فهرس الكتاب

عون المعبود لابى داود - بَابُ مَا جَاءَ فِي سَهْمِ الصَّفِيِّ

رقم الحديث 2650 [2650] ( الحسن بن محمد بن علي) أي بن أَبِي طَالِبٍ ( وَكَانَ) أَيْ عُبَيْدُ اللَّهِ ( أَنَا) كَذَا فِي جَمِيعِ النُّسَخِ الْحَاضِرَةِ وَكَذَا فِي صحيح البخاري والظاهر إياي
قال القارىء فَكَأَنَّهُ مِنْ بَابِ اسْتِعَارَةِ الْمَرْفُوعِ لِلْمَنْصُوبِ ( وَالزُّبَيْرَ) أي بن العوام ( والمقداد) بكسر الميم وهو بن عَمْرٍو الْكِنْدِيِّ ( رَوْضَةَ خَاخٍ) بِخَائَيْنِ مُعْجَمَتَيْنِ مَصْرُوفًا وَقَدْ لَا يُصْرَفُ مَوْضِعٌ بِاثْنَيْ عَشَرَ مِيلًا مِنَ الْمَدِينَةِ وَقِيلَ بِمُهْمَلَةٍ وَجِيمٍ وَهُوَ تَصْحِيفٌ كَذَا فِي الْمَجْمَعِ وَالْمِرْقَاةِ ( ظَعِينَةً) أَيِ امْرَأَةً اسْمُهَا سَارَّةٌ وَقِيلَ أُمُّ سَارَّةٍ مَوْلَاةٌ لِقُرَيْشٍ ( مَعَهَا كِتَابٌ) أَيْ مَكْتُوبٌ مِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ إِلَى أَهْلِ مَكَّةَ ( تَتَعَادَى) أَيْ تَتَسَابَقُ وَتَتَسَارَعُ مِنَ الْعَدْوِ ( هَلُمِّي الْكِتَابَ) أَيْ أَعْطِيهِ ( لَتُخْرِجِنَّ) بفتح لام فضم فسكون فكسرتين وتشديد نوع أَيْ لَتُظْهِرِنَّ ( أَوْ لَتُلْقِيَنَّ) بِفَتْحٍ فَضَمِّ مُثَنَّاةٍ فَوْقِيَّةٍ فَسُكُونٍ فَكَسْرٍ فَفَتْحٍ فَتَشْدِيدِ نُونٍ كَذَا فِي بَعْضِ النُّسَخِ بِإِثْبَاتِ التَّحْتِيَّةِ الْمَفْتُوحَةِ
قَالَ القارىء فِي شَرْحِ الْمِشْكَاةِ قَالَ ميركُ كَذَا جَاءَتِ الرِّوَايَةُ بِإِثْبَاتِ الْيَاءِ مَكْسُورَةً وَمَفْتُوحَةً فَإِنْ قُلْتَ الْقَوَاعِدُ الْعَرَبِيَّةُ تَقْتَضِي أَنْ تُحْذَفَ تِلْكَ الْيَاءُ وَيُقَالُ لَتُلْقِنَّ.

قُلْتُ الْقِيَاسُ ذَلِكَ وَإِذَا صَحَّتِ الرِّوَايَةُ بِالْيَاءِ فَتَأْوِيلُ الْكَسْرَةِ أَنَّهَا لِمُشَاكَلَةِ لَتُخْرِجِنَّ وَالْفَتْحُ بِالْحَمْلِ عَلَى الْمُؤَنَّثِ الْغَائِبِ عَلَى طَرِيقِ الِالْتِفَاتِ مِنَ الْخِطَابِ إِلَى الْغَيْبَةِ انْتَهَى
وَالْمَعْنَى لَتَرْمِيِنَّ الثِّيَابَ وَتَتَجَرَّدِينَ عَنْهَا لِيَتَبَيَّنَ لَنَا الْأَمْرُ
وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ لَنُلْقِيَنَّ بِالنُّونِ بِصِيغَةِ جَمْعِ الْمُتَكَلِّمِ وَهُوَ ظَاهِرٌ ( مِنْ عِقَاصِهَا) بِكَسْرِ الْعَيْنِ جَمْعُ عَقِيصَةٍ وَهِيَ الشَّعْرُ الْمَضْفُورُ
قَالَ الْحَافِظُ وَالْجَمْعُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ رِوَايَةِ أَخْرَجَتْهُ مِنْ حُجْزَتِهَا أَيْ مَعْقِدِ الْإِزَارِ لِأَنَّ عَقِيصَتَهَا طَوِيلَةٌ بِحَيْثُ تَصِلُ إِلَى حُجْزَتِهَا فَرَبَطَتْهُ فِي عَقِيصَتِهَا وَغَرَزَتْهُ بِحُجْزَتِهَا ( فَإِذَا هُوَ) أَيِ الْكِتَابُ ( بِبَعْضِ أَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) قال الْحَافِظُ وَفِي مُرْسَلِ عُرْوَةَ يُخْبِرُهُمْ بِالَّذِي أَجْمَعَ عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم من الْأَمْرِ فِي السَّيْرِ إِلَيْهِمْ ( لَا تَعْجَلْ عَلَيَّ) أَيْ فِي الْحُكْمِ بِالْكُفْرِ وَنَحْوِهِ ( مُلْصَقًا) بِصِيغَةِ الْمَجْهُولِ أَيْ حَلِيفًا ( فِي قُرَيْشٍ) أَيْ فِيمَا بَيْنَهُمْ
قَالَ النَّوَوِيُّ وَكَانَ حَلِيفَ الزُّبَيْرِ بْنِ الْعَوَّامِ ( مِنْ أَنْفُسِهَا) الضَّمِيرُ لِقُرَيْشٍ ( وَإِنَّ قُرَيْشًا لَهُمْ بِهَا قَرَابَاتٌ يَحْمُونَ بِهَا أَهْلِيهِمْ بِمَكَّةَ) وَلَفْظُ الشَّيْخَيْنِ الَّذِي وَقَعَ فِي الْمِشْكَاةِ هَكَذَا وَكَانَ مَنْ مَعَكَ مِنْ الْمُهَاجِرِينَ لَهُمْ قَرَابَةٌ يحمون بها أموالهم وأهليهم بمكة قال القارىء .

     قَوْلُهُ  قَرَابَةٌ أَيْ ذَوُو قَرَابَةٍ أَيْ أَقَارِبُ أَوْ قَرَابَةٌ مَعَ نَاسٍ ( يَحْمُونَ) أَيِ الْأَقَارِبُ أَوِ النَّاسُ الَّذِينَ أَقَارِبُهُمْ يَحْفَظُونَ وَيُرَاعُونَ ( بِهَا) أَيْ بِتِلْكَ الْقَرَابَةِ ( أَمْوَالَهُمْ) أَيْ أَمْوَالَ الْمُهَاجِرِينَ انْتَهَى
قُلْتُ وَيُمْكِنُ أَنْ يَرْجِعَ الضَّمَائِرُ إِلَى الْمُهَاجِرِينَ وَبِهَذَا كُلِّهِ تَنْحَلُّ لَكَ عِبَارَةُ الْكِتَابِ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى ( ذَلِكَ) أَيِ الْقُرْبُ مِنَ النَّسَبِ فِيهِمْ ( أَنْ أَتَّخِذَ) مَفْعُولُ أَحْبَبْتُ ( يَدًا) أَيْ نِعْمَةً وَمِنَّةً عَلَيْهِمْ ( قَرَابَتِي) أَيِ الَّتِي بِمَكَّةَ ( بِهَا) أَيْ بِتِلْكَ الْيَدِ ( صَدَقَكُمْ) بِتَخْفِيفِ الدَّالِ أَيْ قَالَ الصِّدْقَ ( دَعْنِي) اتْرُكْنِي ( وَمَا يُدْرِيكَ) أَيْ أَيُّ شَيْءٍ يُعْلِمُكَ أَنَّهُ مُسْتَحِقٌّ لِلْقَتْلِ ( اطَّلَعَ) بِتَشْدِيدِ الطَّاءِ أَيْ أَقْبَلَ ( عَلَى أَهْلِ بَدْرٍ) وَنَظَرَ إِلَيْهِمْ نَظْرَةَ الرَّحْمَةِ وَالْمَغْفِرَةِ ( مَا شِئْتُمْ) أَيْ مِنَ الْأَعْمَالِ الصَّالِحَةِ قَلِيلَةً أَوْ كَثِيرَةً ( فَقَدْ غَفَرْتُ لَكُمْ) الْمُرَادُ غُفْرَانُ ذُنُوبِهِمْ فِي الْآخِرَةِ وَإِلَّا فَلَوْ وَجَبَ عَلَى أَحَدِهِمْ حَدٌّ مَثَلًا لَمْ يَسْقُطْ فِي الدُّنْيَا
قَالَ الْمُنْذِرِيُّ وَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ وَالتِّرْمِذِيُّ وَالنَّسَائِيُّ
( قَدْ سَارَ إِلَيْكُمْ) أَيْ لِلْغَزْوِ ( فَأَنَخْنَاهَا) مِنَ الْإِنَاخَةِ وَهُوَ بِالْفَارِسِيَّةِ فروخوا بانيدن شتر وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ فَابْتَحَثْنَاهَا مِنَ الْبَحْثِ أَيْ فَتَّشْنَاهَا

رقم الحديث 2645 [2645] ( إِلَى خَثْعَمٍ) قَبِيلَةٌ ( فَأَمَرَ لَهُمْ بِنِصْفِ الْعَقْلِ) أَيْ بِنِصْفِ الدِّيَةِ
قَالَ فِي فَتْحِ الْوَدُودِ لِأَنَّهُمْ أَعَانُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ بِمُقَامِهِمْ بَيْنَ الْكَفَرَةِ فَكَانُوا كَمَنْ هَلَكَ بِفِعْلِ نَفْسِهِ وَفِعْلِ غَيْرِهِ فَسَقَطَ حِصَّةُ جِنَايَتِهِ ( بَيْنَ أَظْهُرِ الْمُشْرِكِينَ) أَيْ بَيْنَهُمْ وَلَفْظُ أَظْهُرِ مُقْحَمٌ ( لَا تَرَايَا نَارَاهُمَا) كَذَا كُتِبَ فِي بَعْضِQقال الحافظ شمس الدين بن القيم رحمه اللَّه قَالَ بَعْض أَهْل الْعِلْم إِنَّمَا أَمَرَ لَهُمْ بِنِصْفِ الْعَقْل بَعْد عِلْمه بِإِسْلَامِهِمْ لِأَنَّهُمْ قَدْ أَعَانُوا عَلَى أَنْفُسهمْ بِمَقَامِهِمْ بَيْن ظَهْرَانَيْ الْكُفَّار فَكَانُوا كَمَنْ هَلَكَ بِجِنَايَةِ نَفْسه وَجِنَايَة غَيْره
وَهَذَا حَسَن جِدًّا
وَاَلَّذِي يَظْهَر مِنْ مَعْنَى الْحَدِيث أَنَّ النَّار هِيَ شِعَار الْقَوْم عِنْد النُّزُول وَعَلَامَتهمْ وَهِيَ تَدْعُو إِلَيْهِمْ وَالطَّارِق يَأْنَس بِهَا فَإِذَا أَلَمَّ بِهَا جَاوَرَ أَهْلهَا وَسَالَمَهُمْ
فَنَار الْمُشْرِكِينَ تَدْعُو إِلَى الشَّيْطَان وَإِلَى نَار الْآخِرَة فَإِنَّهَا إِنَّمَا تُوقَد فِي مَعْصِيَة اللَّه وَنَار الْمُؤْمِنِينَ تَدْعُو إِلَى اللَّه وَإِلَى طَاعَته وَإِعْزَاز دِينه فَكَيْف تَتَّفِق النَّارَانِ وَهَذَا شَأْنهمَا وَهَذَا مِنْ أَفْصَح الْكَلَام وَأَجْزَله الْمُشْتَمِل عَلَى الْمَعْنَى الْكَثِير الْجَلِيل بِأَوْجَز عِبَارَة
وَقَدْ رَوَى النَّسَائِيُّ مِنْ حَدِيث بَهْز بْن حَكِيم عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدّه قَالَ قُلْت يَا رَسُول اللَّه مَا أَتَيْتُك حَتَّى حَلَفْت أَكْثَر مِنْ عَدَدهنَّ لِأَصَابِع يَدَيْهِ أَنْ لَا آتِيك وَلَا آتِي دِينك وَإِنِّي كُنْت اِمْرَأً لَا أَعْقِل شَيْئًا إِلَّا عَلَّمَنِي اللَّه وَرَسُوله
وَإِنِّي أَسْأَلك بِوَجْهِ اللَّه بِمَ بَعَثَك رَبّنَا إِلَيْنَا قال النُّسَخِ وَفِي بَعْضِهَا لَا تَرَاءَى
قَالَ فِي النِّهَايَةِ أَيْ يَلْزَمُ الْمُسْلِمَ وَيَجِبُ عَلَيْهِ أَنْ يَتَبَاعَدَ مَنْزِلُهُ عَنْ مَنْزِلِ الْمُشْرِكِ وَلَا يَنْزِلُ بِالْمَوْضِعِ الَّذِي إِنْ أُوقِدَتْ فِيهِ نَارُهُ تَلُوحُ وَتَظْهَرُ لِلْمُشْرِكِ إِذَا أَوْقَدَهَا فِي مَنْزِلِهِ وَلَكِنَّهُ يَنْزِلُ مَعَ الْمُسْلِمِينَ وَهُوَ حَثٌّ عَلَى الْهِجْرَةِ
وَالتَّرَائِي تَفَاعُلٌ مِنَ الرُّؤْيَةِ يُقَالُ تَرَاءَى الْقَوْمُ إِذَا رَأَى بَعْضُهُمْ بَعْضًا وَتَرَاءَى الشَّيْءَ أَيْ ظَهَرَ حَتَّى رَأَيْتُهُ
وَإِسْنَادُ التَّرَائِي إِلَى النَّارِ مَجَازٌ مِنْ قَوْلِهِمْ دَارِي تَنْظُرُ مِنْ دَارِ فُلَانٍ أَيْ تُقَابِلُهَا
يَقُولُ نَارَاهُمَا تَخْتَلِفَانِ هَذِهِ تَدْعُو إِلَى اللَّهِ وَهَذِهِ تَدْعُو إِلَى الشَّيْطَانِ فَكَيْفَ يَتَّفِقَانِ
وَالْأَصْلُ فِي تَرَاءَى تَتَرَاءَى فَحَذَفَ إِحْدَى التَّائَيْنِ تَخْفِيفًا
وَقَالَ الْخَطَّابِيُّ فِي مَعْنَاهُ ثَلَاثَةُ وُجُوهٍ قِيلَ مَعْنَاهُ لَا يَسْتَوِي حُكْمُهُمَا وَقِيلَ مَعْنَاهُ أَنَّ اللَّهَ فَرَّقَ بَيْنَ دَارَيِ الْإِسْلَامِ وَالْكُفْرِ فَلَا يَجُوزُ لِمُسْلِمٍ أَنْ يُسَاكِنَ الْكُفَّارَ فِي بِلَادِهِمْ حَتَّى إِذَا أَوْقَدُوا نَارًا كَانَ مِنْهُمْ بِحَيْثُ يَرَاهَا
وَقِيلَ مَعْنَاهُ لَا يَتَّسِمِ الْمُسْلِمُ بِسِمَةِ الْمُشْرِكِ وَلَا يَتَشَبَّهْ بِهِ فِي هَدْيِهِ وَشَكْلِهِ
كَذَا فِي مِرْقَاةِ الصُّعُودِ
قَالَ الْمُنْذِرِيُّ وَأَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ وَالنَّسَائِيُّ
وَذَكَرَ أَبُو دَاوُدَ أَنَّ جَمَاعَةً رَوَوْهُ مُرْسَلًا
وَأَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ أَيْضًا مُرْسَلًا.

     وَقَالَ  وَهَذَا أَصَحُّ وَذَكَرَ أَنَّ أكثر أصحاب إسماعيل يعني بن أبي خالد لم يذكروا فيه جرير أَوْ ذُكِرَ عَنِ الْبُخَارِيِّ أَنَّهُ قَالَ الصَّحِيحُ مُرْسَلٌ وَلَمْ يُخَرِّجْهُ النَّسَائِيُّ إِلَّا مُرْسَلًا وَاللَّهُ أَعْلَمُ




رقم الحديث 2646 [2646] أَيِ الْفِرَارِ يَوْمَ الْجِهَادِ وَلِقَاءِ الْعَدُوِّ فِي الْحَرْبِ وَالزَّحْفُ الْجَيْشُ يَزْحَفُونَ إِلَى الْعَدُوِّ أَيْ يَمْشُونَ
قَالَهُ فِي الْمَجْمَعِ
( عَنِ الزُّبَيْرِ بْنِ خِرِّيتٍ) بِكَسْرِ الْمُعْجَمَةِ وَتَشْدِيدِ الرَّاءِ بَعْدَهَا تَحْتَانِيَّةٌQبِالْإِسْلَامِ
قُلْت وَمَا آيَات الْإِسْلَام قَالَ أَنْ تَقُول أَسْلَمْت وَجْهِي إِلَى اللَّه وَتَخَلَّيْت وَتُقِيم الصَّلَاة وَتُؤْتِي الزَّكَاة
كُلّ الْمُسْلِم عَلَى الْمُسْلِم مُحَرَّم أَخَوَانِ نَصِيرَانِ لَا يَقْبَل اللَّه مِنْ مُشْرِك بَعْد مَا يُسْلِم عَمَلًا أَوْ يُفَارِق الْمُشْرِكِينَ إِلَى الْمُسْلِمِينَ
وَقَدْ ذَكَرَ أَبُو دَاوُدَ مِنْ حَدِيث سَمُرَة عَنْ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَنْ جَامَعَ الْمُشْرِك وَسَكَنَ مَعَهُ فَإِنَّهُ مِثْله وَفِي الْمَرَاسِيل لِأَبِي دَاوُدَ عَنْ مَكْحُول عَنْ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا تَتْرُكُوا الذُّرِّيَّة إِزَاء الْعَدُوّ سَاكِنَةٌ ثُمَّ مُثَنَّاةٌ فَوْقِيَّةٌ ثِقَةٌ مِنْ صِغَارِ التابعين ( يغلبوا مائتين) أَيْ مِنَ الْكُفَّارِ
وَالْمَعْنَى لِيُقَاتِلِ الْعِشْرُونَ مِنْكُمُ المائتين معهم ويثبتوا منهم ( فَشَقَّ ذَلِكَ) أَيِ الْحُكْمُ الْمَذْكُورُ ( الْآنَ خَفَّفَ الله عنكم) وَبَعْدَهُ ( وَعَلِمَ أَنَّ فِيكُمْ ضَعْفًا فَإِنْ يَكُنْ منكم مائة صابرة يغلبوا مائتين) أَيْ لِتُقَاتِلُوا مِثْلَيْكُمْ وَتَثْبُتُوا لَهُمْ ( قَالَ فَلَمَّا خفف الله عنهم إلخ) وهذا قاله بن عَبَّاسٍ تَوْقِيفًا عَلَى مَا يَظْهَرُ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ قَالَهُ بِطَرِيقِ الِاسْتِقْرَاءِ قَالَهُ الْحَافِظُ
وَاسْتُدِلَّ بِهَذَا الْحَدِيثِ عَلَى وُجُوبِ ثَبَاتِ الْوَاحِدِ الْمُسْلِمِ إِذَا قَاوَمَ رَجُلَيْنِ مِنَ الْكُفَّارِ وَتَحْرِيمِ الْفِرَارِ عَلَيْهِ مِنْهُمَا سَوَاءٌ طَلَبَاهُ أَوْ طَالَبَهُمَا سَوَاءٌ وَقَعَ ذَلِكَ وَهُوَ وَاقِفٌ فِي الصَّفِّ مَعَ الْعَسْكَرِ أَوْ لَمْ يَكُنْ هُنَاكَ عَسْكَرٌ وَهَذَا هو ظاهر تفسير بن عَبَّاسٍ
قَالَهُ الْحَافِظُ
وَالْحَدِيثُ سَكَتَ عَنْهُ الْمُنْذِرِيُّ



رقم الحديث 2647 [2647] ( فَحَاصَ النَّاسُ) بِإِهْمَالِ الْحَاءِ وَالصَّادِ أَيْ جَالُوا جَوْلَةً يَطْلُبُونَ الْفِرَارَ
قَالَهُ السُّيُوطِيُّ
وَفِي الْمِرْقَاةِ لِلْقَارِي أَيْ مَالُوا عَنِ الْعَدُوِّ مُلْتَجِئِينَ إِلَى الْمَدِينَةِ وَمِنْهُ .

     قَوْلُهُ  تَعَالَى وَلَا يَجِدُونَ عَنْهَا محيصا أَيْ مَهْرَبًا
وَيُؤَيِّدُ هَذَا الْمَعْنَى قَوْلُ الْجَوْهَرِيُّ حَاصَ عَنْهُ عَدَلَ وَحَادَ وَيُقَالُ لِلْأَوْلِيَاءِ حَاصُوا عَنِ الْأَعْدَاءِ وَلِلْأَعْدَاءِ انْهَزَمُوا وَفِي الْفَائِقِ حَاصَ حَيْصَةً أَيِ انْحَرَفَ وَانْهَزَمَ انْتَهَى
( وَبُؤْنَا بِالْغَضَبِ) مِنْ بَاءَ يَبُوءُ عَلَى وَزْنِ قُلْنَا أَيْ رَجَعْنَا بِغَضَبٍ مِنَ اللَّهِ ( فَنَثْبُتَ فِيهَا) أَيْ فِي الْمَدِينَةِ
وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ فَنَبِيتُ مِنَ الْبَيْتُوتَةِ وَفِي بَعْضِهَا فَنَتَثَبَّتُ مِنْهَا وَفِي رِوَايَةِ التِّرْمِذِيِّ فَأَتَيْنَا الْمَدِينَةَ فَاخْتَفَيْنَا بِهَا لِنَذْهَبَ أَيْ إِلَى الْجِهَادِ مَرَّةً ثَانِيَةً ( أَقَمْنَا) أَيْ فِي الْمَدِينَةِ ( فَجَلَسْنَا) أَيْ مُتَرَصِّدِينَ ( بَلْ أَنْتُمُ الْعَكَّارُونَ) أَيْ أَنْتُمُ الْعَائِدُونَ إِلَى الْقِتَالِ وَالْعَاطِفُونَ عَلَيْهِ يُقَالُ عَكَّرْتُ عَلَى الشَّيْءِ إِذَا عَطَفْتُ عَلَيْهِ وَانْصَرَفْتُ إِلَيْهِ بَعْدَ الذَّهَابِ عَنْهُ
قَالَ الْأَصْمَعِيُّ رَأَيْتُ أَعْرَابِيًّا يُفَلِّي ثِيَابَهُ فَيَقْتُلُ الْبَرَاغِيثَ وَيَتْرُكُ الْقَمْلَ فَقُلْتُ لِمَ تَصْنَعُ هَذَا قَالَ أَقْتُلُ الْفُرْسَانَ ثُمَّ أُعَكِّرُ عَلَى الرَّجَّالَةِ ( أَنَا فِئَةُ الْمُسْلِمِينَ) فِي النِّهَايَةِ الْفِئَةُ الْجَمَاعَةُ مِنَ النَّاسِ فِي الْأَصْلِ وَالطَّائِفَةُ الَّتِي تَقُومُ وَرَاءَ الْجَيْشِ فَإِنْ كَانَ عَلَيْهِمْ خوف أو هزيمة التجأوا إِلَيْهِ انْتَهَى
وَقَالَ الْخَطَّابِيُّ يُمَهِّدُ بِذَلِكَ عُذْرَهُمْ وهو تأويل قول الله سبحانه أو متحيرا إلى فئة انتهى قال المنذري وأخرجه الترمذي وبن مَاجَهْ.

     وَقَالَ  التِّرْمِذِيُّ حَسَنٌ لَا نَعْرِفُهُ إِلَّا مِنْ حَدِيثِ يَزِيدَ بْنِ أَبِي زِيَادٍ هَذَا آخِرُ كَلَامِهِ
وَيَزِيدُ بْنُ أَبِي زِيَادٍ تَكَلَّمَ فِيهِ غَيْرُ وَاحِدٍ مِنَ الْأَئِمَّةِ



رقم الحديث 2648 [2648] ( وَمَنْ يُوَلِّهِمْ يومئذ) أي يوم لقائهم ( دبره) بعده ( إلا متحرفا لقتال أو متحيرا إِلَى فِئَةٍ فَقَدْ بَاءَ بِغَضَبٍ مِنَ اللَّهِ ومأواه جهنم وبئس المصير) ومعنى قوله تعالى متحرفا لقتال أَيْ مُنْعَطِفًا لَهُ بِأَنْ يُرِيَهُمُ الْفَرَّةَ مَكِيدَةً وهو يريد الكرة وقوله ( أو متحيرا) أي منضما
وقوله ( إلى فئة) أَيْ جَمَاعَةٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ
يَسْتَنْجِدُ بِهَا أَيْ يَسْتَعِينُ بِالْفِئَةِ أَوْ يَقْوَى بِهَا
كَذَا فِي تَفْسِيرِ الْجَلَالَيْنِ
قَالَ الْمُنْذِرِيُّ وَأَخْرَجَهُ النَّسَائِيُّ
آخِرُ السَّادِسَ عَشَرَ مِنْ أَصْلِ الْخَطِيبِ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ وَصَلَاتُهُ وَسَلَامُهُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ وَآلِهِ انْتَهَى كَلَامُ الْمُنْذِرِيِّ




رقم الحديث 2649 [2649] ( عَنْ خَبَّابٍ) بِفَتْحِ الْخَاءِ الْمُعْجَمَةِ وَتَشْدِيدِ الْمُوَحَّدَةِ الأولى هو بن الْأَرَتِّ ( مُتَوَسِّدٌ بُرْدَةً) أَيْ كِسَاءً مُخَطَّطًا
وَالْمَعْنَى جَاعِلٌ الْبُرْدَةَ وِسَادَةً لَهُ مِنْ تَوَسَّدَ الشَّيْءَ جَعَلَهُ تَحْتَ رَأْسِهِ ( فَشَكَوْنَا) أَيِ الْكُفَّارَ ( أَلَا تَدْعُو اللَّهَ لَنَا) أَيْ عَلَى الْمُشْرِكِينَ فَإِنَّهُمْ يُؤْذُونَنَا ( مُحْمَرًّا وَجْهُهُ) أَيْ مِنْ أَثَرِ النَّوْمِ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ من الغضب وبه جزم بن التِّينِ قَالَهُ الْحَافِظُ ( فَيُحْفَرُ لَهُ) بِصِيغَةِ الْمَجْهُولِ أَيْ يُجْعَلُ لَهُ حُفْرَةٌ ( بِالْمِنْشَارِ) بِكَسْرِ الْمِيمِ هُوَ آلَةٌ يُشَقُّ بِهَا الْخَشَبَةُ ( فَيُجْعَلُ فِرْقَتَيْنِ) أَيْ يُجْعَلُ الرَّجُلُ شِقَّيْنِ يَعْنِي يُقْطَعُ نِصْفَيْنِ ( مَا يَصْرِفُهُ ذَلِكَ) أَيْ لَا يَمْنَعُهُ ذَلِكَ الْعَذَابُ الشَّدِيدُ ( وَيُمْشَطُ) بِصِيغَةِ الْمَجْهُولِ ( بِأَمْشَاطِ الْحَدِيدِ) جمع المشط وهو ما يتشط بِهِ الشَّعْرُ وَهُوَ بِالْفَارِسِيَّةِ شانه ( مَا دُونَ عَظْمِهِ مِنْ لَحْمٍ وَعَصَبٍ) وَالْمَعْنَى مَا عِنْدَ عَظْمِهِ وَمِنْ بَيَانِيَّةٌ وَفِي رِوَايَةٍ لِلْبُخَارِيِّ مَا دُونَ لَحْمِهِ مِنْ عَظْمٍ أَوْ عَصَبٍ قَالَ القارىء أَيْ مَا تَحْتَ لَحْمِ ذَلِكَ الرَّجُلِ أَوْ غَيْرِهِ وَهُوَ الظَّاهِرُ
وَقَالَ الطِّيبِيُّ مِنْ بَيَانٌ لِمَا وَفِيهِ مُبَالَغَةٌ بِأَنَّ الْأَمْشَاطَ لِحِدَّتِهَا وَقُوَّتِهَا كَانَتْ تَنْفُذُ مِنَ اللَّحْمِ إِلَى الْعَظْمِ وَمَا يَلْتَصِقُ بِهِ مِنَ الْعَصَبِ ( وَاللَّهِ) الْوَاوُ لِلْقَسَمِ ( لَيُتِمَّنَّ اللَّهُ) بِضَمِّ حَرْفِ الْمُضَارَعَةِ وَكَسْرِ التَّاءِ ( هَذَا الْأَمْرَ) أَيْ أَمْرَ الدِّينِ ( الرَّاكِبُ) أَيْ رَجُلٌ أَوِ امْرَأَةٌ وَحْدَهُ ( مَا بَيْنَ صَنْعَاءَ) بَلَدٍ بِالْيَمَنِ ( وَحَضْرَمَوْتَ) هُوَ مَوْضِعٌ بِأَقْصَى الْيَمَنِ وَهُوَ بِفَتْحِ الْمِيمِ غَيْرُ مُنْصَرِفٍ لِلتَّرْكِيبِ وَالْعَلَمِيَّةِ وَقِيلَ اسْمُ قَبِيلَةٍ وَقِيلَ مَوْضِعٌ حَضَرَ فِيهِ صَالِحٌ عَلَيْهِ السَّلَامُ فَمَاتَ فِيهِ وَحَضَرَ جِرْجِيسُ فَمَاتَ فِيهِ كَذَا فِي الْمِرْقَاةِ ( مَا يَخَافُ إِلَّا اللَّهَ) لِعَدَمِ خَوْفِ السَّرِقَةِ وَنَحْوِهِ ( وَالذِّئْبَ عَلَى غَنَمِهِ) أَيْ مَا يَخَافُ إِلَّا الذِّئْبَ عَلَى غَنَمِهِ
وَلَا يَخْفَى مَا فِيهِ مِنَ الْمُبَالَغَةِ فِي حُصُولِ الْأَمْنِ وَزَوَالِ الْخَوْفِ ( وَلَكِنَّكُمْ تَعْجَلُونَ) أَيْ سَيَزُولُ عَذَابُ الْمُشْرِكِينَ فَاصْبِرُوا عَلَى أَمْرِ الدِّينِ كَمَا صَبَرَ مَنْ سَبَقَكُمْ
قَالَ بن بَطَّالٍ أَجْمَعُوا عَلَى أَنَّ مَنْ أُكْرِهَ عَلَى الْكُفْرِ وَاخْتَارَ الْقَتْلَ أَنَّهُ أَعْظَمُ أَجْرًا عِنْدَ اللَّهِ مِمَّنِ اخْتَارَ الرُّخْصَةَ.
وَأَمَّا غَيْرُ الْكُفْرِ فَإِنْ أُكْرِهَ عَلَى أَكْلِ الْخِنْزِيرِ مَثَلًا فَالْفِعْلُ أَوْلَى انْتَهَى
قَالَ الْمُنْذِرِيُّ وَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ وَالنَّسَائِيُّ


رقم الحديث 2651 [2651] وَفِي بَعْضِهَا فَانْتَحَيْنَاهَا
قَالَ الْمُنْذِرِيُّ أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ السُّلَمِيُّ هُوَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ حَبِيبٍ كُوفِيٌّ مِنْ كِبَارِ التَّابِعِينَ حَكَى عَطَاءٌ عنه أنه قال صمت ثمانين رمضان حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ مُحَبَّبٍ بِفَتْحِ الْمُهْمَلَةِ وَالْمُوَحَّدَةِ الْأُولَى كَمُعَظَّمٍ عَنْ حَارِثَةَ بْنِ مُضَرِّبٍ بِتَشْدِيدِ الرَّاءِ الْمَكْسُورَةِ عَنْ فُرَاتِ بْنِ حَيَّانَ بِتَحْتَانِيَّةٍ وَكَانَ عَيْنًا لِقُرَيْشٍ فَأَمَرَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِقَتْلِهِ ثُمَّ أَسْلَمَ فَحَسُنَ إِسْلَامُهُ كَذَا فِي الْخُلَاصَةِ وَكَانَ عَيْنًا أَيْ جَاسُوسًا وَسُمِّيَ الْجَاسُوسُ عَيْنًا لِأَنَّ عَمَلَهُ بِعَيْنِهِ أَوْ لِشِدَّةِ اهْتِمَامِهِ بِالرُّؤْيَةِ وَاسْتِغْرَاقِهِ فِيهَا كَأَنَّ جَمِيعَ بَدَنِهِ صَارَ عَيْنًا نَكِلُهُمْ يُقَالُ وَكَلْتُ الْأَمْرَ إِلَيْهِ وَكْلًا مِنْ بَابِ وَعَدَ وَوُكُولًا فَوَّضْتُهُ إِلَيْهِ وَاكْتَفَيْتُ بِهِ إِلَى إِيمَانِهِمْ الْقَائِلِينَ بِأَنَّنَا مِنَ الْمُسْلِمِينَ وَنُصَدِّقُهُمْ عَلَى هَذَا الْقَوْلِ وَاعْلَمْ أَنَّ هَذَا الْحَدِيثَ وَقَعَ فِي مُنْتَقَى الْأَخْبَارِ بِرِوَايَةِ أَحْمَدَ وَلَفْظُهُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمَرَ بِقَتْلِهِ وَكَانَ ذِمِّيًّا وَكَانَ عَيْنًا لِأَبِي سُفْيَانَ وَحَلِيفًا لِرَجُلٍ مِنْ الْأَنْصَارِ فَمَرَّ إِلَخْ وَبِهَذَا ظَهَرَ مُنَاسَبَةُ الْحَدِيثِ بِالْبَابِ وَالْحَدِيثُ يَدُلُّ عَلَى جَوَازِ قَتْلِ الْجَاسُوسِ الذِّمِّيِّ وَفِي فَتْحِ الْبَارِي قَتْلُ الْحَرْبِيِّ الْكَافِرِ يَجُوزُ بِالِاتِّفَاقِ.
وَأَمَّا الْمُعَاهَدُ والذمي فقال مالك والأوزاعي ينتقض عهده بذلك وَعِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ فِيهِ خِلَافٌ أَمَّا لَوْ شُرِطَ عَلَيْهِ ذَلِكَ فِي عَهْدِهِ فَيَنْتَقِضُ بِالِاتِّفَاقِ انْتَهَى قَالَ الْمُنْذِرِيُّ فِي إِسْنَادِهِ أَبُو هَمَّامٍ الدَّلَّالِ مُحَمَّدُ بْنُ مُحَبِّبٍ وَلَا يُحْتَجُّ بِحَدِيثِهِ وَهُوَ رَوَاهُ عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ وَقَدْ رَوَى هَذَا الْحَدِيثَ عَنِ الثَّوْرِيِّ بِشْرُ بْنُ السَّرِيِّ الْبَصْرِيِّ وَهُوَ مِمَّنِ اتَّفَقَ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ عَلَى الِاحْتِجَاجِ بِحَدِيثِهِ وَرَوَاهُ عَنِ الثَّوْرِيِّ عَبَّادُ بْنُ مُوسَى الْأَزْرَقُ الْعَبَادَانِيُّ وَكَانَ ثِقَةً وَفُرَاتٌ بِضَمِّ الْفَاءِ وَرَاءٍ مُهْمَلَةٍ وَبَعْدَ الْأَلِفِ تَاءٌ ثَالِثُ الْحُرُوفِ وَفُرَاتٌ هَذَا لَهُ صُحْبَةٌ وَهُوَ عِجْلِيٌّ سَكَنَ الْكُوفَةَ وَكَانَ هَاجَرَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَمْ يَزَلْ يَغْزُو مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلى أن قبض فنزل الكوفة كَانَ الْأَوْلَى التَّعْبِيرُ بِالْجَاسُوسِ بِغَيْرِ أَمَانٍ كَمَا بَوَّبَ عَلَيْهِ الْبُخَارِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى بِقَوْلِهِ بَابُ الْحَرْبِيِّ إِذَا دَخَلَ دَارَ الْإِسْلَامِ بِغَيْرِ أمان قاله بعض شيوخنا ويؤيده قول بن رَسْلَانَ الْآتِي
قُلْتُ وَمَقْصُودُ الْمُؤَلِّفِ أَنَّ الْكَافِرَ الْحَرْبِيَّ طَالِبًا لِلْأَمْنِ إِذَا دَخَلَ دَارَ الْإِسْلَامِ حَالَةَ الْأَمْنِ فَظَهَرَ بَعْدَ ذَلِكَ أَنَّهُ جَاسُوسٌ يَحِلُّ قَتْلُهُ وَاللَّهُ أَعْلَمُ
( عَيْنٌ) فَاعِلٌ أَتَى ( وَهُوَ) أَيِ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ والواو للحال ( فجلس) أي الجاسوس
قال بن رَسْلَانَ فِي شَرْحِ السُّنَنِ أَيْ جَلَسَ عِنْدَ أَصْحَابِهِ بِغَيْرِ أَمَانٍ فَإِنَّ الْبُخَارِيَّ بَوَّبَ عَلَيْهِ بَابُ الْحَرْبِيِّ إِذَا دَخَلَ دَارَ الْإِسْلَامِ بِغَيْرِ أَمَانٍ انْتَهَى
قَالَ فِي الْفَتْحِ .

     قَوْلُهُ  بِغَيْرِ أَمَانٍ أَيْ هَلْ يَجُوزُ قَتْلُهُ وَهِيَ مِنْ مَسَائِلِ الْخِلَافِ
قَالَ مَالِكٌ يُخَيَّرُ فِيهِ الْإِمَامُ وَحُكْمُهُ حُكْمُ أَهْلِ الْحَرْبِ
وَقَالَ الْأَوْزَاعِيُّ وَالشَّافِعِيُّ إِنِ ادَّعَى أَنَّهُ رَسُولٌ قُبِلَ مِنْهُ
وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَأَحْمَدُ لَا يُقْبَلُ ذَلِكَ مِنْهُ
قال بن الْمُنِيرِ تَرْجَمَ الْبُخَارِيُّ بِالْحَرْبِيِّ إِذَا دَخَلَ بِغَيْرِ أَمَانٍ وَأَوْرَدَ الْحَدِيثَ الْمُتَعَلِّقَ بِعَيْنِ الْمُشْرِكِينَ وَهُوَ جَاسُوسُهُمْ وَحُكْمُ الْجَاسُوسِ مُخَالِفٌ لِحُكْمِ الْحَرْبِيِّ الْمُطْلَقِ الدَّاخِلِ بِغَيْرِ أَمَانٍ فَالدَّعْوَى أَعَمُّ مِنَ الدَّلِيلِ
وَأُجِيبَ بِأَنَّ الْجَاسُوسَ الْمَذْكُورَ أَوْهَمَ أَنَّهُ مِمَّنْ لَهُ أَمَانٌ فَلَمَّا قَضَى حَاجَتَهُ مِنَ التَّجَسُّسِ انْطَلَقَ مُسْرِعًا فَفَطِنَ لَهُ فَظَهَرَ أَنَّهُ حَرْبِيٌّ دَخَلَ بِغَيْرِ أَمَانٍ انْتَهَى ( ثُمَّ انْسَلَّ) أَيِ انصرف ( وأخذت سلبته) بِفَتْحَتَيْنِ أَيْ مَا كَانَ عَلَيْهِ مِنَ الثِّيَابِ وَالسِّلَاحِ سُمِّيَ بِهِ لِأَنَّهُ يُسْلَبُ عَنْهُ ( فَنَفَّلَنِي) بِتَشْدِيدِ الْفَاءِ وَيَجُوزُ تَخْفِيفُهُ أَيْ أَعْطَانِي ( إِيَّاهُ) أَيْ سَلَبَهُ
قَالَ الطِّيبِيُّ فَنَفَّلَنِي أَيْ أَعْطَانِي نَفْلًا وَهُوَ مَا يُخَصُّ بِهِ الرَّجُلُ مِنَ الْغَنِيمَةِ وَيُزَادُ عَلَى سَهْمِهِ
قَالَ النَّوَوِيُّ فِيهِ قَتْلُ الْجَاسُوسِ الْحَرْبِيِّ الْكَافِرِ وَهُوَ بِاتِّفَاقٍ.
وَأَمَّا المعاهد والذمي فقال مالك والأوزاعي ينتقض عهده بِذَلِكَ وَعِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ خِلَافٌ أَمَّا لَوْ شُرِطَ عَلَيْهِ ذَلِكَ فِي عَهْدِهِ فَيَنْتَقِضُ اتِّفَاقًا انْتَهَى
قَالَ الْمُنْذِرِيُّ وَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ وَالنَّسَائِيُّ وَفِيهِ عَنْ إِيَاسٍ عَنْ أَبِيهِ

رقم الحديث 2652 [2652]

رقم الحديث 2653 [2653]