فهرس الكتاب

عون المعبود لابى داود - بَابٌ فِي الْحِمْيَةِ

رقم الحديث 3413 [3413] بِفَتْحِ الْخَاءِ الْمُعْجَمَةِ وَقَدْ تُكْسَرُ وَبِصَادٍ مُهْمَلَةٍ هُوَ حَزْرُ مَا عَلَى النَّخْلَةِ مِنَ الرُّطَبِ تَمْرًا
( قَالَ أُخْبِرْتُ) بِصِيغَةِ الْمَجْهُولِ ( فَيَخْرُصُ النَّخْلَ) بِضَمِّ الرَّاءِ أَشْهَرُ مِنْ كَسْرِهَا ( ثُمَّ يُخَيِّرُ الْيَهُودَ إلخ) أي يخير بن رَوَاحَةَ يَهُودَ خَيْبَرَ ( إِلَيْهِمْ) أَيْ إِلَى الْمُسْلِمِينَ
وَفِي الْمُوَطَّأِ ثُمَّ يَقُولُ إِنْ شِئْتُمْ فَلَكُمْ وَإِنْ شِئْتُمْ فَلِي
قَالَ فَكَانُوا يَأْخُذُونَهُ أَيْ إِنْ شِئْتُمْ فَلَكُمْ كُلُّهُ وَتَضْمَنُونَ نَصِيبَ الْمُسْلِمِينَ وَإِنْ شِئْتُمْ فَلَنَا كُلُّهُ وَأَضْمَنُ مِقْدَارَ نَصِيبِكُمْ فَأَخَذُوا الثَّمَرَةَ كُلَّهَا ( لِكَيْ تُحْصَى الزَّكَاةُ) بِصِيغَةِ الْمَجْهُولِ فِي الْأَفْعَالِ الثَّلَاثَةِ ( وَتُفَرَّقُ) الثِّمَارُ فِي حَوَائِجِ النَّاسِ
وَمُرَادُ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا أَنَّ ذَلِكَ الْبَعْثَ لِلْخَرْصِ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنَّمَا كَانَ لِإِحْصَاءِ الزَّكَاةِ لِأَنَّ الْمَسَاكِينَ لَيْسُوا شُرَكَاءَ مُعَيَّنِينَ فَلَوْ تَرَكَ الْيَهُودَ وَأَكْلَهَا رُطَبًا وَالتَّصَرُّفَ فِيهَا أَضَرَّ ذَلِكَ سَهْمَ الْمُسْلِمِينَ
قَالَ الزَّرْقَانِيُّ فِي شَرْحِ الموطأ قال بن مزين سألت عيسى عن فعل بن رَوَاحَةَ أَيَجُوزُ لِلْمُتَسَاقِيَيْنِ أَوِ الشَّرِيكَيْنِ فَقَالَ لَا وَلَا يَصْلُحُ قَسْمُهُ إِلَّا كَيْلًا إِلَّا أَنْ تَخْتَلِفَ حَاجَتُهُمَا إِلَيْهِ فَيَقْتَسِمَانِهِ بِالْخَرْصِ فَتَأَوَّلَ خَرْصَ بن رَوَاحَةَ لِلْقِسْمَةِ خَاصَّةً
وَقَالَ الْبَاجِيُّ يُحْتَمَلُ أَنَّهُ خَرَصَهَا بِتَمْيِيزِ حَقِّ الزَّكَاةِ لِأَنَّ مَصْرِفَهَا غَيْرُ مَصْرِفِ أَرْضِ الْعَنْوَةِ لِأَنَّهُ يُعْطِيهَا الْإِمَامُ لِلْمُسْتَحِقِّ مِنْ غَنِيٍّ وَفَقِيرٍ فَيَسْلَمُ مِمَّا خَافَهُ عِيسَى وَأَنْكَرَهُ
وَقَولُهُ فِي رِوَايَةِ مَالِكٍ إِنْ شِئْتُمْ فَلَكُمْ وَإِنْ شِئْتُمْ فَلِي حَمَلَهُ عِيسَى عَلَى أَنَّهُ إِلَيْهِمْ جَمِيعَ الثَّمَرَةِ بَعْدَ الْخَرْصِ لِيَضْمَنُوا حِصَّةَ الْمُسْلِمِينَ وَلَوْ كَانَ هَذَا مَعْنَاهُ لَمْ يَجُزْ لِأَنَّهُ بَيْعُ الثَّمَرِ بِالْخَرْصِ فِي غَيْرِ الْعَرِيَّةِ وَإِنَّمَا مَعْنَاهُ خَرْصُ الزَّكَاةِ فَكَأَنَّهُ قَالَ إِنْ شِئْتُمْ أَنْ تَأْخُذُوا الثَّمَرَةَ عَلَى أَنْ تُؤَدُّوا زَكَاتَهَا عَلَى مَا خَرَصْتُهُ وَإِلَّا فَأَنَا أَشْتَرِيهَا مِنَ الْفَيْءِ بِمَا يُشْتَرَى بِهِ فَيَخْرُجُ بِهَذَا الْخَرْصُ وَذَلِكَ مَعْرُوفٌ لِمَعْرِفَتِهِمْ بِسِعْرِ الثَّمَرِ
وَإِنْ حُمِلَ عَلَى خَرْصِ الْقِسْمَةِ لِاخْتِلَافِ الْحَاجَةِ فَمَعْنَاهُ إِنْ شِئْتُمْ هَذَا النَّصِيبَ فَلَكُمْ وَإِنْ شِئْتُمْ فَلِي يُبَيِّنُ ذَلِكَ أَنَّ الثَّمَرَةَ مَا دامت في رؤوس النَّخْلِ لَيْسَ بِوَقْتِ قِسْمَةِ ثَمَرِ الْمُسَاقَاةِ لِأَنَّ عَلَى الْعَامِلِ جَذَّهَا وَالْقِيَامَ عَلَيْهَا حَتَّى يَجْرِي فِيهَا الْكَيْلُ أَوِ الْوَزْنُ فَثَبَتَ بِهَذَا أَنَّ الْخَرْصَ قَبْلَ ذَلِكَ لَمْ يَكُنْ لِلْقِسْمَةِ إِلَّا بمعنى اختلاف الأغراض
وقال بن عَبْدِ الْبَرِّ الْخَرْصُ فِي الْمُسَاقَاةِ لَا يَجُوزُ عِنْدَ جَمِيعِ الْعُلَمَاءِ لِأَنَّ الْمُسَاقِيَيْنِ شَرِيكَانِ لَا يَقْتَسِمَانِ إِلَّا بِمَا يَجُوزُ بِهِ بَيْعُ الثِّمَارِ بَعْضِهَا بِبَعْضٍ وَإِلَّا دَخَلَتْهُ الْمُزَابَنَةُ
قَالُوا وَإِنَّمَا بَعَثَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَنْ يَخْرُصُ على اليهود لإحصاء الزكاةلأن الْمَسَاكِينَ لَيْسُوا شُرَكَاءَ مُعَيَّنِينَ فَلَوْ تَرَكَ الْيَهُودَ وَأَكْلَهَا رُطَبًا وَالتَّصَرُّفَ فِيهَا أَضَرَّ ذَلِكَ سَهْمَ الْمُسْلِمِينَ
قَالَتْ عَائِشَةُ إِنَّمَا أَمَرَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْخَرْصِ لِكَيْ تُحْصَى الزَّكَاةُ قَبْلَ أن تؤكل الثِّمَارُ انْتَهَى كَلَامُهُ
قُلْتُ حَدِيثُ عَائِشَةَ فِيهِ واسطة بين بن جُرَيْجٍ وَالزُّهْرِيِّ وَلَمْ يُعْرَفْ
قَالَ الْمُنْذِرِيُّ فِي إِسْنَادِهِ رَجُلٌ مَجْهُولٌ انْتَهَى
وَقَدْ رَوَاهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ وَالدَّارقُطْنِيُّ بِدُونِ الْوَاسِطَةِ المذكورة وبن جُرَيْجٍ مُدَلِّسٌ فَلَعَلَّهُ تَرَكَهَا تَدْلِيسًا
وَذَكَرَ الدَّارَقُطْنِيُّ الِاخْتِلَافَ فِيهِ فَقَالَ رَوَاهُ صَالِحٌ عَنْ أَبِي الْأَخْضَرِ عَنِ الزُّهْرِيِّ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ وَأَرْسَلَهُ مَعْمَرٌ وَمَالِكٌ وَعُقَيْلٌ وَلَمْ يَذْكُرُوا أَبَا هُرَيْرَةَ انتهى
ويؤيده ما أخرجه الترمذي وبن مَاجَهْ
وَالْمُؤَلِّفُ عَنْ عَتَّابِ بْنِ أَسِيدٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَبْعَثُ عَلَى النَّاسِ مَنْ يَخْرُصُ عَلَيْهِمْ كُرُومَهُمْ وَثِمَارَهُمْ
وَأَخْرَجَ أَيْضًا أَبُو دَاوُدَ وَالتِّرْمِذِيُّ وَالنَّسَائِيُّ وَالدَّارَقُطْنِيُّ عن عتاب قَالَ أَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يُخْرَصَ الْعِنَبُ كَمَا يُخْرَصُ النَّخْلُ فَتُؤْخَذُ زَكَاتُهُ زَبِيبًا كَمَا تُؤْخَذُ صَدَقَةُ النَّخْلِ تَمْرًا وَمَدَارُ الْحَدِيثِ عَلَى سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ عَنْ عَتَّابٍ وَهُوَ مُرْسَلٌ لِأَنَّ عَتَّابًا مَاتَ قَبْلَ مَوْلِدِ ابْنِ الْمُسَيِّبِ وَانْفَرَدَ بِهِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ إِسْحَاقَ عَنِ الزُّهْرِيِّ عَنْ سَعِيدٍ وليس بالقوي
قاله بن عَبْدِ الْبَرِّ وَفِي النَّيْلِ قَالَ أَبُو دَاوُدَ سعيد لم يسمع من عتاب وقال بن قَانِعٍ لَمْ يُدْرِكْهُ.

     وَقَالَ  الْمُنْذِرِيُّ انْقِطَاعُهُ ظَاهِرٌ لِأَنَّ مَوْلِدَ سَعِيدٍ فِي خِلَافَةِ عُمَرَ وَمَاتَ عَتَّابٌ يَوْمَ مَاتَ أَبُو بَكْرٍ وَسَبَقَهُ إِلَى ذلك بن عبد البر
وقال بن السَّكَنِ لَمْ يَرْوِ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ وَجْهٍ غَيْرِ هَذَا وَقَدْ رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيُّ بِسَنَدٍ فِيهِ الْوَاقِدِيُّ فَقَالَ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ عَنِ الْمِسْوَرِ بْنِ مَخْرَمَةَ عَنْ عَتَّابِ بْنِ أَسِيدٍ
وَقَالَ أَبُو حَاتِمٍ الصَّحِيحُ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمَرَ عِتَابًا مُرْسَلٌ وَهَذِهِ رِوَايَةُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ إِسْحَاقَ عَنِ الزُّهْرِيِّ انْتَهَى
لَكِنْ قَالَ الزَّرْقَانِيُّ فِي شَرْحِ الْمُوَطَّأِ وَدَعْوَى الْإِرْسَالِ بِمَعْنَى الِانْقِطَاعِ مَبْنِيٌّ عَلَى قَوْلِ الْوَاقِدِيِّ إِنَّ عَتَّابًا مَاتَ يَوْمَ مات أبو بكر الصديق لكن ذكر بن جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ أَنَّهُ كَانَ عَامِلًا لِعُمَرَ عَلَى مَكَّةَ سَنَةَ إِحْدَى وَعِشْرِينَ وَقَدْ وُلِدَ سَعِيدٌ لِسَنَتَيْنِ مَضَتَا مِنْ خِلَافَةِ عُمَرَ عَلَى الْأَصَحِّ فَسَمَاعُهُ مِنْ عَتَّابٍ مُمْكِنٌ فَلَا انْقِطَاعَ
وَأَمَّا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ إِسْحَاقَ فَصَدُوقٌ احْتَجَّ بِهِ مُسْلِمٌ وَأَصْحَابُ السُّنَنِ انْتَهَى
وَأَخْرَجَ أَصْحَابُ السُّنَنِ عَنْ سَهْلِ بْنِ أَبِي حَثْمَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم إذا خَرَصْتُمْ فَخُذُوا وَدَعُوا الثُّلُثَ فَإِنْ لَمْ تَدَعُوا الثلث فدعوا الربع وأخرجه بن حِبَّانَ وَالْحَاكِمُ وَصَحَّحَاهُ
قَالَ الْحَاكِمُ وَلَهُ شَاهِدٌ بِإِسْنَادٍ مُتَّفَقٍ عَلَى صِحَّتِهِ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ أَمَرَ بِهِ
وَمِنْ شَوَاهِدِهِ مَا رَوَاهُ بن عَبْدِ الْبَرِّ عَنْ جَابِرٍ مَرْفُوعًا خَفِّفُوا فِي الخرص الحديث وفيه بن لَهِيعَةَ وَأَخْرَجَ أَبُو نُعَيْمٍ فِي الصَّحَابَةِ مِنْ طَرِيقِ الصَّلْتِ بْنِ يَزِيدَ بْنِ الصَّلْتِ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اسْتَعْمَلَهُ عَلَى الْخَرْصِ فَقَالَ أَثْبِتْ لَنَا النِّصْفَ وَأَبْقِ لَهُمُ النِّصْفَ فَإِنَّهُمْ يَسْرِقُونَ وَلَا تَصِلُ إِلَيْهِمْ
وَهَذِهِ الْأَحَادِيثُ كُلُّهَا تَدُلُّ عَلَى مَشْرُوعِيَّةِ الْخَرْصِ فِي الْعِنَبِ وَالنَّخْلِ وَغَيْرِهِمَا مِنَ الْفَوَاكِهِ مِمَّا يُمْكِنُ ضَبْطُهُ بِالْخَرْصِ وَكَذَا يَدُلُّ عَلَى مَشْرُوعِيَّةِ الْخَرْصِ فِي الزَّرْعِ لِعُمُومِ قَوْلِهِ إِذَا خَرَصْتُمْ وَلِقَوْلِهِ أَثْبِتْ لَنَا النصف