فهرس الكتاب

دليل الفالحـــين - باب التسمية في أوله والحمد في آخره

رقم الحديث 728 ( عن عمرو بن أبي سلمة) ربيب رسول الله من أم سلمة ( رضي الله عنهما قال: قال رسول الله: سمّ الله) أي اذكر اسم الله، قال المصنف: وأفضله بسم الله الرحمن الرحيم، ونازعه الحافظ ابن حجر بأنه لم يرد ما يدل لذلك ( وكل بيمينك) لأنها لما ليس من باب الإهانة وهذا منه، وسيأتي الخلاف في وجوبه ( وكل ما يليك) أي إذا كان الطعام لوناً واحداً، فإن كان ألواناً جاز الأكل من جميع الجوانب ( متفق عليه) رواه البخاري ومسلم في الأطعمة، ورواه النسائي وابن ماجه، ورواه الترمذي والنسائي وابن ماجه أيضاً من طريق آخر.


رقم الحديث 729 ( وعن عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله إذا أكل أحدكم) أي شرع، وهو في «الجامع الصغير» بلفظ «إذا أكل أحدكم طعاماً» وقال في آخره «فليقل بسم الله على أوله وآخره» لكن قال بعض شراحه: إن زيادة على فيه في بعض النسخ ( فليذكر اسم الله تعالى) بأن يقول بسم الله الرحمن الرحيم وظاهر إطلاق الحديث شامل ما لو أتى عند إرادة أكله كما في قوله تعالى: { وتنسون أنفسكم} ( البقرة: 44) أي تتركونها من البرّ الذي تأمرون به الغير.
بلفظ الجلالة ( فإن نسي) يحتمل أن يراد ما يقابل العمد وهو المتبادر، فالتارك عمداً لا يأتي بها أثناءه، ويحتمل أنه يأتي بها أيضاً، ولا مفهوم لقيد النسائي لأنه جرى على الغالب أن شأن المؤمن أنه لا يترك ذكر الله على طعامه إلا نسياناً، ويحتمل أن يراد به الترك كما في قوله تعالى: { وتنسون أنفسكم} أي تتركونها من البرّ الذي تأمرون به الغير فيشمل ذلك ( أن يذكر اسم الله تعالى في) أي عند ( أوله فليقل) ندباً ( بسم الله) أي آكل ( أوله وآخره) المراد بهما ما يشمل سائر الأحزاء ونصبهما على نزع الخافض.
( رواه أبو داود والترمذي وقال: حديث صحيح) ورواه الحاكم في «المستدرك» ، وظاهر الخبر يتناول ما بعد الفراغ وأخذ بعديته جمع من أصحابنا وقالوا: فارق عدم استحباب ذلك بعد تمام الوضوء بأن القصد منها فيه عود البركة عليه وذلك انتهى بتمامه، والقصد منها هنا منع الشيطان من الطعام، فليتقايأ ما أكله قبلها لما أتى به بعد مها.
ومشى ابن رسلان في شرح أبي داود.
وأرجح آخرون على خلافه فقالوا: التقدير فليقل في أثنائه لا بعده فلا يستحب.


رقم الحديث 730 ( وعن جابر رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله يقول: إذا دخل الرجل) ذكرلأنه الأشرف، وإلا فالمرأة في جميع ما ذكر في الحديث مثله ( بيته) أي منزله ولو كان خيمة، وظاهر أن المراد دخوله في المساء بدليل المبيت والعشاء، إذ إن قبله الغذاء والفطور ( فذكر الله تعالى) أي اسمه بأن قال بسم الله ( عند دخوله) يحتمل أن يراد عند إرادة الدخول، ويحتمل عند نفس الدخول الذي ابتداؤه الولوج في المنزل ( وعند طعامه) أي تناوله له ( قال الشيطان) لأعوانه على سبيل الإخبار ( لا مبيت لكم ولا عشاء) ويحتمل أن يكون دعاء على الداخل وأهله إذ فوتهم كلا من المبيت والعشاء بما يأتي به من الذكر، لكن شأن الشيطان فيه كما قال تعالى: { وما دعاء الكافرين إلا في ضلال} ( الرعد: 14) ( وإذا دخل فلم يذكر الله تعالى عند دخوله قال الشيطان: أدركتم المبيت) إطلاقه يقتضي تمكنه من المبيت عند تركه الذكر حال الدخول وإن أتى به بعد، ويحتمل أنه مقيد بما إذا لم يأت به بعد، وإلا فلا سبيل لهم إلا قياساً على التسمية أثناء الطعام ( وإذا لم يذكر اسم الله عند طعامه) أي تركه كذلك عند الطعام أيضاً ( قال) أي الشيطان لأعوانه ( أدركتم المبيت) أي مكان البيات، ويجوز أن يكون مصدراً اسمياً ( والعشاء.
رواه مسلم)
في كتاب الأطعمة من «صحيحه» ، ورواه أبو داود والترمذي والنسائي، ومداره عندهم على أبي جريج عن ابن الزبير عن جابر.


رقم الحديث 731 ( وعن حذيفة رضي الله عنه قال: كنا إذا حضرنا مع رسول الله طعاماً) التنوين فيه للشيوع فيشمل القليل والكثير والحقير والجليل ( لم نضع أيدينا) أي فيه ( حتى يبدأ رسول الله فيضع يده) وذلك تأدب معه وقد قال تعالى: { لا تقدموا بين يدي اللهورسوله} ( الحجرات: 1) وعمومه متناول لذلك ( وإنا حضرنا معه مرّة طعاماً) معطوف على قوله كنا ( فجاءت جارية) يحتمل أن يكون المراد منها المعنى المشهور وهو ما يقابل الحرة ولو عجوزاً، ويحتمل أن المراد به الشابة من الحرائر ( كأنها تدفع) أي لشدة سرعتها وهو بالفوقية وبصيغة البناء للمفعول وحذف الفاعل للجهل به ( فذهبت) عطف على جاءت ( لتضع يدها في الطعام) أي قبل وضعه يده فيها ( فأخذ رسول الله بيدها) منحياً لها عن الطعام لئلا يتوصل الشيطان بيدها ( إليه ثم جاء أعرابيّ) ساكن البادية ( كأنما) عدل إليه عن قوله كأنها المناسب لعديله تفنناً في التعبير وما كافة مهيئة للدخول لكان على قوله ( يدفع فأخذه بيده، فقال رسول الله إن الشيطان) يحتمل أن تكون أل جنسية فيشمل كل الشياطين، ويحتمل كونها عهدية، والمشار إليه إبليس لأنه كبير أتباعه، والأول أقرب، وهل هو مأخوذ من شاط إذا احترق فنونه زائدة أو من شطن إذا بعد لبعده عن الخير فيه قولان ( يستحل الطعام) أي يطلب حله: أي ليتمكن منه وقوله ( أن لا يذكر اسم الله تعالى عليه) علة استحلاله والجار قبلها أي بأن لا يذكر اسم الله عليه، وحذف الجار من أن وكى المصدريان قياس مطرد ( وأنه جاء بهذه الجارية ليستحل بها فأخذت بيدها) منعاً له مما أراد ( فجاء بهذا الأعرابيّ يستحل به فأخذت بيده) لذلك ( والذي نفسي بيده) أي بقدرته.
وفيه استحباب القسم لتأكيد الأمر عند السامع ( إن يده) أي الشيطان ( في يديّ) بتشديد التحتية، ويحتمل أن يكون بتخفيفها ( مع يديهما) كذا فيما وقفت عليه من نسخ الرياض.
والذي في معظم الأصول من مسلم يدها بالإفراد، قال المصنف في «شرحه» : وفي بعضها يدهما: أي بالثنية فهذا ظاهر، وضمير التثنية يرجع للجارية والأعرابي، وعلى رواية الإفراد يعود الضمير على الجارية.
وقد حكى القاضي عياض أن الوجه التثنية.
والظاهر أن رواية الإفراد أيضاً مستقيمة، وأن إثبات يدها لا ينافي يد الأعرابي، وإذا صحت الرواية وجب قبولهاوتأويلها كما ذكرنا اهـ ( ثم ذكر) أي النبي ( اسم الله تعالى وأكل) ظاهر العطف بالواو شامل لكون الذكر مقابلاً للأكل، ومتقدماً عليه وتناوله للذكر بعد الأكل يدفعه المقام ( رواه مسلم) في الأطعمة أيضاً، ورواه أبو داود والنسائي أيضاً.


رقم الحديث 732 ( وعن أمية) بضم الهمزة وفتح الميم وتشديد التحتية ( ابن مخشى) بفتح الميم وسكون المعجمة الأولى وكسر الثانية ( الصحابي) وصفه بذلك ( رضي الله عنه) لخفاء صحبته على غير أهل الحديث، وهو خزاعي بصري يكنى أبا عبد الله، قاله أبو نعيم وأبو عمر، وقال ابن منده الخزاعي: وهو من الأزد، وقال ابن الأثير في «أسد الغابة» بعد ذكر حديث الباب: وقد أخرجه الثلاثة، يعني ابن عبد البر وابن منده وأبا نعيم ولا يعرف له غير هذا الحديث ( قال: كان رسول الله جالساً ورجل يأكل) جملة إسمية حال من اسم كان ( فلم يسمّ حتى لم يبق من طعامه إلا لقمة فلما رفعها إلى فيه قال: بسم الله) يكتب بإثبات الألف كما نبه عليه المصنف في «شرح مسلم» ، ولا يحذف إلا من جملة البسملة تخفيفاً لكثرة استعمالها ( أوله وآخره) أي فيهما والمراد جميع أجزاء الطعام ( فضحك النبيّ ثم) أي بعد ضحكه، ولعل تراخى الأخبار ليكثر التشوق للخبر فيكون أقر عندهم ( قال: ما زال الشيطان يأكل معه) أي في دوام تناوله الطعام تاركاً التسمية فيه ( فلما ذكر اسم الله استقاء ما في بطنه) قال العلماء: إنما لم يجب غسل الإناء مع أن القىء نجس منجس، لأن الخبر ليس أن تقيده يكون داخله، فيجوز أن يكون خارجه، ولا تجب الطهارة من المشكوك فيه ( رواه أبو داود) في الأطعمة من «سننه» ( والنسائي) في الوليمة منها.


رقم الحديث 733 ( وعن عائشة رضي الله عنها قالت: كان رسول الله يأكل طعاماً في) أي معوهي في مثل هذا المقام أبلغ ( ستة من أصحابه، فجاء) أي بعد تركهم لذلك الطعام وانقطاع نسبة ذكرهم اسم الله عند تناوله عنه ( أعرابيّ فأكله بلقمتين) الباء بمعنى في ( فقال رسول الله أما إنه) أي الأعرابيّ أو ضمير الشأن ( لو سمى لكفاكم) أي معه بأن يبارك فيه فتأكلون ويأكل ويكفي الجميع، لكن يترك التسمية عليه نزعت منه البركة حتى أكل في لقمتين ( رواه الترمذي) في الأطعمة من «جامعه» ( وقال: حديث حسن صحيح) .


رقم الحديث 734 ( وعن أبي أمامة رضي الله عنه قال: إن النبيّ كان إذا رفع مائدته) تقدم ضبطها ومعناها ( قال: الحمد لله حمداً) بالنصب مفعول مطلق ( كثيراً) بالمثلثة ( طيباً) أي منزهاً عن سائر ما ينقصه من رياء أو سمعة أو إخلال بإجلال ( مباركاً) بصيغة المفعول نائب فاعله قوله ( فيه) والبركة الزيادة والنماء ( غير مكفي) قال المصنف بتشديد الياء هذه الرواية الصحيحة الفصيحة، ورواه أكثر الرواة بالهمزة وهو فاسد من حيث العربية سواء كان ومن الكفاية أو كفأت الإناء كما لا يقال في مقرؤ من القراءة مقرىء بالهمزة ( ولا مستغني) بصيغة الفعول ( عنه) قال صاحب «المطالع» : الضمير يعود على الطعام، قال الحربي: الكفي الإناء المقلوب للاستغناء عنه كما قال غير مستغني عنه أو لعدمه.
وذهب الخطابي إلى أن المراد بهذا الدعاء كله الباري سبحانه وتعالى، وأن الضمير يعود إليه، ومعنى غير مكفي: إنه يطعم ولا يطعم كأنه على هذا من الكفاية، وإلى هذا ذهب غيره في تفسير الحديث: أي إن الله مستغن عن معين وظهير ( ربنا) منصوب على الوجه الأخير بالاختصاص أو المدح أو النداء، كأنه قيل: يا ربنا اسمع حمدنا ودعاءنا.
ومن رفعه قطعه وجعله خبراً، وكذا قيده الأصيلي كأنه قال ذلك أو أنت ربنا.
ويصح فيه الجر على البدلية من لفظ الجلالة في قوله الحمد لله.
وذكر ابن الأثير في «النهاية» نحو هذا الخلاف مختصراً وقال: من رفع ربنا فعلى الابتداء المؤخر: أي هو ربنا غير مكفي ولا مستغني عنه، وعلى هذا يرفع غير، ويجوز أنيكون الكلام راجعاً إلى الحمد كأنه قال: حمداً كثيراً غير مكفي ولا مستغني عن هذا الحمد اهـ كلام المصنف ملخصاً، وقد زدته وضوحاً في «شرح الأذكار» ( رواه البخاري) أورده في «الأذكار» كذلك، وزاد فيه بعد قوله غير مكفي «ولا مودع» قال: وقال غيره «إذا رفع مائدة قال: الحمد لله الذي كفانا وآوانا غير مكفي ولا مكفور» .


رقم الحديث 735 ( وعن معاذ بن أنس رضي الله عنه قال: قال رسول الله: من أكل طعاماً) ظاهر عمومه ولو على وجه التداوي لشمول الطعام له لغة وشرعاً كما ذكره الفقهاء في باب الربا وعدم حنث من حلف لا يأكل طعاماً يتناوله من حيث أن مدار الأيمان على العرف وهو لا يعدّه طعاماً ( فقال) أي عقب الفراغ كما تومىء إليه الفاء ( الحمد لله الذي أطعمني هذا الطعام ورزقنيه) عطف على أطعم عطف عام على خاص ( من غير حول) أي حيلة ( منى ولا قوّة) أشار به إلى طريق التحصيل للطعام، فإن القويّ يأخذ ظاهراً بقوته والضعيف يحتال على تحصيل قوته، فأشار بالذكر المذكور إلى أن حصول ذلك بمحض الفضل لا دخل في ذلك لغيره سبحانه ( غفر) بالبناء للمجهول ( له ما تقدم من ذنبه) ظاهره ولو كبائر لكنه مقيد عندنا بالصغائر غير التبعات ( رواه أبو داود) في اللباس ( والترمذي) في البر والصلة ( وقال: حديث حسن) قال المزي في «الأطرف» : ورواه ابن ماجه في الأطعمة، ومداره عندهم على أبي مرحوم عبد الرحيم بن ميمون عن سهل عن معاذ بن أنس عن أبيه، وقال السيوطي في «الجامع الصغير» بعد أن رواه بزيادة «ومن لبس ثوباً فقال الحمد لله الذي كساني هذا ورزقنيه من غير حول منى ولا قوّة، غفر الله ما تقدم من ذنبه وما تأخر» ورواه أحمد وأبو داود والترمذي وقال: حسن غريب، والطبراني في «الكبير» وابن السني والحاكم عن سهل عن معاذ بن أنس عن أبيه اهـ.