فهرس الكتاب

دليل الفالحـــين - باب الخوف

رقم الحديث 396 ( عن ابن مسعود رضي الله عنه قال: حدثنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهو الصادق) في أقواله وأفعاله وأحواله ( المصدوق) فيما يأتيه من الوحي، والجملة اعتراضية لا حالية لتعم الأحوال كلها ( أن أحدكم) أي الواحد منكم ( يجمع) بالبناء للمفعول أي يقدر ( خلقه) أي ما يخلق منه ( في بطن أمه) صفة خلق أو حال منه: أي مادة خلقه الحاصلة أو حاصلة ( أربعين يوماً) ظرف لمتعلق الظرف المحذوف ( نطفة) وهي الماء القليل، والمراد هنا المنيّ لأنه ينطف: أي يسيل، ومعنى جمعه فيها: مكثه أربعين ليلة منتشراً في بشرة المرأة بعد أن انتشر تحت كل ظفر وشعر منها ثم ينزل منها دم في الرحم، فذلك جمعه وهو وقت كونه علقة، ولا ينتقل عن كونه منياً قبل الأربعين ( ثم يكون) أي يصير خلقه ( علقة) هي دم جامد، لأنها إذ ذاك تعلق بالرحم ( مثل ذلك) بالنصب صفة علقة، وذلك إشارة إلى خلقه: أي علقة مماثلة لخلقه في أنهما يكونان أربعين يوماً ( ثم يكون) أي يصير خلقه ( مضغة) أي قطعة من اللحم قدر ما يمضغ ( مثل ذلك) أي أربعين يوماً، وفيها يصورها الله تعالى ويجعل الأعضاء والسمع والبصر وغيرهما { هو الذي يصوّركم في الأرحام كيف يشاء} ( آل عمران: 6) ( ثم) إذا تمت وصار ابن مائة وعشرين يوماً ( يرسل) بالبناء للمفعول أي يرسل الله ( الملك) في الطور الرابع، ولا مخالفة بين حديث الباب وحديث مسلم عن حذيفة بن أسيد مرفوعاً «إذا مر بالنطفة ثنتان وأربعون ليلة بعث الله ملكاً فصورها وخلق سمعها وبصرهاوجلدها وعظامها ثم يقول: أذكر أم أنثى؟ فيقضي ربك ما شاء ثم يكتب أجله ورزقه» لأن لتصرف الملك أوقاتاً أحدها حين كونه نطفة ثم انقلابه علقة وهو أول علم الملك بأنه ولد وذلك عقب الأربعين الأولى، وحينئذٍ ربه يكتب رزقه وأجله وعمله وخلقته وصورته، ثم يتصرف فيه بتصويره وخلق أعضائه وذلك في الأربعين الثالثة، فيفرد بالتصوير بعد أن يكتب ذلك، ثم ينقله في وقت آخر لأن التصوير بعد الأربعين الأولى غير موجود عادة، أشار إليه المصنف في شرح مسلم، وقد استفاض بين النساء أن النطفة إذا قدرت ذكراً تتصور بعد الأربعين الأولى بحيث يشاهد منه كل شيء حتى السرّة فتحمل رواية ابن مسعود على البنات أو الغالب ( فينفخ فيه) أي فينفخ الملك في ذلك المخلوق ( الروح) بعد كمال الجسم وخلقه؛ وفيه دليل على حدوث الروح، والنفخ بالمعجمة والمهملة والنفث يستعملان بمعنًى، إلا أن الأولين يستعملان على طريق الخير والشرّ والثالث في الثاني فقط ( ويؤمر) أي ذلك الملك عطف على ينفخ ( بأربع كلمات) أي يؤمر بكتابة الأحكام المقدّرة له على جبهته أو بطن كفه أو ورقة تعلق بعنقه قاله مجاهد.
Y واعلم أن الكتابة التي في أمّ الكتاب تعم الأشياء كلها وهذا ما خص به كل إنسان، إذ لكلٍ سابقة وهي ما في اللوح ولاحقة تكتب ليلة القدر ومتوسطة أشير إليها في الحديث ( بكتب) بدل كل من قوله بأربع ويروى بالمضارع على الاستئناف ( رزقه) ما ينتفع به حلالاً كان أو حراماً مأكولاً أو غيره ( وأجله) أي مدة عمره أو الوقت الذي ينقرض فيه ( وعمله) من صلاح وضده ( وشقي أو سعيد) خبر لمبتدأ تقديره هو، وعدل إليه عن شقاوته وسعادته بحكاية صورة المكتوب، والتقدير: وأنه شقي أو سعيد، وكان العدول فيه لأن التفصيل الآتي وارد عليهما، ذكره الطيبي.
والسعادة معاونة الأمور الإلهية للإنسان على نيل الخيرات وتقابلها الشقاوة.
وقدمت ليعلم أنها كالخير من عند الله تعالى، وحول الإنسان أطواراً في بطن أمه والقدرة صالحة لخلقه جملة في لمحة لدفع المشقة عن الأم لأنها غير معتادة، فربما ظنته علة، فدرج في حال إلى آخر لتعتادها، ولإظهارها قدرة الله سبحانه ليعبدوه ويشكروه إذ قلبهم من أخس الأشياء ومستقذرها إلى أحسن صورة محلى بالعقل، ولإرشاد الناس إلى كمال قدرته تعالى على الحشر والنشر، إذ من قدر على خلق إنسان من ماء مهين ثم من علقة ثم من مضغة قادر على إعادته ونفخ الروح به ولغير ذلك.
ثم اعلم أن الآيات القرآنية تشهد أنالتصوير من الله تعالى، وفي بعض الروايات إضافته إلى الملك الموكل بالرحم، والحمل على ظاهر التنزيل أولى، وجمع بعض بأن الملك الموكل بالرحم من أعوان إسرافيل وبيده الصور، وهو ناظر إلى إسرافيل، وإسرافيل ناظر إلى الصورة المنقوشة فقد ورد «إن الله تعالى جعل لكل ما خلق صورة مخصوصة في ساق العرش، وتلك الصورة حكاية عما في علم الله الأزلي» فيأخذ إسرافيل الصورة المختصة بتلك الذرة ويلقيها إلى الرحم، وملك الأرحام يلقيها إلى الجنين فيصوره بتلك الصورة، فحيث أسند التصوير إليه تعالى فلأنه المقدر للصورة حقيقة الموجد لها، وحيث أسند للملك فلأنه المباشر لها حسبما رأى في نسخة إسرافيل ( فوالذي) هو من جملة المرفوع كما يدل عليه ظاهر رواية «الصحيحين» هذه وغيرها.
وأما ما رواه الخطيب البغدادي في المدح من أن من هنا إلى الآخر من كلام ابن مسعود فلا يعارض ما في «الصحيحين» ، بل ما فيهما مقدم عليه، وبفرض ثبوت ما فيه فالذي توقف عليه إنما هو هذه المباني، وإلا فقد جاء هذا المعنى مرفوعاً في أحاديث كثيرة بينتها أواخر «شرح الأذكار» ، الفاء فصيحة وهي العاطفة على مقدر، وقيل الواقعة جواباً لشرط مقدر، وقد بسطت الكلام في تحقيق هذه الفاء وأحوالها في كتابي المسمى بـ «إيقاظ النائم من سنة نومه» ببعض فوائد قوله تعالى: { وإذ استسقى موسى لقومه} ( البقرة: 60) أي فإذا كانت السعادة والشقاوة مكتوبين فوالذي ( لا إله غيره) أكده بالقسم لتأكيد أمر القضاء ( إن أحدكم ليعمل بعمل أهل الجنة حتى) أي إلى أن ينتهي إلى أمد ( ما يكون) ما نافية ويكون مرفوع إجراء لحتى وما بعدها مجرى الحكاية الحالية، قاله الكازروني «شارح الأربعين» ، قال: والنصب فيه وفي الجملة الثانية خطأ ( بينه وبينها) أي الجنة ( إلا ذراع) أراد به التمثيل للقرب من موته ودخوله عقبه الجنة ( فيسبق) أورد الفاء لتدل على حصول السبق بلا مهلة وعداه بعلى في قوله ( عليه الكتاب) لتضمنه معنى يغلب: أي يغلب عليه ما كتب عليه قبل النفخ من الشقوة ( فيعمل بعمل أهل النار فيدخلها) بفصل القضاء السابق المحتوم لشقوته ( وإن أحدكم ليعمل بعمل أهل النار حتى ما يكون) أي إلى أن لا يبقى ( بينه وبينها إلاّذراع فسيبق عليه الكتاب فيعمل بعمل أهل الجنة) من الإنابة والاستغفار وعمل الأبرار ( فيدخلها) فالخاتمة نسخت السابقة، وبذر السعادة والشقاوة قد اختفى في الأطوار الإنسانية، ولا يظهر إلا إذا انتهى إلى الغاية الإيمانية أو الطغيانية، ففي الحديث إيماء إلى عدم الاغترار بصور الأعمال والركون إليها، بل بالخاتمة، وقد جاء في بعض روايات الحديث زيادة «وإنما الأعمال بالخواتيم» فلا يقطع لأحد معين بدخول الجنة إلا من أخبر أنه من أهلها، فعليك أن لا تنكل على عمل ولا تعجب به واسأل الله حسن الخاتمة واستعذ به من سوئها، ولا تقل قوله تعالى: { إنا لا نضيع أجر من أحسن عملاً} ( الكهف: 30) مخبر بأن من أخلص عمله أمن من سوئها.
لأنا نقول: يجوز أن يكون ذلك معلقاً على شرط القبول وحسنه.
ثم قال القاضي عياض: الثاني كثير، وأما الأول فقليل لأن الله كريم يستحي أن ينزع السرّ من أهله، وفيه إثبات القدر، وهو مذهب أهل الحق، وأن جميع ما في الكون بقضاء وقدر من نفع أو ضرر ( متفق عليه) وكذا رواه أصحاب السنن الأربعة.


رقم الحديث 397 ( وعنه قال: قال رسول الله: يؤتى بجهنم) قال المصنف: اختلف أهل العربية، هل جهنم اسم عربي أم عجمي؟ فقيل عربي مشتق من الجهومة وهي كراهة المنظر، وقيل من قولهم بئر جهنام: أي عميقة، فعل هذا لم تصرف للعلمية والتأنيث، وقال الأكثرون: هي عجمية معرّبة وامتنع صرفها للعلمية والعجمة ( يومئذٍ) أي يوم إذ يقوم العباد للحساب ( لها سبعون ألف زمام) جملة حالية، والزمام: لغة ما يجعل في أنف البعير يشد عليه المقود فيحتمل أن يكون ذلك على حقيقته، وأن تكون تمثيلاً لعظمها وفرط كبرها بحيث إنها تحتاج في الإتيان بها إلى هذه الأزمة ( مع كل زمام سبعون ألف ملك يجرونها رواه مسلم) في باب الجنة والنار ورواه الترمذي في «جامعه» في باب صفة جهنم.


رقم الحديث 398 ( وعن النعمان بن بشير) بفتح الموحدة وكسر الشين المعجمة ( رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: «إن أهون أهل النار) أي الكفار لأنهم أهلها الملازمون لها الخالدون أبداً، أما العصاة من مؤمني الأمة المحمدية الذين سبق في العلم الأزلي تعذيبهم بها فليسوا أهلها لخروجهم ودخولهم الجنة ( عذاباً يوم القيامة لرجل) هو أبو طالب ( يوضع في أخمص) بفتح الهمزة ( قدميه) أي المتجافي من الرجل عن الأرض ( جمرتان يغلى) بالتحتية والغين المعجمة مبنى للفاعل: والغليان معروف، وهو شدة اضطراب الماء ونحوها على النار لشدة إيقادها، يقال غلت القدر تغلى غلياناً قاله المصنف ( منهما دماغه) بكسر الدال المهملة معروف.
قال القسطلاني في «المواهب» : جاء في رواية «حتى يسيل دماغه» ( ما يرى) بفتح التحتية: أي يعتقد ( أن أحداً أشد منه عذاباً) لقوّة ما يلقاه منه ( وإنه لأهونهم عذاباً» .
متفق عليه)
رواه البخاري في الرقاق ومسلم في صفة النار، كذا قال المزي، والذي رأيته أنه منه في كتاب الإيمان.


رقم الحديث 399 ( وعن سمرة) بفتح المهملة وضم الميم ( ابن جندب) بضم الجيم والدال المهملة وبفتها والنون ساكنة بينهما، آخره موحدة تقدمت ترجمته ( رضي الله عنه) في باب توقير العلماء ( أن نبي الله) قال الشافعي فيما نقل البيهقي عنه: يكره أن يقال في حقه النبيّ أو الرسول بغير إضافة، وإنما يقال رسول الله أو نبيّ الله بها، ولا يرد نحو قوله تعالى: { يا أيها النبيّ} ( الأنفال: 64) لأن خطاب الله تعالى لنبيه تشريف بأي صيغة كانت اهـ.
وكأن القوم لم ينظروا بذلك لعدم حضور ما يوهمه لفظ الرسول أو النبي في الذهن كما استقرّ فيه من شرفه وعظمته مع ما فيه من كثرة الدوران المقتضي للتخليف في اللفظ ( قال: «منهم) أي من أهل النار ومرجع الضمير دل عليه حال التكلم أو سياق الكلام.
وفي رواية أخرى لمسلم بزيادة«إن» في أوله والتأكيد مناسب للوعيد والتشديد ( من تأخذه النار إلى كعبيه) وهو العظم الناتىء عند مفصل الساق من القدم ( ومنهم من تأخذه إلى ركبتيه) وهو مجمع عظم الساق والفخذ ( ومنهم من تأخذه إلى حجزته) بضم الحاء المهملة وإسكان الجيم وبالزاي ( ومنهم من تأخذه إل ترقوته» ) أي وباقي الجسد الذي لم يأخذه العذاب يغلي بما أخذه منه العذاب ( رواه مسلم) في صفة النار ( الحجزة) بضبطها السابق وكان عليه ذكر ذلك ( معقد الإزار) والسراويل كما في «شرح مسلم» له ( تحت السرّة) المراد ما يحاذي ذلك المحل من جنبيه ( والترقوة بفتح التاء) المثناة الفوقية ( وضم القاف) وسكون الراء وفتح الواو، تفعلة وجمعها تراقي ( هي العظم الذي عند ثغرة النحر) الثغرة بضم المثلثة وسكون المعجمة بعدها راء مهملة التي في وسطه قال في «شرح مسلم» : الترقوة بين ثغرة النحر والعاتق ( وللإنسان ترقوتان في جانبي النحر) قال في «المصباح» : قال بعضهم: ولا تكون الترقوة لشيء من الحيوان إلا للإنسان خاصة.


رقم الحديث 400 ( وعن ابن عمر) بن الخطاب ( رضي الله عنهما أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: «يقوم الناس) أي من قبورهم ( لرب العالمين) أي لأمره وجزائه.
قال كعب: يقومون ثلثمائة عام ( حتى يغيب أحدهم في رشحه إلى أنصاف أذنيه» ) قيل سبب هذا العرق تراكم الأحوال وتزاحم حرّ الشمس والنار كما جاء في الرواية «إن جهنم تدير أهل المحشر، فلا يكون لأهل الجنة طريق إلاّ الصراط» فيكون الناس في ذلك العرق على قدر أعمالهم، فمنهم من يلجمه ويصير له كاللجام ويمنعه من الكلام ويصل لأذنه، ومنهم دون ذلك حتى إنه يكون للبعض إلى كعبه.
فإن قلت: إذ كان العرق كالبحر يلجم البعض فكيف يصل إلى كعب الآخر:قلنا: يجوز أن يخلق الله ارتفاعاً في الأرض تحت أقدام البعض، أو يقال يمسك الله عرق كل إنسان عليه بحسب عمله فلا يصل إلى غيره منه شيء كما أمسك جرية البحر لموسى وقومه حتى أتبعهم فرعون، قاله ابن ملك في «شرح المشارق» ( متفق عليه) والسياق لمسلم ( والرشح) بفتح الراء وسكون الشين المعجمة وبالحاء المهملة ( العرق) بفتح أوليه المهملتين.


رقم الحديث 401 ( وعن أنس رضي الله عنه قال: خطب رسول الله) أي وعظ، وسميت خطبة لأنهم كانوا يلقونها عند الخطب والمهام.
وحذف المفعول للتعميم أو للجهل بأعيانهم ( خطبة، ما سمعت مثلها قط) لكمال بلاغتها، وقط بفتح القاف وضم الطاء المهملة المشددة في اللغة الفصحى ظرف لاستغراق ما مضى من الزمان نحو ما فعلته قط.
قال ابن هشام: وقول العامة لا أفعله قط لحن ( فقال) أي من جملتها، أو يحتمل أن يكون ذلك هو المقول كله ( لو تعلمون ما أعلم) أي من أهوال الآخرة وما أعدّ في الجنة من نعيم وفي النار من العذاب الأليم ( لضحكتم قليلاً ولبكيتم كثيراً) قيل إن كان الخطاب للكافرين فليس لهم ما يوجب الضحك أصلاً، وإن كان للمؤمنين فعاقبتهم الجنة أبداً، وإن دخلوا النار فما يوجب البكاء بالنسبة إلى ما يوجب الضحك شيء يسير، فينبغي أن يكون الأمر بالعكس.
قلنا: الخطاب للمؤمنين، لكن خرج هذا الحديث في مقام ترجيح الخوف على الرجاء، قال الكازروني: ففي الحديث الحثّ على البكاء والتحذير من إكثار الضحك ( فغطى أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وجوههم) فيه استحباب تغطية الوجه عند البكاء وقد ورد الأمر به حال العطاس وكأنه ستر لما يعرض حينئذٍ في بشرة الوجه ( ولهم خنين) في «المشارق» للقاضي عياض أنه بالمهملة للقابسي والعذري، وبالمعجمة للكافة وهو الصواب، وهو تردد في البكاء بصوت أغن.
وقال أبو زيد: الخنين كالحنين اهـ.
وفي «شرح مسلم» للمصنف: هو بالمعجمة في معظم النسخ، ولمعظم الرواة ولبعضهم بالمهملة، ومن ذكرالوجهين صاحب التحرير وآخرون وسيأتي معناه ( متفق عليه) أخرجه البخاري في التفسير، واللفظ له ومسلم في فضائل النبي بنحوه، ورواه الترمذي في التفسير وقال: حسن صحيح غريب، ورواه النسائي في الرقائق مختصراً «لو تعلمون ما أعلم لضحكتم قليلاً ولبكيتم كثيراً» اهـ.
ملخصاً من «الأطراف» للمزي.
وللحافظ العسقلاني تعقب عليه في بعضه في كتابه «النكت الظراف» ( وفي رواية) هي لمسلم ( «بلغ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن أصحابه شيء فخطب فقال: عرضت عليّ الجنة والنار) قال القاضي عياض: قال العلماء: يحتمل أنه رآهما رؤية عين كشف الله تعالى عنهما وأزال الحجاب بينه وبينهما كما خرج له عن بيت المقدس حين وصفه، ويحتمل أن يكون عرض وحي، وعلم من أمورهما تفصيلاً ما لم يعلمه قبل ذلك ومن عظم شأنهما ما زاده علماً بأمرهما وخشية وتحذيراً ودوام ذكر فلذا قال: لو تعلمون الخ.
قال القاضي: والتأويل الأول أولى والتنبيه بألفاظ الحديث لما جاء في الأحاديث مما يؤيده كتناوله العنقود وتأخره مخافة أن تلحقه النار.
وفيه أن الجنة والنار مخلوقتان موجودتان اليوم وهو مذهب أهل السنة خلافاً للمعتزلة ( فلم أر كاليوم في الخير والشر) قال المصنف: معنى الحديث لم أر خيراً أكثر مما رأيته اليوم في الجنة، ولا شرّاً أكثر مما رأيته في النار ( ولو تعلمون ما أعلم) مما رأيته اليوم ( لضحكتم قليلاً ولبكيتم كثيراً) أي لحصل من الإشفاق البليغ ما يقلّ ضحككم ويكثر بكاءكم.
وفيه دليل على أنه لا كراهية في استعمال «لو» في مثل هذا ( فما أتى) أي جاء ( على أصحاب النبيّ يوم أشد منه) في إزعاجهم بالموعظة وتأثرهم بها ( غطوا) بتشديد الطاء المهملة أي ستروا ( رءوسهم) بالغطاء ( ولهم خنين» ) جملة حالية ( الخنين بالخاء المعجمة) المفتوحة وبنونين أولاهما مكسورة خفيفة وبينهما تحتية ساكنة ( هو البكاء مع غنة وانتشاق الصوت) وفي «شرح مسلم» : ومعناه بالمعجمة صوت وهو نوع من البكاء دون الانتحاب.
قالوا: وأصل الخنين خروج الصوت ( من الأنف) كالحنين بالمهملة.
وقال الخليل: هو صوت فيه غنة.
وقال الأصمعي:إذا تردد بكاؤه وصار في كونه غنة فهو: خنين.
وقال أبو زيد الخنين هو شدة البكاء.


رقم الحديث 402 ( وعن المقداد رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: «تدنى) بالبناء للمفعول وحذف الفاعل للعلم بأنه الله تعالى ( الشمس يوم القيامة من الخلق) أل فيه للجنس أي من المخلوقين ( حتى يكون) تصير ( منهم كمقدار) أي مثل مقدار ( ميل) وذلك تشديد في الهول والكرب ( قال سليم) بضم المهملة وفتح اللام وتخفيف التحتية ( ابن عامر) وهو الجنائزي بالجيم والنون وهمزة بعد ألف ثم زاي الحمصي ( الراوي عن المقداد) فهو تابعي يروي عن أبي الدرداء وعوف بن مالك، والمقداد ثقة بقي إلى بعد عشر ومائة روى عنه مسلم والأربعة كذا في «الكاشف» للذهبي ( فوا ما أدري ما يعني) أي النبي ( بالميل لمسافة الأرض) أي أراد المسافة التي هي عند العرب مقدار مدّ البصر من الأرض، وعند القدماء من أهل الهيئة ثلاثة آلاف ذراع، وعند المحدثين أربعة آلاف ذراع.
قال في «المصباح» : والخلف لفظي فإنهم اتفقوا على أن مقداره ستّ وتسعون ألف أصبع، ولكن القدماء يقولون الذراع اثنتان وثلاثون أصبعاً والمحدثون أربع وعشرون أصبعاً، فإذا قسم الميل على رأي المحدثين أربعاً وعشرين كان المتحصل أربعة آلاف ذراع اهـ.
( أم) أراد ( الميل الذي تكتحل به العين) قال في «المصباح» : قال الأصمعي: العامة يقولون لما يكتحل ب ميل وهو خطأ وإنما هو ملمول، وقال الليث: الميل المملول الذي يكتحل به البصر والله أعلم ( فيكون على قدر أعمالهم في العرق) أي اختلافهم في مكان العرق منهم بحسب اختلافهم في العمل صلاحاً وفساداً ثم فصله كذلك زيادة في البيان فقال ( فمنهم من يكون إلى كعبيه، ومنهم من يكون إلى ركبتيه، ومنهم من يكون إلى حقويه) بفتح الحاء المهملة وكسرها: وهما معقد الإزار، والمراد هنا ما يحاذي ذلك الموضع من جنبيه ( ومنه من يلجمه العرق إلجاماً) أي يصل إلى فيه وأذنيه فيكون له بمنزلة اللجام منالحيوانات كما قال الراوي ( وأشار رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بيده إلى فيه» .
رواه مسلم)
.


رقم الحديث 403 ( وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: يعرق) بفتح التحتية والراء ( الناس) من شدة كرب يوم القيامة وأهوالها ( يوم القيامة حتى يذهب عرقهم في الأرض سبعين ذراعاً ويلجمهم) بضم التحتية من ألجمه الماء: إذا بلغ فاه ( حتى يبلغ آذانهم) وهذا لبعض الناس لتفاوت الناس في ذلك كما تقدم في الحديث قبله، واستثنى من ذلك الأنبياء والشهداء ومن شاء الله من المؤمنين والمؤمنات، ثم أشد الناس عرقاً الكافر، ثم أصحاب الكبائر ثم من بعدهم ( متفق عليه) رواه البخاري في الرقاق ومسلم في باب صفة الجنة والنار ( ومعنى يذهب في الأرض: أي ينزل فيها ويغوص) في «المصباح» : يقال نزل من علوّ إلى أسفل ينزل نزولاً، وما ذكره المصنف في الحديث وجه، وفسر الشيخ زكريا يذهب بقوله يجري، ولا مانع من جريانه على وجه الأرض هذا القدر دون ما زاد عليه مع ارتفاعه وبلوغه إلى آذانهم لأنه ممكن والقدرة صالحة له.


رقم الحديث 404 ( وعنه قال: كنا مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذ سمع وجبة) بفتح الواو وسكون الجيم وبالموحدة أي سقطة، قال في «المصباح» : يقال وجب الحائط ونحوه: سقط ( فقال: هل تدرون ما هذا) أي المسموع، وظاهره أنهم سمعوها أيضاً كرامة، ولا مانع فقد سمعوا حنين الجذع وتسبيح الحصا في يده وغير ذلك، لكن قوله أولاً إذ سمع النبيّ ربما يومىء إلى اختصاصه بذلك، والله أعلم ( فقلنا: الله ورسوله أعلم) فيه بيان أن الأدب إذا سئل الإنسان عما لا علم له به أن يكل العلم فيه إلى الله سبحانه ولا يتكلم فيما لا علم لهبه، وليس من التكلم بلا علم ما يستنبطه أهل العلم ويستخرجونه بما عندهم من جودة الذهن وحسن الفكر، بل هو من التكلم بالعلم، قال تعالى: { لعلمه الذين يستنبطونه منهم} ( النساء: 83) ( قال هذا حجر) أي صوت حجر ( رمي) بالبناء للمفعول ( به في النار من) كذا فيما وقفت عليه من نسخ الرياض بمن الجارة وهو في مسلم بلفظ منذ وهي هنا بمعنى من لأنها جارة لاسم الزمان الماضي، فما في الرياض إن كان من المصنف فرواية بالمعنى ( سبعين خريفاً) أي عاماً والمقام يقتضي حمله على حقيقته، ويحتمل أنها كناية عن الكثرة بما فوق وما دون ( فهو يهوي) بكسر الواو: أي ينزل ( في النار الآن) اسم للزمان الحال وهو ظرف خبر مقدم لقوله ( حين انتهى إلى قعرها) وجملة انتهى مضاف إليها، وفتحت «حين» لإضافتها إلى جملة صدرها مبني فهو مرفوع، وتقديره الآن حين انتهى بها إلى قعر النار ( فسمعتم وجبتها) بفتح الواو وسكون الجيم هكذا هو في أصل مصحح، ويحتمل أن يكون بكسر الجيم وبالتحتية فالموحدة ومعناه الاضطراب: أي صوت اضطراب النار من نزول الحجر إليها، قال في «المصباح» : وجب القلب وجيباً ووجباً: رجف، ثم قوله فسمعتم وجبتها ليس هو عند مسلم في حديث «حتى انتهى إلى قعرها» إنما هو عنده بإسناد آخر للحديث وفيه «وقال هذا وقع في أسفلها فسمع وجبتها» فيكون ذكر فسمعتم وجبتها مدرجاً في الحديث الذي ذكره المصنف لأنه ليس عنده بإسناد ذلك الحديث إنما هو بإسناد آخر، والله أعلم ( رواه مسلم) في باب صفة الجنة والنار.
o

رقم الحديث 405 ( وعن عديّ) بفتح العين المهملة وكسر الدال المهملة وتشديد التحتية ( ابن حاتم) بالمهملة فالفوقية ( رضي الله عنه) تقدمت ترجمته في الكلام على الحديث في باب بيان كثرة طرق الخير ( قال: قال رسول الله: ما منكم من أحد) من مزيدة في الفاعل لتأكيد العموم فيه لوقوعه بعد النفي ( إلا سيكلمه ربه ليس بينه وبينه ترجمان) قال في «المصباح» : ترجمفلان كلامه إذا بينه وأوضحه، وترجم كلام غيره: إذا عبر عنه بلغة عن المتكلم، واسم الفاعل ترجمان، وفيه لغات أجودها فتح التاء وضم الجيم ثم ضمهما ثم فتحهما والجمع تراجم والتاء والجيم فيه أصليتان فترجم بوزن دحرج اهـ.
والمراد هنا أنه تعالى يكلمه بلا واسطة ( فينظر أيمن منه) أي جانباً أيمن منه ( فلا يرى) أي يبصر ( إلا ما قدم) من صالح العمل ( وينظر أشأم منه) بالشين المعجمة والهمزة من الشومي: وهو من أسماء الشمال ( فلا يرى إلا ما قدم وينظر بين يديه فلا يرى إلا النار تلقاء) بكسر الفوقية وبالمد: أي قبالة ( وجهه، فاتقوا النار) أي اجعلوا صالح العمل وقاية بينكم وبينها ( ولو) كان ( بشق) بكسر الشين المعجمة: أي نصف ( تمرة متفق عليه) .