فهرس الكتاب

دليل الفالحـــين - باب الوفاء بالعهد وَإنجاز الوَعد

رقم الحديث -86 أي إذا عاهد على أمر ( وإنجاز الوعد) .
( قال الله تعالى) : ( { وأوفوا بالعهد} ) الذي تعاهدون عليه الناس والعقود التي تعاطونهم أو بما عهد الله من تكاليفه ( { إن العهد كان مسئولاً} ) أي عنه أو مطلوباً يطلب من المعاهد ألاّ يضيعه.
( وقال تعالى) : ( { وأوفوا بعهد الله} ) أي بما عهد إليكم من التكاليف أو بما عاهدتموه به من التزام الإقرار بتوحيده والقيام بعبوديته ( إذا عاهدتم) .
( وقال تعالى) : ( { يا أيها الذين آمنوا أوفوا بالعقود} ) أي بالمعهود وهو ما عهد في القرآن كله وعمومه متناول لسائر العقود.
( وقال تعالى) : ( { يا أيها الذين آمنوا لم تقولون ما لا تفعلون كبر مقتا عند الله} ) هو أشد البغض ونصبه على التمييز وفاعله ( { أن تقولوا مالا تفعلون} ) في هذا الأسلوب من الكلام من المبالغة ما لا يخفى، والآية نزلت في جماعة قالوا: لوددنا أن الله دلنا على أحب الأعمال إليه فتعمل به، فأخبر الله نبيه أنه الجهاد، فلما فرض نكل منه بعضهم وكرهوا فنزلت، أو نزلت لما التمسوا الجهاد وابتلوا به فولوا يوم أحد مدبرين، أو في المنافقين يعدون نصر المؤمنين ولا يفون، وعلى أيّ ففيه وعيد شديد لمخلف الوعد والعهد.


رقم الحديث 689 ( وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله قال: آية) بالهمزة بعدها ألف لينة فتحتية خفيفة: أي علامة ( المنافق) استشكل بأنها قد تكون في المؤمن وأجيب بأن المراد أن هذه خصال المنافق وصاحبها شبيه بالمنافق المطلق إلا أن هذا نفاقه خاص في حق من حدثه ووعده وائتمنه لا في الإسلام بإبطان الكفر.
وقيل إن المراد به المنافقون الذين كانوا في زمنه فحدثوا بإيمانهم وكذبوا ووعدوا بنصر الدين فأخلفوا وأئتمنوا في دينهم فخانوا.
وقال الخطابي: المراد نفاق العمل لا نفاق الإيمان.
قال البرماوي في «اللامع الفصيح على الجامع الصحيح» وأحسن من هذا أن النفاق شرعي وهو إبطان الكفر وإظهار الإيمان، وعرفى وهو كون سرّه بخلاف علانيته وهو المراد هنا، وفي الحديث أجوبة أخرى ( ثلاث) أخبر به آية باعتبار إرادة الجنس: أي كل واحد منها آية أو أن مجموع الثلاث هو الآية ( إذاحدث كذب) أي أخبر بخلاف الواقع وجعل الجملة الشرطية خبراً بعد خبر أوبد لا مما قبله يقتضي أنه محمول عليه لكن على معنى عند تحديثه ( وإذا وعد) أي أخبر بخبر من المستقبل وعطف على ما قبله مع أنه من أفراده قبل لأن الخلف قد يكون بالفعل وهو غير الكذب فتغاير أو جعل حقيقة أخرى خارجة عن التحديث ادعاء كما في عطف جبريل على الملائكة بادعاء أنه نوع آخر لزيادة قال الشاعر: فإن تفق الأنام وأنت منهم فإن المسك بعض دم الغزال وكذا كل خاص يعطف على عام قاله البرماوي ( أخلف) أي جعل الوعد خلافاً وذلك بأن لا يفي به ( وإذا اؤتمن) أي جعل أميناً وفي رواية اتَّمَن بتشديد التاء وذلك بقلب الهمزة الثانية منه واواً وإبدال الواو تاء وإدغام التاء في التاء ( خان) أي تصرف على خلاف الشرع، وخص هذه الثلاثة بالذكر لاشتمالها على المخالفة التي هي مبني النفاق من مخالفة السر العلن ( متفق عليه) والحديث قد تقدم مع شرحه في باب الأمر بأداء الأمانة ( زاد في رواية مسلم: وإن) هي وصلية ( صام وصلى وزعم) أي قال محققاً بحسب ما عنده ( أنه مسلم) أي فهذه خصال المنافق.


رقم الحديث 690 ( وعن عبد الله بن عمرو بن العاص) بحذف الياء اكتفاء بدلالة الكسر عليها أو أنه من العيص فيكون أجوف كما تقدم بسطه ( رضي الله عنهما أن النبيّ قال: أربع) سوغ الابتداء به مع نكارته تقدير إضافته أي أربع خصال، وجملة ( من كن فيه كان منافقاً خالصاً) قال ابن بطال: أي في الخصال المذكورة ( ومن كانت فيه خصلة) أي خلة بفتح أولهما ( منهن كانت فيه خصلة من النفاق حي يدعها) يحتمل أن يكون خبر المبتدأ وأن تكون صفة والخبر قوله ( إذا اؤتمن خان) بتوجيهه السابق قاله البرماوي، والاحتمال الثاني فيه ركاكة ( وإذا حدث كذب وإذا عاهد غدر) أي تواثق مع إنسان على أمر غدر به وفعل خلاف ماعهد إليه أن يفعله ( وإذا خاصم فجر) أي مال عن الحق وقال الباطل أو شق سر الديانة، قال المصنف: ولا منافاة بين قوله هنا أربع وفيما قبله ثلاث، لأن الشيء الواحد قد تكون له علامات كل واحدة منها يحصل بها صفة، ثم قد تكون تلك العلامة شيئاً واحداً وقد تكون أشياء.
وقال الطيبي: العلامات مرة يذكر بعضها ومرة جميعها أو أكثرها قال الزركشي: والأولى أن يقال: إن التخصيص بالعدد لا يدلّ على الزائد والناقص.
قلت: وهذا مفرع على أن مفهوم العدد غير حجة ورجح بعضهم حجيته ( متفق عليه) ورواه أيضاً أحمد والنسائي كلهم من حديث ابن عمر، وكذا في «الجامع الصغير» ، والحديث عند الشيخين في كتاب الإيمان.


رقم الحديث 691 ( وعن جابر رضي الله عنه قال: قال رسول الله لو) يحتمل أن تكون للتمني فلا جواب لها ويحتمل كونها شرطية وفصل بقد بينها وبين شرطها في قوله ( قد جاء مال البحرين أعطيتك هكذا وهكذا وهكذا) بتكرير كناية كيفية الأخذ ثلاثاً، وقد جاء في رواية للبخاري بزيادة «فبسط يديه ثلاث مرات» وجملة أعطيتك جواب الشرط بحذف اللام منه تخفيفاً، وهذا المتمني مجيئه مرة أخرى غير ما تقدم في باب فضل الزهد في الدنيا من حديث عوف، وقوله في الحديث فقدم: يعني أبا عبيدة بمال من البحرين والله أعلم أن ذلك هو الذي سأل العباس النبي أن يأذن له أن يأخذ منه لأنه فادى بنفسه وابنى أخويه فأذن له، ويحتمل أنه مال آخر من البحرين والبحرين من الأعلام المنقولة عن المثنى فيعرب إعراب أصله حملاً له عليه ( فلم يجىء مال البحرين) هو مال الجزية وكان العلاء بن الحضرمي عامل النبي عليها ( حي قبض النبي) هناك محذوف دل عليه الكلام: أي وولي الخلافة الصديق وعطف عليه بالفاء قوله ( فلما جاء مال البحرين أمر أبو بكر رضي الله عنه) يحتمل أن يكون من إرادة أصل الفعل: وقع منه الأمر ( فنادى) أي المأمور ( من كان له عند رسول الله عدة) بكسر العين مصدر حذفت فاؤه وعوض منهاالهاء في آخره: أي وعد ( أو) للتنويع ( دين فليأتنا) لاستيفاء ماله ( فأتيته وقلت: إن رسول الله قال لي كذا وكذا) كنايتان عن قوله لو قد جاء مال البحرين إلخ ( فحثى لي حثية) استعمله هنا من اليائي، وقد جاء من الواوي أيضاً حثوة ومبادرة الصديق بالإعطاء يحتمل أن يكون اعتماداً على قول جابر لصدّيقيَّته لما يعلمه من دينه وورعه المانع له عن الكذب في مثل ذلك، ويحتمل أنه بعد أن أقام عليه بينة لأن هذا المال الحق فيه لعموم المسلمين فلا يتصرف فيه الإمام بمجرد قول المدعي وإن كان معلوم الصلاح والصدق، ثم رأيت الحافظ قال في كتاب الحوالة من فتح الباري في أثناء كلام: لأن أبا بكر لم يلتمس من جابر شاهداً على صحة دعواه، ويحتمل أن يكون علم بذلك فقضى له بعلمه فيستدل به على جواز مثل ذلك للحاكم.
وفي كتاب «الشهادات» من الفتح: لما كان أولى الناس بمكارم الأخلاق أدى أبو بكر مواعيده عنه ولم يسأله البينة على ما ادعاه لأنه لم يدع شيئاً في ذمة النبيّ وإنما ادعى شيئاً في بيت المال وذلك موكول إلى اجتهاد الإمام اهـ ( فعددتها فإذا) فجائية ( هي) مبتدأ ( خمسمائة) خبره ( فقال خذ مثلها) بالتثنية ( متفق عليه) رواه البخاري في مواضع من «صحيحه» كالكفالة والشهادات والجزية، ورواه مسلم في باب فضائل النبيّ.
87