فهرس الكتاب

دليل الفالحـــين - بابُ فضل العلم

رقم الحديث -239 أي: فضله، والمراد الشرعي، وهو الحديث والتفسير والفقه وآلاتها ( قال الله تعالى: وقل رب زدني علماً) هذا من أعظم أدلة شرف العلم وعظمه، إذ لم يؤمر - صلى الله عليه وسلم - أن يسأل ربه الزيادة إلا منه.
أخرج ابن ماجه عن أبي هريرة قال: كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: "اللهم انفعني بما علمتني وعلمني ما ينفعني وزدني علماً.
والحمد لله على كل حال" وأخرجه الترمذي من غير طريق، وزاد في رواية له "وأعوذ بالله من حال أهل النار".
( وقال تعالى: قل هل يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون) أي: لا استواء بينهم، فهو استفهام إنكاري في معنى النفي ( وقال تعالى: يرفع الله الذين آمنوا منكم) بطاعتهم للرسول ( والذين أوتوا العلم درجات) أي: ويرفع الله العلماء منهم خاصة درجات، بما جمعوا من العلم والعمل، ونصب درجات بالبدل من الذين آمنوا والذين أتوا العلم، أو بالتمييز قاله في جامع البيان.


رقم الحديث 1376 ( وعن معاوية رضي الله عنه قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: من يرد الله به خيراً) تنكيره للتفخيم ( يفقهه في الدين) أي: يجعله عالماً بالأحكام الشرعية ذا بصيرة فيها بحيث يستخرج المعاني الكثيرة من الألفاظ القليلة ( متفق عليه) ورواه أحمد من حديث معاوية، ورواه أحمد وللترمذي عن ابن عباس، ورواه ابن ماجه عن أبي هريرة كذا في الجامع الصغير وزاد في الجامع الكبير: ورواه ابن حبان من حديث معاوية.
ورواه الدارمي من حديث ابن عباس، وقال الترمذي: حديث حسن صحيح، ورواه الطبراني في الأوسط عن ابن عمر.
ورواه في الأوسط عن أبي هريرة، ورواه تمام، وابن عساكر عن عبد الملك بن مروان، عن أبي خالد عن أبيه، ورواه الطبراني في الكبير وأبو نعيم في الحلية كلاهما من حديث ابن مسعود وزاد في آخره "ويلهمه رشده"، ورواه أحمد من حديث أبي هريرة وزاد "وإنما أنا قاسم والله يعطي".


رقم الحديث 1377 ( وعن ابن مسعود رضي الله عنه قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: لا حسد) أي: لا غبطة محمودة كما سيأتي ( إلا في اثنتين) من الخصال؛ لشرفها ففيها يتنافس المتنافسون ( رجل) بالجر بدل على تقدير مضاف، أي: خصلة رجل، وبالنصب باضمار أعني، وبالرفع بإضمار مبتدأ، أي: أحدهما رجل ( آتاه) بالمد أي: أعطاه ( الله مالاً) التنوين فيه يحتمل أن يكون للتعظيم، وأن يكون لغيره ( فسلطه على هلكته) بفتح أوليه، أي: إهلاكه ففيه مبالغتان: التعبير بالتسليط المقتضي لفعله، وبالهلكة المشعرة بفناء الكل، أي: إنفاقه ( في الحق) أي: ما يحق فيه إنفاق المال من القرب ( ورجل آتاه الله الحكمة) العلم النافع ( فهو يقضي بها) أي: يفصل بين المترافعين إليه، إن كان قاضياً أو المستفتين إن كان مفتياً ( ويعلمها) أي: الناس، وحذفه ليعم كل متعلم والحديث سبق مشروحاً في باب الكرم والجود ( متفق عليه والمراد بالحسد) المحرض عليه بالسياق ( الغبطة وهو) بالتذكير نظراً لقوله ( أن يتمنى مثله) أي: مثل حال المغبوط أي: لا يغبط أحوالاً على إحدى هاتين، كما تقدم عن المصنف.
ويجوز التأنيث نظراً لمرجع الخبر، وما جرى عليه المصنف من اعتبار الخبر أولى؛ لأنه محط الفائدة، وليس المراد بالحسد معناه الحقيقي أي: تمني زوال نعمة المحسود، فذلك حرام من الكبائر.


رقم الحديث 1378 ( وعن أبي موسى رضي الله عنه قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: مثل) بفتح أوليه ( ما بعثني الله به من الهدى) هو كالرشد والرشاد ضد الضلال ( والعلم) هو صفة توجب تمييزاً لا يحتمل النقيض، أي: صفة ذلك العجيبة التي لغرابتها صارت كالقصة ( كمثل غيث أصاب أرضاً فكانت منها طائفة طيبة) أنث العامل مع الفصل بينه وبين معموله، وفي مثله يجوز هو والتذكير، وجاء القرآن بكل، قال تعالى: ( قد جاءتكم موعظة) وقال تعالى: ( من بعد ما جاءهم البينات) ( قبلت الماء) فشربته ( فانبتت الكلأ) بفتح أوليه والهمز، أي: المرعى ( والعشب) بضم المهملة وسكون المعجمة وبالموحدة، قال في المصباح: هو الكلأ الرطب في أول الربيع ( الكثير) وصفه به لتأكيد ما دل عليه من العموم، أو هو اسم جنس محلى بأل، وما كان كذلك فمن ألفاظ العموم ( وكان منها أجادب) بالجيم والدال المهملة، أي: أرض لا تنبت كلأ، وقيل: هي التي تمسك الماء فلا يسرع إليه النضوب ( أمسكت الماء فنفع الله بها) أي: بسببها ( الناس فشربوا منها وسقوا مواشيهم وزرعوا) كذا عند البخاري، والذي في جميع نسخ مسلم: ورعوا، بالراء من الرعي، قال المصنف: وكلاهما صحيح ( وأصاب طائفة منها أخرى) وصفها بذلك دون ما قبلها كأنها لسلب الانتفاع منها رأساً جنس آخر ( إنما هي قيعان) الأصل قوعان، فأبدلت الواو ياء؛ لسكونها وانكسار ما قبلها ( لا تمسك ماء) ؛ لكونها رملاً ( ولا تنبت كلأ) لذلك ( فذلك مثل من فقه) بضم القاف، على المشهور وقيل: بكسرها، وقد روي بالوجهين، والمشهور الضم قاله المصنف ( في دين الله) أي: صار عالماً بالشرعيات ( ونفعه ما بعثني الله به) أي: من الشريعة الغراء ( فعلم وعلم ومثل من لم يرفع بذلك رأساً ولم يقبل هدى الله الذي أرسلت به) قال المصنف معنى الحديث أن الأرض ثلاثة أنواع وكذا الناس، فالأول من الأرض ينتفع بالمطر فيحيى بعد أن كان ميتاً وينبت الكلأ فينتفع به الناس والدواب بالشرب والرعي والزرع وغيرها وكذا النوع الأول من الناس يبلغه الهدى والعلم فيحفظه فيحيي به قلبه ويعمل به ويعلمه غيره فينتفع وينفع.
والثاني من الأرض لا تقبل الانتفاع في نفسها لكن فيها فائدة وهي إمساك الماء لغيرها فينتفع به الناس والدواب، وكذا النوع الثاني من الناس لهم قلوب واعية لكن ليست لهم أفهام ولا رسوخ لهم في العلم يستنبطون به المعاني والأحكام، ولا اجتهاد عندهم في الطاعة فهم يحفظونه حتى يأتي طالب متعطش لما عندهم فينتفع به فهؤلاء نفعوا بما بلغهم.
والثالث من الأرض السباخ التي لا تنبت ونحوها فهي لا تنتفع بالماء ولا تمسكه لينتفع به غيرها، وكذا الثالث من الناس لا قلب له حافظ ولا فهم واعي فإذا سمع العلم لا ينتفع به ولا يحفظه لينفع غيره اهـ من شرح مسلم للمصنف ملخصاً ( متفق عليه) وقد سبق مشروحاً في باب الأمر بالمحافظة على السنة.


رقم الحديث 1379 ( وعن سهل بن سعد رضي الله عنه أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال لعلي بن أبي طالب رضي الله عنه) لما أعطاه الراية يوم خيبر وأرسله لقتالهم وأمره أن يدعوهم أولاً إلى الإِسلام ( فوالله لأن يهدي الله بك رجلا واحداً) أتى به لدفع توهم أن المراد برجل الجنس كما في تمرة خير من جرادة ( خير لك من حمر) بضم فسكون ( النعم) بفتحتين من إضافة الصفة لموصوفها أي من الأبل الحمر وهي أشرف أموال العرب فلذا خصت بالذكر، والتفضيل بحسب ما عند أهل الدنيا من شرفها في الجملة وإلا فلا مناسبة بين العرض الفاني والشيء الباقي، والحديث سيق في خطبة الكتاب ( متفق عليه) .


رقم الحديث 1380 ( وعن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: بلغوا) أمر على الوجوب الكفائي ( عني ولو آية) قال البيضاوي: لم يقل ولو حديثاً لأن الأمر بتبليغ الحديث يفهم من هذا بطريق الأولى، فإن الآيات مع انتشارها وكثرة حملتها وتكفل الله سبحانه بحفظها وصونها عن الضياع والتحريف إذا كانت واجبة التبليغ، فالأحاديث التي ليس فيها شيء مما ذكر أولى بذلك اهـ ( وحدثوا عن بني إسرائيل) اسم سرياني ليعقوب معناه عبد الله ( ولا حرج) قال العلماء معناه ولا ضيق عليكم في التحديث عنهم، لأنه كان تقدم منه - صلى الله عليه وسلم - الزجر عن الأخذ عنهم والنظر في كتبهم ثم حصلت التوسعة فيه، وقيل: معنى لا حرج لا تضيقوا صدوركم بما تسمعونه عنهم من الأعاجيب فإن ذلك قد وقع لهم كثيراً، وقيل: لا حرج في أن لا تحدثوا عنهم لأن قوله أولاً حدثوا صيغة أمر تقتضي الوجوب فأشار إلى عدم الوجوب، وأن الأمر فيه للإِباحة أي لا حرج في ترك التحديث عنهم وقيل لا حرج على حاكي ألفاظهم المستبشعة نحو قولهم ( فاذهب أنت وربك فقاتلا) وقولهم ( اجعل لنا إلها) وقيل: المعنى حدثوا عنهم بأي صورة اتصلت بها القصة عنهم من انقطاع أو بلاع لتعذر الاتصال في التحديث عنهم، بخلاف الأحكام الإِسلامية، فإن الأصل في التحديث فيها الاتصال ولا يتعذر ذلك لقرب العهد، وعلى كل حال فلا يجوز التحديث بالكذب عليهم.
قال الشافعي: من المعلوم أنه - صلى الله عليه وسلم - لا يجيز التحديث بالكذب فالمعنى حدثوا عنهم بما لا تعلمون كذبه، وأما ما تجوزونه فلا حرج عليكم في التحديث به عنهم، وهو نظير حديث "إذا حدثكم أهل الكتاب فلا تصدقوهم ولا تكذبوهم" ( ومن كذب عليّ متعمداً فليتبوأ مقعده من النار) فيه دليل على أن الكذب عليه - صلى الله عليه وسلم - من الكبائر، بل حكي عن والد إمام الحرمين: أن فاعل ذلك مخلد في النار البتة.
وحمل على من استحل ذلك أو على أنه زلة قلم، والجملة الجوابية طلبية لفظاً خبرية معنى، أي: فقد هيأ مقعده من النار.
( رواه البخاري) ورواه أحمد والترمذي.


رقم الحديث 1381 ( وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: ومن سلك طريقاً) أتى بالعاطف أوله؛ تنبيهاً على أنه بعض حديث، وتقدم بجملته في باب قضاء حوائج المسلمين، وسكت عما ترك؛ لعدم تعلقه بالترجمة ( يلتمس) أي: يطلب فاستعير له اللمس كذا في النهاية ( فيه علما) أي: مقرباً إلى الله تعالى ويدل على التقييد به قوله: ( سهل الله له طريقاً إلى الجنة) لورود الوعيد لمن تعلم بعض العلوم المحرمة، والباقي منها كذلك بجامع التحريم.
فشمل الحديث أنواع علوم الدين واندرج تحته قليلها وكثيرها.
وفي رواية "سلك الله به" قال الطيبي: الضمير في به عائد إلى من والباء للتعدية، أي: يوفقه أن يسلك طريق الجنة، ويجوز أن يرجع الضمير إلى العلم، والباء سببية، ويكون سلك بمعنى سهل والعائد إلى من محذوف، والمعنى سهل الله له بسبب العلم طريقاً من طرق الجنة، فعلى الأول سلك من السلوك معدى بالباء، وعلى الثاني من السلك، والمفعول محذوف كقوله تعالى: ( يسلكه عذاباً صعداً) قيل: عذاباً مفعول ثان، وعلى التقديرين نسبة سلك إلى الله تعالى على طريق المشاكلة اهـ ( رواه مسلم) .


رقم الحديث 1382 ( وعنه أيضاً) كلمة تقال بين شيئين متفقين معنى ولا يمكن الاستغناء بأحدهما عن الآخر.
وهي بالنصب حال أي: أخبر عنه راجعاً إلى الإِخبار عنه أو مفعول مطلق، وهي كلمة عربية كما أوضحت ذلك في شرح الأذكار ( رضي الله عنه أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: من دعا إلى هدى) ولو بإبانته وإظهاره قليلاً كان أو كثيراً ( كان له من الأجر مثل أجور من تبعه) مثل بالرفع اسم كان، وخبرها أحد الظرفين المذكورين قبل، والآخر حال وقوله: ( لا ينقص ذلك من أجورهم شيئاً) جملة مستأنفة؛ لبيان عظم فضل الله وكمال كرمه، وإنما لم ينقص ذلك ثواب العامل؛ لاختلاف وجهتي الإِثابة فهي للداعي من حيث الدعوة، وللعامل من حيث العمل.
كما تقدم بيانه في خطبة الكتاب عند ذكر المصنف الحديث.
وفي باب الدلالة على خير ( رواه مسلم) وتتمته "ومن دعا إلى ضلالة كان عليه من الإثم مثل آثام من تبعه، لا ينقص ذلك من آثامهم شيئاً".
وفي الجامع الكبير بعد ذكر الحديث بجملته، رواه أحمد ومسلم وأبو داود والترمذي، وابن ماجه عن أبي هريرة، ورواه الطبراني في الكبير عن ابن عمر اهـ ثم لا مخالفة بين الجملة الأخيرة التي هي في معنى قوله تعالى: ( ليحملوا أوزارهم كاملة يوم القيامة ومن أوزار الذين يضلونهم بغير علم) .
وقوله تعالى: ( ولا تزر وازرة وزر أخرى) ؛ لأن الدال على الضلالة إنما أثم بعمل العامل لها؛ لكونه الدال عليها.
فإثمه لدلالته، وهي من عمله فما أخذ بعمل غيره ووزره، بل بعمله ووزره والله أعلم.


رقم الحديث 1383 ( وعنه قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا مات ابن آدم انقطع عمله) أي: من إثابته على العمل المتجددة، بتجدد العمل المترتبة عليه، ترتب المسبب على السبب بالحكمة الإلهية وذلك؛ لأنه بالموت يقف العمل فيقف الثواب المرتب عليه ( إلا من ثلاثة) فإن ثوابها يدوم للعامل بعد موته، وذلك لدوام أثره فدام ثوابه، وأثبت التاء إما لأن المعدود مذكر، أي: ثلاثة أعمال، أو لحذفه، أي: ثلاث خصال، والأول أقرب ( صدقة جارية) هي الوقف ( أو علم ينتفع به) هو التعليم والتصنيف، والثاني أقوى؛ لطول بقائه على ممر الزمان قاله القاضي تاج الدين السبكي ( أو ولد صالح) أي: مسلم ( يدعو له) أي: بالمغفرة كما يأتي في حديث أنس أو بأعم منها ( رواه مسلم) ورواه البخاري في الأدب المفرد، والنسائي.
قال العلقمي: قال شيخ الحديث: يعني شيخه السيوطي: روى الطبراني من حديث أبي أمامة مرفوعاً "أربعة تجري عليهم أجورهم بعد الموت: مرابط في سبيل الله، ومن علّم علماً، ورجل تصدق بصدقة فأجرها له ما جرت، ورجل ترك ولداً صالحاً يدعو له" وللبزار من حديث أنس مرفوعاً "سِبع يجري للعبد أجرها بعد موته وهو في قبره: من علّم علماً، أو أجرى نهراً، أو حفر بئراً، أو غرس نخلاً، أو بنى مسجداً، أو ورث مصحفاً، أو ترك ولداً يستغفر له بعد موته".
ولابن ماجه وابن خزيمة من حديث أبي هريرة.
"أن مما يلحق المؤمن من عمله وحسناته بعد موته علماً نشره أو ولداً صالحاً تركه، أو مصحفاً ورثه، أو مسجداً بناه أو بيتاً لابن السبيل بناه، أو نهراً أجراه، أو صدقة أخرجها من ماله في صحته وحياته تلحقه بعد موته ".
ولابن عساكر في تاريخه من حديث أبي سعيد الخدري مرفوعاً "من علم آية من كتاب الله أو باباً من علم أنمى الله أجره إلى يوم القيامة"، ثم قال: وقد تحصل من ذلك أحد عشر أمراً وقد نظمتها في أبيات.
اهـ وقد تقدم في باب الصدقة عن الميت ذكرها، ونظمتها أيضاً فقلت: خصال عليها المرء من بعد موته ... يثاب فلازمها إذا كنت ذا ذكر رباط بثغر ثم توريث مصحف ... ونشر لعلم غرس نخل بلا نكر وحفر لبئر ثم إجراء نهر ... وبيت غريب في التصدق إذ يجري وتعليم قرآن وتشييد منزل ... لذكر ونجل مسلم طيب الذكر وفي خبر من ذا إذا حج فرضه ... أو الدين عنه قد قضى كامل الفخر روى ابن عماد ذا بحسن ذريعة ... ولم يذكر الراوي لذلك ما يدري

رقم الحديث 1391 ( وعنه رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: من تعلم علماً مما يبتغى) بالبناء للمفعول أي: يطلب ( به وجه الله عز وجل) يحتمل أن هذا صفة كاشفة؛ لأن الكلام في العلم المحمود، وذلك الابتغاء لازم له وأنه احتراز عن العلوم التي ليست كذلك؛ لعدم وجوبها كعلم العروض أو لتحريمها كعلم السحر ( لا يتعلمه) جملة حالية من الفاعل أو المفعول ؛ لتخصصه بالوصف ( إلا) استثناء من أعم العلل، أي: لا يطلبه لغرض من الأغراض إلا ( ليصيب به غرضاً) بالمعجمتين أي: شيئاً ( من الدنيا) أي: من تمتعاتها وإن قل، ومعلوم أن قصد هذا ولو مع قصد الآخرة موجب للإِثم، فيحتمل أن التقييد به ليترتب العقاب الآتي عليه، أو لأن الغالب أن من قصد الدنيا لا يقصد معها الآخرة ( لم يجد عرف الجنة يوم القيامة يعني) أي: النبي - صلى الله عليه وسلم - بقوله: عرف الجنة، بفتح المهملة وسكون الراء وبالفاء ( ريحها) وهذا كناية عن مباعدته عنها، فقد جاء عند الطبراني: "وإن عرفها ليوجد من مسيرة خمسمائة عام" وعن عدم دخولها إما مطلقاً إن استحل ذلك، لأن حرمة طلب العلم لذلك مجمع عليها، معلومة من الدين بالضرورة، أو مقيداً بأنه لا يدخلها مع الناجين، أو لا يجد عرفها في الموقف الذي هو المراد بيوم القيامة حقيقة إن لم يستحل ذلك، وعلى الثالث فيكون في الحديث إيماء إلى أن من صح قصده في طلب العلم الشرعي يمده الله برائحة الجنة يوم القيامة، تقوية لقلبه، وإزالة لكربه، بخلاف من لم يكن كذلك، فإنه لمرض قلبه يصير يوم القيامة كذي مرض بدماغه يمنعه من إدراك الروائح.
وفي الحديث إيماء إلى أن من أخلص في طلبه لله ثم جاءته الدنيا من غير قصدها به لا يضره ذلك ( رواه أبو داود بإسناد صحيح) ورواه أحمد وابن ماجه والحاكم في المستدرك، والبيهقي في الشعب، ورواه الترمذي من حديث ابن عمر بلفظ "من تعلم علماً لغير الله فليتبوأ مقعده من النار" وروى ابن ماجه من حديث أبي هريرة "من تعلم العلم ليباهي به العلماء أو يماري به السفهاء أو يصرف كتاب حمد الله تعالى أي: ما جاء في فضله والحض عليه.
وتقدم صدر الكتاب أنه لغة: الثناء باللسان على الجميل الاختياري على جهة التعظيم، وعرفاً فعل ينبىء عن تعظيم المنعم، لكونه منعماً على الحامد أو غيره، وأن النسبة بينهما العموم والخصوص الوجهي ( وشكره) عطفه على الحمد قرينة على أن المراد بالحمد الحمد اللغوي، وإلاّ فمعنى الحمد العرفي هو معنى الشكر لغة، أو أن المراد بالشكر معناه العرفي، أي: صرف العبد جميع ما أنعم الله به عليه لما خلق لأجله، كصرف السمع لسماع الآيات: والنظر للتفكر في المصنوعات، ويصح أن يراد من كل ما يعم المعنى اللغوي والعرفي وأتى بهما؛ لأن كلاً منهما مطلوب وإن تقاربا ( قال الله تعالى: فاذكروني) أي: بالطاعة أو في الرخاء ( أذكركم) بالمغفرة أو في الشدة.
وفي الحديث "من أطاع الله فقد ذكره وإن لم يذكره بلسانه، ومن عصى الله فقد نسيه وإن ذكره بلسانه" أورده الواحدي في الوسيط ( واشكرو لي) نعمتي ( وقال تعالى لئن شكرتم) نعمتي وأطعتموني ( لأزيدنكم) في النعمة.
والخطاب وإن كان لبني إسرائيل فهذه الأمة أولى بالزيادة عند الشكر منهم؛ لفضلها عليهم ( وقال تعالى) مخاطباً لنبيه ( وقل الحمد لله) حذف باقي القول وهو ( وسلام على عباده الذين اصطفى) ؛ لعدم تعلقه بالترجمة.
وأورد ما ذكر؛ لأن في الآية دلالة على شرف الحمد، إذ ورد الأمر له بأن يقوله: ( وقال تعالى وآخر دعواهم) أي: في الجنة ( أن) أي: أنه ( الحمد لله رب العالمين) أي: مالك العالمين، عن كثير من السلف أن أهل الجنة كلما اشتهوا شيئاً قالوا: سبحانك اللهم، فيأتيهم الملك بما يشتهون ويسلم عليهم فيردون عليه، وذلك قوله تعالى: ( تحيتهم فيها سلام) فإذا أكلوا حمدوا الله، وذلك قوله تعالى: ( وآخر دعواهم أن الحمد لله رب العالمين) .