فهرس الكتاب

دليل الفالحـــين - باب القناعة والعَفاف والاقتصاد في المعيشة والإنفاق وذم السؤال من غير ضرورة

رقم الحديث 522 ( عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي قال: ليس الغنى) أي الممدوح في الشرع المرضي عند الله سبحانه المعدّ لثواب الآخرة أو النافع أو العظيم وهو بكسر أوله المعجم مقصوراً، وقد مد في ضرورة الشعر ( عن كثرة العرض) عن فيه سببية ( ولكنّ) بتشديد النون فيما وقفت عليه من نسخ الرياض والاستدراك لدفع توهم كثرة العرض ينافي الغني المحمود فدفعه بقوله ولكن ( الغني غني النفس) قال ابن بطال: معنى الحديث ليس حقيقة الغنى كثرة المال، فكثير من الموسع عليه فيه لا ينتفع بما أوتي، جاهد في الازدياد لا يبالي من أين يأتيه.
فكأنه فقير من شدة حرصه، وإنما حقيقة الغنى غنى النفس، وهو مناستغنى بما أوتي وقنع به ورضي ولم يحرص على الازدياد ولا ألحّ في الطلب.
وقال القرطبي: وإنما كان الممدوح غنى النفس لأنها حينئذ تكفّ عن المطامع فتعزّ وتعظم، ويحصل لها من الحظوة والشرف والمدح أكثر من الغنى الذي يناله مع كونه فقير النفس لحرصه، فإنه يورّطه في رذائل الأمور وخسائس الأفعال لدناءة همته وبخله وحرصه، فيكثر من يذمه من الناس فيصغر قدره عندهم فيصير أحقر من كل حقير وأذلّ من كل ذليل.
والحاصل أن المتصف بغنى النفس يكون قانعاً بما قسم الله له لا يحرص على الازدياد لغير حاجة ولا يلحّ في الطلب، بل يرضى بما قسم له، فكأنه واجداً أبداً، والمتصف بفقر النفس على الضد منه، ثم غنى النفس إنما ينشأ عن الرضا بقضاء الله تعالى والتسليم لأمره، علماً بأن الذي عنده سبحانه خير وأبقى، فهو يعرض عن الحرص والطلب.
وقال الطيبي: يمكن أن يراد بغنى النفس حصول الكمالات العلية، قال الشاعر: ومن ينفق الساعات في جمع ماله مخافة فقر فالذي فعل الفقر أي ينبغي أن ينفق أوقاته في الغنى الحقيقي وهو تحصيل الكمالات لا في جمع المال فإنه لا يزداد به إلا فقراً اهـ.
قيل: وهذا وإن أمكن إلا أن ما قبله أظهر في المراد.
قلت: وعليه فيمكن أن يحمل قوله: ليس الغنى على الدوام: أي ليس الغنى الدائم عن كثرة المال فإنه عرضة للزوال إنما هو بالكمال النفساني وما أحسن ما قيل: رضينا قسمة الجبار فينا لنا علم وللأعداء مال فإن المال يفنى عن قريب وإن العلم كنز لا يزال وإنما يحصل غنى النفس بغنى القلب بأن يفتقر إلى ربه في جميع أمره، فيتحقق أنه المعطي المانع فيرضى بقضائه ويشكر على نعمائه، فينشأ عن افتقار القلب لربه غنى النفس عن غير ربه، والغنى الوارد في قوله تعالى: { ووجدك عائلاً فأغنى} ( الضحى: 8) ينزل على غنى النفس، فإن الآية مكية، ولا يخفى ما كان فيه قبل أن يفتح عليه خيبر وغيرها من قلة المال ( متفق عليه) ورواه أحمد والترمذي وابن ماجه، كذا في «الجامع الصغير» ( العرض بفتح العين والراء) المهملتين والضاد المعجمة ( هو المال) في «المصباح» : هو متاع الدنيا قال: وهو فياصطلاح المتكلمين ما لا يقوم بنفسه ولا يوجد إلا في محل يقوم به، وهو خلاف الجوهر، والعرض بالسكون: المتاع، قالوا: والدراهم والدنانير عين وما سواهما عرض، وجمعه عروض كفلس وفلوس.
وقال أبو عبيد: العرض أي بالسكون: الأمتعة التي لا يدخلها كيل ولا وزن ولا يكون حيواناً ولا عقاراً اهـ.
وقال ابن فارس: العرض بالسكون: كل ما كان من المال غير نقد.


رقم الحديث 523 ( وعن عبد الله بن عمرو) بن العاص ( رضي الله عنهما أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: قد) للتحقيق ( أفلح) أي فاز وظفر ( من أسلم) لنجاته من النار ودخوله الجنة قال تعالى: { فمن زحوح عن النار وأدخل الجنة فقد فاز} ( آل عمران: 185) ( ورزق كفافاً) في الزكاة من «الترغيب والترهيب» للحافظ المنذري: الكفاف ما كفّ عن السؤال مع القناعة لا يزيد على قدر الحاجة، وفيه الزهد: الكفاف الذي ليس فيه فضل عن الكفاية.
روى أبو الشيخ ابن حبان في كتاب الثواب عن سعيد بن عبد العزيز أنه سئل: ما الكفاف من الرزق؟ فقال: شبع يوم وجوع يوم اهـ.
وقال القرطبي: هو ما لم يكف عن الحاجات ويدفع الضرورات والفاقات ولا يحلق بأهل الترفهات اهـ.
وإنما كان ذلك فلاحاً لكونه حاز كفايته وظفر بإقامته وسلم من تبعة الغنى وذلّ سؤال الشيء، ثم على ما ذكره في الزكاة من «الترغيب» يكون قوله ( وقنعه الله بما آتاه) من باب التصريح بما اندرج فيما قبله اهتماماً واحتفالاً بشأنه أو تجرد الكفاية عن اعتبار القناعة في مفهومه ( رواه مسلم) ورواه أحمد والترمذي وابن ماجه كلهم عن ابن عمرو، كذا في «الجامع الصغير» ، وتقدم في الباب قبله حديث بمعناه عن فضالة بن عبيد وفيه شرق هذه الحال على حالي الفقر المدقع والغنى لما في الأول من كدح الحاجة والثاني من بطر الغنى.
والحديث قد تقدم الكلام عليه في الباب قبله.


رقم الحديث 524 ( وعن حكيم) بفتح الحاء المهملة ( ابن حزام) بكسر الحاء المهملة وبالزاي ابن خويلد بن أسد بن عبد العزى الأسدي القرشي المكي ( رضي الله عنه) ولد قبل عام الفيلبثلاث عشرة سنة بجوف الكعبة ولا يعرف هذا لغيره، وما روي أن علياً ولد فيها فضعيف عند العلماء، عاش ستين سنة في الجاهلية، وأسلم عام فتح مكة، وعاش في الإسلام ستين سنة على ما تقدم فيه، ولم يشاركه في هذا إلا حسان بن ثابت.
والمراد بقولهم وستين في الإسلام: أي من حين ظهوره مظهراً فاشياً، وكان من أشراف قريس ووجوهها جاهلية وإسلاماً ولم يصنع في الجاهلية من المعروف شيئاً إلا صنع في الإسلام مثله، وتقدمت ترجمته أيضاً في باب الصدق ( قال: سألت رسول الله) أي من الدنيا ( فأعطاني ثم سألته) أي مستكثراً منها ( فأعطاني ثم قال) كأن حكمة تأخير هذا القول عن الإعطاء دفع توهم أن ذلك لبخل في المسؤول ( يا حكيم) فيه نداء الرجل باسمه، وفيه تنبيه وإيماء إلى هذا الاسم يؤذن بقيامه بالحكمة وهي المعرفة فكأنه قال: يا موصوفاً بالحكمة الداعية إلى الزهادة في الدنيا والإقبال على الآخرة ( إن هذا المال خضر) بفتح أوله وكسر ثانيه المعجمين: أي كالخضر في ميل النظر إليه وإلف النفس به ( حلو) بكسر المهملة وسكون اللام، قال الحافظ: معناه أن صورة المال وإنما هو للتشبيه فكأنه قال: المال كالبقل الخضر الحلو أو على معنى فائدة المال: أي إن الحياة به أو العيشة به، أو أن المراد بالمال هنا الدنيا لأنه من زينتها قال تعالى: { المال والبنون زينة الحياة الدنيا} ( الكهف: 46) ( فمن أخذه بسخاوة) بفتح السين المهملة وبالخاء المعجمة ( نفس) أي بغير شره ولا إلحاح: أي أخذه بغير سؤال هذا بالنسبة للأخذ، ويحتمل أن يكون بالنسبة للمعطي: أي بسخاوة نفس المعطي: أي بانشراحه فيما بذله ( بورك له فيه) فوقع منه القليل من المال والبركة موضع الكثير منه مع فقدها ( ومن أخذه بإشراف) بالشين المعجمة ( نفس) أي انتظارها له وحرصها عليه كما يأتي بنحوه في الأصل ( لم يبارك له فيه، وكان كالذي يأكل ولا يشبع) أي الذي يسمى جوعه كذاباً لأنه من علة به وسقم، فكلما أكل ازداد سقماً ولم يجد شبعاً.
وفي الحديث وجوه من التشبيهات بديعة: تشبيه المال وثمره بالنبات وظهوره، وتشبيه آخذه بغير حق بمن يأكل ولايشبع.
وقال ابن أبي حمزة: في الحديث فوائد منها أنه قد يقع الزهد مع الأخذ، فإن سخاوة النفس هو زهدها، تقول: سخت بكذا: أي جادت به، وسخت عن كذا: أي لم تلتفت إليه.
ومنها أن الأخذ مع سخاوة النفس يحصل أجر الزهد والبركة في الرزق، فتبين أن الزهد يحصل خيري الدارين.
وفيه ضرب المثل لما لا يعقله السامع مع الأمثلة، لأن الغالب من الناس لا يعرف البركة إلا في الشيء الكثير، فتبين بالمثال المذكور أن البركة خلق من الله خلق، وضرب لهم المثل بما يعهدون، فالآكل إنما يأكل ليشبع، فإذا أكل ولم يشبع كان غياً في حقه بغير فائدة في عينه إنما هي لما يتحصل به من المنافع، فإذا كثر عند المرء من غير تحصيل منفعته كان وجوده كالعدم: «واليد العليا خير من اليد السفلى» في «صحيح البخاري» : فاليد العليا هي المنفقة والسفلى هي السائلة.
قال في «فتح الباري» : عند النسائي من حديث طارق بن المخارق قال: قدمنا المدينة فوجدنا النبيّ قائماً على المنبر يخطب الناس وهو يقول: يد المعطي العليا، ولابن أبي شيبة والبزار من طريق ثعلبة بن زهدم مثله.
وقال في «الفتح» بعد إيراد أحاديث: فهذه متضافرة على أن اليد السفلى هي السائلة والعليا هي المعطية، وهذا هو المعتمد وهو قول الجمهور، ثم ذكر مقابل ذلك أقوالاً بسط بيانها في «الفتح» ( قال حكيم: فقلت يا رسول الله والذي بعثك بالحق لا أزرأ أحداً بعدك شيئاً حتى أفارق الدنيا) هو غاية في ألا برزأ أحداً لأن من المعلوم أنه بعد مفارقته الدنيا لا يحتاج لمال، وإنما هو كناية عن دوام الانكفاف عن الغير أبداً ( فكان أبو بكر رضي الله عنه) أي لما صار خليفة ( يدعو حكيماً ليعطيه) أي ما يستحقه من المغنم ( فيأبى أن يقبل منه شيئاً ثم إن عمر رضي الله عنه) لما صار إليه الأمر بعد الصديق رضي الله عنه ( دعاه ليعطيه فأبى أن يقبله) أي ولا شيئاً منه كما يدل عليه ما قبله ( فقال: يا معشر المسلمين، أشهدكم على حكيم أني أعرض عليه حقه الذي قسم ا) العائد فيه ضمير منصوب محذوف ( له في الفيء فيأبى أن يأخذه) قال في «المصباح» : المعشر والقوم والرهط والنفر: الجماعة من الرجال دون النساء والجمع معاشر، وفي «فتح الباري» : إنما امتنع حكيم من أخذ العطاء مع أنه حقه لأنه خشي أن يقبل من أحد شيئاً فيعتاد الأخذ فيتجاوز به إلى ما لا يريده ففطمها عن ذلك، وترك ما لايريبه خوف ما يريبه.
وإنما أشهد عليه عمر لأنه أراد ألا ينسبه أحد لم يعرف باطن الأمر إلى منع حكيم من حقه ( فلم يرزأ حكيم أحداً من الناس بعد النبيّ حتى توفي) قال الحافظ في «الفتح» : زاد إسحاق بن راهويه في «مسنده» من طريق عبد الله بن عمرو مرسلاً أنه ما أخذ من أبي بكر ولا عمر ولا عثمان ولا معاوية ديوناً ولا غيرها حتى توفي لعشر سنين من إمارة معاوية.
قال السيوطي في «التوشيح» : وفيه أن سبب سؤاله العطاء أن النبي أعطاه دون ما أعطى أصحابه فقال: يا رسول الله ما كنت أظن أن تقصرني دون أحد من الناس، فزاده ثم استزاده حتى رضي فذكر نحو الحديث اهـ ( متفق عليه) أخرجه البخاري في الوصايا وفي الخمس وفي الرقاق: قلت: وفي الزكاة، أخرجه مسلم في الزكاة إلى قوله: واليد العليا خير من اليد السفلى.
ورواه الترمذي في الزهد وقال: صحيح، والنسائي في الزكاة والرقاق اهـ ملخصاً من «الأطراف» ( يرزأ أبراء ثم زاي ثم همزة) بوزن يسأل ( أي لم يأخذ من أحد شيئاً) أي مجاناً كما يدل عليه قوله: ( وأصل الرزء النقصان) وما بذل عوضاً لا نقص على باذله، وفي «النهاية» وأصله النقص، وكأن الشيخ رحمه الله نبه بزيادة النون على اعتبار المبالغة في مفهومه وقوله: ( أي لم ينقص أحداً شيئاً بالأخذ منه) تفسير لقوله آخر الحديث: فلم يرزأ حكيم أحداً من الناس ( وإشراف النفس) بالمعجمة ( تطلعها وطمعها بالشيء) وأصله أن تضع يدك على حاجبك وتنظر كالذي يستظلّ من الشمس حتى يستبين الشيء، وأصله من الشرف وهو العلوّ كأنه ينظر إليه من موضع عال ( وسخاوة النفس) وفي «المصباح» السخاء بالمد: الجود والكرم، وفي الفعل ثلاث لغات سخا من باب علا فهو ساخ، وفي الثانية سخى يسخي من باب علم والفاعل سخ منقوص، والثاثة سخو يسخو كقرب يقرب سخاوة فهو سخي بتشديد الياء اهـ.
فيؤخذ منه أن سخاوتها كرمها وجودها وقول المصنف ( هي عدم الإشراف والطمع فيه والمبالاة به والشره) أخذه من مقابلتها بالإشراف المفسر بضد ذلك وهو نتيجة ما قلنا، فإن النفس الكريمة هذا شأنها في الدنيا غير مختلفة بجمعها ولا مشتغلة بحفظها ومنعها.


رقم الحديث 525 ( وعن أبي بردة) بضم الموحدة وسكون الراء بعدها دال مهملة وفيه كنية لصحابي اسمه على الصحيح من أقوال ثلاثة: «هانىء بن نيار» بلوي مدني، وتابعي وهو «ابن أبي موسى الأشعري» وهذا هو المراد، إذ هو المعروف بالرواية عن أبيه، ولذا لم يقيده المصنف كعادته في أمثاله من المشتبهات/ «واسمه عامر» على الصحيح المشهور الذي قاله الجمهور، تابعي كوفي، ولي فضاء الكوفة فعزله الحجاج وجعل أخاه أبا بكر مكانه، اتفقوا على توثيقه وجلالته، وهو جد أبي الحسن الأشعري الإمام في علم الكلام، توفي بالكوفة سنة ثلاث، وقيل: أربع ومائة، كذا لخص من «التهذيب» للمصنف.
وحكمة ذكر التابعي في هذا الحديث قوله بعد روايته فحدث أبو موسى ( عن أبي موسى الأشعري) تقدمت ترجمته ( رضي الله عنه) في باب الإخلاص ( قال: خرجنا مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في غزاة) بفتح أولية، قال في «النهاية» : غزا يغزو وغزوا، والغزوة المرة من الغزو، والإسم الغزاة: أي بفتحها.
قلت: ولو قيل: بأنه للمرة وأصله غزوة بسكون الزاي فنقلت فتحة الواو إليها ثم أعلت إعلال إقوام لم يبعد والله أعلم ( ونحن ستة نفر) جملة حالية من فاعل خرج، قال الحافظ: ولم أقف على أسمائهم وأظنهم من الأشعريين وقوله: ( بيننا بعير نعتقه) جملة حالية متداخلة من التي قبلها، في «المصباح» البعير مثل الإنسان يقع على الذكر والأنثى والجمل، مثل الرجل يختص بالذكر، والناقة مثل المرأة تختص بالأنثى، والبكر والبكرة كالفتى والفتاة، والقلوص كالجارية، هكذا حكاه جماعة منهم ابن السكيت والأزهري وابن جني، ثم قال الأزهري: هذا كلام العرب، ولكن لا يعرفه إلا خواص أهل العلم باللغة اهـ.
وقوله نعتقبه: أي نتعاقبه في الركوب واحداً بعد واحد، يقال: دارت عقبة فلان: أي جاءت نوبته ووقت ركوبه كذا في «النهاية» ( فنقبت) بفتح النون وكسر القاف بعدها موحدة أي رقت ( قدمي) بكسر الميم إذ لو كان مثنى لكان بالألف والمراد به الجنس، وفي نسخة أقدامنا بصيغة الجمع المكسر ( وسقطت أظفاري) جمع ظفر وفيه لغات ضم أوليه أفصح من ضم أوله وسكون ثانيه، ومن فتح أوليه ومن كسرهما، ويقال: أظفور كأسبوع، وربما يجمع الظفر على أظفر أيضاً كركن وأركن.
وقول الجوهري: إنه يجمع أظفور سبق قلم، كأنه أراد أظفر فطغى القلم بزيادة واو اهـ ملخصاً من «المصباح» أي أظفار أصابع قدمي ( فكنا نلفّ علىأرجلنا الخرق) بكسر أوله المعجم وفتح ثانيه ( فسميت غزوة ذات الرقاع) بنصب الغزوة ثاني المفعولين، والأول أقيم مقام فاعل سميت يعود على الغزاة ( لما كنا نعصب) أي نربط، وما موصولة: أي الذي كنا نربطه ( على أرجلنا من الخرق) قال الحافظ وقال ابن هشام وغيره: سميت به لأنهم رقعوا راياتهم، وقيل: لشجرة بذلك الموضع يقال لها: ذات الرقاع، وقيل: بل الأرض التي نزلوا بها كانت ذات ألوان تشبه الرقاع، وقيل: لأن خيلهم كان بها سواد وبياض قال أبو حيان.
وقال الواقدي: سميت بجبل هناك كان فيه بقع، وهذا لعله مستند أبي حيان ويكون قد تصحف خيل بجبل، ورجح السهيلي السبب الذي ذكره أبو موسى وكذا النووي ثم قال: ويحتمل أن تكون سميت بالمجموع اهـ واختلف متى كانت؟ فجنح البخاري إلى أنها بعد خيبر، وذهب أهل السير إلى أنها قبل خيبر، واختلفوا في زمانها فعند ابن إسحاق أنها بعد بني النضير وقبل الخندق سنة أربع، وعند ابن سعد وابن حيان أنها في المحرم سنة خمس وجزم أبو معشر بأنها كانت بعد قريظة والخندق وتردد موسى بن عقبة في وقتها فقال: لا ندري أكانت قبل بدر أو بعدها؟ قال الحافظ: وهذا التردد لا حاصل له، بل الذي ينبغي الجزم به أنها كانت بعد غزوة بني قريظة.
ثم حكى الحافظ خلافاً: هل هي غزوة محارب أو هي غيرها؟ فالجمهور أنها هي، جزم به ابن إسحاق وغيره، وعند الواقدي أنهما ثنتان، وتبعه القطب الحلبي في «شرح السيرة» اهـ ملخصاً من «الفتح» ( قال أبو بردة: فحدث أبو موسى بهذا الحديث) ناشراً للسنة إذ منها أيامه وأحواله ( ثم كره ذلك) لما فيه أنه ابتلي فصبر، وذلك من المعاملة بين العبد وربه، وكلما كانت أخفى كانت بالبرّ أخفى ( وقال: ما كنت أصنع بأن أذكره) أي ما أصنع بذكره ذلك ففيه زيادة كان مع اسمها وهو نادر، والأكثر زيادتها وحدها في مواطن وقوله: ( كأنه كره أن يكون شيئاً) خبر كان واسمها ضمير مستتر: أي ما ذكر من عمله شيئاً، ويجوز أن يعرب مفعولاً لفعل محذوف هو مع فاعله والجملة خبر يكون: أي يكون أفشى شيئاً ( من عمله) وقوله: ( أفشاه) جملة مفسرة على الثاني، وعلى الأولى فهو صفة شيئاً والظرف متعلق به، ويحتمل كون الظرف صفة وجملة أفشاه حالاً من الخبر لتخصصه بالوصف، وعلى الثاني هو صفة للمفعول ( متفق عليه) أخرجاه في «المغازي» من «صحيحهما» .


رقم الحديث 526 ( وعن عمرو بن تغلب) بفتح التاء المثناة فوق وإسكان الغين المعجمة وكسر اللام اسم غير منصرف للعلمية ووزن الفعل، وهو العبدي من عبد القيس، وقيل غير ذلك، وجميع ما قيل في نسبه يرجع إلى أسد بن ربيعة، فهو ربعي بالاتفاق.
وقال الحافظ في «الفتح» : وهو النمري بضم النون والميم ( رضي الله عنه) صحب عن النبيّ حديثين رواهما عنه البخاري، لم يرو عنه غير الحسن البصري اهـ ملخصاً من «التهذيب» للمصنف ( أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أتى بمال أو) شك من الراوي ( سبي) بمهملة فموحدة، وعند الكشميهني أحد رواة البخاري: أو شيء بالمعجمة، وهو أشمل في «النهاية» : السبي النهب وأخذ الناس عبيداً وإماء ( فقسمه) بتخفيف المهملة ويجوز تشديدها نظراً لتعدد المقسوم ( فأعطى رجالاً وترك رجالاً) أي منه ( فبلغه أن الذين ترك) العائد المنصوب محذوف أي تركهم ( عتبوا) في «المصباح» : عتب عليه من بابي ضرب وقتل: لامه في تسخط اهـ.
وفي «النهاية» : العتاب مخاطبة الإذلال ومذاكرة المؤاخذة اهـ.
وهذا المراد هنا لا للتسخط من أفعاله، فإن ذلك ينافي الإيمان المشهود لهم به في الخبر ( فحمد الله تعالى) بأوصاف الجمال ( ثم أثنى عليه) أي بأوصاف الجلال: وقيل: أنهما بمعنى، وعليه فهو من عطف الرديف، أتي به لبيان المراد من الحمد وأنه لغوي: أي الثناء اللساني الذي هو شعبة من المعنى المعرفي ( ثم قال: أما بعد، فوا إني لأعطي الرجل) أل فيه للجنس، والمراد التمثيل، وإلا فما أفاده الحديث جار في النساء أيضاً، ففي الحديث عند مسلم عن هند امرأة أبي سفيان أنها قالت: «يا رسول الله ما كان أهل بيت أبغض إليّ من أهل بيتك، والآن وا ما أهل بيت أحبّ إليّ من أهل بيتك، فقال: وأيضاً» الحديث، وأكد بالقسم وبإن اللام لعله لما بدا من شدة عتاب المتروكين في ذلك وتوهم أنه عن خلل فيهم ديني أو عن نقص حبّ منه ( وأدع) أي واترك وحذف المفعول لدلالة ما قبله عليه ( والذي أدع) أي أترك إعطاءه ( أحبّ إليّ من الذي أعطي) وجه حبه لذلك المعطي له فقال ذلك المندرج فيهم نصيبه منها، فلذا أتى بأفعل، ويحتمل كونه فيه بمعنى أصل الفعل نظراً إلى عدم كمال إيمان ذلك حتى يعتدّ به ( ولكني أعطي أقواماً لما) أي للذي ( أرى) أيأعلمه ( في قلوبهم) والعائد مفعول أول والظرف مفعول ثان ( من الجزع) بالجيم والزاي والعين المهملة، قال في «النهاية» : هو الحزن الخوف.
وقال في «المصباح» جزع الرجل جزءاً من باب تعب تعباً: إذا ضعفت بنيته عن حمل ما نزل به ولم يجد صبراً ومن بيانية لما ( والهلع) هكذا في نسخ الرياض تبعاً لبعض نسخ البخاري وسيأتي معناه، وفي نسخة أخرى منه «الضلع» بالضاد المعجمة: أي الميل والاعوجاج وفي أخرى بالظاء المثالة المفتوحة مع ما يليها: أي مرض القلب وضعف اليقين ( وأكل) أفوض ( أقواماً إلى ما جعل الله في قلوبهم من الغناء) بفتح الغين المعجمة ثم نون ومد وهو الكفاية، وفي رواية الكشميهني بكسر أوله والقصر: ضد الفقر ( والخير منهم عمرو بن تغلب) هذا آخر الخبر المرفوع وقوله: ( فوا ما أحبّ أن لي بكلمة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حمر النعم) الباء للبدلية والمراد من الكلمة معناها اللغوي وما قاله فيه: أي بدل ما قاله فيه من إدخاله إياه في أهل الخير والغني وقيل: المراد التي قالها في حق غيره، فالمعنى: لا أحبّ أن يكون لي حمر النعم بدلاً من الكلمة المذكورة التي لي، أو أن يكون لي ذلك وقال: تلك الكلمة في حق.
وفي «المصباح» : وحمر النعم بضم المهملة وسكون الميم: كرائمها وهو مثل في كل نفيس ويقال: إنه جمع أحمر وإن أحمر من أسماء الجنس ( رواه البخاري) في مواضع من «صحيحه» منها في الجهاد والتوحيد وانفرد به عن باقي الستة ( الهلع هو أشد الجزع) بمعناه قوله في «الصحاح» أفحش الجزع، ومقتضى كلام «المصباح» عدم اعتبار الأفضلية فيه ( وقيل: الضجر) وفي «المشارق» للقاضي عياض: الجزع والهلع هما بمعنى، وقيل: الهلع قلة الصبر، وقيل: الحرص، يقال: رجل هلع وهلوع وهلواع وهلواعة: جزوع حريص اهـ.
فلعل المصنف أراد يكتب قيل: الحرص فسبق القلم فكتب ما ذكر، والله أعلم.


رقم الحديث 527 ( وعن حكيم بن حزام رضي الله عنه: أن النبي قال: اليد العليا خير من اليدالسفلى) تقدم الكلام على هذه الجملة في الباب ( وابدأ) في الإنفاق ( بمن تعول) من زوجة أو أصل أو فرع أو مملوك، من عال أهله: إذ قام بما يحتاجون إليه من قوت أو كسوة، وهذه الجملة الطلبية رواها فقط الطبراني من حديث حكيم بن حزام، ورواه البخاري وأبو داود والنسائي من حديث أبي هريرة بلفظ: «خير الصدقة ما كان عن ظهر غنى وابدأ بمن تعول» لأن حقهم واجب وغيرهم تطوّع والأول مقدم على الثاني ( وخير الصدقة ما كان عن ظهر غنى) أي أفضلها ما وقع من غير محتاج إلى ما يتصدق به لنفسه أو لمن تلزمه نفقته، ولفظ الظهر مزيد في مثله إشباعاً للكلام، قاله الخطابي ونقله في «النهاية» وزاد قوله تمكيناً كأنه صدقته مستندة إلى ظهر قوى من المال، والمعنى: أفضلها ما أخرجه الإنسان من ماله بعد استبقائه منه قدر الكفاية.
وقال البغوي: المراد غنى يستظهر به على النوائب التي تنوبه، ونحوه قولهم: ركب متن السلامة والتنكير في غنى للتعظيم، هذا هو المعتمد في معنى الحديث، وقيل: خير الصدقة ما أغنيت به من أعطيته عن المسألة، وقيل: عن للسببية والظهر زائد: أي خير الصدقة ما كان سببه غنى المتصدق.
قال القرطبي: يرد على تأويل الخطابي ما جاء في فضل الإيثار على النفس من الكتاب والسنة، ومنها حديث أبي ذرّ: «أفضل الصدقة جهد من مقل» والمختار أن معنى الحديث: أفضلها ما وقع بعد القيام بحقوق النفس والعيال بحيث لا يصير المصتدق محتاجاً بعد صدقته إلى أحد، فمعنى الغنى في الحديث: حصول ما يدفع به الحاجة الضرورية كأكل عند جوع مشوّش لا صبر عليه، فالحاجة إلى ما يدفع به الأذى عن نفسه، لا يجوز الإيثار به بل يحرم، لأن الإيثار به يؤدي إلى هلاك النفس والإضرار بها، أو إلى ما يستر له العورة، فمراعاة نفسه أولى، فإذا سقطت هذه الواجبات صحّ الإيثار وكانت صدقته أفضل لأجل ما يتحمله من مضض الفقر وشدة مشقته، فبهذا يندفع التعارض اهـ ملخصاً من «الفتح» ( ومن يستعفف) أي عن مسألة الناس ( يعفه ا) بضم التحتية وضم الفاء المشددة وهو مجزوم جواب الشرط وضمه إتباع لضمة هاء الضمير، قاله الدماميني عن الزركشي: أي يرزقه العفة عن ذلك ( ومن يستغن) أي يظهر الغنى ( يغنه ا) أي يصيره غنياً ( هذا لفظ البخاري) في كتاب الزكاة من «صحيحه» ( ولفظ مسلم) في كتاب الزكاة أيضاً من «صحيحه» ( أخصر) ولفظه قال: «أفضل الصدقة أو خير الصدقة عن ظهر غنى، واليدالعليا خير من اليد السفلى وابدأ بمن تعول» وقد تقدم الكلام على الحديث من حديث أبي هريرة في باب الوصية بالنساء.


رقم الحديث 528 ( وعن أبي عبد الرحمن بن أبي سفيان صخر) عطف بيان لأبي سفيان أو بدل منه بفتح المهملة وسكون المعجمة ( ابن حرب) بفتح المهملة بلفظ السلم بن أمية بن عبد شمس بن عبد مناف بن قصيّ الأموي، أسلم هو وأبوه وأخوه يزيد وأمه هند يوم فتح مكة فلذا قال المصنف ( رضي الله عنهما) وكان هو وأبوه من المؤلفة قلوبهم ثم حسن إسلامهما وكان أحد الكتاب لرسول الله، روي له عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مائة وثلاثة وستون حديثاً، اتفق الشيخان على أربعة منها، وانفرد البخاري بأربعة ومسلم بخمسة، روى عن عدد كثير من الصحابة ومناقبه كثيرة وفضائله شهيرة وقد أفردت بالتأليف، توفي بالشام يوم الخميس لثمان بقين من رجب، وقيل: لنصفه سنة ستين، وقيل: تسع وخمسين وهو ابن اثنتين وثمانين سنة، وقيل: ثمان وثمانين، وقيل: ست، ولما حضرته الوفاة أوصى أن يكفن في قميص كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كساه إياه، وأن يجعل مما يلي جسده، وكان عنده قلامة أظفار رسول الله، فأوصى أن تسحق وتجعل في عينيه وفمه وقال: افعلوا ذلك وخلوا بيني وبين أرحم الراحمين ( قال: قال رسول الله: لا تلحفوا) بضم الفوقية وكسر المهملة من الإلحاف الإلحاح: أي لا تلحوا ( في المسألة) قال المصنف: كذا هو في بعض الأصول بالفاء، وفي بعضها بالباء الموحدة وكلاهما صحيح ( فوا لا يسألني أحد منكم شيئاً فتخرج) بالنصب في جواب النفي ( له مسألته منى شيئاً) ونسبة الإخراج إليها مجاز لكونها السبب: أي يجد مني ماسأله بسبب إلحاحه وإشراف نفسه وحرصه على حصول مطلوبه ( وأنا كاره) لدفعه ولكن دفعته له لنحو اتقاء فحشه ( فيبارك) بالنصب عطف على المنصوب قبله: أي يكثر ويدوم ( له فيما أعطيته) ومن قال الفقهاء: من أخذ شيئاً على أمر أظهره وهو غير متصف به باطناً يملك ذلك المأخوذ وتصرفه فيه باطل، ومن هنا غلبت الفاقة على كثير لاستشرافهم الأحوال وإخراجهم بالإلحاح في السؤال فلا يبارك لهم فيها بوجه ( رواه مسلم) في كتاب الزكاة من «صحيحه» .


رقم الحديث 529 ( وعن أبي عبد الرحمن) وقيل: أبو عمرو، وبدأ به في «الأطراف» : وقيل: أبو عبد الله وقيل: أبو محمد وقيل: أبو حاتم ( عوف) عطف بيان لما قبله أو بدل منه وهو بالمهملة آخره فاء بوزن فور ( ابن مالك) بن أبي عوف ( الأشجعي) الغطفاني ( رضي الله عنه) أول مشاهده «الفتح» ، وكان حامل راية قومه، سكن دمشق وكان داره بها سنة ثلاث وسبعين، وأما قول الشيخ أبي إسحاق في «مهذبه» : إن عوف بن مالك رجع عليه بسيفه يوم خيبر فقتله فغلط صريح، إنما ذلك عامر بن الأكوع نبه عليه المصنف في «التهذيب» ، روي له عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - سبعة وستون حديثاً منها عند الشيخين ستة، انفرد البخاري بواحد منها ومسلم بباقيها، وخرّج له الأربعة، وروى عنه جبير بن نضير والشعبي وآخرون ( قال: كنا جلوساً) جمع جالس خبر كان، ويحتمل أنها تامة، وجلوساً مصدر منصوب على الحال وأفرد لكونه مصدراً والأول أولى ( عند رسول الله) يحتمل أن يكون لغواً متعلقاً بالفعل لا بالجلوس، لأن الفعل أقوى منه في ذلك، وأن يكون مستقراً خبراً بعد خبر، أو حالاً من اسم كان ( تسعة) بتقديم الفوقية ( أو ثمانية أو سبعة) شك من الراوي في عددهم ( فقال: ألا تبايعون رسول الله) وقوله: ( وكنا حديث عهد ببيعة) جملة في محل الحال من فاعل تبايعون، والبيعة أصلها من البيع لأنهم إذا بايعوا وعقدوا عهداً حلفوا لمن بايعهم جعلوا يديهم في يده توكيداً كما يفعل البائع والمشتري، كانت هذه البيعة ليلة العقبة قبل بيعة الهجرة وبيعة الجهاد والصبر عليه ( فقلنا: قد بايعناك يا رسولالله، ثم قال) أي بعد قوله الأول، والإتيان بثم للفصل بين القولين بجوابهم وما معه ( ألا تبايعون رسول الله) زاد أبو داود في روايته بعد قولهم قد بايعناك حتى قالها ثلاثاً ( فبسطنا أيدينا) أي نشرناها للمبايعة ( وقلنا: قد بايعناك يا رسول الله) أولاً ( فعلام نبايعك) أي فعلى أيّ شيىء نبايعك ثانياً، وما هي الاستفهامية حذفت ألفها لدخول الجال عليها، ويجوز زيادة هاء السكت عوضاً عن الألف المحذوفة فيقال علامه؟ كما في رواية مسلم، قاله ابن رسلان، وبه يعلم أن حذف الهاء من نسخ الرياض من علام من تحريف الكتاب، لأن الذي فيه رواية مسلم ( قال: أن تعبدوا ا) أي أبايعكم على عبادة الله ( وحده) أي منفرداً وهو حال من الجلالة ( ولا تشركوا به شيئاً) أيمن الشرك أو من المعبودات، فهو مفعول مطلق أو مفعول به كما تقدم ( والصلوات الخمس) أي وتصلوا الصلوات كما صرح به أبو داود ( وتسمعوا وتطيعوا) أي لوليّ الأمر، ومن أوجب الله طاعته في غير معصيته ( وأسر كلمة خفية) إنما أسر هذه الكلمة دون ما قبلها لأن ما قبلها وصية عامة وهذه الجملة مختصة ببعضهم والمراد بالكلمة المعنى اللغوي وهي الجملة المبنية بقوله: ( ولا تسألوا الناس شيئاً) قال القرطبي: هذا حمل منه على مكارم الأخلاق والترفع عن تحمل منن الخلق وتعظيم الصبر على مضض الحاجات والاستغناء عن الناس وعزّة النفس ( فلقد رأيت بعض أولئك النفر) بالجرّ نعت أو عطف بيان لاسم الإشارة على الخلاف في أمثاله بين ابن الحاجب وابن مالك، وقال ابن رسلان: هو بدل منه ( يسقط سوط أحدهم فما يسأل أحد يناوله إياه) فيه التمسك بالعموم لأنهم نهوا عن السؤال، والمراد منه سؤال الناس أموالهم فحملوه على عمومه، وفيه التنزّه عن جميع ما يسمى سؤالاً وإن كان حقيراً.
وروى الإمام أحمد عن أبي ذرّ لا تسألنّ أحداً شيئاً وإن سقط سوطك ولا تقبض أمانة ( رواه مسلم) في الزكاة من «صحيحه» منفرداً به عن البخاري ورواه أبو داود فيها والنسائي في الصلاة وابن ماجه في الجهاد.


رقم الحديث 530 ( وعن ابن عمر رضي الله عنهما أن النبيّ قال: لا تزال المسألة) أي طلب العطاء من السوي ( بأحدكم) أي بالواحد منكم أي إن طبع الإنسان الاستكثار من الدنيا فلا يزال في الدنيا يسأل مالهم تكثراً ( حتى يلقى ا) كناية عن الموت والحشر، ويؤيد الثاني أن بعض رواياته: «ما يزال الرجل يسأل الناس حتى يأتي يوم القيامة ليس في وجهه مزعة» رواه مسلم ( وليس في وجهه مزعة لحم) جملة حالية من فاعل يلقى ( متفق عليه) رواه البخاري ومسلم في الزكاة من «صحيحهما» ، رواه النسائي في الزكاة أيضاً ( المزعة بضم الميم وسكون الزاي وبالعين المهملة القطعة) قال المصنف قال القاضي: قيل معنىالحديث: يأتي يوم القيامة ذليلاً ساقطاً لا وجه له عندالله، وقيل: هو على ظاهره فيحشر وجهه لا لحم عليه عقوبة له وعلامة له بذنبه حين سأل وطلب بوجهه كما جاءت الأحاديث الأخر بالعقوبات في الأعضاء التي كانت بها المعاصي، وهذا فيمن سأل لغير ضرورة سؤالاً منهياً عنه وكثر منه كما أشرنا إليه كما يدل عليه رواية: «من يسأل الناس أموالهم تكثراً» الحديث.


رقم الحديث 531 ( وعنه) يعني ابن عمر ( أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: وهو على المنبر) جملة حالية أيضاً من فاعل وقوله: ( وهو بذكر الصدقة والتعفف عن المسألة) جملة حالية أيضاً من فاعل قال، فتكون مترادفة أو من الجملة الحالية الأولى فتكون متداخلة، وقوله يذكر الصدقة: أي ما يذكر ما في فضلها أو فضل التعفف ( اليد العليا خير من اليد السفلى) هذا مقول القول، ولما كان في ذلك نوع إجمال فلذا اختلف فيه على أقوال كما تقدم عن «الفتح» ، رفعه بقوله ( واليد العليا هي المنفقة) بالنون والفاء والقاف وعند أبي داود في بعض طرقه بدلها المتعففة قال: وقال أكثرهم المنفقة ( والسفلى هي السائلة) قال القرطبي: هذا أي حديث مسلم نصر يدفع تعسف من تعسف في تأويله، غير أنه وقع عند أبي داود إلى آخر ما تقدم، وقال المصنف: ورجح الخطابي رواية المتعففة بأن السياق في ذكر المسألة والتعفف عنها.
قال المصنف: والصحيح الرواية الأولى ويحتمل صحة الروايتين فالمنفقة أعلا من السائلة والمتعففة أعلا منها، والمراد بالعلوّ علوّ الفضل والمجد ( متفق عليه) روياه في الزكاة من «صحيحهما» ، رواه أبو داود والنسائي فيها من «سننهما» .