فهرس الكتاب

عون المعبود لابى داود - بَابٌ فِي الْفُرُشِ

رقم الحديث 3670 [3670] ( عَبَّادُ بْنُ مُوسَى الْخُتَّلِيُّ) بِضَمِّ الْمُعْجَمَةِ وَفَتْحِ الْمُثَنَّاةِ الشَّدِيدَةِ مَنْسُوبٌ إِلَى خُتَّلِ كُورَةٌ خَلْفَ جَيْحُونَ قَالَهُ السُّيُوطِيُّ ( بَيَانًا شِفَاءً) وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ شَافِيًا يسألونك عن الخمر والميسر أَيِ الْقِمَارِ أَيْ مَا حُكْمُهُمَا قُلْ فِيهِمَا أَيْ فِي تَعَاطِيهِمَا إِثْمٌ كَبِيرٌ أَيْ عَظِيمٌ لِمَا يَحْصُلُ بِسَبَبِهِمَا مِنَ الْمُخَاصَمَةِ وَالْمُشَاتَمَةِ وَقَوْلِ الْفُحْشِ ( فَدُعِيَ) عَلَى الْبِنَاءِ لِلْمَجْهُولِ ( فَقُرِئَتْ) أَيِ الآية المذكورة لا تقربوا الصلاة أي لا تصلوا وأنتم سكارى جُمْلَةٌ حَالِيَّةٌ فَنَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ فَهَلْ أَنْتُمْ منتهون وَفِي رِوَايَةِ النَّسَائِيِّ فَنَزَلَتِ الْآيَةُ الَّتِي فِي الْمَائِدَةِ فَدُعِيَ عُمَرُ فَقُرِئَتْ عَلَيْهِ فَلَمَّا بَلَغَ فَهَلْ أَنْتُمْ مُنْتَهُونَ ( قَالَ عُمَرُ انْتَهَيْنَا) أَيْ عَنْ إِتْيَانِهِمَا أَوْ عَنْ طَلَبِ الْبَيَانِ الشَّافِي قال الطِّيبِيُّ فَنَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ يَعْنِي قَوْلَهُ تَعَالَى ياأيها الذين آمنوا إنما الخمر والميسر الْآيَتَيْنِ وَفِيهِمَا دَلَائِلُ سَبْعَةٌ عَلَى تَحْرِيمِ الْخَمْرِ أَحَدُهَا .

     قَوْلُهُ  رِجْسٌ وَالرِّجْسُ هُوَ النَّجِسُ وَكُلُّ نَجِسٍ حَرَامٌ
وَالثَّانِي .

     قَوْلُهُ  مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ وَمَا هُوَ مِنْ عَمَلِهِ حَرَامٌ
وَالثَّالِثُ .

     قَوْلُهُ  فَاجْتَنِبُوهُ وَمَا أَمَرَ اللَّهُ تَعَالَى بِاجْتِنَابِهِ فَهُوَ حَرَامٌ
وَالرَّابِعُ .

     قَوْلُهُ  لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ وَمَا عُلِّقَ رَجَاءُ الْفَلَاحِ بِاجْتِنَابِهِ فَالْإِتْيَانُ بِهِ حَرَامٌ
وَالْخَامِسُ .

     قَوْلُهُ  إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُوقِعَ بَيْنَكُمُ العداوة والبغضاء في الخمر والميسر وَمَا هُوَ سَبَبُ وُقُوعِ الْعَدَاوَةِ وَالْبَغْضَاءِ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ فَهُوَ حَرَامٌ
وَالسَّادِسُ وَيَصُدَّكُمْ عَنْ ذِكْرِ الله وعن الصلاة وَمَا يَصُدُّ بِهِ الشَّيْطَانُ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَعَنِ الصَّلَاةِ فَهُوَ حَرَامٌ
وَالسَّابِعُ .

     قَوْلُهُ  فَهَلْ أنتم منتهون مَعْنَاهُ انْتَهُوا وَمَا أَمَرَ اللَّهُ عِبَادَهُ بِالِانْتِهَاءِ عَنْهُ فَالْإِتْيَانُ بِهِ حَرَامٌ انْتَهَى
قَالَ الْمُنْذِرِيُّ وَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ وَالتِّرْمِذِيُّ وَالنَّسَائِيُّ وَذِكْرُ التِّرْمِذِيِّ أَنَّهُ مُرْسَلٌ أَصَحُّ



رقم الحديث 3671 [3671] ( دَعَاهُ وَعَبْدَ الرَّحْمَنِ) بِالنَّصْبِ أَيْ دَعَا عَلِيًّا وَعَبْدَ الرَّحْمَنِ ( فَسَقَاهُمَا) أَيِ الْخَمْرَ ( فَخَلَطَ) أَيْ فَالْتَبَسَ عَلَيْهِ وَلَفْظُ التِّرْمِذِيِّ وَحَضَرَتِ الصلاة فقدموني فقرأت قل ياأيها الْكَافِرُونَ لَا أَعْبُدُ مَا تَعْبُدُونَ وَنَحْنُ نَعْبُدُ مَا تَعْبُدُونَ انْتَهَى فِيهَا أَيْ فِي السُّورَةِ حَتَّى تَعْلَمُوا مَا تَقُولُونَ بِأَنْ تَصْحُوا
وَفِي الْحَدِيثِ أَنَّ الْمُصَلِّيَ بِهِمْ هُوَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ
وَأَخْرَجَهُ الْحَاكِمُ عَنْ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ بِلَفْظِ دَعَانَا رَجُلٌ مِنَ الْأَنْصَارِ قَبْلَ تَحْرِيمِ الْخَمْرِ فَحَضَرَتْ صَلَاةُ الْمَغْرِبِ فَتَقَدَّمَ رَجُلٌ فَقَرَأَ الْحَدِيثَ ثُمَّ قَالَ صَحِيحٌ
قَالَ وَفِي هَذَا الْحَدِيثِ فَائِدَةٌ كَبِيرَةٌ وَهِيَ أَنَّ الْخَوَارِجَ تَنْسُبُ هَذَا السُّكْرَ وَهَذِهِ الْقِرَاءَةَ إِلَى أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ دُونَ غَيْرِهِ وَقَدْ بَرَّأَهُ اللَّهُ مِنْهَا فَإِنَّهُ رَاوِي الحديث
قَالَ الْمُنْذِرِيُّ وَأَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ وَالنَّسَائِيُّ.

     وَقَالَ  التِّرْمِذِيُّ حَسَنٌ غَرِيبٌ صَحِيحٌ هَذَا آخِرُ كَلَامِهِ وَفِي إِسْنَادِهِ عَطَاءُ بْنُ السَّائِبِ لَا يُعْرَفُ إِلَّا مِنْ حَدِيثِهِ
وَقَدْ قَالَ يَحْيَى بْنُ مَعِينٍ لَا يُحْتَجُّ بِحَدِيثِهِ وَفَرَّقَ مَرَّةً بَيْنَ حَدِيثِهِ الْقَدِيمِ وَحَدِيثِهِ الْحَدِيثِ وَوَافَقَهُ عَلَى التَّفْرِقَةِ الْإِمَامُ أَحْمَدُ
وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ الْبَزَّارُ وَهَذَا الْحَدِيثُ لَا نَعْلَمُهُ يُرْوَى عَنْ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ مُتَّصِلَ الْإِسْنَادِ إِلَّا مِنْ حَدِيثِ عَطَاءِ بْنِ السَّائِبِ عَنْ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ يَعْنِي السُّلَمِيَّ وَإِنَّمَا كَانَ ذَلِكَ قَبْلَ أَنْ يُحَرَّمَ الْخَمْرُ فَحُرِّمَتْ مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ
هَذَا آخِرُ كَلَامِهِ
وَقَدِ اخْتُلِفَ فِي إِسْنَادِهِ وَمَتْنِهِ فَأَمَّا الِاخْتِلَافُ فِي إِسْنَادِهِ فَرَوَاهُ سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ وَأَبُو جَعْفَرٍ الرَّازِيُّ عَنْ عَطَاءِ بْنِ السَّائِبِ فَأَرْسَلُوهُ.
وَأَمَّا الِاخْتِلَافُ فِي مَتْنِهِ فَفِي كِتَابِ أَبِي دَاوُدَ وَالتِّرْمِذِيِّ ما قدمناه وفي كتاب النسائي وأبو جَعْفَرٍ النَّحَّاسِ أَنَّ الْمُصَلِّيَ بِهِمْ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ وَفِي كِتَابِ أَبِي بَكْرٍ الْبَزَّارِ أَمَرُوا رَجُلًا فَصَلَّى بِهِمْ وَلَمْ يُسَمِّهِ وَفِي حَدِيثِ غَيْرِهِ فَتَقَدَّمَ بَعْضُ الْقَوْمِ
انْتَهَى كَلَامُ المنذري



رقم الحديث 3672 [3672] ( ياأيها الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَقْرَبُوا الصَّلَاةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَى) جَمْعُ سَكْرَانَ وَتَمَامُ الْآيَةِ ( حَتَّى تَعْلَمُوا مَا تقولون) وهذه الآية في النساء
وأخرج بن جرير الطبري عن بن عَبَّاسٍ أَنَّ رِجَالًا كَانُوا يَأْتُونَ الصَّلَاةَ وَهُمْ سُكَارَى قَبْلَ أَنْ تُحَرَّمَ الْخَمْرُ فَقَالَ اللَّهُ عز وجل ياأيها الذين آمنوا الآية ( ويسألونك عن الخمر والميسر قل فيهما) أي في الخمر والميسر ( إثم كبير) أَيْ وِزْرٌ عَظِيمٌ وَقِيلَ إِنَّ الْخَمْرَ عَدُوٌّ لِلْعَقْلِ فَإِذَا غَلَبَتْ عَلَى عَقْلِ الْإِنْسَانِ ارْتَكَبَ كُلَّ قَبِيحٍ فَفِي ذَلِكَ آثَامٌ كَبِيرَةٌ مِنْهَا إِقْدَامُهُ عَلَى شُرْبِ الْمُحَرَّمِ وَمِنْهَا فِعْلُ مَا لَا يَحِلُّ فِعْلُهُ
وَأَمَّا الْإِثْمُ الْكَبِيرُ فِي الْمَيْسِرِ فَهُوَ أَكْلُ الْمَالِ الْحَرَامِ بِالْبَاطِلِ وَمَا يَجْرِي بَيْنَهُمَا مِنَ الشَّتْمِ وَالْمُخَاصَمَةِ وَالْمُعَادَاةِ وَكُلُّ ذَلِكَ فِيهِ آثَامٌ كَثِيرَةٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ يَعْنِي أَنَّهُمْ كَانُوا يَرْبَحُونَ فِي بَيْعِ الْخَمْرِ قَبْلَ تَحْرِيمِهَا
وَهَذِهِ الْآيَةُ فِي الْبَقَرَةِ وَتَمَامُهَا مَعَ تفسيرها هكذا ( وإثمهما أكبر من نفعهما) يعني إثمهما بَعْدَ التَّحْرِيمِ أَكْبَرُ مِنْ نَفْعِهِمَا قَبْلَ التَّحْرِيمِ وَقِيلَ إِنَّهُمَا .

     قَوْلُهُ  تَعَالَى إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أن يوقع الْآيَةَ فَهَذِهِ ذُنُوبٌ يَتَرَتَّبُ عَلَيْهَا آثَامٌ كَبِيرَةٌ بِسَبَبِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ ( نَسَخَتْهُمَا) أَيِ الْآيَةُ الْأُولَى وَهِيَ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَقْرَبُوا الصَّلَاةَ وأنتم سكارى والآية الثانية وَهِيَ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَقْرَبُوا الصَّلَاةَ وأنتم سكارى وَالْآيَةُ الثَّانِيَةُ وَهِيَ يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ الآية ( التي في المائدة) ياأيها الذين آمنوا ( إنما الخمر والميسر والأنصاب الْآيَةَ) الْمَيْسِرُ الْقِمَارُ وَالْأَنْصَابُ الْأَصْنَامُ وَهِيَ الْحِجَارَةُ الَّتِي كَانُوا يَنْصِبُونَهَا لِلْعِبَادَةِ وَيَذْبَحُونَ عِنْدَهَا
وَتَمَامُ الْآيَتَيْنِ مَعَ تَفْسِيرِهِمَا هَكَذَا وَالْأَزْلَامُ هِيَ الْقِدَاحُ الَّتِي كَانُوا يَسْتَقْسِمُونَ بِهَا رِجْسٌ نَجِسٌ أَوْ خَبِيثٌ مُسْتَقْذَرٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ لِأَنَّهُ يَحْمِلُ عَلَيْهِ فَكَأَنَّهُ عَمِلَهُ فَاجْتَنِبُوهُ أَيِ الرِّجْسَ لِأَنَّهُ اسْمٌ جَامِعٌ لِلْكُلِّ كَأَنَّهُ قَالَ إِنَّ هَذِهِ الْأَرْبَعَةَ الْأَشْيَاءَ كُلَّهَا رِجْسٌ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ يَعْنِي لِكَيْ تُدْرِكُوا الْفَلَاحَ إِذَا اجْتَنَبْتُمْ هَذِهِ الْمُحَرَّمَاتِ الَّتِي هِيَ رِجْسٌ إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ فِي الْخَمْرِ والميسر يَعْنِي إِنَّمَا يُزَيِّنُ لَكُمُ الشَّيْطَانُ شُرْبَ الْخَمْرِ وَالْقِمَارَ وَهُوَ الْمَيْسِرُ وَيُحَسِّنُ ذَلِكَ لَكُمْ إِرَادَةَ أَنْ يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ بِسَبَبِ شُرْبِ الْخَمْرِ لِأَنَّهَا تُزِيلُ عَقْلَ شَارِبِهَا فَيَتَكَلَّمُ بِالْفُحْشِ وَرُبَّمَا أَفْضَى ذَلِكَ إِلَى الْمُقَاتَلَةِ وَذَلِكَ سَبَبُ إِيقَاعِ الْعَدَاوَةِ وَالْبَغْضَاءِ بَيْنَ شَارِبِيهَا.

     وَقَالَ  قَتَادَةُ كَانَ الرَّجُلُ فِي الْجَاهِلِيَّةِ يُقَامِرُ عَلَى أَهْلِهِ وَمَالِهِ فَيُقْمَرُ فَيَقْعُدُ حَزِينًا سَلِيبًا يَنْظُرُ إِلَى مَالِهِ فِي يَدِ غَيْرِهِ فَيُورِثُهُ ذَلِكَ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ فَنَهَى اللَّهُ عَنْ ذَلِكَ ( وَيَصُدَّكُمْ عَنْ ذكر الله وعن الصلاة) لِأَنَّ شُرْبَ الْخَمْرِ يَشْغَلُ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَعَنْ فِعْلِ الصَّلَاةِ وَكَذَلِكَ الْقِمَارُ يَشْغَلُ صَاحِبَهُ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَعَنِ الصَّلَاةِ ( فَهَلْ أَنْتُمْ منتهون) لَفْظَةُ اسْتِفْهَامٍ وَمَعْنَاهُ الْأَمْرُ أَيْ انْتَهُوا وَهَذَا مِنْ أَبْلَغِ مَا يُنْهَى بِهِ لِأَنَّهُ تَعَالَى ذَمَّ الْخَمْرَ وَالْمَيْسِرَ وَأَظْهَرَ قُبْحَهُمَا لِلْمُخَاطَبِ كَأَنَّهُ قِيلَ قَدْ تُلِيَ عَلَيْكُمْ مَا فِيهِمَا مِنْ أَنْوَاعِ الصَّوَارِفِ وَالْمَوَانِعِ فَهَلْ أَنْتُمْ مُنْتَهُونَ مَعَ هَذِهِ الْأُمُورِ أَمْ أَنْتُمْ عَلَى مَا كُنْتُمْ عَلَيْهِ كَأَنَّكُمْ لَمْ تُوعَظُوا وَلَمْ تَنْزَجِرُوا
وَفِي هَذِهِ الْآيَةِ دَلِيلٌ عَلَى تَحْرِيمِ شُرْبِ الْخَمْرِ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَرَنَ الْخَمْرَ وَالْمَيْسِرَ بِعِبَادَةِ الْأَصْنَامِ وَعَدَّدَ أَنْوَاعَ الْمَفَاسِدِ الْحَاصِلَةِ بِهِمَا وَوَعَدَ بِالْفَلَاحِ عِنْدَ اجْتِنَابِهِمَا.

     وَقَالَ  فَهَلْ أَنْتُمْ مُنْتَهُونَ كَذَا فِي تَفْسِيرِ الْعَلَّامَةِ الْخَازِنِ
وَوَجْهُ النَّسْخِ أَنَّ الْآيَةَ الَّتِي فِي الْمَائِدَةِ فِيهَا الْأَمْرُ بِمُطْلَقِ الِاجْتِنَابِ وَهُوَ يَسْتَلْزِمُ أَنْ لَا يُنْتَفَعَ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَمْرِ فِي حَالٍ مِنْ حَالَاتِهِ فِي وَقْتِ الصَّلَاةِ وَغَيْرِ وَقْتِ الصَّلَاةِ وَفِي حَالِ السُّكْرِ وَحَالِ عَدَمِ السُّكْرِ وَجَمِيعِ الْمَنَافِعِ فِي الْعَيْنِ وَالثَّمَنِ
وَأَخْرَجَ أَبُو دَاوُدَ الطَّيَالِسِيُّ والبيهقي في شعب الإيمان عن بن عُمَرَ قَالَ نَزَلَ فِي الْخَمْرِ ثَلَاثُ آيَاتٍ فَأَوَّلُ شَيْءٍ نَزَلَ يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ الآية فقيل حرمت الخمر فقالوا يارسول اللَّهِ دَعْنَا نَنْتَفِعُ بِهَا كَمَا قَالَ اللَّهُ فَسَكَتَ عَنْهُمْ ثُمَّ نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ لَا تقربوا الصلاة وأنتم سكارى فقيل حرمت الخمر فقالوا يارسول اللَّهِ لَا نَشْرَبُهَا قُرْبَ الصَّلَاةِ فَسَكَتَ عَنْهُمْ ثم نزلت ياأيها الذين آمنوا إنما الخمر والميسر الْآيَةَ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حُرِّمَتِ الْخَمْرُ
وَأَخْرَجَ أَحْمَدُ فِي مُسْنَدِهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ حُرِّمَتِ الْخَمْرُ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ قَدَمِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُمْ يَشْرَبُونَ الْخَمْرَ وَيَأْكُلُونَ الْمَيْسِرَ فَسَأَلُوا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْهُمَا فأنزل الله يسألونك عن الخمر والميسر الْآيَةَ فَقَالَ النَّاسُ مَا حُرِّمَ عَلَيْنَا قَالَ إِثْمٌ كَبِيرٌ وَكَانُوا يَشْرَبُونَ الْخَمْرَ حَتَّى كَانَ يَوْمٌ مِنَ الْأَيَّامِ صَلَّى رَجُلٌ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ أَمَّ أَصْحَابَهُ فِي الْمَغْرِبِ خَلَطَ فِي قِرَاءَتِهِ فأنزل الله أغلظ منها ياأيها الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَقْرَبُوا الصَّلَاةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَى وَكَانَ النَّاسُ يَشْرَبُونَ حَتَّى يَأْتِيَ أَحَدُهُمُ الصَّلَاةَ وَهُوَ مُغْتَبِقٌ ثُمَّ نَزَلَتْ آيَةٌ أَغْلَظُ مِنْ ذلك ياأيها الذين آمنوا إنما الخمر إلى قوله فهل أنتم منتهون قَالُوا انْتَهَيْنَا رَبَّنَا الْحَدِيثَ
قَالَ الْمُنْذِرِيُّ وَالْحَدِيثُ فِي إِسْنَادِهِ عَلِيُّ بْنُ الْحُسَيْنِ بْنِ وَاقِدِ وَفِيهِ مَقَالٌ انْتَهَى



رقم الحديث 3673 [3673] ( وَمَا شَرَابُنَا يَوْمَئِذٍ إِلَّا الْفَضِيخُ) بِفَتْحِ فَاءٍ وَكَسْرِ ضَادٍ مُعْجَمَةٍ عَلَى وَزْنِ عَظِيمٍ شَرَابٌ يُتَّخَذُ مِنَ الْبُسْرِ الْمَفْضُوخِ أَيِ الْمَكْسُورِ وَمُرَادُ أَنَسٍ أَنَّ الْفَضِيخَ هُوَ مَحَلُّ الْآيَةِ فَتَنَاوُلُ الْآيَةِ لَهُ أَوْلَى
كَذَا فِي فَتْحِ الْوَدُودِ
وَالْحَدِيثُ سَكَتَ عَنْهُ الْمُنْذِرِيُّ




رقم الحديث 3674 [3674] أَيْ لِاتِّخَاذِ الْخَمْرِ ( عَنْ أَبِي عَلْقَمَةَ) قَالَ الْمِزِّيُّ فِي الْأَطْرَافِ هَكَذَا قَالَ أَبُو علي اللؤلؤي وَحْدَهُ عَنْ أَبِي دَاوُدَ أَبُو عَلْقَمَةَ
وَقَالَ أَبُو الْحَسَنِ بْنُ الْعَبْدِ وَغَيْرُ وَاحِدٍ عَنْ أَبِي دَاوُدَ أَبُو طُعْمَةَ وَهُوَ الصَّوَابُ وَكَذَلِكَ رَوَاهُ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ وَغَيْرُهُ عَنْ وَكِيعٍ انْتَهَى
وَسَيَجِيءُ كَلَامُ الْمُنْذِرِيِّ فِيهِ ( الْغَافِقِيُّ) منسوب إلى غافق حسن بِالْأَنْدَلُسِ قَالَهُ السُّيُوطِيُّ ( لَعَنَ اللَّهُ الْخَمْرَ) أَيْ ذاتها لأنها أم الخبائث مبالغة في التنفر عَنْهَا
وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ آكِلَ ثَمَنِهَا ( وَمُبْتَاعَهَا) أَيْ مُشْتَرِيهَا ( وَعَاصِرَهَا) وَهُوَ مَنْ يَعْصِرُهَا بِنَفْسِهِ لِنَفْسِهِ أَوْ لِغَيْرِهِ ( وَمُعْتَصِرَهَا) أَيْ مَنْ يَطْلُبُ عَصْرَهَا لِنَفْسِهِ أَوْ لِغَيْرِهِ ( وَالْمَحْمُولَةَ إِلَيْهِ) أَيْ مَنْ يَطْلُبُ أَنْ يَحْمِلَهَا أَحَدٌ إِلَيْهِ
قال المنذري وأخرجه بن مَاجَهْ إِلَّا أَنَّهُ قَالَ وَأَبِي طُعْمَةَ مَوْلَاهُمْ وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ الْغَافِقِيُّ هَذَا سُئِلَ عَنْهُ يَحْيَى بن معين فقال لا أعرفه وذكره بن يُونُسَ فِي تَارِيخِهِ.

     وَقَالَ  إِنَّهُ رَوَى عَنِ بن عُمَرَ رَوَى عَنْهُ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ عِيَاضٍ وَأَنَّهُ كَانَ أَمِيرَ الْأَنْدَلُسِ قَتَلَتْهُ الرُّومُ بِالْأَنْدَلُسِ سَنَةَ خَمْسَ عشرة ومائة
وأبو علقمة مولى بن عباس ذكر بن يونس أنه روى عن بن عُمَرَ وَغَيْرِهِ مِنَ الصَّحَابَةِ وَأَنَّهُ كَانَ عَلَى قَضَاءِ إِفْرِيقِيَّةَ وَكَانَ أَحَدَ فُقَهَاءِ الْمَوَالِي وَأَبُو طُعْمَةَ هَذَا مَوْلَى عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ سَمِعَ مِنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ رَمَاهُ مَكْحُولٌ الْهُذَلِيُّ بِالْكَذِبِ انْتَهَى




رقم الحديث 3675 [3675] تُخَلَّلُ (أَهْرِقْهَا) بِسُكُونِ الْقَافِ وَكَسْرِ الرَّاءِ أَيْ صُبَّهَا وَالْهَاءُ بَدَلٌ مِنَ الْهَمْزَةِ وَالْأَصْلُ أَرِقْهَا وَقَدْ تُسْتَعْمَلُ هَذِهِ الْكَلِمَةُ بِالْهَمْزَةِ وَالْهَاءِ مَعًا كَمَا وَقَعَ هُنَا وَهُوَ نَادِرٌ
وفيه دليل على أن الخمر لاتملك وَلَا تُحْبَسُ بَلْ تَجِبُ إِرَاقَتُهَا فِي الْحَالِ وَلَا يَجُوزُ لِأَحَدٍ الِانْتِفَاعُ بِهَا إِلَّا بِالْإِرَاقَةِ (قال لا قَالَ الْخَطَّابِيُّ فِي هَذَا بَيَانٌ وَاضِحٌ أَنَّ مُعَالَجَةَ الْخَمْرِ حَتَّى تَصِيرَ خَلًّا غَيْرُ جَائِزٍ وَلَوْ كَانَ إِلَى ذَلِكَ سَبِيلٌ لَكَانَ مَالُ الْيَتِيمِ أَوْلَى الْأَمْوَالِ بِهِ لِمَا يَجِبُ مِنْ حِفْظِهِ وَتَثْمِيرِهِ وَالْحَيْطَةِ عَلَيْهِ وَقَدْ كَانَ نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عن إضاعة المال فعلم بذلك أَنَّ مُعَالَجَتَهُ لَا تُطَهِّرُهُ وَلَا تَرُدُّهُ إِلَى الْمَالِيَّةِ بِحَالٍ انْتَهَى
وَقَالَ فِي النَّيْلِ فِيهِ دَلِيلٌ لِلْجُمْهُورِ عَلَى أَنَّهُ لَا يَجُوزُ تَخْلِيلُ الْخَمْرِ وَلَا تَطْهُرُ بِالتَّخْلِيلِ هَذَا إِذَا خَلَّلَهَا بِوَضْعِ شَيْءٍ فِيهَا أَمَّا إِذَا كَانَ التَّخْلِيلُ بِالنَّقْلِ مِنَ الشَّمْسِ إِلَى الظِّلِّ أَوْ نَحْوِ ذَلِكَ فَأَصَحُّ وَجْهٍ عَنِ الشَّافِعِيَّةِ أَنَّهَا تَحِلُّ وَتَطْهُرُ
وَقَالَ الْأَوْزَاعِيُّ وَأَبُو حَنِيفَةَ تَطْهُرُ إِذَا خُلِّلَتْ بِإِلْقَاءِ شَيْءٍ فِيهَا
وَعَنْ مَالِكٍ ثَلَاثُ رِوَايَاتٍ أَصَحُّهَا أَنَّ التَّخْلِيلَ حَرَامٌ فَلَوْ خَلَّلَهَا عَصَى وَطَهُرَتِ انْتَهَى
وَقَالَ السِّنْدِيُّ ظَاهِرُهُ أَنَّ الْخَلَّ الْمُتَّخَذَ مِنَ الْخَمْرِ حَرَامٌ وَيَحْتَمِلُ أَنَّهُ قَالَ ذَلِكَ لِمَا فِيهِ مِنْ إِبْقَاءِ الْخَمْرِ قَبْلَ أَنْ يَتَخَلَّلَ وَذَلِكَ غَيْرُ جَائِزٍ لِلْمُؤْمِنِ انْتَهَى
وَقَالَ الْمُحَدِّثُ مُحَمَّد إِسْحَاق الدَّهْلَوِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ وَيَحْتَمِلُ أَنَّ اكْتِسَابَ الْخَلِّ مِنَ الْخَمْرِ لَيْسَ بِجَائِزٍ وَإِذَا تَخَلَّلَتْ فَالْخَلُّ يَحِلُّ وَاللَّهُ أَعْلَمُ
قَالَ الْمُنْذِرِيُّ وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ وَالتِّرْمِذِيُّ




رقم الحديث 3676 [3676] ( إِنَّ مِنَ الْعِنَبِ خَمْرًا الْحَدِيثَ) قَالَ الْخَطَّابِيُّ فِي هَذَا تَصْرِيحٌ مِنَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِمَا قَالَهُ عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فِي الْحَدِيثِ الْأَوَّلِ مِنْ كَوْنِ الْخَمْرِ مِنْ هَذِهِ الْأَشْيَاءِ وَلَيْسَ معناه أن الخمر لا تكون إِلَّا مِنْ هَذِهِ الْخَمْسَةِ بِأَعْيَانِهَا وَإِنَّمَا جَرَى ذِكْرُهَا خُصُوصًا لِكَوْنِهَا مَعْهُودَةً فِي ذَلِكَ الزَّمَانِ فَكُلُّ مَا كَانَ فِي مَعْنَاهَا مِنْ ذُرَةٍ أَوْ سُلْتٍ أَوْ لُبِّ ثَمَرَةٍ وَعُصَارَةِ شَجَرٍ فحكمها حكمها كما قلنا في الربو وَرَدَدْنَا إِلَى الْأَشْيَاءِ الْأَرْبَعَةِ الْمَذْكُورَةِ فِي الْخَبَرِ كُلَّ مَا كَانَ فِي مَعْنَاهَا مِنْ غَيْرِ الْمَذْكُورِ فِيهِ انْتَهَى
قَالَ الْمُنْذِرِيُّ وَأَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ والنسائي وبن مَاجَهْ.

     وَقَالَ  التِّرْمِذِيُّ غَرِيبٌ هَذَا آخِرُ كَلَامِهِ وَفِي إِسْنَادِهِ إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُهَاجِرٍ الْبَجَلِيُّ الْكُوفِيُّ وَقَدْ تَكَلَّمَ فِيهِ غَيْرُ وَاحِدٍ مِنَ الْأَئِمَّةِ