فهرس الكتاب

دليل الفالحـــين - باب كراهية تمني الموت بسبب ضرر نزل بِهِ وَلاَ بأس بِهِ لخوف الفتنة في الدين

رقم الحديث -2000 بتخفيف التحتية مصدر كره ( تمنى الموت) مفعول كراهية فهو مصدر مضاف لمفعوله والفاعل محذوف: أي كراهية الشارع تمنى الموت.
ويحتمل أن يكون مصدراً مبنياً للمجهول كحديث «أمر بقتل الأسود ذي الطفيتين» أي بأن يقتل فيكون مضافاً لمرفوعه النائب عن الفاعل ( بسبب ضرّ نزل به) الضرّ بضم الضاد المعجمة وهو كما في المصباح الفاقة والفقر اسم وبفتحها مصدر ضرّه يضرّه من باب قتل: إذا فعل به مكروها اهـ.
وحينئذ فيقاس كراهية تمني الموت بسبب الأمراض والجراحات على ما صرح به في الترجمة من كراهيته بسبب الفقر والفاقة بجامع عدم الصبر في كل أحكام المولى سبحانه، والجملة الفعلية في محل الصفة، وفي التعبير بذلك إيماء إلى استحباب لجأ من نزلت به إلى مولاه في كشفها عنه وإنجائه منها، لأن ذلك مطلوب في النوازل ( ولا بأس به) كلمة تدل على الإباحة، بل قال جمع باستحباب تمنيه، ونقلوه عن الشافعي وعمر بن عبد العزيز وغيرهما ( لخوف الفتنة في الدين) ومن قال بالإباحة استند إلى عدم ورود الأمر بتمنيه حالتئذ وقد رد من جاءه مسلماً في قصة الحديبية إلى الكفار لاشتراطهم ذلك مع أنهم إنما فروا خوف الفتنة في الدين، فلو استحب تمنيه لدلهم.
1585 - ( عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: لا يتمنى) بالرفع كما هو في كتب الحديث فهو خبر بمعنى النهي كـ «لا يمسه إلا المطهرون» أو بالجزم على بابه، وأثبت حرف العلة فيه على لغة شهيرة فيه، والأوّل أبلغ لإفادته أن من شأن المؤمن انتفاء ذلك عنه وعدم وقوعه منه بالكلية لما يأتي ( أحدكم الموت) أي لضرّ نزل به كما يأتي في أحاديث الباب، وإنما نهى عن تمنيه، لأنه ( إما) أن يكون ( محسنا) أي مطيعاً لله تعالى قائماً بوظائف الواجبات والمندوبات أو الواجبات فقط ( فلعله) إذا طال عمره وهو على هذا الكمال ( يزداد) أي خيراً كثيراً، فلا ينبغي له وهو على مدرج التزوّد للآخرة والاستكثار من حيازة ثواب الأعمال الصالحة أن يتمنى ما يمنعه عن البرّ والسلوك لطريق الله تعالى وزيادة رضاه وقد ورده «خياركم من طال عمره وحسن عمله» أي أنه يزداد الترقي في زيادة الأعمال المزيدة في القرب من الله تعالى فكيف يسأل قطع ذلك ( وإما) أن يكون ( مسيئاً فلعله يستعتب) أي يرجع إلى الله سبحانه بالتوبة وردّ المظالم وتدارك الفائت وطلب عتبى الله تعالى: أي رضاه عنه، فالعتبى والإعتاب: الإرضاء، ولعل فيهما لمجرد الرجاء وكثر مجيئها له إذا صحبه تعليل نحو { واتقوا الله لعلكم تفلحون} ( البقرة: 189) ( متفق عليه، وهذا لفظ البخاري) في آخر حديث أوله «لن يدخل أحداً عمله الجنة، قالوا: ولا أنت يا رسول الله قال: إلا أن يتغمدني الله بفضل ورحمة فسددوا وقاربوا ولا يتمنى» الحديث أخرجه في كتاب المرضى.
( وفي رواية مسلم، عن أبي هريرة رضي الله عنه عن رسول اللُّه قال: لا يتمنى أحدكم) أي الواحد منكم، وكونه من ألفاظ العموم إنما هو إذا تقدمه نفى أو ما في معناه ( الموت) والفعل يحتمل الرفع والجزم كما تقدم، ويؤيد الثاني قوله ( ولا يدع به) فإنه مجزوم والأصل تناسب المتعاطفات في الخبر والإنشاء، وإن كان المختار جواز عطف الإنشاء على الخبر وعكسه وحينئذ فيكون في الحديث الجمع بين لغتين حذف حرف العلة للجازم وإثباته ( من قبل أن يأتيه) وقوله ( إنه) يصح فتحها تعليلا وكسرها استئنافا على أن الثاني لا ينافي الأول، والضمير يرجع إلى فاعل يتمنى ( إذا مات انقطع عمله) في رواية «أمله» وهما متقاربان إذ المراد بالأمل ما يطمع فيه من ثواب العمل الذي يستكثر منه لو بقي والأمل كذلك ممدوح والمذموم من الأمل الذي يحمل على بطر أو فتور عن صالح العمل ( وإنه) أي الشأن ( لا يزيد المؤمن عمره) أي طوله ( إلا خيراً) كثيراً لأن صدق إيمانه يحمله على استكثار صالح العمل سيما في آخر عمره.


رقم الحديث 585 ( عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: لا يتمنى) بالرفع كما هو في كتب الحديث فهو خبر بمعنى النهي كـ «لا يمسه إلا المطهرون» أو بالجزم على بابه، وأثبتحرف العلة فيه على لغة شهيرة فيه، والأوّل أبلغ لإفادته أن من شأن المؤمن انتفاء ذلك عنه وعدم وقوعه منه بالكلية لما يأتي ( أحدكم الموت) أي لضرّ نزل به كما يأتي في أحاديث الباب، وإنما نهى عن تمنيه، لأنه ( إما) أن يكون ( محسنا) أي مطيعاً لله تعالى قائماً بوظائف الواجبات والمندوبات أو الواجبات فقط ( فلعله) إذا طال عمره وهو على هذا الكمال ( يزداد) أي خيراً كثيراً، فلا ينبغي له وهو على مدرج التزوّد للآخرة والاستكثار من حيازة ثواب الأعمال الصالحة أن يتمنى ما يمنعه عن البرّ والسلوك لطريق الله تعالى وزيادة رضاه وقد ورده «خياركم من طال عمره وحسن عمله» أي أنه يزداد الترقي في زيادة الأعمال المزيدة في القرب من الله تعالى فكيف يسأل قطع ذلك ( وإما) أن يكون ( مسيئاً فلعله يستعتب) أي يرجع إلى الله سبحانه بالتوبة وردّ المظالم وتدارك الفائت وطلب عتبى الله تعالى: أي رضاه عنه، فالعتبى والإعتاب: الإرضاء، ولعل فيهما لمجرد الرجاء وكثر مجيئها له إذا صحبه تعليل نحو { واتقوا الله لعلكم تفلحون} ( البقرة: 189) ( متفق عليه، وهذا لفظ البخاري) في آخر حديث أوله «لن يدخل أحداً عمله الجنة، قالوا: ولا أنت يا رسول الله قال: إلا أن يتغمدني الله بفضل ورحمة فسددوا وقاربوا ولا يتمنى» الحديث أخرجه في كتاب المرضى.
( وفي رواية مسلم، عن أبي هريرة رضي الله عنه عن رسول اللُّه قال: لا يتمنى أحدكم) أي الواحد منكم، وكونه من ألفاظ العموم إنما هو إذا تقدمه نفى أو ما في معناه ( الموت) والفعل يحتمل الرفع والجزم كما تقدم، ويؤيد الثاني قوله ( ولا يدع به) فإنه مجزوم والأصل تناسب المتعاطفات في الخبر والإنشاء، وإن كان المختار جواز عطف الإنشاء على الخبر وعكسه وحينئذ فيكون في الحديث الجمع بين لغتين حذف حرف العلة للجازم وإثباته ( من قبل أن يأتيه) وقوله ( إنه) يصح فتحها تعليلا وكسرها استئنافا على أن الثاني لا ينافي الأول، والضمير يرجع إلى فاعل يتمنى ( إذا مات انقطع عمله) في رواية «أمله» وهما متقاربان إذ المراد بالأمل ما يطمع فيه من ثواب العمل الذي يستكثر منه لو بقي والأمل كذلك ممدوح والمذموم من الأمل الذي يحمل على بطر أو فتور عن صالح العمل ( وإنه) أي الشأن ( لايزيد المؤمن عمره) أي طوله ( إلا خيراً) كثيراً لأن صدق إيمانه يحمله على استكثار صالح العمل سيما في آخر عمره.


رقم الحديث 586 ( وعن أنس رضي الله عنه قال: قال رسول الله: لا يتمنين) هذا يؤيد لكون يتمنى في الروايتين قبله مجزوماً جاء على لغة من أثبت حرف العلة مع الجازم ( أحدكم الموت لضرّ أصابه) أي في دنياه لما تقدم عن المصباح، ويقاس به تمنيه لضر أصابه في بدنه، وإنما كره تمنيه حينئذ لأنه يشعر بعدم الرضا بالقضاء بخلافه عند عدمه ( فإن كان لا بد فاعلاً) أي لا غنى له عن فعل التمني لغلبة نفسه وهواه عليه حتى منعاه من اجتناب المنهيّ عنه ( فليقل: اللهم أحيني ما كانت الحياة) أي مدة كونها ( خيرا لي) من الموت لاستكثاري فيها من صالح العمل من غير فتنة ولا محنة ( وتوفني إذا كانت الوفاة خيراً لي) من الحياة لخوف فتنة أو تثبيط عن العمل، فيسن للمتمني قول ذلك لأنه تيقظ به من سنة الغفلة الحاملة على التمني، ولأن الله هو العالم بحقائق الأمور وعواقبها، وغاير بين الأسلوبين بما المصدرية الظرفية وإذا الشرطية لأن المراد بالحياة زمنها الذي يبقى وبالموت وجوده القاطع لذلك الزمن ( متفق عليه) أخرجه البخاري في الطب ومسلم في الدعوات.


رقم الحديث 587 (وعن قيس) بفتح القاف وسكون التحتية (ابن أبي حازم) بالمهملة والزاي واسمه عبد بن عوف بن الحارث، وقبل عوف الأحمسي بالمهملتين البجلي الكوفي التابعي الجليل المخضرم، أدرك الجاهلية وجاء ليبايع النبي فتوفي النبي وهو بالطريق وأبوه صحابي.
روى عن جمع من الصحابة منهم العشرة وليس في التابعين من روى عن العشرة غيره.
وقال أبو داود السجستاني: روى عما عدا ابن عوف منهم توفي سنة أربع وثمانين،وقيل سبع وقيل ثمان اهـ من «التهذيب» للمصنف (قال: دخلنا على خباب) بفتح المعجمة وتشديد الموحدة الأولى بينهما ألف (ابن الأرتّ) بتشديد الفوقية تقدمت ترجمته (رضي الله عنه) في باب الصبر (نعوده) جملة مستأنفة لبيان سبب دخوله عليه وإتيانه بالنون لعله لكونه مع غيره (وقد اكتوى) أي بالنار (سبع كيات) جملة حالية من خباب: أي اكتوى سبع كيات في سبع مواضع من بدنه، وهو نافع مجرب لبعض الأمراض والنهي عنه محمول على من ينسب الشفاء إليه كالجاهلية بخلاف من يراه سبباً، وأن الله الشافي أو على أنه إرشاد للتوكل الأفضل كما حمل عليه حديث «لا يسترقون ولا يكتوون» (فقال: إن أصحابنا الذين سلفوا) أي ماتوا وسلفوا إلى حضرة الحق سبحانه (مضوا) أي ذهبوا من الدنيا (ولم تنقصهم الدنيا) شيئاً مما لهم من المراتب المعدة لهم في الآخرة لأنهم لم يتمتعوا بشيء من مستلذات الدنيا فيكون ذلك منقصا لهم مما أعد لهم في الآخرة، بل انتقلوا وأجورهم موفورة كاملة، وإسناد النقص إلى الدنيا مجاز عقلي من الإسناد إلى السبب: أي لم ينقصه الله شيئاً من درجاته بسبب الدنيا (وإنا) يعني نفسه وأرباب اليسار من الصحابة الذين نالوا من الغنائم وفاض فيهم العطاء (أصبنا مالا) جاء عند الترمذي عنه «لقد رأيتني مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لا أملك درهما، وإن في جانب بيتي الآن أربعين ألف درهم» الحديث (لا نجد له موضعا) لزيادته على الحاجة (إلا التراب) أي يدفن فيه ليحفظ من أيدي نحو السراق ففيه جواز دفن المال: أي إذا أعطى حق الله الواجب فيه، أو المراد البناء به ليحصل ريع ذلك بالأجر ونحوها، وعليه اقتصر الشيخ زكريا في «تحفة القاري» (ولولا أن النبيّ نهانا أن ندعو بالموت) ظاهره العموم حتى ولو كان لخوف الفتنة في الدين وكأنه سمع النهي مطلقاً كما في أوّل أحاديث الباب، ويدل له ما يأتي عند الترمذي وإن كان يحتمل أنه من تضرره بألم الكي (لدعوت به، ثم أتيناه مرة أخرى وهو يبني حائطاً) أي جداراً كما في النهاية (له فقال: إن المسلم ليؤجر في كل شيء ينفقه) أي من المال طلباً لمرضاة الله سبحانه (إلا في شيء) بدل من المجرور قبل بإعادة الجار، وهذا باعتبار المعنى أي ماينقص ثوابه في كل شيء ينفقه إلا في شيء، وإلا فالمستثنى من كلام تام موجب يجب نصبه ولا يجوز فيه الإبدال (يجعله في هذا التراب عبر في هذا بالجعل لأن الإنفاق إنما يستعمل فيما كان في القرب واستعماله في غيره مجاز، وهذا من كمال خباب ومزيد عرفانه بمولاه فاشتد اتهامه لنفسه ونظره لها بعين النقص، وخشي بمراقبته لمولاه أن يكون ما هو فيه من تلك الدنيا استدراجا، ومن حاسب نفسه قبل أن يحاسب أمن وقت الخوف (متفق عليه.
وهذا لفظ رواية البخاري) ولفظ رواية مسلم «دخلنا على خباب وقد اكتوى سبع كيات في بطنه فقال: لولا أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - نهانا أن ندعو بالموت لدعوت به» وقد روى أحمد والترمذي الحديث عن حارثة بن مصرف قال «دخلت على خباب وقد اكتوى سبعا فقال: لولا أني سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: لا يتمنينّ أحدكم الموت لتمنيته، ولقد رأيتني مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ما أملك درهما، وإن في جانب بيتي الآن أربعين ألف درهم، ثم أني بكفنه.
فلما رآه بكى وقال: لكن حمزة لم يوجد له كفن له إلا بردة ملحاء.
إذا جعلت على رأسه قلصت عن قدميه، وإن جعلت على قدميه قلصت عن رأسه حتى مدت على رأسه وجعل على قدميه الإذخر» وليس عند الترمذي «ثم أتى بكفنه الخ» وقد تقدم له نحو هذا الحديث ليس فيه الكيّ وتمنى الموت عن البخاري في باب فضل الزهد في الدنيا.
68