فهرس الكتاب

دليل الفالحـــين - باب فضل قراءة القرآن

رقم الحديث 991 ( عن أبي أمامة) بضم الهمزة وتخفيف الميمين كنية صدى بن عجلان ( رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله يقول: اقرءوا) الخطاب للحاضرين إذ ذاك من الصحابة رضي الله عنهم وهو سار على جميع الأمة ( القرآن فإنه) أي القرآن ( يأتي يوم القيامة) قال العلقمي قال شيخة: قيل يصور القرآن بصورة بحيث يجيء يوم القيامة ويراه الناس كما يجعل الله لأعمال العباد خيرها وشرها صورة ووزناً بوضع في الميزان ( شفيعاً) أي شافعاً ( لأصحابه) أي القارئين له المشتغلين به المتمسكين بأمره ونهيه ( رواه مسلم) هو طرف حديث في آخر فضل الزاهدين، والحديث بجملته كذلك رواه أحمد.


رقم الحديث 992 ( وعن النواس) بتشديد النون المفتوحة والواو وآخره مهملة ( ابن سمعان) بفتحالمهملة الأولى وكسرها ( رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله يقول: يؤتى) بالبناء للمفعول ( يوم القيامة) بالنصب على الظرف ( بالقرآن) نائب فاعله ( وأهله) وصفهم وصفاً بيانياً بقوله ( الذين كانوا يعملون به في الدنيا) فيأتمرون بما أمر وينزجرون عما زجر عنه ( تقدمه) بفتح الفوقية وضم المهملة أي تتقدمه ( سورة البقرة) فيه رد لمن قال: لا يقال سورة البقرة بل السورة التي يذكر فيها البقرة ( وآل عمران) يحتمل أن يكون التقدير وسورة آل عمران فحذف لدلالة ما قبله عليه، ويحتمل أنه من باب قطعت رأس الكبشين أفرد المضاف لكراهة ثقل تثنية المضاف في مثله ( تحاجان) بضم الفوقية وتشديد الجيم من المحاجة وهي المجادلة ( عن صاحبهما) أي التالي لهما المتدبر لما اشتملتا عليه العامل بما أمرتا به أن يعمل والتارك ما نهتا عنه ( رواه مسلم) .


رقم الحديث 993 ( وعن عثمان بن عفان رضي الله عنه قال: قال رسول الله: خيركم) يا معشر القراء ( من تعلم القرآن) هو يطلق على بعضه وعلى كله، ويصح إرادة البعض هنا باعتبار أن من وجد منه ما يأتي ولو كان في آية خير ممن لم يكن كذلك ( وعلمه) مخلصاً في كلا الأمرين مبتغياً به وجه الله تعالى عاملاً بما فيه من الأخلاق والآداب والأحكام، ووجه أخيريته ما جاء في الصحيح من حديث عبد الله بن عمر رضي الله عنهما «من قرأ القرآن فقد استدرج النبوة بين جنبيه غير أن لا يوحى إليه» وغيره من الاحاديث، فإذا حاز خير الكلام وتسبب مع ذلك أن يكون غيره مثله، فقد ألحق ببعض درجات الأنبياء وكان من جملة الصديقين القائمين بحقوق الله تعالى وحقوق عباده على أقصى الطاعة وأكمل الاتباع.
واستفيد من ربط التعلم والتعليم بالقرآن أن المراد به كلام الله لا المعنى النفسي القائم بالذات، بل اللفظ المتعبد بتلاوته المنزل على محمد للإعجاز بأقصر سورة منه ( رواه البخاري) في الجامع الصغير أن حديث «خيركممن تعلم القرآن وعلمه» رواه البخاري والترمذي عن علي، ورواه أحمد وأبو داود والترمذي وابن ماجه عن عثمان وهو من سبق قلم الناسخ، فحديث عثمان عند البخاري في كتاب فضائل القرآن باللفظ المذكور، وبلفظ «أفضلكم من تعلم القرآن وعلمه» وليس عنده فيه على شيء.


رقم الحديث 994 ( وعن عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله: الذي يقرأ القرآن وهو ماهر به) جملة حالية: أي مجيد لفظه على ما ينبغي بحيث لا يتشابه ولا يقف في قراءته مع الملائكة ( السفرة) أي الرسل لأنهم يسفرون إلى الرسل برسالات ربهم، أو الكتبة لأنهم بكتابتهم سفرة بين الله وخلقه.
وفي «القاموس» : السفرة الكتبة جمع سافر والملائكة يحصون الأعمال ( الكرام) لعصمتهم عن دنس الآثام ( البررة) بفتح أوليه، أو المطيعين من البرّ، وهو الطاعة والإحسان: أي معهم في منازلهم في الآخرة لأنهم مثلهم في حمل كتاب الله تعالى أو نفع المسلمين بإسماعهم القرآن وهدايتهم إلى ما فيه كما أنهم معهم بالحفظ والبركة ( والذي يقرأ القرآن ويتتعتع فيه) أي يتردد عليه في قراءته ( وهو عليه شاق) بثقله على لسانه لضعف حفظه ( له أجران) أجر لقراءته وأجر لتتعتعه، ومع ذلك فالأول أكمل كما دلت عليه تلك المعية لمزيد اعتنائه بالقرآن وكثرة دراسته له وإتقانه لحروفه حتى مهر فيه ( متفق عليه) رواه أبو داوود وابن ماجه.


رقم الحديث 995 ( وعن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه قال: قال رسول الله: مثل المؤمن الذي يقرأ القرآن) أي صفته العجيبة ذات الشأن من حيث طيب قلبه لثبات الإيمان واستراحته بقراءة القرآن واستراحة الناس بصوته وثوابهم بالاستماع إليه والتعلم منه، وعبربقوله يقرأ لإفادة تكريره ومداومته عليها حتى صارت دأبه وعادته كفلان يقرى الضيف ( مثل الأترجة ريحها طيب وطعمها طيب) فيستلذ الناس بطعمها ويستريحون بريحها، قيل خصت لأنها أفضل ما يوجد من الثمار في سائر البلدان: أي التي يقصد بها الريح من الفواكه لا مطلقاً وإلا فالثمر والعنب أفضل.
وفي أفضلهما خلاف مع ما اشتملت عليه من الخواص الموجودة فيها مع حسن المنظر وطيب الطعام ولين الملمس وأخذها الأبصار صبغة ولوناً فاقع لونها تسرّ الناظرين تتوق إليها النفس قبل التناول، ويستفيد المتناول لها بعد الالتذاذ بها طيب النكهة ودباغ المعدة وقوة الهضم، فاشتركت الحواس الأربع في الاحتفاظ بها الشمّ والبصر والذوق واللمس.
وهي في أجزائها تنقسم على طبائع: فقشرها حارّ يابس ولحمها حارّ رطب وحميضها بارد يابس وبزرها حارّ مجفف.
وفيها من المنافع ما هو مذكور في الكتب الطيبات ( مثل المؤمن الذي لا يقرأ القرآن) من حيث طيب باطنه لثبات الإيمان فيه وعدم استراحته بشيء يظهر منه، والمراد نفي قراءته ما عدة الواجب منه كالفاتحة ( كمثل التمرة لا ريح لها وطعمها حلو) فاشتماله على الإيمان كاشتمال التمرة على الحلاوة، بجامع أن كلاّ أمر باطني، وعدم ظهور ريح لها يستريح الناس لشمه لعدم ظهور قراءة منه يستريح الناس بسماعها ( ومثل المنافق الذي يقرأ القرآن) من حيث تعطل باطنه عن الإيمان واستراحة الناس بقراءته ( مثل الريحانة ريحها طيب وطعمها مرّ) فريحها الطيب أشبه قراءته وطعمها المرّ أشبه كفره ( ومثل المنافق لا يقرأ القرآن) من حيث تعطل باطنه عن الإيمان وظاهره عن سائر المنافع وتلبسه بالمضارّ ( كمثل الحنظلة ليس لها ريح وطعمها مرّ) فسلب ريحها أشبه سلب ريحه لعدم قراءته، وسلب طعمها الحلو أشبه سلب إيمانه ( متفق عليه) ورواه أحمد وأصحاب السنن الأربعة.


رقم الحديث 996 ( وعن عمر رضي الله عنه أن النبي قال: إن الله يرفع) رفعة معنوية ( بهذاالكتاب) هو القرآن ( أقواماً) هم الذين آمنوا به وائتموا بسائر ما اشتمل عليه ( ويضع) أي يخفض ( به آخرين) هم من صدّ عن الإيمان به، أي لم يقف عند حدوده ( رواه مسلم) وابن ماجه.


رقم الحديث 997 ( وعن ابن عمر رضي الله عنهما عن النبي قال: لا حسد) أي لا غبطة: أي لا تنبغي الغبطة ( إلا في اثنتين) من الخصال لعظم شرفهما عند الله تعالى ( رجل) بوجوه الإعراب الثلاثة فالجرّ إتباع والآخران على القطع ( آتاه) بالمد: أي أعطاه ( الله القرآن) أي بتيسير حفظه عليه ( فهو يقوم به آناء الليل) أي ساعاته بالمد جمع إني بالكسر والقصر أو أنا بالفتح أو إني بوزن نحى أو إنو بوزن قنو ( وآناء النهار) والمراد استغراق أوقاته بالتلاوة مع التدبر والتفكر وامتثال ما فيه ( ورجل آتاه الله مالاً) شمل القليل والكثير وإسناد الإتيان إلى الله سبحانه يدل على طيب وصوله إليه وعدم لحاق دنس الحرمة به ( فهو ينفق منه آناء الليل وأطراف النهار) أي يجاهد نفسه ببذل ما تصل إليه طاقته قاصداً وجه الله تعالى والتقرب.
إليه ( متفق عليه) والحديث قد تقدم مع شرحه في باب الكرم والجود وباب فضل الغنيّ الشاكر ( الآناء) يمد الهمزة قبل النون ( الساعات) .


رقم الحديث 998 ( وعن البراء رضي الله عنه قال: كان رجل) هو أسيد بن حضير كما في «تحفة القارىء» ( يقرأ سورة الكهف وعنده فرس مربوط بشطنين فغشيته سحابة فجعلت تدنو) أي تقرب وتنزل ( وجعل فرسه) قال في «المصباح» : الفرس يقع على الذكر والأنثى من الخيل ( بنفر) بالتحتية والنون والفاء والراء ( منها) أي من الصحابة أو بسببها( فلما أصبح أتى النبي فذكر ذلك) المرئي ( له فقال تلك) أتى باسم الإشارة الموضوع للبعيد تفخيماً للمشار إليه ( السكينة تنزلت) والتضعيف للمبالغة ( للقرآن) لأجله أو السماع قراءته ( متفق عليه.
الشطن بفتح الشين المعجمة والطاء المهملة)
وبالنون ( الحبل) بالمهملة والموحدة قال في «المصباح» .
وجمعه أشطان كسبب وأسباب.


رقم الحديث 999 ( وعن ابن مسعود رضي الله عنه قال: قال رسول الله: من قرأ حرفاً من كتاب الله) القرآن المنزل على رسول الله للإعجاز بأقصر سورة منه المتعبد بتلاوته ( فله حسنة) هي ذلك الحرف المقروء ( والحسنة) مجزية ( بعشر أمثالها) فالقارىء مجازى عن الحرف الواحد بعشر حسنات ( لا أقول الم حرف) أي لا أقول إن مجموع الأحرف الثلاثة حرف ( بل ألف حرف ولام حرف وميم حرف) أي فيثاب قارىء ذلك ثلاثين حسنة ( رواه الترمذي وقال: حديث حسن صحيح) ولا يشكل على هذا حديث «من قرأ القرآن فأعرب في قراءته كان له بكل حرف منه عشرون حسنة، ومن قرأ بغير إعراب كان له بكل حرف عشر حسنات» رواه البيهقي من حديث ابن عمر لأنه يحتمل أن العشر الحسنات الأخرى في مقابلة الحرص على ضبطه وإتقانه.


رقم الحديث 1000 ( وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله إن الذي ليس في جوفه) أي ليس في قلبه إطلاقاً لاسم المحل على الحال، واحتيج لذكره ليتم التشبيه له بالبيت الخرب ( شيء من القرآن كالبيت الخرب) بفتح المعجمة وكسر الراء، وذلك بجامع أن القرآن إذا كان في الجوف بأن حفظه أو بعضه يكون عامراً مزيناً بحسب قلة ما فيه وكثرته، وإذا خلا عنه الجوف بأن لم يحفظ منه شيئاً يكون شيئاً خرباً كالبيت الخالي عن الأمتعة التي بها زينته وبهجته ( رواه الترمذي) والدارمي أيضاً ( وقال) الترمذي ( حديث حسن صحيح) وفيه تأكيد طلب حفظ القرآن والدأب فيه.