فهرس الكتاب

عون المعبود لابى داود - أَبْوَابُ الْإِجَارَةِ

رقم الحديث 3121 [3121] ( عَنْ مَعْقِلِ بْنِ يَسَارٍ) هُوَ بِفَتْحِ الْمِيمِ وَسُكُونِ الْعَيْنِ الْمُهْمَلَةِ وَكَسْرِ الْقَافِ وَآخِرِهِ لَامٌ قَالَهُ الْمُنْذِرِيُّ ( عَلَى مَوْتَاكُمْ) أَيِ الَّذِينَ حَضَرَهُمُ الْمَوْتُ
وَلَعَلَّ الْحِكْمَةَ فِي قِرَاءَتِهَا أَنْ يَسْتَأْنِسَ الْمُحْتَضَرُ بِمَا فِيهَا مِنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَأَحْوَالِ الْقِيَامَةِ وَالْبَعْثِ
قَالَ الْإِمَامُ الرَّازِيُّ فِي التَّفْسِيرِ الكبير الأمر بقراءة يس عن من شَارَفَ الْمَوْتَ مَعَ وُرُودِ قَوْلِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَلْبٌ وَقَلْبُ الْقُرْآنِ يَس
إِيذَانٌ بِأَنَّ اللِّسَانَ حِينَئِذٍ ضَعِيفُ الْقُوَّةِ وَسَاقِطُ الْمِنَّةِ لَكِنَّ الْقَلْبَ أَقْبَلَ عَلَى اللَّهِ بِكُلِّيَّتِهِ فَيُقْرَأُ عَلَيْهِ مَا يَزْدَادُ قُوَّةَ قَلْبِهِ وَيَسْتَمِدُّ تَصْدِيقَهُ بِالْأُصُولِ فَهُوَ إِذْنْ عَمَلُهُ وَمُهِمُّهُ
قَالَهُ القارىء
وقال المنذري والحديث أخرجه النسائي وبن مَاجَهْ
وَأَبُو عُثْمَانَ وَأَبُوهُ لَيْسَا بِمَشْهُورَيْنِ انْتَهَى
وَقَالَ الْمِزِّيُّ وَالْحَدِيثُ أَخْرَجَهُ النَّسَائِيُّ فِي عَمَلِ الْيَوْمِ وَاللَّيْلَةِ




رقم الحديث 3122 [3122] ( يُعْرَفُ فِي وَجْهِهِ الْحُزْنُ) جُمْلَةٌ حَالِيَّةٌ
قَالَ الطِّيبِيُّ كَأَنَّهُ كَظْمُ الْحُزْنِ كَظْمًا فَظَهَرَ مِنْهُ مَا لَا بُدَّ لِلْجِبِلَّةِ الْبَشَرِيَّةِ مِنْهُ ( وَذَكَرَ الْقِصَّةَ) وَتَمَامُ الْقِصَّةِ كَمَا فِي رِوَايَةِ الْبُخَارِيِّ وَأَنَا أنظر من صائر الْبَابِ شِقِّ الْبَابِ فَأَتَاهُ رَجُلٌ فَقَالَ إِنَّ نِسَاءَ جَعْفَرٍ وَذَكَرَ بُكَاءَهُنَّ فَأَمَرَهُ أَنْ يَنْهَاهُنَّ فَذَهَبَ ثُمَّ أَتَاهُ الثَّانِيَةَ لَمْ يَطْعَنْهُ
الْحَدِيثَ قَالَ الْحَافِظُ فِي هَذَا الْحَدِيثِ مِنَ الْفَوَائِدِ جَوَازُ الْجُلُوسِ لِلْعَزَاءِ بِسَكِينَةٍ وَوَقَارٍ وَجَوَازِ نَظَرِ النِّسَاءِ الْمُحْتَجِبَاتِ إِلَى الرِّجَالِ الْأَجَانِبِ انْتَهَى
قَالَ الْمُنْذِرِيُّ وَالْحَدِيثُ أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَالنَّسَائِيُّ وَبَوَّبَ عَلَيْهِ الْبُخَارِيُّ مَنْ جَلَسَ عِنْدَ الْمُصِيبَةِ يُعْرَفُ فيه الحزن




رقم الحديث 3123 [3123] أَيْ هَذَا بَابٌ فِي بَيَانِ مَشْرُوعِيَّتِهَا
(قَبَرْنَا) يَعْنِي دَفَنَّا (فَلَمَّا فَرَغْنَا) مِنْ دَفْنِ الْمَيِّتِ (فَلَمَّا حَاذَى) أَيْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (وَقَفَ) رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (قَالَ) أَيْ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ (أَظُنُّهُ) أَيْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (عَرَفَهَا) أَيِ الْمَرْأَةَ الْمُقْبِلَةَ (فَلَمَّا ذَهَبَتْ) أَيِ الْمَرْأَةُ الْمُقْبِلَةُ (إِذَا هِيَ) أَيِ الْمَرْأَةُ
وَلَفْظُ النَّسَائِيِّ قَالَ بَيْنَمَا نَحْنُ نَسِيرُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذْ بَصُرَ بِامْرَأَةٍ لَا تَظُنُّ أَنَّهُ عَرَفَهَا فَلَمَّا تَوَسَّطَ الطَّرِيقَ وَقَفَ حَتَّى انْتَهَتْ إِلَيْهِ فَإِذَا فَاطِمَةُ بِنْتِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (فَقَالَ لَهَا) أَيْ لِفَاطِمَةَ (فَرَحَّمْتُ إِلَيْهِمْ) مِنْ بَابِ التَّفْعِيلِ
وَفِي رِوَايَةِ النَّسَائِيِّ فَتَرَحَّمْتُ إِلَيْهِمْ أَيْ تَرَحَّمْتُ مَيِّتَهُمْ وَقُلْتُ فِيهِ رَحِمُ اللَّهُ مَيِّتَكُمْ مُفْضِيًا ذَلِكَ إِلَيْهِمْ لِيَفْرَحُوا بِهِ
قَالَهُ السِّنْدِيُّ (أَوْ عَزَّيْتَهُمْ بِهِ) هَكَذَا فِي جَمِيعِ النُّسَخِ وَهَذَا الشَّكُّ مِنْ أَحَدِ الرُّوَاةِ
وَفِي رِوَايَةِ النَّسَائِيِّ بِحَرْفِ الْعَاطِفَةِ وَعَزَّيْتَهُمْ بِمَيِّتِهِمْ انْتَهَى
وَعَزَّيْتُهُمْ مِنَ التَّعْزِيَةِ أَيْ أَمَرْتُهُمْ بِالصَّبْرِ عَلَيْهِ
بِنَحْوِ أَعْظَمَ اللَّهُ أَجْرَكُمْ
قَالَ فِي لِسَانِ الْعَرَبِ الْعَزَاءُ الصَّبْرُ عَنْ كُلِّ مَا فَقَدْتَ انْتَهَى
قَالَ فِي النَّيْلِ وَالتَّعْزِيَةُ التَّصَبُّرُ وَعَزَّاهُ صَبَّرَهُ فَكُلُّ مَا يَجْلِبُ لِلْمُصَابِ صَبْرًا يُقَالُ لَهُ تَعْزِيَةً بِأَيِّ لَفْظٍ كَانَ وَيَحْصُلُ بِهِ لِلْمُعَزِّي الْأَجْرُ وَأَحْسَنُ مَا يُعَزَّى بِهِ مَا أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ إِنَّ لِلَّهِ مَا أَخَذَ وَلِلَّهِ مَا أَعْطَى وَكُلُّ شَيْءٍ عِنْدَهُ بِأَجَلٍ مسمى فمزها فَلَتَصْبِرْ الْحَدِيثَ (فَقَالَ لَهَا) أَيْ لَفَاطِمَةَ (بَلَغْتُ مَعَهُمُ الْكُدَى) هُوَ بِضَمِّ الْكَافِ وَتَخْفِيفِ الدَّالِ المقصورة وهي المقابر
قاله الحافظ
قال بن الْأَثِيرِ أَرَادَ الْمَقَابِرَ وَذَلِكَ لِأَنَّهَا كَانَتْ مَقَابِرُهُمْ فِي مَوَاضِعَ صُلْبَةٍ وَهِيَ جَمْعُ كُدْيَةٍ وَالْكُدْيَةُ قِطْعَةٌ غَلِيظَةٌ صُلْبَةٌ لَا يَعْمَلُ فِيهَا الْفَأْسُ
وَيُرْوَى بِالرَّاءِ يَعْنِي الْكُرَى وَهِيَ الْقُبُورُ أَيْضًا جَمْعُ كُرْيَةٍ أَوْ كُرْوَةٍ مِنْ كَرَيْتَ الْأَرْضَ وَكَرَوْتَهَا إِذَا حَفَرْتَهَا كَالْحُفْرَةِ مِنْ حَفَرْتَ (قَالَتْ فاطمة (معاذ الله وقد) الواو وللحال زَادَ النَّسَائِيُّ مَعَاذَ اللَّهِ أَنْ أَكُونَ بَلَغْتُهَا (فِيهَا) أَيْ فِي الْكُدَى
(فَذَكَرَ تَشْدِيدًا فِي ذَلِكَ) هَذَا مِنْ أَدَبِ أَبِي دَاوُدَ حَيْثُ لَمْ يُصَرِّحْ بِاللَّفْظِ الْوَارِدِ فِي رِوَايَةٍ وَكَنَّى عَنْهُ فَرَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ وَعَمَّنِ اقْتَدَى بِهِ وَالتَّصْرِيحُ وَقَعَ فِي رِوَايَةِ النَّسَائِيِّ وَتَكَلَّمْنَا عَلَى تَأْوِيلِهِ فِي زَهْرِ الرُّبَى وَفِي الْمَسَالِكِ الْحُنَفَاءِ
قَالَهُ السُّيُوطِيُّ فِي مِرْقَاةِ الصُّعُودِ
وَالْحَدِيثُ فِيهِ دَلَالَةٌ عَلَى مَشْرُوعِيَّةِ التَّعْزِيَةِ وَعَلَى جَوَازِ خُرُوجِ النِّسَاءِ لَهَا
وَتَمَامُ الْحَدِيثِ كَمَا فِي النَّسَائِيِّ فَقَالَ لَهَا لَوْ بَلَغْتِهَا مَعَهُمْ مَا رَأَيْتِ الْجَنَّةَ حَتَّى يَرَاهَا جَدُّ أَبِيكِ انْتَهَى قَالَ السِّنْدِيُّ وَظَاهِرُ السَّوْقِ (السِّيَاقِ) يُفِيدُ أَنَّ الْمُرَادَ مَا رَأَيْتِ أَبَدًا كَمَا لَمْ يَرَهَا فُلَانٌ وَأَنَّ هَذِهِ الْغَايَةَ مِنْ قَبِيلِ حَتَّى يَلِجَ الْجَمَلُ فِي سَمِّ الْخِيَاطِ
وَمَعْلُومٌ أَنَّ الْمَعْصِيَةَ غَيْرَ الشِّرْكِ لَا تُؤَدِّي إِلَى ذَلِكَ فَإِمَّا أَنْ يُحْمَلَ عَلَى التَّغْلِيظِ فِي حَقِّهَا وَإِمَّا أَنْ يُحْمَلَ عَلَى أَنَّهُ عَلِمَ فِي حَقِّهَا أَنَّهَا لَوِ ارْتَكَبَتْ تِلْكَ الْمَعْصِيَةَ لَأَفَضْتْ بها إلى معصية تكون مُؤَدِّيَةً إِلَى مَا ذَكَرَ
وَالسُّيُوطِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ مُشَمِّرٌ بِهِ الْقَوْلُ بِنَجَاةِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ فَقَالَ لِذَلِكَ وَهَذِهِ عِبَارَتُهُ أَقُولُ لَا دَلَالَةَ فِي هَذَا الْحَدِيثِ عَلَى مَا تَوَهَّمَهُ الْمُتَوَهِّمُونَ لِأَنَّهُ لَوْ مَشَتِ امْرَأَةٌ مَعَ جِنَازَةٍ إِلَى الْمَقَابِرِ لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ كُفْرًا مُوجِبًا لِلْخُلُودِ فِي النَّارِ كَمَا هُوَ وَاضِحٌ وَغَايَةُ مَا فِي ذَلِكَ أَنْ يَكُونَ مِنْ جُمْلَةِ الْكَبَائِرِ الَّتِي يُعَذَّبُ صَاحِبُهَا ثُمَّ يَكُونُ آخِرُ أَمْرِهِ إِلَى الجنة
وأهل السنة يأولون مَا وَرَدَ مِنَ الْحَدِيثِ فِي أَهْلِ الْكَبَائِرِ مِنْ أَنَّهُمْ لَا يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ بِأَنَّ الْمُرَادَ لا يدخلونها مع السابقين الذين يدخلونها أو لا بِغَيْرِ عَذَابٍ فَغَايَةُ مَا يَدُلُّ عَلَيْهِ الْحَدِيثُ الْمَذْكُورُ عَلَى أَنَّهَا لَوْ بَلَغَتْ مَعَهُمُ الْكُدَى لم نرى الْجَنَّةَ مَعَ السَّابِقِينَ بَلْ يَتَقَدَّمُ ذَلِكَ عَذَابٌ أَوْ شِدَّةٌ أَوْ مَا شَاءَ اللَّهُ مِنْ أنواع المشاق ثم يؤول أَمْرُهَا إِلَى دُخُولِ الْجَنَّةِ قَطْعًا وَيَكُونُ عَبْدُ الْمُطَّلِبِ كَذَلِكَ لَا يَرَى الْجَنَّةَ مَعَ السَّابِقِينَ بَلْ يَتَقَدَّمُ ذَلِكَ الِامْتِحَانُ وَحْدَهُ أَوْ مَعَ مَشَاقَّ أُخَرَ وَيَكُونُ مَعْنَى الْحَدِيثِ لَمْ تَرَ الْجَنَّةَ حَتَّى يَأْتِيَ الْوَقْتُ الَّذِي يَرَاهَا فِيهِ جَدُّ أَبِيكِ فَتَرَيْنَهَا حِينَئِذٍ فَتَكُونُ رُؤْيَتُكَ لَهَا مُتَأَخِّرَةٌ عَنْ رُؤْيَةِ غَيْرِكِ مِنَ السَّابِقِينَ لَهَا
هَذَا مَدْلُولُ الْحَدِيثِ لَا دَلَالَةَ لَهُ عَلَى قَوَاعِدِ أَهْلِ السُّنَّةِ غَيْرُ ذَلِكَ
وَالَّذِي سَمِعْتُهُ مِنْ شَيْخِنَا شَيْخِ الْإِسْلَامِ شَرَفِ الدِّينِ الْمُنَاوِيِّ وَقَدْ سُئِلَ عَنْ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ فَقَالَ هُوَ مِنْ أَهْلِ الْفَتْرَةِ الَّذِينَ لَمْ تَبْلُغْ لَهُمُ الدَّعْوَةُ وَحُكْمُهُمْ فِي الْمَذْهَبِ مَعْرُوفٌ انْتَهَى كَلَامُ السُّيُوطِيِّ
قُلْتُ الْقَوْلُ فِي هَذَا الْحَدِيثِ مَا قَالَهُ الْعَلَّامَةُ السِّنْدِيُّ.
وَأَمَّا الْقَوْلُ بِنَجَاةِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ كَمَا هُوَ مَذْهَبُ السُّيُوطِيِّ فَكَلَامٌ ضَعِيفٌ خِلَافٌ لِجُمْهُورِ الْعُلَمَاءِ الْمُحَقِّقِينَ إِلَّا مَنْ شَذَّ مِنَ الْمُتَسَاهِلِينَ وَلَا عِبْرَةَ بِكَلَامِهِ فِي هَذَا الْبَابِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ
قَالَ الْمُنْذِرِيُّ وَالْحَدِيثُ أَخْرَجَهُ النَّسَائِيُّ وَرَبِيعَةُ هَذَا الَّذِي هُوَ فِي إِسْنَادِ هَذَا الْحَدِيثِ هُوَ رَبِيعَةُ بْنُ سَيْفٍ الْمَعَافِرِيُّ مِنْ تَابِعِي أَهْلِ مِصْرَ وَفِيهِ مَقَالٌ ()


رقم الحديث 3124 [3124] ( فَقَالَ) النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ( لَهَا) أَيْ للإمرأة الْبَاكِيَةِ ( وَاصْبِرِي) حَتَّى تُؤْجَرِي ( فَقَالَتِ) الْمَرْأَةُ الْبَاكِيَةُ جَاهِلَةً بِمَنْ يُخَاطِبُهَا وَظَانَّةً أَنَّهُ مِنْ آحَادِ النَّاسِ ( وَمَا تُبَالِي) بِصِيغَةِ الْمُخَاطَبِ الْمَعْرُوفِ مِنْ بَابِ الْمُفَاعَلَةِ يُقَالُ بَالَاهُ وَبَالَى بِهِ مُبَالَاةً أَيِ اهْتَمَّ بِهِ وَاكْتَرَثَ لَهُ
قَالَ فِي النِّهَايَةِ يُقَالُ مَا بَالَيْتُهُ وَمَا بَالَيْتُ بِهِ أَيْ لَمْ أَكْتَرِثْ بِهِ
انْتَهَى
وَالْمَعْنَى أَنْتَ لَا تُبَالِي بِمُصِيبَتِي وَلَا تَعْبَأُ بِهَا وَلَا تَعْتَنِي وَلَا تَهْتَمُّ بِشَأْنِهَا
قَالَ أَصْحَابُ اللُّغَةِ اكْتَرَثَ لَهُ بَالَى بِهِ يُقَالُ هُوَ لَا يَكْتَرِثُ لِهَذَا الْأَمْرِ أَيْ لَا يَعْبَأُ بِهِ وَلَا يُبَالِيهِ
وَقَالَ بَعْضُهُمْ الِاكْتِرَاثُ الِاعْتِنَاءُ
وَلَفْظُ الْمَصَابِيحِ مِنْ رِوَايَةِ الشَّيْخَيْنِ فَإِنَّكَ لَمْ تُصَبْ عَلَى بِنَاءِ الْمَجْهُولِ أَيْ لَمْ تُبْتَلَ ( بِمُصِيبَتِي) أَيْ بِعَيْنِهَا أَوْ بِمِثْلِهَا عَلَى زَعْمِهَا ( فَقِيلَ لَهَا) أَيْ بَعْدَ مَا ذَهَبَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ( هَذَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) فَنَدِمَتْ ( فَأَتَتْهُ) أَيِ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ( بَوَّابِينَ) كَمَا هُوَ عَادَةُ الْمُلُوكِ الْجَبَابِرَةِ ( لَمْ أَعْرِفْكَ) أَيْ فَلَا تَأْخُذْ عَلَيَّ
قَالَ الطِّيبِيُّ كَأَنَّهَا لَمَّا سَمِعَتْ أَنَّهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَوَهَّمَتْ أَنَّهُ عَلَى طَرِيقَةِ الْمُلُوكِ فَقَالَتِ اعْتِذَارًا لم أعرفك قاله القارىء ( فَقَالَ) النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ( إِنَّمَا الصَّبْرُ عِنْدَ الْأُولَى) مَعْنَاهُ الصَّبْرُ الْكَامِلُ الَّذِي يَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ الْأَجْرُ الْجَزِيلُ لِكَثْرَةِ الْمَشَقَّةِ فِيهِ
وَأَصْلُ الصَّدْمِ الضَّرْبُ فِي شَيْءٍ صُلْبٍ ثُمَّ اسْتُعْمِلَ مَجَازًا فِي كُلِّ مَكْرُوهٍ حَصَلَ بَغْتَةً
قاله النووي
وقال القارىء مَعْنَاهُ عِنْدَ الْحَمْلَةِ الْأُولَى وَابْتِدَاءِ الْمُصِيبَةِ وَأَوَّلِ لُحُوقِ الْمَشَقَّةِ وَإِلَّا فَكُلُّ أَحَدٍ يَصْبِرُ بَعْدَهَا
انْتَهَى
قَالَ الْحَافِظُ فِي هَذَا الْحَدِيثِ مِنَ الْفَوَائِدِ مِنْهَا مَا كَانَ فِيهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ مِنْ التَّوَاضُعِ وَالرِّفْقِ بِالْجَاهِلِ وَمُسَامَحَةِ الْمُصَابِ وَقَبُولِ اعْتِذَارِهِ وَمُلَازَمَةِ الْأَمْرِ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْيِ عَنِ الْمُنْكَرِ
وَمِنْهَا أَنَّ الْقَاضِيَ لَا يَنْبَغِي لَهُ أَنْ يَتَّخِذَ مَنْ يَحْجُبُهُ عَنْ حَوَائِجِ النَّاسِ
وَمِنْهَا أَنَّ الْجَزَعَ مِنَ الْمَنْهِيَّاتِ لِأَمْرِهِ لَهَا بِالتَّقْوَى مَقْرُونًا بِالصَّبْرِ
انْتَهَى
قَالَ الْمُنْذِرِيُّ وَالْحَدِيثُ أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَالتِّرْمِذِيُّ وَالنَّسَائِيُّ




رقم الحديث 3125 [3125] أَيْ إِذَا كَانَ مِنْ غَيْرِ نَوْحٍ
( أَرْسَلَتْ إِلَيْهِ) أَيْ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ( وَأَنَا مَعَهُ) أَيِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ( وَأَحْسِبُ أُبَيًّا) أَنَّهُ كَانَ أَيْضًا مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ( إِنَّ ابْنِي أَوِ ابْنَتِي) شَكٌّ مِنَ الرَّاوِي ( قَدْ حُضِرَ) بِصِيغَةِ الْمَجْهُولِ أَيْ قَرُبَ حُضُورِ الْمَوْتِ ( فَاشْهَدْنَا) أَيِ احْضُرْنَا ( فَأَرْسَلَ) أَيِ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَحَدًا ( يُقْرِئُ) بِضَمِّ أَوَّلِهِ ( السَّلَامَ) عَلَيْهَا ( فَقَالَ) النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِلرِّجَالِ تَسْلِيَةً لَهَا ( قُلْ لِلَّهِ مَا أَخْذَ وَمَا أَعْطَى) قَدَّمَ ذِكْرَ الْأَخْذِ عَلَى الْإِعْطَاءِ وَإِنْ كَانَ مُتَأَخِّرًا فِي الْوَاقِعِ لِمَا يَقْتَضِيهِ الْمَقَامُ وَالْمَعْنَى أَنَّ الَّذِي أَرَادَ اللَّهُ أَنْ يَأْخُذَهُ هُوَ الَّذِي كَانَ أَعْطَاهُ فَإِنْ أَخَذَهُ أَخَذَ مَا هُوَ لَهُ فَلَا يَنْبَغِي الْجَزَعُ لِأَنَّ مُسْتَوْدَعَ الْأَمَانَةِ لَا يَنْبَغِي لَهُ أَنْ يَجْزَعَ إِذَا اسْتُعِيدَتْ مِنْهُ
وَمَا فِي الْمَوْضِعَيْنِ مَصْدَرِيَّةٌ وَيُحْتَمَلُ أَنْ تَكُونَ مَوْصُولَةٌ وَالْعَائِدُ مَحْذُوفٌ فَعَلَى الْأَوَّلِ التَّقْدِيرُ لِلَّهِ الْأَخْذُ وَالْإِعْفَاءُ وَعَلَى الثَّانِي لِلَّهِ الَّذِي أَخَذَهُ مِنَ الْأَوْلَادِ وَلَهُ مَا أَعْطَى مِنْهُمْ أَوْ مَا هُوَ أَعَمُّ مِنْ ذَلِكَ
قَالَهُ الْحَافِظُ فِي الْفَتْحِ ( عِنْدَهُ) أَيْ عِنْدَ اللَّهِ ( إِلَى أَجَلٍ) مَعْلُومٍ
قَالَ الْعَيْنِيُّ والأجل يطلق على الحد الْأَخِيرِ وَعَلَى مَجْمُوعِ الْعُمْرِ
وَمَعْنَى عِنْدَهُ فِي عِلْمِهِ وَإِحَاطَتِهِ ( فَأَرْسَلَتْ) أَيْ بِنْتُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
قَالَ الْحَافِظُ هِيَ زَيْنَبُ كَمَا وَقَعَ فِي رِوَايَةِ أَبِي مُعَاوِيَةَ عَنْ عاصم في مصنف بن أَبِي شَيْبَةَ ( تُقْسِمُ عَلَيْهِ) أَيْ تَحْلِفُ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَتُقْسِمُ جُمْلَةٌ فِعْلِيَّةٌ وَقَعَتْ حَالًا ( فَأَتَاهَا) أَيْ أَتَى النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ( فِي حِجْرِ) بِتَقْدِيمِ الْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ ( وَنَفْسُهُ) أَيْ رُوحُ الصَّبِيِّ ( تَقَعْقَعَ) جُمْلَةٌ اسْمِيَّةٌ وَقَعَتْ حَالًا أَيْ تَضْطَرِبُ تَتَحَرَّكُ وَلَا تَثْبُتُ عَلَى حَالَةٍ وَاحِدَةٍ ( فَفَاضَتْ) أَيْ سالت والنسبة مَجَازِيَّةٌ وَالْمَعْنَى نَزَلَ الدَّمْعُ عَنْ عَيْنَيْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ( سَعْدٌ) هُوَ بن عُبَادَةَ كَمَا عِنْدَ الشَّيْخَيْنِ ( مَا هَذَا الْبُكَاءُ) أَيْ مِنْكَ ( قَالَ) رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ( إِنَّهَا) أَيِ الدَّمْعَةُ ( رَحْمَةٌ) أَيْ أَثَرٌ مِنْ آثَارِهَا ( يَضَعُهَا) أَيِ الرَّحْمَةُ ( الرُّحَمَاءَ) جَمْعُ رَحِيمٍ بِمَعْنَى الرَّاحِمِ أَيْ وَإِنَّمَا يَرْحَمُ اللَّهُ مِنْ عِبَادِهِ مَنِ اتَّصَفَ بِأَخْلَاقِهِ وَيَرْحَمُ عِبَادَهُ
قَالَهُ الطِّيبِيُّ
وَقَالَ الْعَيْنِيُّ وَكَلِمَةُ مِنْ بَيَانِيَّةٌ وَالرُّحَمَاءُ بِالنَّصْبِ لِأَنَّهُ مَفْعُولٌ يَرْحَمُ اللَّهُ وَمِنْ عِبَادِهِ فِي مَحَلِّ النَّصْبِ عَلَى الْحَالِ مِنَ الرُّحَمَاءِ
وَفِيهِ جَوَازُ اسْتِحْضَارِ ذَوِي الْفَضْلِ لِلْمُحْتَضِرِ لِرَجَاءِ بَرَكَتِهِمْ وَدُعَائِهِمْ وَفِيهِ جَوَازُ الْقَسَمِ عَلَيْهِمْ لِذَلِكَ وَفِيهِ جَوَازُ الْمَشْيِ إِلَى التَّعْزِيَةِ وَالْعِيَادَةِ بِغَيْرِ إِذْنِهِمْ بِخِلَافِ الْوَلِيمَةِ وَفِيهِ اسْتِحْبَابُ إِبْرَارِ الْقَسَمِ انْتَهَى
قَالَ الْمُنْذِرِيُّ وَالْحَدِيثُ أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ والنسائي وبن مَاجَهْ



رقم الحديث 3126 [3126] ( لَقَدْ رَأَيْتُهُ) أَيْ إِبْرَاهِيمُ ( يَكِيدُ بِنَفْسِهِ) قَالَ الْعَيْنِيُّ أَيْ يَسُوقُ بِهَا مِنْ كَادَ يَكِيدُ أَيْ قَارَبَ الْمَوْتَ ( فَدَمَعَتْ) أَيْ سَالَتْ ( فَقَالَ) رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ( إِنَّا بِكَ) أَيْ بِفِرَاقِكَ ( لَمَحْزُونُونَ) أَيْ طَبْعًا وشرعا
قال بن بَطَّالٍ وَغَيْرُهُ هَذَا الْحَدِيثُ يُفَسِّرُ الْبُكَاءَ الْمُبَاحَ وَالْحُزْنَ الْجَائِزَ وَهُوَ مَا كَانَ بِدَمْعِ الْعَيْنِ وَرِقَّةِ الْقَلْبِ مِنْ غَيْرِ سُخْطِ لِأَمْرِ اللَّهِ
قَالَهُ الْحَافِظُ
قَالَ الْمُنْذِرِيُّ وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ وَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ تَعْلِيقًا


رقم الحديث 3127 [3127] أَيْ هَذَا بَابٌ فِي بَيَانِ عَدَمِ مَشْرُوعِيَّةِ النَّوْحِ
( عَنِ النِّيَاحَةِ) أَيِ النَّوْحِ
قَالَ الْمُنْذِرِيُّ وَالْحَدِيثُ أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَالنَّسَائِيُّ



رقم الحديث 3128 [3128] ( عَنْ أَبِيهِ) وَهُوَ الْحَسَنُ بْنُ عَطِيَّةَ ( عَنْ جَدِّهِ) أَيْ جَدِّ مُحَمَّدٍ وَهُوَ عَطِيَّةُ الْعَوْفِيُّ ( النَّائِحَةَ) يُقَالُ نَاحَتِ الْمَرْأَةُ عَلَى الْمَيِّتِ إِذَا نَدَبَتْهُ أَيْ بَكَتْ عَلَيْهِ وَعَدَّدَتْ مَحَاسِنَهُ
وَقِيلَ النَّوْحُ بُكَاءٌ مَعَ صَوْتٍ وَالْمُرَادُ بِهَا الَّتِي تَنُوحُ عَلَى الْمَيِّتِ أَوْ عَلَى مَا فَاتَهَا مِنْ مَتَاعِ الدُّنْيَا فَإِنَّهُ مَمْنُوعٌ مِنْهُ فِي الْحَدِيثِ.
وَأَمَّا الَّتِي تَنُوحُ عَلَى مَعْصِيَتِهَا فَذَلِكَ نَوْعٌ مِنَ الْعِبَادَةِ ( وَالْمُسْتَمِعَةَ) أَيِ الَّتِي تَقْصِدُ السَّمَاعَ وَيُعْجِبُهَا كَمَا أَنَّ الْمُسْتَمِعَ وَالْمُغْتَابَ شَرِيكَانِ فِي الْوِزْرِ وَالْمُسْتَمِعُ وَالْقَارِئُ مُشْتَرَكَانِ فِي الأجر
قاله القارىء
قَالَ الْمُنْذِرِيُّ فِي إِسْنَادِهِ مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ بْنِ عَطِيَّةَ الْعَوْفِيُّ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ وَثَلَاثَتُهُمْ ضُعَفَاءُ



رقم الحديث 3129 [3129] ( إِنَّ الْمَيِّتَ لِيُعَذَّبُ إِلَخْ) قَالَ النَّوَوِيُّ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ وَفِي رِوَايَةٍ بِبَعْضِ بُكَاءِ أَهْلِهِ عَلَيْهِQقال الحافظ شمس الدين بن القيم رحمه اللَّه هَذَا أَحَد الْأَحَادِيث الَّتِي رَدَّتْهَا عَائِشَة واستدركتها ووهمت فيه بن عمر
والصواب مع بن عُمَر فَإِنَّهُ حَفِظَهُ وَلَمْ يُتَّهَم فِيهِ
وَقَدْ رَوَاهُ عَنْ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَبُوهُ عُمَر بْن الْخَطَّاب وَهُوَ فِي الصَّحِيحَيْنِ وَقَدْ وَافَقَهُ مَنْ حَضَرَهُ مِنْ جَمَاعَة الصَّحَابَة كما أخرجا في الصحيحين عن بن عُمَر قَالَ لَمَّا طُعِنَ عُمَر أُغْمِيَ عَلَيْهِ فَصِيحَ عَلَيْهِ فَلَمَّا أَفَاقَ قَالَ أَمَا عَلِمْتُمْ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال إن الميت ليعذب ببكاء الحي وَفِي رِوَايَةٍ بِبُكَاءِ الْحَيِّ وَفِي رِوَايَةٍ يُعَذَّبُ فِي قَبْرِهِ بِمَا نِيحَ عَلَيْهِ وَفِي رِوَايَةٍ مَنْ يُبْكَ عَلَيْهِ يُعَذَّبْ وَهَذِهِ الرِّوَايَاتُ مِنْ رِوَايَةِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ وَابْنُهُ عَبْدُ اللَّهِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا وَأَنْكَرَتْ عَائِشَةُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا وَنَسَبَتْهُمَا إِلَى النِّسْيَانِ وَالِاشْتِبَاهِ عَلَيْهِمَا وَأَنْكَرَتْ أَنْ يَكُونَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ ذَلِكَ وَاحْتَجَّتْ بِقَوْلِهِ تَعَالَى وَلَا تَزِرُ وازرة وزر أخرى قَالَتْ وَإِنَّمَا قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي يهوذية إِنَّهَا تُعَذَّبُ وَهُمْ يَبْكُونَ عَلَيْهَا يَعْنِي تُعَذَّبُ بكفرها في حال بكا أَهْلِهَا لَا بِسَبَبِ الْبُكَاءِ
وَاخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي هَذِهِ الْأَحَادِيثِ فَتَأَوَّلَهَا الْجُمْهُورُ عَلَى مَنْ وَصَّى بِأَنْ يُبْكَى عَلَيْهِ وَيُنَاحُ بَعْدَ مَوْتِهِ فَنُفِّذَتْ وَصِيَّتُهُ فَهَذَا يُعَذَّبُ بِبُكَاءِ أَهْلِهِ عَلَيْهِ وَنَوْحِهِمْ لِأَنَّهُ بِسَبَبِهِ وَمَنْسُوبٌ إِلَيْهِ
قَالُوا فَأَمَّا مَنْ بَكَى عَلَيْهِ أَهْلُهُ وَنَاحُوا مِنْ غَيْرِ وَصِيَّةٍ مِنْهُ فَلَا يُعَذَّبُ لِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى وَلَا تزر وازرة وزر أخرى قَالُوا وَكَانَ مِنْ عَادَةِ الْعَرَبِ الْوَصِيَّةُ بِذَلِكَ
وَالْمُرَادُ بِالْبُكَاءِ هُنَا الْبُكَاءُ بِصَوْتٍ وَنِيَاحَةٍ لَا مُجَرَّدَ دَمْعِ الْعَيْنِ انْتَهَىQوَأَخْرَجَا أَيْضًا عَنْهُ عَنْ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ الْمَيِّت يُعَذَّب بِمَا نِيحَ عَلَيْهِ
وَأَخْرَجَا فِي الصَّحِيحَيْنِ أَيْضًا عَنْ أَبِي مُوسَى قَالَ لَمَّا أُصِيبَ عُمَر جَعَلَ صُهَيْب يقول وا أخاه فَقَالَ لَهُ عُمَر يَا صُهَيْب أَمَا عَلِمْت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قَالَ إِنَّ الْمَيِّت لَيُعَذَّب بِبُكَاءِ الْحَيّ
وَفِي لَفْظ لَهُمَا قَالَ عُمَر وَاَللَّه لَقَدْ عَلِمْت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قَالَ مَنْ يُبْكَ عَلَيْهِ يُعَذَّب
وَفِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ أَنَس أَنَّ عُمَر لَمَّا طُعِنَ أَعْوَلَتْ عَلَيْهِ حَفْصَة فَقَالَ يَا حَفْصَة أَمَا سَمِعْت رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُول الْمَعْتُوك عَلَيْهِ يُعَذَّب
وَفِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ الْمُغِيرَة بْن شُعْبَة سَمِعْت رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُول مَنْ نِيحَ عَلَيْهِ فَإِنَّهُ يُعَذَّب بِمَا نِيحَ عَلَيْهِ
فَهَؤُلَاءِ عُمَر بْن الْخَطَّاب وَابْنه عَبْد اللَّه وَابْنَته حَفْصَة وَصُهَيْب وَالْمُغِيرَة بْن شُعْبَة كُلّهمْ يَرْوِي ذَلِكَ عَنْ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
وَمُحَال أَنْ يكون هؤلاء كلهم وهموا في الحديث وَقَالَ الْخَطَّابِيُّ قَدْ يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ الْأَمْرُ فِي هَذَا عَلَى مَا ذَهَبَتْ إِلَيْهِ عَائِشَةُ لِأَنَّهَا قَدْ رَوَتْ أَنَّ ذَلِكَ إِنَّمَا كَانَ فِي شَأْنِ يَهُودِيٍّ وَالْخَبَرُ الْمُفَسَّرُ أَوْلَى مِنَ الْمُجْمَلِ ثُمَّ احْتَجَّتْ لَهُ بِالْآيَةِ وَقَدْ يَحْتَمِلُ أن يكون ما رواه بن عُمَرَ صَحِيحًا مِنْ غَيْرِ أَنْ يَكُونَ فِيهِ خِلَافٌ لِلْآيَةِ وَذَلِكَ أَنَّهُمْ كَانُوا يُوصُونَ أَهْلَهُمْ بِالْبُكَاءِ وَالنَّوْحِ عَلَيْهِمْ وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ فَالْمَيِّتُ إِنَّمَا يَلْزَمُهُ الْعُقُوبَةُ فِي ذَلِكَ بِمَا تَقَدَّمَ مِنْ أَمْرِهِ إِيَّاهُمْ بِذَلِكَ وَقْتَ حَيَاتِهِ انْتَهَى
( فَقَالَتْ) عَائِشَةُ ( وَهِلَ) بِكَسْرِ الْهَاءِ أَيْ غَلِطَ وسهى
وَإِنْكَارُ عَائِشَةَ لِعَدَمِ بُلُوغِ الْخَبَرِ لَهَا مِنْ وَجْهٍ آخَرَ فَحَمَلَتِ الْخَبَرَ عَلَى الْخَبَرِ الْمَعْلُومِ عِنْدهَا بِوَاسِطَةِ مَا ظَهَرَ لَهَا مِنَ اسْتِبْعَادِ أَنْ يُعَذَّبَ أَحَدٌ بِذَنْبِ آخَرَ وَقَدْ قَالَ تعالى ولا تزر وازرة وزر أخرى لَكِنَّ الْحَدِيثَ ثَابِتٌ بِوُجُوهٍ كَثِيرَةٍ وَلَهُ مَعْنًى صَحِيحٌ وَهُوَ حَمْلُهُ عَلَى مَا إِذَا رَضِيَ الْمَيِّتُ بِبُكَائِهِمْ وَأَوْصَى بِهِ أَوْ عَلِمَ مِنْ دأبهم أنهمQوالمعارضة التي ظنتها أم المؤمنين رضي الله عنها بين روايتهم وَبَيْن قَوْله تَعَالَى { وَلَا تَزِر وَازِرَة وِزْر أُخْرَى} غَيْر لَازِمَة أَصْلًا
وَلَوْ كَانَتْ لَازِمَة لَزِمَ فِي رِوَايَتهَا أَيْضًا أَنَّ الْكَافِر يَزِيدهُ اللَّه بِبُكَاءِ أَهْله عَذَابًا فَإِنَّ اللَّه سُبْحَانه لَا يُعَذِّب أَحَدًا بِذَنْبِ غَيْره الَّذِي لَا تَسَبُّب لَهُ فِيهِ
فَمَا تُجِيب بِهِ أُمّ الْمُؤْمِنِينَ مِنْ قِصَّة الْكَافِر يُجِيب بِهِ أَبْنَاؤُهَا عَنْ الْحَدِيث الَّذِي اِسْتَدْرَكَتْهُ عَلَيْهِمْ
ثُمَّ سَلَكُوا فِي ذَلِكَ طُرُقًا
أَحَدهَا أَنَّ ذَلِكَ خَاصّ بِمَنْ أَوْصَى أَنْ يُنَاح عَلَيْهِ فَيَكُون النَّوْح بِسَبَبِ فِعْله وَيَكُون هَذَا جَارِيًا عَلَى الْمُتَعَارَف مِنْ عَادَة الْجَاهِلِيَّة كَمَا قَالَ قَائِلهمْ إِذَا مُتّ فَانْعِينِي بِمَا أَنَا أَهْله وَشُقِّي عَلَيَّ الْجَيْب يَا اِبْنَة مَعْبَد وَهُوَ كَثِير فِي شِعْرهمْ
وَأَمَّا مَنْ لَمْ يَتَسَبَّب إِلَى ذَلِكَ بِوَصِيَّةٍ وَلَا غَيْرهَا فَلَا يَتَنَاوَلهُ الْحَدِيث
وَهَذَا ضَعِيف مِنْ وَجْهَيْنِ أَحَدهمَا أَنَّ اللَّفْظ عَامّ
الثَّانِي أَنَّ عُمَر وَالصَّحَابَة فَهِمُوا مِنْهُ حُصُول ذَلِكَ وَإِنْ لَمْ يُوصِ بِهِ
وَمِنْ وَجْه آخَر وَهُوَ أَنَّ الْوَصِيَّة بِذَلِكَ حَرَام يَسْتَحِقّ بِهَا التَّعْذِيب نِيحَ عَلَيْهِ أَمْ لَا
وَالنَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنَّمَا عَلَّقَ التَّعْذِيب بِالنِّيَاحَةِ لَا بِالْوَصِيَّةِ
الْمَسْلَك الثَّانِي أَنَّ ذَلِكَ خَاصّ بِمَنْ كَانَ النَّوْح مِنْ عَادَته وَعَادَة قَوْمه وَأَهْله وَهُوَ يَعْلَم أَنَّهُمْ يَنُوحُونَ عَلَيْهِ إِذَا مَاتَ
فَإِذَا لَمْ يَنْهَهُمْ كَانَ ذَلِكَ رضي مِنْهُ بِفِعْلِهِمْ وَذَلِكَ سَبَب عَذَابه وَهَذَا مَسْلَك الْبُخَارِيّ فِي صَحِيحه فَإِنَّهُ تَرْجَمَ عَلَيْهِ.

     وَقَالَ  إِذَا كَانَ النَّوْح مِنْ سُنَنه وَهُوَ قَرِيب مِنْ الْأَوَّل
الْمَسْلَك الثَّالِث أَنَّ الْبَاء لَيْسَتْ بَاء السَّبَبِيَّة وَإِنَّمَا هِيَ بَاء الْمُصَاحَبَة
وَالْمَعْنَى يُعَذَّب مَعَ بُكَاء أَهْله عَلَيْهِ أَيْ يَجْتَمِع بكاء أهله وعذابه كقولك خَرَجَ زَيْد بِسِلَاحِهِ
قَالَ تَعَالَى { وَقَدْ دَخَلُوا بِالْكُفْرِ وَهُمْ قَدْ خَرَجُوا بِهِ} يَبْكُونَ عَلَيْهِ وَلَمْ يَمْنَعْهُمْ مِنْ ذَلِكَ فَلَا وَجْهَ لِلْإِنْكَارِ وَلَا إِشْكَالَ فِي الْحَدِيثِ
قَالَهُ فِي فَتْحِ الْوَدُودِ
قَالَ الْمُنْذِرِيُّ وَالْحَدِيثُ أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ وَالنَّسَائِيُّ



رقم الحديث 3130 [313] ( وَهُوَ ثَقِيلٌ) أَيْ مَرِيضٌ ( أَوْ تَهُمَّ) بِتَشْدِيدِ الْمِيمِ أَيْ لِتَقْصِدَ الْبُكَاءَ وَنَسْتَعِذَ بِهِ ( قَالَ) يَزِيدُ بْنُ أَوْسٍ الرَّاوِي ( فَسَكَتَتْ) أَيْ امْرَأَةُ أَبِي مُوسَى ( لَيْسَ مِنَّا) أَيْ مِنْ أَهْلِ سُنَّتِنَا وَطَرِيقَتِنَاQوَهَذَا الْمَسْلَك بَاطِل قَطْعًا فَإِنَّهُ لَيْسَ كُلّ مَيِّت يُعَذَّب وَلِأَنَّ هَذَا اللَّفْظ لَا يَدُلّ إِلَّا عَلَى السَّبَبِيَّة كَمَا فَهِمَهُ أَعْظَم النَّاس فَهْمًا
وَلِهَذَا رَدَّتْهُ عَائِشَة لَمَّا فَهِمَتْ مِنْهُ السببية ولأن اللَّفْظ الْآخَر الصَّحِيح الَّذِي رَوَاهُ بِالْمُغِيرَةِ يُبْطِل هَذَا التَّأْوِيل وَلِأَنَّ الْإِخْبَار بِمُقَارَنَةِ عَذَاب الْمَيِّت الْمُسْتَحِقّ لِلْعَذَابِ لِبُكَاءِ أَهْله لَا فَائِدَة فِيهِ
الْمَسْلَك الرَّابِع أَنَّ الْمُرَاد بِالْحَدِيثِ مَا يَتَأَلَّم بِهِ الْمَيِّت وَيَتَعَذَّب بِهِ مِنْ بُكَاء الْحَيّ عَلَيْهِ
وَلَيْسَ الْمُرَاد أَنَّ اللَّه تَعَالَى يُعَاقِبهُ بِبُكَاءِ الْحَيّ عَلَيْهِ فَإِنَّ التَّعْذِيب هُوَ مِنْ جِنْس الْأَلَم الَّذِي يَنَالهُ بِمَنْ يُجَاوِرهُ مِمَّا يَتَأَذَّى بِهِ وَنَحْوه
قَالَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ السَّفَر قِطْعَة مِنْ الْعَذَاب وَلَيْسَ هَذَا عِقَابًا عَلَى ذَنْب وَإِنَّمَا هُوَ تَعْذِيب وَتَأَلُّم فَإِذَا وُبِّخَ الْمَيِّت عَلَى مَا يُنَاح بِهِ عَلَيْهِ لَحِقَهُ مِنْ ذَلِكَ تَأَلُّم وَتَعْذِيب
وَيَدُلّ عَلَى ذَلِكَ مَا رَوَى الْبُخَارِيّ فِي صَحِيحه عَنْ النُّعْمَان بْن بَشِير قَالَ أُغْمِيَ عَلَى عَبْد اللَّه بْن رَوَاحَة فَجَعَلَتْ أُخْته عَمْرَة تَبْكِي وَاجَبَلَاه وَاكَذَا وَاكَذَا تُعَدِّد عَلَيْهِ فَقَالَ حِين أَفَاقَ مَا قُلْت شَيْئًا إِلَّا قِيلَ لَهُ لِي أَأَنْت كَذَلِكَ
وَقَدْ تَقَدَّمَ قَوْل النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي حَدِيث عَبْد اللَّه بْن ثَابِت فَإِذَا وَجَبَ فَلَا تَبْكِيَنَّ بَاكِيَة
وَهَذَا أَصَحّ مَا قِيلَ فِي الْحَدِيث
وَلَا رَيْب أَنَّ الْمَيِّت يَسْمَع بُكَاء الْحَيّ وَيَسْمَع قَرْع نِعَالهمْ وَتُعْرَض عَلَيْهِ أعمال أقاربه الأحياء فإذا رأى ما يسؤهم تَأَلَّمَ لَهُ وَهَذَا وَنَحْوه مِمَّا يَتَعَذَّب بِهِ الْمَيِّت وَيَتَأَلَّم وَلَا تَعَارُض بَيْن ذَلِكَ وَبَيْن قَوْله تَعَالَى { وَلَا تَزِر وَازِرَة وِزْر أُخْرَى} بوجه ما وَالْمُرَادُ الْوَعِيدُ وَالتَّغْلِيظُ الشَّدِيدُ ( مَنْ حَلَقَ) شَعْرُهُ ( وَمَنْ سَلَقَ) صَوْتُهُ أَيْ رَفَعَهُ السَّالِقَةُ وَالصَّالِقَةُ لُغَتَانِ هِيَ الَّتِي تَرْفَعُ صَوْتَهَا عِنْدَ الْمُصِيبَةِ وعن بن الْأَعْرَابِيِّ الصَّلْقُ ضَرْبُ الْوَجْهِ
قَالَهُ الْعَيْنِيُّ ( وَمَنْ خَرَقَ) بِالتَّخَيُّفِ أَيْ قَطْعَ ثَوْبَهُ بِالْمُصِيبَةِ وَكَانَ الْجَمِيعُ مِنْ صَنِيعِ الْجَاهِلِيَّةِ وَكَانَ ذَلِكَ فِي أغلب الأحوال من صنيع النساء قاله القارىء
قَالَ الْمُنْذِرِيُّ وَالْحَدِيثُ أَخْرَجَهُ النَّسَائِيُّ وَامْرَأَةُ أَبِي مُوسَى هِيَ أُمُّ عَبْدِ اللَّهِ وَقَدْ رُوِيَ هَذَا الْحَدِيثُ عَنْهَا عَنْ أَبِي مُوسَى عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَخْرَجَهُ النَّسَائِيُّ أَيْضًا