَيْلِ وَكَانَ نَصْرَانِيًّا
قَالَهُ القارىء ( فَأَخَذُوهُ) أَيْ أُكَيْدِرَ وَالضَّمِيرُ الْمَرْفُوعُ لِخَالِدٍ وَأَصْحَابِهِ الَّذِينَ بُعِثُوا مَعَهُ وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ فَأُخِذَ بِالْإِفْرَادِ ( فَأَتَوْهُ بِهِ) أَيْ أَتَوْا بِأُكَيْدِرَ عِنْدَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَكَانَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَاهُمْ عَنْ قَتْلِهِ.

     وَقَالَ  ابْعَثُوهُ إِلَيَّ فَبَعَثُوهُ إِلَيْهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
قَالَهُ فِي فَتْحِ الْوَدُودِ ( فَحَقَنَ لَهُ دَمُهُ) أَيْ وَهَبَهُ قَالَ فِي الْمُغْرِبِ حَقَنَ دَمَهُ إِذَا مَنَعَهُ أَنْ يُسْفَكَ وَذَلِكَ إِذَا حَلَّ بِهِ الْقَتْلُ فَأَنْقَذَهُ
قَالَ الْخَطَّابِيُّ أُكَيْدِرُ دَوْمَةَ رَجُلٌ مِنَ الْعَرَبِ يُقَالُ إِنَّهُ غَسَّانُ
فَفِي هَذَا مِنْ أَمْرِهِ دَلَالَةٌ عَلَى جَوَازِ أَخْذِ الْجِزْيَةِ مِنَ الْعَرَبِ كَجَوَازِهِ مِنَ الْعَجَمِ
وَكَانَ أَبُو يُوسُفَ يَذْهَبُ إِلَى أَنَّ الْجِزْيَةَ لَا تُؤْخَذُ مِنْ عَرَبِيٍّ
وَقَالَ مَالِكٌ وَالْأَوْزَاعِيُّ وَالشَّافِعِيٌّ الْعَرَبِيٌّ وَالْعَجَمِيٌّ فِي ذَلِكَ سَوَاءٌ
وَالْحَدِيثٌ سَكَتَ عَنْهُ الْمُنْذِرِيُّ



رقم الحديث 3039 [339]

رقم الحديث 3040 [34] (عَنْ زِيَادِ بْنِ حُدَيْرٍ) بِالْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ مُصَغَّرًا (لَئِنْ بَقِيتُ) وَطَالَ عُمْرِي (لِنَصَارَى بَنِي تَغْلِبَ) أَيْ لِقِتَالِهِمْ (فَإِنِّي كَتَبْتُ الْكِتَابَ) أَيْ كِتَابَ الْعَهْدِ الَّذِي كَانَ (بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم فَنَقَضُوا الْمُعَاهَدَةَ (عَلَى) مُتَعَلِّقٌ بِكَتَبْتُ (أَنْ لَا يُنَصِّرُوا أَبْنَاءَهُمْ) أَيْ لَا يَجْعَلُونَ أَبْنَاءَهُمْ نَصَارَى وَلَا يُعَلِّمُونَ أَبْنَاءَهُمْ دِينَ النَّصَارَى
وَيُؤَيِّدُ هَذَا الْمَعْنَى مَا يَأْتِي مِنَ الرِّوَايَاتِ (قَالَ أَبُو دَاوُدَ هَذَا حَدِيثٌ مُنْكَرٌ) أَيْ رُفِعَ هَذَا إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَكَوْنُهُ مِنْ حَدِيثِ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ مُنْكَرٌ
والمعروف من فعل عمر بن الخطاب رضي الله عنه موقوفا عليه
فأخرج بن أَبِي شَيْبَةَ فِي آخِرِ كِتَابِ الزَّكَاةِ حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ مُسْهِرٍ عَنِ الشَّيْبَانِيِّ عَنْ السَّفَّاحِ بْنِ مَطَرٍ عَنْ دَاوُدَ بْنِ كُرْدُوسٍ عَنْ عمر بن الخطاب أَنَّهُ صَالَحَ نَصَارَى بَنِي تَغْلِبَ عَلَى أَنْ تُضَعَّفَ عَلَيْهِمُ الزَّكَاةُ مَرَّتَيْنِ وَعَلَى أَنْ لَا يُنَصِّرُوا صَغِيرًا وَعَلَى أَنْ لَا يُكْرَهُوا عَلَى دِينِ غَيْرِهِمْ
قَالَ دَاوُدُ لَيْسَتْ لَهُمْ ذِمَّةٌ قَدْ نُصِرُوا
وَأَخْرَجَ أَبُو عُبَيْدٍ فِي كِتَابِ الْأَمْوَالِ مِنْ طَرِيقِ السَّفَّاحِ عَنِ النُّعْمَانِ بْنِ زُرْعَةَ أَنَّهُ سَأَلَ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ وَكَلَّمَهُ فِي نَصَارَى بَنِي تَغْلِبَ قَالَ وَكَانَ عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَدْ هَمَّ أَنْ يَأْخُذَ مِنْهُمُ الْجِزْيَةَ فَتَفَرَّقُوا فِي الْبِلَادِ فَقَالَ النُّعْمَانُ بْنُ زُرْعَةَ لِعُمَرَ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ إِنَّ بَنِي تَغْلِبَ قَوْمٌ عَرَبٌ يَأْنَفُونَ مِنَ الْجِزْيَةِ وَلَيْسَتْ لَهُمْ أَمْوَالٌ إِنَّمَا هُمْ أَصْحَابُ حُرُوثٍ ومواشي قَالَ فَصَالَحَهُمْ عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَلَى أَنْ تُضَعَّفَ عَلَيْهِمُ الصَّدَقَةَ وَاشْتَرَطَ عَلَيْهِمْ أَنْ لَا يُنَصِّرُوا أَوْلَادَهُمْ انْتَهَى
وَأَخْرَجَ الْإِمَامُ أَبُو أَحْمَدَ حُمَيْدُ بْنُ زَنْجَوَيْهِ فِي كِتَابِ الْأَمْوَالِ بِلَفْظِ أَنَّ عُمَرَ أَرَادَ أَنْ يَأْخُذَ مِنْ نَصَارَى بَنِي تَغْلِبَ الْجِزْيَةَ فَتَفَرَّقُوا فِي الْبِلَادِ
وَأَخْرَجَ الْبَيْهَقِيُّ عَنْ عُبَادَةَ بْنِ النُّعْمَانِ فِي حَدِيثٍ طَوِيلٍ أَنَّ عُمَرَ لَمَّا صَالَحَهُمْ يَعْنِي نَصَارَى بَنِي تَغْلِبٍ عَلَى تَضْعِيفِ الصَّدَقَةِ قَالُوا نحن عرب لا يؤدي مَا يُؤَدِّي الْعَجَمُ وَلَكِنْ خُذْ مِنَّا كَمَا يَأْخُذُ بَعْضُكُمْ مِنْ بَعْضٍ يَعْنُونَ الصَّدَقَةَ فَقَالَ عمر رضي الله عنه لَا هَذِهِ فَرْضُ الْمُسْلِمِينَ قَالُوا زِدْ مَا شِئْتَ بِهَذَا الِاسْمِ لَا بِاسْمِ الْجِزْيَةِ فَفَعَلَ فَتَرَاضَى هُوَ وَهُمْ عَلَى تَضْعِيفِ الصَّدَقَةِ عَلَيْهِمْ
وَفِي بَعْضِ طُرُقِهِ سَمُّوهَا مَا شِئْتُمْ
وَرُوِيَ أَيْضًا مِنْ حَدِيثِ دَاوُدَ بْنِ كُرْدُوسٍ قَالَ صَالَحَ عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ بَنِي تَغْلِبَ عَلَى أَنْ يُضَاعِفَ عَلَيْهِمُ الصَّدَقَةَ وَلَا يَمْنَعُوا فِيهَا أَحَدًا أَنْ يُسْلَمَ وَلَا أَنْ يُنَصِّرُوا أولادهم انتهى (قال أبو على) هواللؤلؤي
قَالَ الْمُنْذِرِيُّ بَعْدَ نَقْلِ كَلَامِ أَبِي دَاوُدَ عَلَى هَذَا الْحَدِيثِ
وَفِي إِسْنَادِهِ إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُهَاجِرٍ الْبَجَلِيُّ الْكُوفِيُّ وَشَرِيكُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النَّخَعِيُّ وَقَدْ تَكَلَّمَ فِيهِمَا غَيْرُ وَاحِدٍ مِنَ الْأَئِمَّةِ وَفِيهِ أَيْضًا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ هَانِئٍ النَّخَعِيُّ قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ لَيْسَ بِشَيْءٍ.

     وَقَالَ  بن مَعِينٍ كَذَلِكَ