فهرس الكتاب

دليل الفالحـــين - باب الأمر بالمعروف والنهي عَن المنكر

رقم الحديث 184 ( وأما الأحاديث: فالأوّل: عن أبي سعيد) سعد بن مالك بن سنان ( الخدري) وسبقت ترجمته ( رضي الله عنه) في باب التوبة ( قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: ما رأى) أي: علم إذ لايشترط في وجوب الإنكار رؤية البصر بل المدار على العلم أبصر أم لا ( منكم) معشر المكلفين القادرين المسلمين فهو خطاب لجميع الأمة حاضرها بالمشافهة وغائبها بطريق التبع ( منكراً فليغيره) وجوباً بالشرع على الكفاية إن علم بذلك أكثر من واحد وإلا فهو فرض عين.
ووجوبه بالكتاب والسنة ( بيده) إن توقف تغييره عليها كتكسير أواني الخمر وآلات اللهو بشرطه الآتي ( فإن لم يستطع) الإنكار بيده، بأن خشي لحاق ضرر ببدنه أو أخذ مال، وليس من عدم الاستطاعة مجرد الهيبة، وعلى ذلك حمل خبر الترمذي وغيره «ألا لا يمنعنّ رجلاً هيبة الناس أن يقول بحق إذا علمه» ( فبلسانه) أي: يقوله للمرتجي نفعه من نحو صياح واستغاثة وأمر من يفعل ذلك وتوبيخ وتذكير با وأليم عقابه مع لين وإغلاظ حيثما يكون أنفع، ولا فرق في وجوب الإنكار بين أن يكون الآمر ممتثلاً ما أمر به مجتنباً ما نهي عنه أو لا، ولا بين كون كلامه مؤثراً أو لا، وظاهر كلام المصنف الإجماع على ذلك فقول بعض بسقوط الوجوب عند العلم بعدم التأثير أخذاً من أحاديث تصرح بذلك ليس فيه محله، ولا بين كون الآمر ولياً أو غيره إجماعاً أخذاً بعموم «من» الشامل لذلك جميعه، نعم إن خشي من ترك استئذان الإمام مفسدة راجحة أو مساوية من انحرافه عليه بأن افتيات عليه لم يبعد وجوب استئذانه حينئذٍ.
ويشترط لجواز الإنكار ألا يؤدي إلى شهر سلاح، فإن أدى إلى ذلك فلا يكون للعامة بل يربط بالسلطان، وشرطه وجوبه تارة وجوازه أخرى ألا يخاف على نفس ونحو عضو ومال له أو لغيره وإن قل، مفسدة فوق مفسدة المنكر الواقع، وإيجاب بعض العلماء الإنكار بكل حال وإن فعل المنكر وقبل منه غلوّ مخالف لظاهر هذا الحديث وغيره ولا حجة له فيما احتج به.
وإذا جاز التلفظ بكلمة الكفر عند الخوف أو الإكراه كما في الآية فليجز ترك الإنكار لذلك بالأولى، لأن الترك دون الفعل في القبح، ألا يغلب على ظنه أن المنهي يزيد فيها هو فيه عناداً، وأن يكون المنكر مجمعاً عليه أو يعتقد فاعله حرمته أو حله، أو ضعفت شبهته كنكاح المتعة، ولا ينافي ما تقرر من الوجوب قوله تعالى: { عليكم أنفسكم لا يضركم من ضل إذا اهتديتم} ( المائدة: 105) لأنه سئل عنها، فقال: «ائتمروا بالمعروف وتناهوا عن المنكر، فإذا رأيت شحاً مطاعاً وهوى متبعاً ودنيا مؤثرة وإعجاب كل ذي رأي برأيه فعليك بنفسك» الحديث.
ففيه تصريح بأن الآية محمولة على ما إذا عجز المنكر، ولا شك في سقوط الوجوب حينئذٍ، على أن معناها عند المحققين أنكم إذا فعلتم ما كلفتم بهلا يضركم تقصير غيركم، ومما كلفنا به الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، فإذا لم يمتثلهما المخالف فلا عتب حينئذٍ لأن الواجب الأمر والنهي لا القبول ( فإن لم يستطع) ذلك بلسانه ( فبقلبه) ينكره بأن يكره ذلك ويعزم أن لو قدر عليه بقول أو فعل أزاله لأنه يجب كراهة المعصية فالراضي بها شريك لفاعلها وهذا واجب على كل أحد بخلاف اللذين قبله، فعلم من الحديث وما تقرر فيه وجوب تغيير المنكر بأيّ طريق أمكن، وفي أواخر الباب الأوّل من كتاب «الأنوار القدسية في قواعد الصوفية» للشعراني كان يقال: إن كان ولا بد للمريد من إزالة المنكر فليتوجه إلى الله تعالى بقلبه ويزيل ذلك المنكر الذي رآه، إما يمنع الزاني من الزنى أو الشارب من الخمر ونحو ذلك، ولا ينسب إلى ساكت قول، هكذا كان سورة تغيير المرسلين الصادقين المنكر في قديم الزمان، وقد خالف قوم فغيروا بيدهم أو لسانهم فسحبوا لبيت الوالي وضربوا وحبسوا وازدادوا للمنكر منكراً.
وقد كان سيدي إبراهيم المتبولي يقول: تغيير المنكر باليد للولاة ومن قاربهم، وبالقول للعلماء العاملين، وتغييره بالقلب لأرباب القلوب ( وذلك) أي: الإنكار بالقلب للعجز عنه بغيره ( أضعف الإيمان) أي: أقله ثمرة.
وفي رواية «وهو أضعف الإيمان» وليس وراء ذلك من الإيمان حبة خردل، ومنه يستفاد أن عدم إنكار القلب للمنكر دليل على ذهاب الإيمان منه، ومن ثم قال ابن مسعود: هلك من لم يعرف بقلبه المعروف والمنكر: أي: لأن ذلك فرض كفاية لا يسقط عن أحد بحال.
والرضا به من أقبح المحرمات وإن كان ذلك أقل ثمرة ( رواه مسلم) وأبو داود وابن ماجه في «سننهما» وأحمد وعبد في «مسنديهما» وأبو يعلى وابن أبي الدنيا وغيره ذكره السخاوي في «تخريج الأربعين» حديثاً التي جمعها المؤلف وبسط في بيان طرق الحديث.
قيل: وهذا الحديث يصلح أن يكون ثلث الإسلام لأن الأحكام ستة: الواجب والمندوب، والمباح، وخلاف الأولى، والمكروه، والحرام.
والمستفاد منه حكم الأول وهو أنه يجب الأمر منه، والأخير وهو أنه يجب النهي عنه.
وعبر بعضهم بأنه نصفه وبينه بأن أعمال الشريعة إما معروف يجب الأمر به، أو منكر يجب النهي عنه: أي وهو إنما بين الثاني وهو غير سديد، لأن ما عدا الأول والثاني لا يجب الأمر به ولا النهي عنه، على أنه كما بين الثاني: أعني وجوب النهي عن المنكر بين الأول، لأن المنكر يشمل ترك الواجب وفعل الحرام، فتغيير الأول بالأمر بالواجب والثاني بالنهي عن الحرام، فعليه كان المناسب أن يقال إنه كل الإسلام لا نصفه.


رقم الحديث 185 ( والثاني: عن ابن مسعود رضي الله عنه أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: ما من) مزيدة لاستغراق النفي ( نبي) أي: رسول، إذ هو المحتاج للإعانة على تبليغ ما أمر به.
قال القرطبي: ونعني بذلك غالب الرسل لا كلهم بدليل قوله في الحديث الآخر «ويأتي النبي ومعه الرجل والرجلان، ويأتي النبي وليس مه أحد» فهذا العموم وإن كان مؤكداً بمن مخصوص بما ذكرناه اهـ ( بعثه الله في أمة قبلي إلا كان له من أمته حواريون) بالحاء المهملة وتخفيف الواو قال الأزهري وغيره، هم خلصان الأنبياء وأصفياؤهم.
والخلصان: الذين نقوا من كل عيب وقال غيره: هم أنصارهم، وقيل: المجاهدون، وقيل: الذين يصلحون للخلافة بعدهم، وقيل: هم المختصون المفضلون ( وأصحاب) قال القرطبي في «المفهم» : جمع صحب كفرح وأفراح قاله الجوهري، وقال غيره: هو عند سيبويه جمع صاحب كشاهد وأشهاد لا جمع صحب، لأن فعلاً لا يجمع على أفعال إلا في ألفاظ معدودة وليس هذا منها.
والصحبة: الخلطة والملابسة على جهة المحبة، يقال صحبه يصحبه صحبة بالضم وصحابة بالفتح، وجمع الصاحب صحب كراكب وركب، وصحبة كفاره وفرهة، وصحاب كجائع وجياع، وصحبان كشاب وشبان ( يأخذون بسنته) أي: بطريقه وشريعته ( ويقتدون) يتأسون ( بأمره ثم) أتى بها لتراخي رتبة المعطوف بها عما قبله ( إنها) أي: القصة كذا اقتصر عليه المصنف في «شرح مسلم» ، وقال القرطبي: هكذا الرواية بهاء التأنيث فقط وهي عائدة على الأمة أو على الطائقة التي هي في معنى الحواريين ( تخلف) بضم اللام أي تحدث ( من بعدهم خلوف) بضم الخاء جمع خلف بإسكان اللام وهو الخالف بشرّ، أما بفتح اللام فهو الخالف بخير، هذا هو الأشهر.
قال وجماعة أو جماعات من أهل اللغة منهم أبو زيد: يقال كل واحد منهما بالفتح والإسكان، ومنهم من جوّز الفتح في الشرّ ولم يجوّز الإسكان في الخير، وفي «الصحاح» : الخلف ما جاء من بعد؛ يقال هو خلف سوء وخلف صدّق من الله بالتحريك إذا قام مقامه.
قال الأخفش: هما سواء منهم من يحرك ومنهم من يسكن فيهما جميعاً إذا أضاف، ومنهم من يقول خلف صدق بالتحريك ويسكن الآخر ويريد بذلك الفرق بينهما اهـ ( يقولون ما لا يفعلون) أي: يتشبعون بما لم يعطوا من طاعة أو حال أو مقام ( ويفعلون ما لا يؤمرون) أي: يفعلو خلاف المأمور به من المنكرات التي لم يأت بهاالشرع ( فمن جاهدهم بيده) إذا توقف إزالة المنكر عليه ولم يترتب عليه مفسدة أقوى منه كانشقاق العصى المترتب على الخروج على ولي الأمر الذي هو أعظم مفسدة من المنكر ( فهو مؤمن) كامل الإيمان ( ومن جاهدهم بلسانه) بأن أنكر به واستعان بمن يدفعه ( فهو مؤمن، ومن جاهدهم بقلبه) والاستعانة على إزالته با سبحانه ( فهو مؤمن) وتتفاوت مراتب كمال الإيمان بتفاوت ثمراته ( وليس وراء ذلك) أي: كراهة المنكر بالقلب ( من الإيمان حبة خردل) كنى بها عن نهاية القلة، وذلك لأن الرضا بالكفر الذي هو من جملة المعاصي كفر، وبالعصيان الناشيء عن غلبة الشهوة نقصان من الإيمان أيّ نقصان.
وقال القرطبي: الإيمان هنا بمعنى الإسلام، والمراد أن آخر خصال الإيمان المتعينة على العبد وأضعفها الإنكار بالقلب ولم يبق بعدها رتبة أخرى ( رواه مسلم) .


رقم الحديث 186 ( والثالث: عن أبي الوليد) بفتح الواو وكسر اللام وسكون التحتية ( عبادة) بضم المهملة وتخفيف الموحدة والدال المهملة بينهما ألف ( ابن الصامت) بن قيسبن أصرمبن فهربن ثعلبةبن غنمبن سالمبن عوفبن عمروبن الخزرج الأنصاري الخزرجي، شهد عبادة ( رضي الله عنه) العقبة الأولى والثانية مع رسول الله، وشهد بدراً وأحداً والخندق وبيعة الرضوان وسائر المشاهد، وكان أحد النقباء ليلة العقبة، وكان نقيباً على قوافل بني عوفبن الخزرج، وآخى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بينه وبين أبي مرثد الغنوي، واستعمله النبي على الصدقات: وكان يعلم أهل الصفة القرآن، ولما فتح الشام أرسله عمر ومعاذاً وأبا الدرداء ليعلموا الناس القرآن بالشام ويفهموهم، فأقام عبادة بحمص ومعاذ بفلسطين وأبو الدرداء بدمشق ثم صار عبادة إلى فلسطين.
روي له عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مائة وأحد وثمانون حديثاً، اتفقا منها على ستة، وانفرد البخاري بحديثين ومسلم بآخرين.
قال الأوزاعي: أول من ولى قضاء فلسطين عبادة، وكان فاضلاً خيراً جميلاً طويلاً جسيماً، توفي ببيت المقدس، وقيل: بالرملة سنة أربع وثلاثين وهو ابن ثنتين وسبعين سنة، وقيل: توفي سنة خمس وأربعين، والأوّل أصح وأشهر كذا في «التهذيب» ( قال: بايعنا) بسكون المهملة وبفتحها: أي عاهدنا( رسول الله) بالنصب والرفع؛ وأطلق على المعاهدة المبايعة لأن كلاً من المتعاهدين يمد يده للآخر لأخذ العهد كما أن كلاً من المتبايعين يمدّ يده لصاحبه.
وقيل: سميت مبايعة لما فيها من المعاوضة لما وعدهم الله من عظيم الجزاء قال تعالى: { إن الله اشترى من المؤمنين أنفسهم وأموالهم بأن لهم الجنة} ( التوبة: 111) ( على السمع والطاعة) لولاة الأمر ( في العسر واليسر) بضم أوليهما وضم الأول وسكون الثاني لغتان فيما كان على هذا الوزن كما في «الصحاح» وتقدمت الإشارة إليه ( والمنشط والمكره وعلى أثرة علينا) معطوف على السمع: أي: بايعنا على استئثار الأمراء بحظوظهم وتخصيصهم إياها بأنفسهم.
قال المصنف: أي بايعناه على الطاعة فيما يشقّ وتكرهه النفوس وغيرها مما ليس بمعصية، فإن كانت معصية فلا سمع ولا طاعة كما جاء في أحاديث أخر فيحمل المطلق عليها، وثمرة الطاعة في جميع ما ذكر اجتماع كلمة المسلمين فإن الخلاف سبب لفساد أمر الدين، والأثرة بفتح الهمزة والثاء المثلثة، ويقال بضم الهمزة وكسرها وسكون الثاء فيهما ثلاث لغات حكاهن في «المشارق» وغيره وهي كما سيأتي في الأصل: الاستئثار والاختصاص بأمور الدنيا.
قال القرطبي: وكأن هذا القول خاص بالأنصار، وقد ظهر أثر ذلك يوم حنين حيث آثر النبي قريشاً بالفىء ولم يعط الأنصار منه شيئاً، وفيه تنبيه على أن الخلافة في غيرهم وقد صرح به في قوله: ( وعلى أن لا ننازع الأمر أهله إلا أن تروا) من ذي الأمر ( كفراً بواحاً) هكذا هو لمعظم الرواة وفي معظم النسخ، وهو من باح الرجل بالشيء يبوح به بوحاً وبواحاً: إذا أظهره، وفي بعضها براحا بالراء.
قال القرطبي: وهي رواية أبي جعفر، من قولهم برح الخفاء: أي ظهر.
قال ثابت: ورواه النسائي بواحاً وبووحاً وهي بمعناه ما زادت من المبالغة.
قال المصنف: والراد بالكفر هنا المعاصي ( عندكم فيه من الله تعالى برهان) أي: حجة بينة وأمر لا شك فيه: أي: بل تعلمونه من دينالله.
ومعنى الحديث: لا تنازعوا ولاة الأمور في أمورهم ولا تعترضوا عليهم إلا أن تروا منهم منكراً محققاً تعلمونه من قواعد الإسلام، فإذا رأيتم ذلك فأنكروه عليهم وقوموا بالحق حيثما كنتم.
وأما الخروج عليهم وقتالهم فحرامبالإجماع وإن كانوا فسقة، وعلى هذا تظاهرت النصوص.
وحمل القرطبي الكفر على ظاهره فقال: معناه إلا أن تروا كفراً عندكم من الله فيه برهان: أي: حجة بينة وأمر لا شك فيه يحصل به اليقين أنه كفر، فحينئذٍ يجب أن يخلع من عقدت له البيعة اهـ ( وعلى أن نقول الحق) بأن نأمر بالمعروف وننهى عن المنكر ( أينما كنا) أي: في كل مكان وزمان ( لا نخاف في الله لومة لائم) أي: لا نداهن في ذلك أحداً ولا نخافه ولا نلتفت إلى الأئمة، ففيه القيام بالمعروف والنهي عن المنكر ( متفق عليه) ورواه مالك والنسائي، وليس عندهما «إلا أن تروا كفراً بواحاً عندكم فيه من الله برهان ( المنشط والمكره بفتح ميميهما) وثالثهما مصدران ميميان ( أي: في السهل والصعب) كأنه تفسير مراد، وإلا ففي «النهاية» المنشط مفعل من النشاط وهو الأمر الذي تنشط له النفس وتحنّ إليه وتؤثر فعله وهو مصدر بمعنى النشاط؛ وقال في محل آخر منها حديث عبادة «بايعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على المنشط والمكره» يعني المحبوب والمكروه وهما مصدران ( والأثرة: الاختصاص بالمشترك) على التشريك فيه وقد سبق بيانها في باب الصبر ( بواحاً بفتح الموحدة بعدها واو) خفيفة ( ثم ألف ثم حاء مهملة) هذه رواية المعظم كما تقدم ( أي: ظاهراً لا يحتمل تأويلاً) .


رقم الحديث 187 ( والرابع: عن النعمان بن بشير) صحابي ابن صحابي كما تقدم في ترجمته فلذا قال ( رضي الله عنهما عن النبي قال: مثل) بفتحتين وبكسر فسكون، وهي هنا تشبيه حال مركبة بمركبة: أي: صفة ( القائم في حدود ا) بإقامتها والذبّ عن المحارم، ووقع هكذا على الصواب في كتاب الشركة من البخاري، ووقع في كتاب الشهادات «مثل المداهن» بضم فسكون: أي: المحابي في حدودالله، والمراد به كالمداهن من يراءي ويضيع الحقوق ولايغير المنكر، وهو وهم كما قاله الحافظ في «الفتح» ، لأن المداهن في الحدود الواقع فيها ( والواقع فيها) أي: مرتكبها واحد والقائم مقابله.
ووقع عند الإسماعيلي أيضاً «مثل الواقع في حدود الله والناهي عنها» وهو المثل المضروب فإنه لم يقع فيه إلا ذكر فرقتين فقط، لكن إن كان المداهن مشتركاً في الذم مع الواقع صار بمنزلة فرقة واحدة.
وبيان وجود الفرق الثلاث في المثل المضروب أن الذين أرادوا غرق السفينة بمنزلة الواقع في حدودالله، ثم من عداهم إما منكر وهو القائم، وإما ساكت وهو المداهن ( كمثل قوم استهموا على سفينة) فأخذ كل واحد منهما سهماً منها بالقرعة وذلك لاشتراكهم فيها بملك أو إجارة، والقرعة إنما تقع بعد التعديل، ثم يقع التشاحّ في الأقضية فتقع القرعة لقطع النزاع ( فصار بعضهم أعلاها) لخروج سهمه بالقرعة ( و) صار ( بعضهم أسفلها) لذلك والجملة معطوفة على الجملة قبلها ويجوز جعلها مستأنفة، وكل من أعلى وأسفل منصوب على الظرف المكاني والمتعلق هو الخبر ( فكان الذين) صاروا ( في أسفلها) بالاستفهام ( إذا استقوا من الماء مرّوا) سالكين ( على من) صار ( فوقهم) أعلى السفينة بحكم الاستفهام ( فقالوا) لما رأوا تأذي أهل فوق من مرورهم/ ففي الشهادات من البخاري: فتأذوا به: أي بالمارّ عليهم حالة السقي ( لو) وقع ( أنا خرقنا في نصيبنا) من السفينة ( خرقاً) نصل به إلى الماء ( ولم نؤذ) بمرورنا ( من فوقنا، فإن تركوهم) أي: ترك أهل العلوّ أهل السفل ( وما أرادوا) الواو للمصاحبة أي تركوهم مصاحبين ما أرادوا فعله من غير منع منه ( هلكوا جميعاً) لأن شؤم ذلك الفعل والغلبة من الماء على السفينة المغرق لها ولهم أمر عام لهم أجمعين ( وإن أخذوا على أيديهم) أي: منعوهم مما أرادوه من الخرق ( نجوا) أي: الآخذون في أنفسهم ( ونجوا) بالتشديد: أي: ونجوا المأخوذين ( جميعاً) حال من فاعل الفعلين معاً من الغرق، وهكذا إقامة الحدود يحصل بها النجاة لمن أقامها وأقيمت عليه وإلا هلك العاصي بالمعصية والساكت بالرضا بها.
ففي الحديث استحقاق العقوبة على العموم بترك الأمر بالمعروف ( رواه البخاري) هذا اللفظ في كتاب الشركة، ورواه في كتاب الشهادات بلفظ آخر في معناه، ورواه الترمذي في كتاب الشهادات بلفظ آخر في معناه، ورواه الترمذي في كتاب الفتن من جامعه وقال حسن صحيح ( القائم في حدود الله: معناه المنكر لها) على من تعداها ( القائم في دفعها وإزالتها) على من وقع فيها ( والمراد بالحدود) على هذا ( ما نهى الله عنه) من المحرمات ولو صغائر، أو القائم بالحدود على من فعل ما يقتضيه، والمراد من الحدود على هذا الجلد للزاني وللقاذف ونحو ذلك.
والثاني خاص بوليّ الأمر، والأول عام لسائر أرباب الإيمان بشرطه ( واستهموا) معناه ( اقترعوا) وكانت القرعة في الجاهلية بسهام معروفة، وأطلق الاستهام وأريد به الاقتراع وهو استعمال شائع في السنة.


رقم الحديث 188 ( والخامس: عن أم المؤمنين) احتراماً وإجلالاً ( أم سلمة) بفتح أوليه ( هند) هذا هو الصحيح كما تقدم مع ترجمتها في باب التوكل ( بنت أبي أمية) بضم ففتح فتشديد التحتية مصغراً كنية ( حذيفة) بضم المهملة وفتح المعجمة فسكون التحتية بعدها فاء مفتوحة فهاء ( رضي الله عنها) حال كونها رواية ( عن النبي أنه قال) : من باب الإخبار عن المغيب فكان كما أخبر به فهو من معجزاته ( إنه) أي: الشأن ( يستعمل عليكم أمراء) أي: تجعل الملوك عليكم أمراء عمالاً ( فتعرفون) أي: بعض أعمالهم لموافقتها ما عرف من الشرع ( وتنكرون) بعضها لمخالفته ذلك.
وفي «المشكاة والمصابيح» يستعمل عليكم أمراء تعرفون وتنكرون» بحذف الفاء، قال العاقولي: هما صفتان لأمراء والعائد محذوف: أي: تعرفون بعض أفعالهم وتنكرون بعضهم ( فمن كره) بقلبه المنكر ولم يقدر على الإنكار لخوف سطوتهم ( فقد برىء) من الإثم بإنكاره الباطني لأنه قائم بما يجب عليه من تغييره بقلبه ( ومن) قدر على الإنكار باليد أو باللسان فـ ( أنكر) عليهم ذلك ( فقد سلم) بإنكاره من العقاب الأخروي.
وفي «المصابيح» «فمن أنكر فقد برىء، ومن كره فقد سلم» قال العاقولي: قوله فقد برىء: أي: قام بما وجب عليه فبرىء من الواجب؛ وقوله: فقد سلم أي بإنكاره الباطني وكراهة المنكر وسلم من الإثم لأنه قائم بما يجب عليه تغييره بقلبه اهـ.
( ولكن من رضي) فعلهم بقلبه ( وتابع) في العمل به فهو الذي لم تبرأ ذمته ولم يسلم من إثم لمشاركته لهم فيه ورضاه به، وحذف الخبر من هذه الجملة لدلالة الحال وسياق الكلام على أن هذا القسم ضد ما أثبته لقسيميه ( قالوا: يارسول الله ألا نقاتلهم) أي: حينئذٍ ( قال لا) أي: لا تقاتلوهم ( ما أقاموا فيكم الصلاة) وإنما منع من مقاتلتهم مدة إقامتهم الصلاة التي هي عنوان الإسلام، والفارق بين الكفر والإسلام حذراً من تهيج الفتن واختلاف الكلمة وغير ذلك مما يكون أشد نكارة من احتمال نكرهم والمضارة على ما ينكر منهم ( رواه مسلم) في «المغازي» من طرق مدارها على الحسن عن ضبةبن محصن العتري البصري عن أم سلمة، ورواه أبو داود في السنة، ورواه الترمذي في «الفتن» وقال: حسن صحيح، كذا في «الأطراف» للمزي ملخصاً.
( معناه) أي: قوله في الحديث «من كره فقد برىء» ( من كره بقلبه) المنكر ( ولم يستطع) لخوفه على نفسه أو ماله منهم ( إنكاراً بيد ولا لسان) فأنكر بقلبه ( فقد برىء من الإثم) لسقوطهما عند حنيئذٍ ( وأدى وظيفته) المخاطب بها ( ومن أنكر) لقدرته على ذلك باليد أو اللسان ( بحسب) قدر ( طاقته) وقوّة شوكته ( فقد سلم من) تبعة ( هذه المعصية) أي: ترك إنكار المنكر لعدم العقاب على ذلك والسؤال عنه ( ومن رضي بفعلهم المنكر وتابعهم) عليه بفعل ذلك ( فهو العاصي) أي الآثم.


رقم الحديث 189 ( السادس: عن أم المؤمنين) جلالة واحتراماً ( أم الحكم) كنية ( زينب بنت جحش) بفتح الجيم وسكون الحاء المهملة وبعدها شين معجمة، وهو بن رباببن معمربن صبر ابن مرةبن كثيربن غنمبن دودانبن أسيدبن خزيمة الأسدية أخت عبد ابن حجش ( رضي الله عنها) أمها أميمة بنت عبد المطلب عمة النبيّ، أسلمت زينب قديماً وهاجرت مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وتزوجها في سنة خمس، قاله قتادة والواقدي وآخرون.
روى ابن سعد أنه تزوجها لهلال ذي القعدة سنة خمس من الهجرة وهي بنت خمس وثلاثين سنة، وقيل: سنة ثلاث، وكانت قبله تحت زيدبن حارثة مولى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ثم طلقها فاعتدت، ثم زوجها اللهمن رسوله وأنزل فيها { فلما قضى زيد منها وطرا زوجناكها} ( الأحزاب: 37) وكانت تفتخر على نساء رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وتقول: زوّجني الله من السماء، ومناقبها كثيرة ذكر المصنف جملة منها في «التهذيب» ، وفيه أنها توفيت سنة عشرين، وقيل: توفيت سنة إحدى وعشرين.
وأجمع أهل السير أنها أول نساء رسول الله - صلى الله عليه وسلم - موتاً بعده ودفنت بالبقيع وصلى عليها عمربن الخطاب، وهي أول امرأة جعل عليها النعش أشارت به أسماء.
روي لها عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أحد عشر حديثاً، خرّج منها في «الصحيحين» حديثان اتفقا عليهما ( أن النبي) بكسر همزة إن على إضمار القول وبفتحها على إضمار أخبرت مثلاً ( دخل عليها فزعاً) بفتح فكسر.
والفزع الذعر والفرق ( يقول) جملة حالية ( لا إله إلا ا) أتى بها للتعجب من الأمر الواقع بعدها وتعظيم شأنه كالإتيان بسبحان في قوله تعالى: { سبحان الذي أسرى بعبده} ( الإسراء: 1) ( ويل) بفتح أوله وسكون التحتية.
في «الصحاح» : ويل كلمة مثل ويح إلا أنها كلمة عذاب اهـ.
وفي «تحفة القارىء» وهي كلمة تقال عند الحزن ( للعرب) هم خلاف العجم الأعراب سكان البوادي خلاف الحاضرة وخصص بهم لأن معظم مفسدتهم راجع إليهم ( من شرّ) الظاهر أن التنوين فيه للتعظيم ( قد اقترب) زمنه ( فتح) بالبناء للمفعول ( اليوم من ردم) بفتح فسكون ( يأجوج ومأجوج) أي: سدهما، يقال ردمت الثلمة: أي: سددتها وهما بالهمز وتركه وبهما قرىء في السبع والجمهور على تركه ( مثل هذه) أي: الحلقة المبينة في قوله: ( وحلق) بتشديد اللام ( بأصبعيه) فيه عشر لغات بتثليت الهمزة والباء والعاشرة أصبوع ( الإبهام والتي تليها) بدل من قوله أصبعيه بدل مفصل من مجمل، فيجوز فيه الإتباع والقطع لأنه استوفى العدة.
قال في «تحفة القارىء» : أي: جعل السبابة في أصل الإبهام وضمهما حتى لم يبق بينهما إلا خلل يسير، ومعناه عند الحساب تسعون كما في الرواية الأخرى للبخاري من حديث أبي هريرة مرفوعاً «فتح الله من ردم يأجوج ومأجوج مثل هذه، وعقد بيده تسعين» قلت: وقع عند مسلم: وعقد سفيان بيده عشرة، وهي مخالفة للرواية المذكورة هنا والأخرى التي عند أبي هريرة، لأن عقد التسعين أضيق من العشرة.
قال المصنف: قال القاضي: لعل حديث أبي هريرة متقدم وأراد قدر الفتح بعده.
قال: أو يكون المراد التقريب بالتمثيل لا حقيقة التحديد( فقلت: يا رسول الله أنهلك) بكسر اللام وحكي فتحها، قال المصنف: وهو ضعيف أو فاسد ( وفينا الصالحون) أي: وبهم يدفع البلاء ويزال العناء ( قال نعم) أي: تهلكون والحال ما ذكر ( إذا كثر) بفتح فضم المثلثة ( الخبث) هو بفتح المعجمة والموحدة وفسره الجمهور بالفسوق والفجور، وقيل: بالزنى خاصة، وقيل: أولاد الزنى.
قال المصنف: والظاهر أنه المعاصي مطلقاً.
ومعنى الحديث أن الخبث إذا كثر فقد يحصل الهلاك العام وإن كثر الصالحون، ففيه بيان شؤم المعصية والتحريض على إنكارها ( متفق عليه) رواه البخاري في أحاديث الأنبياء وفي باب الفتن، ورواه مسلم في الفتن، ورواه الترمذي وقال: حسن صحيح، والنسائي في «التفسير» ، وابن ماجه في «الفتن» .
واتفق في سند الحديث لطيفة توالي ثلاثة من الصحابة زينب بنت أم سلمة عن أم حبيبة بنت أبي سفيان عن زينب بنت جحش وهذا عند جميع من ذكر، إلا أن في رواية البخاري وأخرى لمسلم بإسقاط أم حبيبة، كذا لخص من «الأطراف» للمزي.


رقم الحديث 190 ( والسابع: عن أبي سعيد) سعدبن مالك بن سنان ( الخدري رضي الله عنه) ناقلاً ( عن النبي قال) : أي: النبي فتكون الجملة مستأنفة لبيان المقول، ويحتمل أن يكون الضمير فيه يعود لأبي سعيد وهناك قال مقدر بعده حذف خطأ اختصاراً يعود إلى النبي ( إياكم) هي للتحذير حذف العامل وجوباً والأصل أحذركم ( والجلوس) بالنصب ( في الطرقات) وعند ابن حبان على الصعدات بضمتين جمع صعد كذلك جمع صعيد كطريق وطرق وزناً ومعنىً.
وزعم ثعلب أن المراد بالصعدات وجه الأرض اهـ والطريق تذكر تؤنث، ويلحق بالطريق ما في معناها من الجلوس في الحوانيت، وفي الشبابيك المشرفة على المارة حيث يكون في غير العلوّ، والنهي للتنزيه لئلا يضعف الجالس عن أداء الحق الذي عليه ( فقالوا: يا رسول الله مالنا من مجالسنا) أي: بالطرقات ( بد) بضم الموحدة وتشديد المهملة: أي فرقة، وقوله: ( نتحدث فيها) استئناف بياني لعدم قدرتهم على تركهاأي: بالخيور الدنيوية والأخروية، فإن مجالسهم كانت مصونة عما لا يعنيهم من المباحات ( فقال رسول الله: فإذا أبيتم إلا المجلس) مصدر ميمي بمعنى الجلوس، وعند البخاري إلا المجالس بالجمع، وأل فيه للعهد، والاستثناء فيه مفرغ: أي: إذا أبيتم سائر الأفعال إلا الجلوس في الطرقات، وفي رواية للبخاري: قال الحافظ: إنها لأكثر الرواة «فإذا أتيتم إلى المجالس» بالفوقية بدل الموحدة وبإلى التي للغاية بدل إلا، وفيه رواية «أبيتم إلا» بالموحدة وأداة الاستثناء للكشميهني، قال: وكذا وقع في الاستئذان وهو الصواب ( فأعطوا الطريق حقه) أي: ما يطلب فيه من الآداب، وفي التعبير به إشارة إلى تأكد تلك الأمور والاهتمام بها والإضافة للملابسة ( قالوا) قال الحافظ في «الفتح» : القائل هو أبو طلحة، وهو مبين في رواية مسلم، وحينئذٍ ففي إطلاق الجمع على الواحد مجاز وأنه من القائلين ( وما حق الطريق) المطلوب ممن جلس فيه ( قال: غض البصر) أي: كفه عن النظر ( وكف الأذى) أي: الامتناع عن أذى المارة، وقال الحافظ في «فتح الباري» : أشار بالأول إلى السلامة من التعرّض للفتنة بمن يمرّ عليه من امرأة ونحوها، وبالثاني إلى السلامة من الاحتقار والغيبة وبقوله: ورد السلام إلى إكرام المار ( والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر) إلى استعمال جميع ما يشرع ( متفق عليه) رواه البخاري في «المظالم» وفي الاستئذان، ورواه مسلم في الاستئذان واللبس، ورواه أبو داود في الأدب، كذا في «الأطراف» للمزي ملخصاً.
قال العلقمي: زاد أبو داود في الخصال المطلوبة لمن جلس على الطريق إرشاد ابن السبيل، وتشميت العاطس إذا حمد.
زاد سعيدبن منصور: وإغاثة الملهوف.
زاد البزار: وأعينوا على الحمولة.
زاد الطبراني: وأعينوا المظلوم واذكروا الله كثيراً.
وفي حديث أبي طلحة: وحسن الكلام.
وعند الترمذي: وأفشوا السلام، وعند الطبراني: وأهدوا الأغبياء والغبي بالمعجمة والموحدة.
قال في «النهاية» : القليل الفطنة، ومجموع ما في هذه الأحاديث أربعة عشر وقد نظمها شيخنا فيأربعة أبيات فقال: جمعت آداب من رام الجلوس على الـ ــــطريق من قول خير الخلق إنساناً أفش السلام وأحسن في الكلام وشم ت عاطساً وسلاماً رد إحساناً في الحمل عاون ومظلوماً أعن وأغث لهفان هد سبيلاً واهد حيراناً بالعرف مروانه عن منكره وكف أذى وغض طرفاً وأكثر ذكر مولانا قلت: والأبيات للحافظ ابن حجر كما صرح به السيوطي في مرقاة الصعود، وليست للسيوطي كما قد يتوهم من قوله شيخنا، ولعله شيخ شيخنا، فحذف شيخ من القلم أو من الكاتب.
وفي حديث مالكبن التيهان زيادة: وأرشدوا الأعمى.
رواه إسحاقبن راهويه وابن أبي شيبة، ومدار سنديهما على موسىبن عبيد الربذي وهو ضعيف، كذا في «مختصر إتحاف المهرة» للأبوصيري تلميذ الحافظ زين الدين العراقي.


رقم الحديث 191 ( والثامن: عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: إن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - رأى) أي: أبصر ( خاتماً) فيه لغات جمعها الحافظ ابن حجر في قوله: خذ نظم عدّ لغات الخاتم انتظمت ثمانياً ما حواها قط نظام خاتام خاتم ختم خاتم وختا م خاتيام وخيتوم وخيتام والهمز مع فتح خاء تاسع وإذا شاع القياس أتم العشر خاتام واقتصر المصنف في «شرح مسلم» على أربع منها فتح التاء وكسرها وخيتام وخاتام، وجعل الحافظ الأخيرة في النظم بطريق القياس وكلام المصنف المذكور يخالفه ( من ذهب في يد رجل) لم أقف على اسمه وراجعت «المبهمات» للمصنف فما تعرض له ولا في «شرح مسلم» ( فنزعه فطرحه) فيه إزالة المنكر باليد للقادر عليها ( وقال) محذراً من ذلك معيناً لعظم إثمه ( يعمد أحدكم إلى جمرة من نار) الأولى حمل مثله مما ورد في الكتاب أو السنة ولا يحيله العقل على ظاهره أي: أن هذا الخاتم قطعة نار في الآخرة، وإنه محمول على المجاز: أي: يئول بلابسه لعظيم إثمه على أن يجعل النار في محله، لأن الجزاء يكون على قدر الذنب وحسبه ( فيجعلها في يده) أي: في أصبعه مجاز مرسل من إطلاق الكل وإرادة الجزءكقوله تعالى: { يجعلون أصابعهم في آذانهم} ( البقرة: 19) والمجعول الأنملة لا الأصبع كله.
ولما كانت زينتها زينة لليد عبر به.
قال وفي هذا التصريح بأن النهي عن خاتم الذهب للتحريم اهـ.
قلت: قد يؤخذ منه أنه من الكبائر لشدة الوعيد فيه وكذلك معيارها على الصحيح ( فقيل: للرجل بعد ما ذهب رسول الله) أي: انصرف من المجلس ( خذ خاتمك) وقوله: ( انتفع به) استئناف لبيان علة الأخذ: أي: ببيع أو هبة أو جعله لمن يحل له استعماله من امرأة ( فقال لا وا لا آخذه أبداً وقد طرحه رسول الله) .
قال المصنف: هذا منه فيه المبالغة في امتثال أمر النبي واجتناب نهيه وعدم الترخص فيه بالتأويلات الضعيفة، وهذا الرجل ترك خاتمه على سبيل الإباحة لمن أراد أخذه من الفقراء أو غيرهم وحينئذٍ يجوز أخذه لمن شاء، فإذا أخذه جاز تصرفه ولو كان صاحبه أخذه لم يحرم عليه الأخذ والتصرف فيه بالبيع وغيره، ولكن تورّع عن أخذه وأراد الصدقة به على من يحتاج إليه لأن النبي لم ينهه عن التصرف فيه بكل وضع وإنما نهاه عن لبسه، وبقي ما سواه من تصرفه على الإباحة اهـ.
( رواه مسلم) في اللباس.
وفي مختصر إتحاف المهرة عن سالم عن رجل من قومه من أشجع قال: «دخلت على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وعليّ خاتم من ذهب، فأخذ جريدة فضرب بها في كفي فقال: اطرح هذا، فطرحته ثم دخلت عليه بعد ما ألقيته فقال لي: ما فعل الخاتم؟ قلت طرحته، قال: لم آمرك أن تطرحه إنما أمرتك أن تنتفع به ولا تطرحه» رواه أبو بكربن أبي شيبة وابن حنبل اهـ.
قلت: وهو قريب من الحديث المذكور في مسلم.


رقم الحديث 192 ( التاسع: عن أبي سعيد الحسن) بن بشار ( البصري) بتثليث الموحدة منسوب إلى البصرة الأنصاري مولاهم زيدبن ثابت، وقيل: مولى جميلبن قطبة، وأمه اسمها خيرة مولاة لأم سلمة أم المؤمنين رضي الله عنها.
ولد الحسن لسنتين بقيتا من خلافة عمربن الخطاب قالوا: فربما خرجت أمه في شغل فيبكي فتعطيه أم سلمة ثديها فيدرّ عليه فيرون تلك الفصاحة من ذلك.
رأى طلحةبن عبيد الله وعائشة ولم يصح له سماع منهما.
وقيل: إنهلقي عليبن أبي طالب، وأيده الشيخ ابن حجر الهيتمي في «معجمه» ، وقيل: يصح وعليه جرى جمهور المتأخرين.
قال المصنف في «التهذيب» : روينا عن الفضيلبن عياض قال: سألت هشام ابن حسان: كم أدرك الحسن من أصحاب رسول الله؟ قال: مائة وثلاثين، قلت: وابن سيرين؟ قال: ثلاثين.
وروينا عن الحسن قال: غزونا غزوة إلى خراسان معنا فيها ثلاثمائة من أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الحديث.
ولم يصح للحسن سماع من أبي هريرة، ومن حكم الحسن ما ذكره الشافعي في «المختصر» في قول الله عزّ وجل: { وشاورهم في الأمر} ( آل عمران: 159) قال الحسن: كان غنياً عن مشاورتهم، ولكن أراد أن يستنّ به الحكام بعده، وقال في قوله تعالى: { ففهمناها سليمان} ( الأنبياء: 79) لولا هذه الآية لرأيت الحكام هلكوا، أثنى على هذا بصوابه وعلى هذا باجتهاده اهـ.
ومن كلامه كما في «أحاسن المحاسن» : يابن آدم إنك لا تصيب حقيقة الإيمان حتى لا تعيب الناس بعيب هو فيك حتى تبدأ بصلاح ذلك العيب من نفسك، فإذا فعلت ذلك لم تصلح عيباً إلا وجدت عيباً آخر، فإذا فعلت ذلك كان شغلك في خاصة نفسك، وأحبّ العباد إلى الله من كان كذلك ( أن عائذ) بالعين المهملة وبعد الألف همزة بعدها معجمة ( ابن عمرو) بن هلال المزني، أبا هبيرة البصري، صحابي شهد الحديبية وبايع تحت الشجرة ( رضي الله عنه) وهو أخو رافعبن عمرو، وتوفي في ولاية عبيد ابن زياد سنة إحدى وستين.
قال ابن الأثير: كان عائذ من صالحي الصحابة، سكن البصرة وابتنى بها داراً، وتوفي بها في إمارة عبيد ابن زياد أيام يزيدبن معاوية، وأوصى أن يصلي عليه ابن زياد، وروى عنه الحسن ومعاويةبن قسرة وعامر الأحول وغيرهم اهـ: قال الذهبي في «التهذيب» : روى حشرجبن عبد ابن حشرجبن عائذ المزني عن أبيه عن جده أن عائذبن عمرو كان يركب السروج المنمرة ويلبس الخزّ لا يرى بذلك بأساً، وقد زوّج في غزاة واحدة أربعين رجلاً من مزينة كل امرأة على ألف وصيف.
قال ثابت البناني: أوصى عائذ أن يصلي عليه أبو برزة الأسلمي وذلك في إمرة عبيد ابن زياد اهـ.
وكذا قال ابن الجوزي في «المستخرج» المليح وزاد: قال ابن حزم في آخر سيرته: روي له عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ثمانية أحاديث أخرج له الشيخان ثلاثة أحاديث: أحدها للبخاري موقوف عليه، وآخران لمسلم وشاركهما عنه النسائي ( دخل علي عبيد ا) بضم المهملة وفتح الموحدة وسكون التحتية ( ابن زياد) ابن أبيه ( فقال) يعظه ( أي) بفتح فسكون: حرف لنداء القريب ( بنيّ) بضم الموحدةوفتح النون وتشديد التحتية مفتوحة ومكسورة، وقد بينت وجههما في باب ما يقول إذا دخل بيته من «شرح الأذكار» ، وأتي به من باب الرفق في الوعظ ليسمع ويمتثل ( إني سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول) : جملة في محل الحال على حكاية الحال الماضية ( إن شر الرعاء) بكسر الراء والمد، ويقال بضمها وبالهاء بعد الألف بدل الهمز جمع راع ( الحطمة) بضم المهملة الأولى وفتح الثانية.
قال المصنف: قالوا هو العنيف في رعيته لا يرفق بها في سوقها ومرعاها بل يحطمها في ذلك وفي سقيها، وغيره: ويزحم بعضها ببعض بحيث يؤذيها ويحطمها ( فإياك) منصوب على التحذير ( أن نكون منهم) فتهوى بتلك المذمة ( فقال) ابن زياد ( له) أي: لعائذ ( اجلس فإنما أنت من نخالة) بضم النون وبعدها معجمة ( أصحاب رسول الله) النخالة هنا استعارة من نخالة لدقيق وهي قشوره وهي والحتافة والحسافة بمعنى واحد ( فقال) عائذ مستبعداً أن يكون في الصحابة من يستعار لهم النخالة التي لا يعبأ بها ( وهل كانت فيهم) أي: الصحابة ( نخالة) وهم الذين اختارهم الله لصحبة نبيه وشرّفهم باقتباس أنواره.
وإذا سخر الإله أناساً لسعيد فكلهم سعداء ( إنما كانت النخالة) أي: السقط ( بعدهم) أي: بعد قرنهم ( وفي غيرهم) أما هم فكلهم سادة قادة يكفيك في فضلهم حديث «أصحابي كالنجوم بأيهم اقتديتم اهتديتم» ولا يضرّ ضعفه لأنه يعمل به في هذا المقام ( رواه مسلم) في «المغازي» .


رقم الحديث 193 ( العاشر: عن حذيفة) بن اليمان ( رضي الله عنه عن النبي قال: والذي نفسي بيده) أتي به لتأكيد الأمر بعده، والقسم يسن لمثل ذلك ( تأمرنّ) بضم الراء والفاعل ضمير لجماعةمحذوف بعدها لالتقاء الساكنين والضم دليل عليه، والخطاب لأمة الموجودين حقيقة ومن سيأتي بطريق التبع ( بالمعروف) شرعاً ( ولتنهون) بضم واو الجماعة ولام الفعل محذوف قبلها لالتقاء الساكنين والفتح دليل عليه ولم تقلب واو الضمير ألفاً لتحركها وانفتاح ما قبلها لعروض حركتها ( عن المنكر أو) عاطفة: أي: ليكون أحد الأمرين: إما امتثال ما أمرتم به من الأمر والنهي، أو وقوع ما أنذرتم به في قوله: ( ليوشكنّ ا) بضم التحتية مضارع أوشك من أفعال المقاربة ( أن يبعث عليكم عقاباً منه) بجور الولاة أو تسليط العداة أو غيره من البلاء ( ثم تدعونه) برفع ذلك ( فلا يستجاب لكم) لكون الحكمة الإلهية جعلته جزاء لما فرطتم فيه من ترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.
وفيه أن المنكر إذا لم ينكر عمّ شؤمه وبلاؤه فاعله وغيره، وتقدم حديث «أنهلك وفينا الصالحون» وأن إنكاره على قدر ما يتمكن منه دافع لذلك ( رواه الترمذي) في «الفتن» ( وقال حديث حسن) .