فهرس الكتاب

دليل الفالحـــين - باب تحريم الحسد

رقم الحديث -268 باب تحريم الحسد وهو من الكبائر لما سيأتي فيه ( وهو تمني زوال النعمة عن صاحبها سواء كانت نعمة دين أو دنيا) أما تمني مثلها.
فغبطة، فإن كان في الدين: فمحمود، وإلا فلا.
( قال الله تعالى) في ذم اليهود ( أم يحسدون الناس) أي: العرب أو محمداً - صلى الله عليه وسلم - ( على ما آتاهم الله من فضله) باعتبار اللفظ.
( وفيه حديث أنس السابق في الباب قبله) أي: قوله ولا تحاسدوا.


رقم الحديث 1569 ( وعن أي هريرة رضي الله عنه أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: إياكم) منصوب على التحذير ( والحسد) وعلل النهي بقوله ( فإن الحسد يأكل الحسنات) أي: يذهبها، ففيه استعارة مكنية، تتبعها استعارة تخييلية ( كلما تأكل النار الحطب أو) شك من الراوي ( قال العشب) بضم المهملة وسكون المعجمة، والمراد هنا الكلأ أي: الحشيش، وهذا إيماء إلى سرعة إبطاله الحسنات كما في المشبه به ( رواه أبو داود) .
مجرد عن الدليل، ليس مثبتاً ولا تحقيق نظر، كما قاله عياض.
وكذا قال القرطبي الظن الشرعي: وهو تغليب أحد الجانبين، ليس مراداً من الآية ولا من الحديث، فلا يُنظر لمن استدل بهما على إنكار الظن ( فإن الظن أكذب الحديث) قيل أريد من الكذب، عدم الطابقة للواقع، سواء كان قولاً أم لا، ويحتمل أن يراد بالظن، ما ينشأ من القول، فيوصف به الظن مجازاً؛ ( ولا تحسسوا ولا تجسسوا) إحداهما بالجيم والأخرى بالحاء المهملة، وفي كل منهما وفي المنهيات بعدهما حذف إحدى التاءين تخفيفاً.
قال الخطابي أي: لا تجسسوا عن عيوب الناس ولا تتبعوها، وأصله بالمهملة من الحاسة إحدى الحواس الخمس، وبالجيم من الجس، بمعنى اختبار الشيء باليد، وهي إحدى الحواس الخمس، فتكون التي بالحاء أعم، وقيل هما بمعنى: وذكر الثاني تأكيداً كقولهم بعداً وسحقاً.
وقيل بالجيم البحث عن العورات، وبالمهملة استماع حديث القوم.
وقيل بالجيم: البحث عن بواطن الأمور، وأكثر ما يكون في الشر، وبالمهملة عما يدرك بحاسة العين أو الأذن، ورجحه القرطبي، وقيل بالجيم تتبعه لأجل غيره، وبالحاء تتبعه لأجل نفسه، ثم يستثنى من النهي عن التجسس، ما إذا تعين لإِنقاذ نفس من هلاك، كان يخبر باختلاء إنسان بآخر ليقتله ظلماً؛ أو بامرأة ليزني بها؛ فهذا التجسس مشروع حذراً عن فوات استدراكه.
نقله المصنف عن الأحكام السلطانية للماوردي واستجاده ( ولا تنافسوا) بالفاء والسين المهملة، من المنافسة، الرغبة في الشيء والإِنفراد به ( ولا تحاسدوا ولا تباغضوا ولا تدابروا) والتدابر، قيل: المعاداة، وقيل: الإِعراض، وقيل: استئثار الإِنسان عن أخيه ( وكونوا عباد الله إخواناً) أي: اكتسبوا ما تصيرون به إخوة، من التآلف والتحابب، وترك هذه المنهيات.
قال الحافظ: الجملة كالتعليل لما قبلها، أي: إذا تركتم هذه صرتم كالإِخوان، ومفهومه إذا لم تتركوها تصيروا أعداء.
وقيل معناه كونوا كإخوان النسب في الشفقة والرحمة والمحبة والمواساة والمعاونة والنصيحة.
( كما أمركم) قال القرطبي: لعله أشار بذلك، إلى الأوامر المتقدم ذكرها، فإنها جامعة لمعاني الآخرة.
والفاعل مضمر، يعود إلى "الله" وهو مصرح به في مسلم، وهذه الجملة عند البخاري في أبواب الأدب، إلا أنه ليس فيه "كما أمركم" وفي الجامع الصغير للسيوطي، رواه مالك وأحمد والشيخان وأبو داود والترمذي ( المسلم أخو المسلم) لاجتماعهما في الإِسلام ( لا يظلمه) في نفسٍ ولا مالٍ ولا عرضٍ بوجه.
والجملة جوده على أصحابها، وإن كانت معرضة عنه مشغولة بما سواه، أعرض عن أصحابها.
وهذا كما قال في الحديث الآخر "ألا وإن في الجسد مضغة إذا أصلحت صلح الجسد كله وإذا فسدت فسد الجسد كله ألا وهي القلب".
والحديث عند مسلم من حديث أبي هريرة بلفظ "إن الله لا ينظر إلى صوركم وأموالكم وإنما ينظر إلى قلوبكم وأعمالكم".
ورواه ابن ماجة أيضاً كما في الجامع الصغير ( وفي رواية لا تحاسدوا ولا تباغضوا ولا تحسسوا ولا تجسسوا ولا تناجشوا) أي: من النجش، وهو الزيادة في السلعة لا لرغبة، بل ليغر غيره ويخدعه، وهو من أسباب البغضاء كما قيل، وقيل المراد به هنا ذم بعض بعضاً.
قال المصنف: والصحيح الأول ( وكونوا) أي: صيروا ( عباد الله إخواناً) أي: متحابين يحب كل لصاحبه ما يحب لنفسه ( وفي رواية لا تقاطعوا ولا تدابروا ولا تباغضوا ولا تحاسدوا وكونوا عباد الله إخواناً وفي رواية ولا تهاجروا) أي: يهجر الرجل أخاه فلا يبدؤه بالسلام، ولا يجيبه بالكلام ( ولا يبع بعضكم على بيع بعض) ومثله الشراء على شرائه، والسوم على سومه، بعد استقرار الثمن، والرضا به ( رواه مسلم بكل هذه الروايات) أي: من حديث أبي هريرة كما يومىء إليه صنيعه ( وروى البخاري أكثرها) فحديث "إياكم والظن" إلى قوله: "وكونوا عباد الله إخواناً" رواه البخاري أيضاً، وزاد فيه "ولا يخطب الرجل على خطبة أخيه حتى ينكح أو يترك" ورواه كذلك مالك وأحمد وأبو داود والترمذي، وعند البخاري، في باب ما ينهى عنه من التحاسد.
من حديث أنس مرفوعاً "لا تباغضوا ولا تحاسدوا ولا تدابروا وكونوا عباد الله إخواناً ولا يحل لمسلم أن يهجر أخاه فوق ثلاث".
وعنده في أبواب البيوع من حديث أبي هريرة مرفوعاً "لا يبع المرء على بيع أخيه، ولا تناجشوا ولا بيع حاضر لباد".