فهرس الكتاب

دليل الفالحـــين - باب إجراء أحكام الناس على الظاهروسرائرهم إِلَى الله تَعَالَى

رقم الحديث 390 ( وعن ابن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: أمرت) بالبناء لغير الفاعل حذف فاعله تفخيماً له وتعظيماً والمفهوم منه أن الله تعالى هو الذي أمركما يفهم من قول الصحابي: «أمرنا» أن الآمر له هو النبي، وإنما عدل إليه تعويلاً على شهادة الفعل أنه تعالى هو الآمر لا يحتاج إلى تصريح باسمه ولا يذهب الوهم إلى غيره، إذ لا أحد يأمره سوى الله تعالى أي أمرني الله ( أن أقاتل الناس) أي أن أقاتلهم لأن الأمر يتعدى إلى ثاني مفعوليه بحرف النداء، وحذفه كثير شائع، قالوا: والمراد بالناس هنا عبدة الأوثان أهل الكتاب لسقوط القتال عنهم بقبول الجزية.
قال الدلجي في «شرح الأربعين» : ويحتمل أن يكون قبولها منهم كان بعد هذا الأمر المتناول لقتالهم أيضاً ( حتى يشهدوا أن) أي أنه ( لا إله) أي لا مستغنى بذاته عما سواه ومفتقر إليه كل ما عداه موجود ( إلاالله، و) يشهدوا ( أن محمداً رسول الله) وفي رواية «حتى يقولوا لا إله إلا ا» اكتفاء بها عن أختها مع إرادتها كما في { سرابيل تقيكم الحرّ} ( النحل: 81) أي والبرد، أي حتى يؤمنوا بأنه تعالى واحد لا شريك له وأن محمداً رسول الله ( ويقيموا الصلاة ويؤتوا الزكاة) بشروطهما وأركانهما على وفق الأمرالإلهي، وعطفهما على ما قبلهما تنزيلاً لهما منزلته في كون فعلهما غاية للقتال وللأمر به إيذاناً بأنهما أعظم العبادات البدنية والمالية، ومن ثم قدمهما على مقرهما لدخولهما تحت نطاق حتى الإسلام بشهادة إحدى روايتي أبي هريرة، فإنه لم يذكرهما فيها لأنهما من حقه ولم يخصهما في روايته الأخرى، بل قال: ويؤمنوا بما جئت به، ولم يذكر الصوم والحج إما لكونهما لم يفرضا حينئذٍ، وإما لكونهما لا قتال على تركهما، إذ تارك الصوم يحبس ويمنع المفطر والحج على التراخي، وحتى هنا جارة لأن ما قبلها غير ما بعدها، وهو غاية للقتال ومتضمن لمعنى الشرط فالكفّ عن قتالهم مشروط بذلك منتف بانتفائه، كأنه قيل: إن شهدوا وصلوا وآتوا الزكاة كففت عنهم بشهادة الآية السابقة ( فإذا فعلوا ذلك) غلب فيه الفعل على القول إذ الشهادة قول إلا أن يقال: هي عمل اللسان فهو فعل: أي فإن أتوا بذلك ( عصموا) أي منعوا وحقنوا ( مني دماءهم) جمع دم وأصله دمو ( وأموالهم إلا بحق الإسلام) استثناء مفرغ من عام والعصمة متضمنة لنفيه ليصح تفريغ الاستثناء إذ هو شرطه: أي لا تهدر دماؤهم ولا تستباح أموالهم بسبب من الأسباب إلا بحقه كفعل الواجبات وترك المنهيات فإنها واجبة بحقه، وقد التزمها المسلمون بإسلامهم، فإن فعلوا واجتنبوا بنية صالحة فمؤمنون، أو تقية وخوفاً حقنوا ذلك وعصموه ( وحسابهم على ا) أي إليه ( تعالى) ما يخفون وما يسترون من عقائدهم لا ما يظهرون بل يعاملون بما يقتضيه.
وحاصله تفويض أمر بواطنهم إليه سبحانه لأنه الذي يتولى خبايا أسرارهم وخفايا ضمائرهم من إيمان وكفر ونفاق، وأما الرسول فإنما أمر أن يحكم بظواهر أفعالهم وأقوالهم، ولفظ «علي» وإن كانت مشعرة بالإيجاب فهو على سبيل التشبيه البليغ: أي هو كالواجب عليه تعالى بمقتضى إخباره بوقوعه حذراً من الخلف في أخباره تعالى شرعاً بمقتضى وعده فلا يخلف الميعاد خلافاً لقول المعتزلة بوجوبه عليه عقلاً ( متفق عليه) ورواه الأربعة عن أبي هريرة وهو متواتر، كذا في «الجامع الصغير» للسيوطي وفي «قطف الأزهار المتناثرة في الأخبار المتواترة» للسيوطي.
أخرج الشيخان عن ابن عمر وأبي هريرة ومسلم عن جابر ابن عبد الله وابن أبي شيبة في «المصنف» عن أبي بكر الصديق وعمر وابن أويس وجرير البجلي والطبراني عن أنسوسمرة بن جندب وسهل بن سعد وابن عباس وأبي بكر وأبي مالك الأشجعي والبزار عن عياض الأنصاري والنعمان بن بشير اهـ.


رقم الحديث 391 ( وعن أبي عبد الله طارق) بالمهملة والراء والقاف ( ابن أشيم) بالشين المعجمة والتحتية بوزن أحمد، ابن مسعد والأشجعي الكوفي والد سعد بن طارق وأبي مالك ( رضي الله عنه) روى عن النبي فيما قاله البرقي أربعة أحاديث، روى عنه مسلم حديثاً واحداً.
قال العامري في الرياض المستطابة: يقال لم يرو عن النبيّ غيره، وروى عنه الأربعة خلا أبي داود، لكن قال المصنف في «التهذيب» : روى عنه مسلم في «صحيحه» حديثين، ثم رأيت الحافظ المزي ذكر في «أطرافه» كما قال المصنف، فخرج من أحاديث مسلم عنه حديث الباب وقال: أخرجه مسلم في الإيمان وحديث «كان النبي يعلم من أسلم يقول: قل اللهم اغفر لي وارحمني واهدني وارزقني» وقال: أخرجه مسلم وابن ماجه في الدعوات ( قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: «من قال لا إله إلا ا) أي مع قرينتها، وهي محمد رسول الله ففيه اكتفاء تقدمت الإشارة إليه في شرح الحديث قبله ( وكفر بما يعبد من دون ا) أي أيّ معبود كان ( حرم ماله ودمه) بضم راء الفعل ورفع الاسمين بعده، وقوله ( وحسابه على ا» ) جملة مستأنفة مسوقة لبيان تعلق أحكام الشريعة بالظاهر دون ما يخفيه ويسره ذو العقيدة الفاسدة أو يخفيه ذو الأعمال القبيحة فيفوض أمر ذلك إلى المولى سبحانه ( رواه مسلم) منفرداً به عن باقي الكتب الستة.


رقم الحديث 392 ( وعن أبي معبد) بفتح الميم والموحدة وسكون العين المهملة بينهما آخره دال مهملة وقيل كنيته أبو الأسود، وقيل أبو عمرو حكاها المصنف في «تهذيبه» ( المقداد بن الأسود رضي الله عنه) هو المقداد بن عمرو بن ثعلبة بن مالك بن ربيعة بن ثمامة بن مطرود بن عمرو بن سعد ابن دهير بفتح الدال المهملة وكسر الهاء ابن لؤيّ بن ثعلبة بن مالك بن الشريد بفتح الشين المعجمة ابن هون، وقيل ابن أبي هون بن فاس، ويقال ابن قاس ويقال قائس بن درنم بن القين بن أهود بن بهز بن عمرو بن الحاف بنقضاعة البهراني الكندي الصحابي، فهو المقداد بن عمرو حقيقة، وإنما قال المصنف كغيره المقداد بن الأسود لأنه كان في حجر الأسود بن عبد يغوث الزهري فتبناه إليه، ويقال المقداد الكندي لأنه أصاب دماء في بهز فهرب منهم إلى كندة فحالفهم، ثم أصاب فيهم دماً ثم هرب إلى مكة فحالف الأسود بن عبد يغوث فهو بهراني، ويقال كندي ويقال زهري قديم في الإسلام والصحبة من السابقين إلى الإسلام، قال ابن مسعود: أول من أظهر الإسلام بمكة سبعة منهم المقداد، وهاجر إلى الحبشة ثم عاد لمكة ثم هاجر إلى المدينة، وشهد مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - سائر المشاهد، ولم يثبت أنه شهد بدراً فارس مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - غيره، وكذا الزبير في قول روي له عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - اثنان وأربعون حديثاً، اتفقا على واحد منها، وانفرد مسلم بثلاثة منها، روى عنه من الصحابة عليّ وابن مسعود وابن عباس وآخرون وجمع كثير من التابعين.
توفي بالجرف على عشرة أميال من المدينة، وحمل على رقاب الرجال إلى المدينة، وقيل توفي بها في خلافة عثمان سنة ثلاث وأربعين وهو ابن سبعين سنة وصلى عليه عثمان وأوصى إلى الزبير وشهد فتح مصر، ومناقبه، كثيرة: منها قوله: «أمرني الله أن أحبّ أربعة وأخبرني أنه يحبهم، قيل يا رسول الله سمهم لنا، قال عليّ منهم، يقول ذلك ثلاثاً، وأبو ذرّ والمقداد وسلمان» قال الترمذي: حديث حسن ( قال: قلت لرسول الله: أرأيت) بفتح التاء أي أخبرني ( إن لقيت) بتاء المتكلم ( رجلاً من الكفار فاقتتلنا فضرب إحدى يدي) بتشديد الياء ويدي مثنى الياء الأولى علامة الجر والثانية مضاف إليه ( بالسيف فقطعها ثم لاذ مني بشجرة) لاذ بالذال المعجمة قال المصنف أي اعتصم وقال القرطبي أي استتر يقال لاذ يلوذ لواذاً إذا استتر.
والملاذ: ما يستتر به وفي «المصباح» لاذ يلوذ ومصدره اللواذ بكسر اللام وقيل بتثليثها: أي التجأ، وبين ما تجوز عنه بقوله ( فقال أسلمت) أي دخلت في الإسلام وتدينت به.
وفيه دليل على أن كل من صدر عنه ما يدل على الدخول في دين الإسلام من قول أو فعل حكم له لذلك بالإسلام، وأنه لي مقصوراً على النطق بكلمتي الشهادة، وقد حكم بإسلام بني خزيمة الذين قتلهم خالد بن الوليد بما يقولون صبأنا صبأنا ولم يحسنوا أن يقولوا أسلمنا، فلما بلغ ذلك النبي قال: «اللهم إني أبرأ إليك مما صنع خالد ثلاث مرات رافعاً يديه إلى السماء ثم وداهم» ويحتمل أن يكون قوله هنا «فقال أسلمت» على أنه رواية بالمعنى، وأنه عبر به بعض الرواة عن قوله فقال لا إله إلا الله كما جاء مفسراً كذلك في رواية أخرى اهـ.
ملخصاً، قاله القرطبي ( أأقتله يا رسول الله بعد أن قالها) أي وأحمل ذلك منه علىالخشية لا على الحقيقة ( فقال: لا تقتله) لجريان الأحكام الشرعية على مقتضى الظاهر ( فقلت: يا رسول الله قطع إحدى يدي ثم قال ذلك) متعوذاً به من القتل ( بعد ما قطعها فقال: لا تقتله) ثم قال مبيناً حكمه إن قتل القائل الكلمة المذكورة ( فإن قتلته) أي بعد نطقه بذلك ( فإنه) بعد الإتيان بكلمة الشهادة ( بمنزلتك) من عصمة الدم والحكم بإسلامه ( قبل أن تقتله وإنك بمنزلته) في إهدار الدم ( قبل أن يقول كلمته التي قال) بحذف العائد: أي قالها: أي فتصير غير معصوم الدم ولا يحرم القتل بعد قتلك له.
قال ابن القصار: يعني لولا عذرك بالتأويل المسقط للقصاص عنك وما فسرت به الحديث تبعاً للمصنف كما يأتي هو ما قاله الإمام الشافعي وابن القصار المالكي وغيرهما.
وقال المصنف: إنه أحسن ما قيل فيه وأظهره، وقيل إنه بمنزلته في إخفاء الإيمان: أي إنه ممن كان يخفي إيمانه بين الكفار وأخرج مكرهاً كما كنت أنت بمكة إذ كنت تخفي إيمانك قال القرطبي: ويعضد هذا التأويل بما زاده البخاري في هذا الحديث من أنه عليه الصلاة والسلام قال للمقداد، إذا كان مؤمن يخفي إيمانه مع قوم كفار فأظهر إيمانه تقتله؟ كذلك كنت تخفي إيمانك بمكة اهـ.
وقال القاضي: وقيل معناه: إنك مثله في مخالفة الحق وارتكاب الإثم، وإن اختلفت أنواع المخالفة والإثم فيسمى إثمه كفراً وإثمك معصية وفسقاً.
قال القرطبي: قوله «وإنك بمنزلته قبل أن يقول كلمته التي قال» ظاهر في الكفر، وليس ذلك بصحيح لأنه إنما قتله متأولاً بقاءه على كفره ولا يكون كبيرة، وإذا لم يكن كبيرة لم يصح لأحد، وإن كان ممن يكفر بالكبائر أن يقول هذا كفر بوجه، فدل ذلك على أنه متأول ( متفق عليه) أخرجه البخاري في المغازي، ومسلم في الإيمان، ورواه أبو داود في الجهاد والنسائي في السير ( ومعنى إنه بمنزلتك: أي معصوم الدم محكوم بإسلامه، ومعنى إنك بمنزلته: أي مباح الدم بالقصاص لورثته، لا أنه بمنزلته في الكفر، والله أعلم) أي بما تقدم عن القرطبي من تأويله وعدم قصد المعصية.


رقم الحديث 393 ( وعن أسامة بن زيد رضي الله عنهما) سبقت ترجمته أوائل الكتاب ( قال: بعثنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى الحرقة) بضم المهملة وتخفيف الراء وبالقاف: موضع معروف ( من) بلد ( جهينة) كذا قال ابن رسلان، ولا ينافي ما يأتي للمصنف أنه اسم للقبيلة فلعلها سميت باسم مكانها بضم الجيم وفتح الهاء وسكون التحتية: بعدها نون: قبيلة من قضاعة نزلوا الكوفة والبصرة كذا في «لب اللباب» للأصبهاني ( فصبحنا القوم) أي أتيناهم صباحاً، قال في «الصحاح» : ويقال صبحته: إذا أتيته صباحاً ولا يراد بالتشديد هنا التكثير اهـ.
( على مياههم) بكسر الميم وتخفيف التحتية جمع ماء ( ولحقت أنا ورجل من الأنصار رجلاً منهم) الواو عاطفة على محذوف يدل عليه رواية أبي داود عن أسامة قال «فنذروا بنا فهربوا فأدركنا رجلاً منهم» ( فلما غشيناه) بكسر الشين المعجمة أي قربنا منه ( قال: لا إله إلا الله فكف) بتشديد الفاء أي أمسك ( عنه الأنصاري) لإتيانه بكلمة التوحيد ( وطعنته برمحي حتى قتلته) عند أبي داود «ضوربناه حتى قتلناه» قال شارحه ابن رسلان: رواه مسلم «فطعنته» فيجمع بينهما أن طعنه ثم طعنه غيره حتى قتلوه.
وفيه دليل على أنه لا يقتصر في القتال على ضربة واحدة ثم ينتقل إلى غيره بل يكرر الضرب هو وغيره على العدو حتى يقتلوه ( فلما قدمنا) بكسر الدال، أي ( المدينة بلغ ذلك النبي) في الرواية الآتية لمسلم «فجاء البشير إلى النبي فأخبره خبر الرجل فدعاه» يعني أسامة صرح في رواية أبي داود بأنه الذي ذكر ذلك للنبي، قال المصنف: يحتمل الجمع بأن أسامة وقع في نفسه من ذلك شيء بعد قتله ونوى أن يسأل عنه، فجاء البشير فأخبر به قبل مقدم أسامة، وبلغ النبي أيضاً بعد قدومهم فسأل أسامة فذكره، وليس في قوله فذكرته ما يدل على أنه قاله ابتداء قبل تقدم علم النبي اهـ.. ( فقال لي) منكراً ما فعلته وموبخاً عليه ( يا أسامة أقتلته بعد ما قال) أي بعد قوله ( لا إله إلا ا) أي وهي العاصمة لدم قائلها ( قلت: يا رسول الله إنما كان متعوذاً) منصوب على الحالية، أي وإنما عاد وأراد حقن دمه بالتلفظ بها لا الإسلام حقيقة، ولعله أسامة قام عنده ما علم به ذلك حتى أقدم على قتله، فكان متأولاً باستصحاب كفره وعدم النفع بما أتاه، لأنه لم يكن عن حقيقة ولم يتمكن من السؤال عن حكم ذلك فوقع في ذلك، وهوغير آثم باعتبار أن ذلك هو الحكم بالنسبة إليه، ولكن لما وردت الشريعة بإجراء الأحكام على الظواهر لم يكن ذلك التأويل مؤثراً في جواز قتله في نفس الأمر له فقرّر النبيّ المنع من ذلك بأبلغ وجه وآكده ليزيل ما في نفسه من تلك الشبهة وليبين وجوب الانكفاف عمن كان كذلك فكان تأويله مانعاً من القود لأنه قتله بظن كفره كما يدل عليه قوله «إنما قالها خوفاً من السيف» بخلاف الكفارة، وسكوته من باب تأخير البيان إلى وقت الحاجة وفي وجوب الدية قولان للعلماء ( فما زال يكرّرها) أي هذه الجملة ( على) منكراً وموبخاً ( حتى تمنيت أنى لم أكن أسلمت قبل ذلك) معناه لم يكن تقدم إسلامي بل ابتدأته الآن ليمحو عني ما تقدم، وقال: هذا الكلام من عظم ما وقع فيه قاله المصنف.
قال ابن رسلان: وكأنه استصغر ما كان منه قبل من الإسلام والعلم الصالح في جنب ما ارتكبه من هذه الجناية لما حصل في نفسه من شدة إنكار النبي وتعظيمه لذلك، وفي حاشية الكشاف تمنى إسلاماً خالياً عن الإثم لا عدم الإسلام فلا إشكال اهـ.
( متفق عليه) رواه البخاري في المغازي وفي الديات ومسلم في الإيمان، ورواه، أبو داود في الجهاد والبزار كذا من «الأطراف» للمزي ملخصاً ( وفي رواية) هي عند مسلم ( فقال رسول الله: أقال لا إله إلا الله وقتلته؟) مدخول همزة الإنكار قوله وقتلته: أي أقتلته مع قوله ذلك ( قلت: يا رسول الله إنما قالها خوفاً من السلاح) أي لا إيماناً حقيقياً ( قال أفلا شققت) أي اعتقدت ذلك وجزمت به فلا شققت ( عن قلبه) لتعلم أنه كذلك أولاً تعي أن الإيمان الحقيقي خفي، محله القلب لا يطلع عليه إلا الربّ.
والأحكام إنما تناط بالظواهر، فإذا كنت غير مكلف بها فهلا شققت عن قلبه واطلعت على ما فيه من صدق أو نفاق ( حتى تعلم أقالها) أي قلبه وتكلم بها في نفسه، وفاعل قال ضمير يعود على القلب ( أم لا) وفيه دليل لأهل الحق على ثبوت الكلام النفسي خلافاً للمعتزلة، وفيه دليل على جريان الأحكام على الأسباب الظاهرة دون الباطنة الخفية ( فما زال يكررها حتى تمنيت أني ما أسلمت يومئذٍ) وهذه الجملة رواها أبو داود أيضاً ( الحرقة بضم الحاء المهملة وفتح الراء) الخفيفة وبالقاف كذلك ( بطن من جهينة القبيلة المعروفة) قال ابن عبد البر في كتاب «الإنباء» في أصول الأنساب في بطون قضاعة ما لفظه:وجهينة بن زيد بن أسود بن أسلم بن عمر ابن الحاف بن قضاعة: رهط عقبة بن عامر الجهني، والحرقة في جهينة هم بنو حميس بن عامر بن مودعة بن جهينة اهـ.
فائدة: للنسب مراتب: القبيلة فالشعب فالفخذ فالفصيلة فالبطن فالعشيرة ( وقوله متعوذاً) بصيغة الفاعل ( أي معتصماً بها من القتل لا معتقداً لها) فتوهم أسامة أن الرفع للقتل المانع منه الإيمان الحقيقي ولم يتحققه فيه والحال أن المانع منه الإسلام ولو ظاهراً.


رقم الحديث 394 ( وعن جندب بن عبد ا) البجلي ( رضي الله عنه أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بعث بعثاً) بفتح الموحدة وسكون المهملة وبالمثلثة، أي جيشاً تسمية بالمصدر والجمع بعوث وبعاث كذا في «المصباح» : وفي «المواهب» البعث طائفة من الجيش تبعث لأمر ( من المسلمين) في محل الصفة ( إلى قوم من المشركين) هم الحرقة كما في الحديث السابق، ويحتمل أن يكونوا أهل الميفعة، وهي بكسر الميم وسكون التحتية وفتح الفاء بعدها عين مهملة.
قال في «القاموس» بلدان بساحل اليمن، وكان الأمير على السرية إليهم عبد الله ابن غالب الليثي ذكر القسطلاني في «المواهب» لما ذكرها ما لفظه «قالوا: وفي هذه السرية قتل أسامة بن زيد نهيل بن مرداس بعد أن قال لا إله إلاالله، فقال: ألا شققت عن قلبه فتعلم أصادق هو أم كاذب» وفي «الإكليل» أنه فعل ذلك في سرية كان أميراً عليها سنة ثمان وهي الحرقة اهـ.
واستفيد منه تسمية المقتول في تاريخ عام خروجه للحرقة ( وأنهم) أي البعض ( التقوا) لما تقدم من شراد الكفار لما أنذروا بالمسلمين ( وكان رجل من المشركين إذا شاء) أي أراد ( أن يقصد) بكسر الصاد المهملة ( إلى رجل من المسلمين قصد له) عداه أولاً «بإلى» وثانياً بـ «اللام» وذلك من وجوه استعمالاته، وثالثها تعديه بنفسه كما فيما بعد.
قال في «المصباح» : قصدت الشيء وله وإليه قصداً من باب صرف: طلبته بعينه اهـ: أي إنه لمعرفه بالحرب كان إذا طلب إنساناً بعينه قصده ولا نهاية لجرأته ( فقتله وأن رجلاً من المسلمين قصد غفلته) أي طلبها ( وكنا نتحدث أنه أسامة بن زيد) بن حارثة الحب ابن الحب ( فلما رفع عليه السيف قال) أي قبل وصوله إليه ( لا إله إلا ا) أي مع قرينتها، وهي محمد رسول الله لأنه لا يتم الإيمان إلا بهما، فاقتصر على كلمة التوحيد اكتفاء بدلالتها عليها ( فقتله فجاء البشير) أي المبشر ( إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فسأله) أي عما وقع في الجيش من الأمور ليبين حكم ما فعل منها مما لم يتقدم فيه منه بيان ( وأخبره) متدرجاً من أمر إلى آخر ( حتى أخبره خبر الرجل) أي أسامة ( كيف صنع) تقدم الجمع بينه وبين ما في الرواية الثانية ومن كونه أخبر بذلك النبي ( فدعاه فسأله فقال: لم قتلته) أي ما الباعث لك ( فقال: يا رسول الله أوجع) أي أوقع الوجع والنكاية ( في المسلمين) وحذف الوجع به تفهيماً ولتذهب النفس فيه كل ممكن وبين بعضه بقوله ( وقتل فلاناً وفلاناً وسمى له نفراً) بفتح النون والفاء، وتقدم أنه ما بين الثلاثة إلى التسعة من الرجال وقيل إلى السبعة، ولا يقال فيما زاد على العشرة نفر ( وإني حملت) بفتح أوليه أي جهدت ( عليه) قال في «الصحاح» حمل عليه في الحرب حملة.
قال أبو زيد: يقال حملت على بني فلان إذا أرّشت بينهم، وحمل على نفسه في السير إذا أجهدها فيه اهـ ( فلما رأى السيف قال: لا إله إلاالله، قال رسول الله: أقتلته) أي مع قوله ( قال: نعم، قال فكيف تصنع بلا إله إلا الله يوم القيامة؟) أي من يشفع لك ومن يحاج عنك ويجادل إذا جيء بكلمة التوحيد، وقيل له: كيف قتلت من قالها وقد حصل له ذمة الإسلام وحرمته ( فقال: يا رسول الله استغفرلي) أي هذا الذي وقعت فيه ( قال) محذراً من الوقوع في مثله وموبخاً منه المرة بعد المرة تأكيداً ودفعاً لما يقوم عنده شبهة استصحاب كفره المجوز لقتله بحمل لفظه بالشهادتين على الخوف لا على الحقيقة ( فكيف تصنع بلا إله إلا الله إذا جاءت يوم القيامة فجعل) أي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ( لا يزيد على أن يقولكيف تصنع بلا إله إلا الله إذا جاءت يوم القيامة) ولا يلتفت لقول أسامة استغفر لي وذلك لاهتمامه بالأمر واعتنائه به ( رواه مسلم) في كتاب الإيمان في «صحيحه» .
فائدة: رأيت بخط محدث اليمن نفيس الدين العلوي ما لفظه: ذكر أبو الشيخ في عواليه أن الله سبحانه وتعالى أنزل توبة أسامة اهـ.


رقم الحديث 395 ( وعن عبد الله بن عتبة) بضم العين المهملة وسكون الفوقية بعدها موحدة ثم هاء ( ابن مسعود) الهذلي فهو ابن أخي عبد الله بن مسعود من أنباء المهاجرين له رواية، سمع عمه وعمر وعنه ابناه الفقيه عبيد الله والزاهد عون وابن سيرين قال ابن سرين قال ابن سعد.
ثقة رفيع كثير الفتيا والحديث، توفي بالكوفة سنة أربع وسبعين كذا في «الكاشف» ( قال: سمعت عمر بن الخطاب رضي الله عنه يقول إن ناساً) أصله أناس على الصحيح فحذف فاؤه.
تخفيفاً ( كانوا يؤخذون بالوحي في عهد رسول الله) أي عصره وزمنه ( وإن الوحي قد انقطع) بموت النبي ( وإنما نأخذكم الآن بما ظهر لنا من أعمالكم فمن أظهر لنا خيراً) إيماناً وعدالة ( أمناه) بهمزة بغير مد وميم مكسورة ونون مشددة من الأمن أي صيرناه عندنا أميناً.
وفي رواية «ومن يظهر منكم خيراً ظننا به خيراً وأحببناه» وقربناه ( وليس لنا) أي لا تعلق لنا ( من سريرته) أي ما أسرّه وأخفاه ( شيء) اسم ليس وأحد الظرفين السابقين خبرها وثانيهما حال من اسمها لتقدمه عليه وهو نكرة ( ايحاسبه) جملة مستأنفة وهو هكذا فيما وقفت عليه بإثبات ضمير المفعول وفي «الفتح» للحافظ بحذفه وقال: كذا لأبي ذرّ عن الحموي بحذفه وللباقين «امحاسبه» بميم أوله وهاء آخره، وهو يقتضي أن إثبات الضمير مع الفعل ليس عند البخاري لكن رأيته كذلك في أصل مصحح معتبر، فلعله رواية لم يطلع عليها الحافظ ( ومن أظهر لنا سوءاً) في رواية الكشميهني شراً ( لم نأمنه ولم نصدقه وإن قال إن سريرته حسنة) وفي رواية لأبي فراس «ومن يظهر لنا شراً ظننابه شراً وأبغضناه عليه، سرائركم فيما بينكم وبين ربكم» قال المهلب: هذا إخبار من عمر عما كان الناس عليه في عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وعما صار بعده، ويؤخذ منه أن العدل من لم توجد منه ريبة وهو قول أحمد وإسحاق، كذا قال، وإنما هو في حق المعروفين لا من لا يعرف حاله أصلاً ( رواه البخاري) في أوائل الشهادات من «صحيحه» .
قال الحافظ في «النكت الظراف» : أغفل هذا الحديث المزي وهو في جميع روايات البخاري اهـ.


رقم الحديث -50 بالرفع مبتدأ خبره مقدر تقديره موكولة أو مفوضة (إلى الله تعالى) .
(قال الله تعالى) : { فإن تابوا وأقاموا الصلاة وآتوا الزكاة فخلُّوا سبيلهم} ) فدعوهم لا تعرضوا لهم بشيء من القتل والحصر، وإطلاق الآية شامل لمن كان كذلك حقيقة.
أو ظاهراً لا باطناً قال السيوطي في «الإكليل» : لم يكتف في تخلية السبيل بالتوبة من الشرك حتى يقيموا الصلاة ويؤتوا الزكاة، واستدل به الشافعي على قتل تارك الصلاة وقتال مانع الزكاة، واستدل به من قال بتكفيرهما.