فهرس الكتاب

دليل الفالحـــين - باب الغضب إِذَا انتهكت حرمات الشّرع والانتصار لدين الله تعالى

رقم الحديث -77 بضمتين: أي ما حرمه، وهو مقتبس من قوله «حرم أشياء فلا تنتهكوها» وقوله «ألا وإن حمى الله محارمه» ( والانتصار لدين الله تعالى) أي فعل ذلك كائناً من كان على أيّ شأن، وفي تعقيبه به الباب قبله تقييد لبيان أن محل فضل احتمال الأذى إذا كان مما لا انتهاك فيه للمحارم، وإلا فمن أو ذي بطلب محرم منها لا يصبر على ذلك الإيذاء، بل يدفعه بحسب طاقته.
( قال الله تعالى) : ( { ومن يعظم حرمات الله} ) ومن تعظيمها عدم خرق حجابها وترك انتهاكها والبعد عن حريمها حذر الوقوع في جميعها ( { فهو خير له عند ربه} ) لأن الله تعالى لا يضيع أجر من أحسن عملاً.
قال تعالى: { فمن يعمل مثقال ذرة خيراً يره} ( الزلزلة: 7) .
الجهاد والطاعة ( وفي الباب حديث عائشة السابق في باب العفو) عبر به دون الباب قبله تفنناً في التعبير، والمراد منه قولها «وما نيل منه شيء قط فينتقم من صاحبه إلا أن ينتهك شيء من محارم الله فينتقم لله تعالى» .


رقم الحديث 649 ( وعن أبي مسعود عقبة بن عمرو) بن ثعلبة الأنصاري الخزرجي ( البدري) نسبة إلى بدر لنزوله وسكناه إياها وإلا فلم يشهد وقعتها مع النبي، تقدمت ترجمته ( رضي الله عنه) في باب المجاهدة ( قال: جاء رجل) قيل هو حزم بن أبيّ بن كعب، ووقع كذلك في سنن أبي داود وتاريخ البخاري الكبير.
وقال الحافظ في «فتح الباري» : إنه وهم ولم أقف على تسميته، وقيل هو حرام بن ملحان، وعليه اقتصر الخطيب، ومشى عليه ابن الأثير، وقيل حازم، وقيل سلمان بن الحارث، قاله البخاري أيضاً في تاريخه، ووقع في أصل قرىء على القرطبي من «شرحه» عن رواية البزار أنه سلم بن علي، وعلى لام سلم علامة الاسكان، وقيل مليكة، وقال القاري: هو كعب بن أبي حزة بفتح المهملة وتشديد الزاي ابن أبي العين وهو وهم كذا في غاية الأحكام، و «جاء» يكون متعدياً كقوله تعالى: { فإن جاءوك} ( المائدة: 42) وتارة متعدياً بحرف ومنه ما نحن فيه إذ عدّاه بإلى في قوله ( وإلى رسول الله فقال: إني لأتأخر عن صلاة الصبح) وعند البخاري صلاة الغداة وعنده أيضاً زيادة القسم والله إني لأتأخر، ومراده أنه ترك حضور الجماعة لتطويل الإمام ( من أجل فلان) قال الحافظ هو أبيّ بن كعب كما أخرجه أبو يعلى بإسناده حسن من حديث جابر وليس معاذ ابن جبل خلافاً لابن الملقن وغيره، قال الحافظ: وهو وهم.
وفلان كناية عن ذي العلم العاقل المذكر، والظاهر أن الراوي هو الذي كنى عنه والرجل الذي شكاه للنيّ سماه وذلك من حسن الأدب في التعبير ( مما يطيل بنا) بدل مما قبله بإعادة العامل: أي من إطالته الصلاة بنا ( فما رأيت) أي علمت ( النبي غضب في موعظة قط) يفتح القاف وضم الطاء المهملة في أفصح اللغات ( أشد) بالنصب نعت مصدر محذوف: أي غضباً أشد، وسببه إمامخالفة الموعوظ لما أعلمه: أي إن ثبت ذلك، أو التقصير في تعليم ما ينبغي تعلمه، ويحتمل أنه لإرادة الاهتمام بما يلقيه لأصحابه، قال في «فتح الباري» : وهذا أحسن في الباعث على أصل الغضب، أما كونه أشد فالثاني من الاحتمالين الأولين أوجه ( مما غضب) ما مصدرية أي من غضبه ( يومئذ) ولا يعارض هذا ما جاء من نهيه القاضي أن يقضي حال غضبه لمكانه من العصمة المانعة من حمل الغضب إياه على ما لا ينبغي من قول أو فعل بخلاف غير المعصوم، قاله البرماوي ( فقال) عطف على مقدر دلّ عليه سابق الكلام: أي فوعظ فقال ( يا أيها الناس إن منكم منفرين) فيه من الإخفاء وتعميم الحكم ما في حديث «ما بال رجال يشترطون شروطاً ليست في كتاب الله» إما للستر عليه وإما للإعراض وذلك من أشد الوعيد ( فأيكم أمّ الناس) عند البخاري في بعض طرقه/ «فأيكم ما صلى» وما مزيدة ويكثر زيادتها مع أي الشرطية وفائدتها التوكيد وزيادة التعميم ( فليوجز) هو لفظ مسلم، ولفظ البخاري «فليتجوز» أي ليقتصر مع إتمام الأركان والسنن.
قال أهل اللغة: أوجزت الكلام قصرته فهو موجز بفتح الجيم وكسرها ووجز ووجيز ( فإن من) بكسر الميم ( ورائه) أي ممن اقتدى به ( الكبير) فيعجز عن الطول لكبره إذ هو مظنة الضعف غالباً ( والصغير) الذي لاثبات عنده على الصبر على الإطالة.
وفي عمدة الأحكام «الضعيف» بالمعجمة بدل المهملة وبالفاء بدل الراء ( وذا الحاجة) فتمنعه من درك حاجته الإطالة ويشتغل خاطره فيسلبه خشوعه الذي هو لب العبادة ( متفق عليه) وإخرجه أحمد والنسائي وابن ماجه وابن الجارود وابن حبان والطبراني والإسماعيلي وأبو عوانة والبرقاني وأبو نعيم والبيهقي وغيرهم، كذا في شرح عمدة الأحكام للقلقشندي.


رقم الحديث 650 ( وعن عائشة رضي الله عنها قالت: قدم رسول الله وآله وسلم من سفر) قال في «فتح الباري» في رواية البيهقي: إنها غزوة تبوك وفي أخرة لأبي داود والنسائي غزوة تبوك أو خيبر.
على الشك ( وقد سترت سهوة لي بقرام) جملة حالية من رسول الله والسهوة بفتح السين المهملة وسكون الهاء سيأتي معناه ومعنى القرام «فيه تماثيل» جملة صفة القرام أو الظرف صفة وتماثيل فاعله، والتماثيل بمثناة ثم مثلثة جمع تمثال وهي الشيء المصرّر أعم من أن يكون شاخصاً، أو يكون نقشاً أو دهاناً أو نسجاً في ثوب ( فلما رآه رسول الله) هتكه: أي نزعه، وفي رواية البخاري عن عائشة «فأمرني أن أنزعه فنزعته» ( وتلوّن وجهه) أي تغير من غضبه لله سبحانه ( وقال: يا عائشة أشد الناس عذاباً عند الله يوم القيامة) ظرف لأشد، وقوله ( الذين يضاهون بخلق الله) خبر أشد: أي الذين يشبهون ما يصنعونه بما يصنعه الله.
وقد استشكل كون المصور أشد عذاباً من قوله تعالى: { أدخلوا آل فرعون أشد العذاب} فإنه يقتضي كون المصوِّر أشد عذاباً من آل فرعون.
وأجاب الطبري بأنه محمول على من يصوّر ما يعبد من دون الله وهو عارف بذلك قاصد له فإنه يكفر بذلك.
وأجاب غيره بأن الرواية بإثبات «من ثابتة ويحذفها محمولة عليها: أي إن المصورين من أشد الناس عذاباً.
وقال أبو الوليد بن رشد: إن كان الحديث في حق كافر فلا إشكال فيه لأنه يكون مشتركاً في ذلك مع آل فرعون ويكون فيه دلالة على عظم كفر المذكورين، وإن كان ورد في حق عاص فيكون المراد أشد عذاباً من غيره من العصاة ويكون دالاً على عظم المعصية المذكورة.
وأجاب القرطبي في المفهم بأن الناس إذا أضيف إليه أشد لا يراد به كلهم بل البعض، وهو من يشارك في المعنى المتوعد عليه بالعذاب، ففرعون أشد الناس الذين ادعوا الألوهية عذاباً ومن يقتدي به في ضلالة كفره أشد عذاباً ممن يقتدي به في ضلالة فسقه.
ومن صوّر صورة ذات روح للعبادة أشد ممن يصورها لا للعبادة.
واستشكل ظاهر الحديث أيضاً إبليس وابن آدم الذي سنّ القتل.
ويجاب بأن المراد من الحديث من ينسب إلى آدم فخرج إبليس، وأما ابن آدم فالثابت في حقه أن عليه أوزار من يقتل ظلماً، ولا منع أن يشاركه في مثل تعذيبه من ابتدأ الزنى مثلاً فإن عليه مثل أوزار الزناة بعده، لأنه أوّل من سن ذلك، ولعل عدد الزناة أكثر من القاتلين ( متفق عليه) أخرجه البخاري ومسلم في اللباس من صحيحيهما وأخرجه النسائي في الزينة ( السهوة) بضبطها السابق ( كالصفة تكون بين يدي البيت) وقيل الكوة وقيل الرف، وقيل أن يبني من البيت حائط صغير ويجعل السقف على الجميع، فما كان وسطالبيت فهو السهوة وما كان داخله فهو المخدع، وقيل داخله في ناحية البيت وقيل بيت صغير شبيه المخدع، وقيل بيت صغير منحدر في الأرض وسمكه مرتفع من الأرض كالخزانة الصغيرة ويكون فيها المتاع، ورجح هذا الأخير أبو عبيد ولا مخالفة بينه وبين الذي قبله.
ووقع في رواية البخاري عن عائشة أنها علقته على بابها وكذا عنها عند مسلم، فتعين أن السهوة بيت صغير علقت الستر على بابه، قاله في الفتح ( والقرام بكسر القاف) وتخفيف الراء ( هو ستر رقيق) في الفتح هو ستر فيه رقم ونقش.
وقيل ثوب من صوف ملون يفرش في الهودج أو يغطى به اهـ.
( وهتكه أفسد الصور التي فيه) وهذا أحد معاني هتك.
قال في «المصباح» : هتك زيد الستر من باب ضرب خرقه فانتهك، قاله الأزهري وتبعه الزمخشري جذبه حتى نزعه من مكانه أو شقه حتى أظهر ما وراءه.


رقم الحديث 651 ( وعنها أن قريشاً أهمهم شأن المرأة المخزومية) قال العراقي في مبهماته: هي فاطمة بنت أبي الأسد بنت أخي أبي سلمة بن عبد الأسد ذكره عبد الغني.
وقيل هي أم عمرو بنت سفيان بن عبد الأسد ذكره عبد الرزاق ( التي سرقت) وكان ذلك يوم الفتح ( فقالوا: من يكلم فيها رسول الله؟) أي شفيعاً عنده فيها، والشفاعة في الحدود بعد بلوغها الإمام ممتنعة لحديث الباب وما في معناه وقيل بلوغها له مستحبة إلا إذا كان ذلك صاحب شرّ وأذى فلا يشفع فيه ( فقالوا من يجترىء) من الجرأة الإقدام أي يتجاسر عليه بطريق الإدلال ( عليه إلا أسامة بن زيد حبّ رسول الله) بكسر الحاء: أي محبوبه ففيه منقبة ظاهرة لأسامة ( فكلمه) معطوف على محذوف دلّ عليه السياق: أي فكلموه فكلمه ( أسامة فقال رسول الله: أتشفع في حدّ من حدود الله تعالى؟) أي بعد رفعه إليّ ( ثم قام فاختطب) أي خطب كما في نسخة، وأتى به من باب الافتعال الدال على الاعتمال إيماء إلى أنهبالغ في الموعظة ( ثم قال) أي بعد أن وعظ وخوّف وحذر وأنذر كما تومىء إليه ثم ( إنماأهلك الذين من قبلكم) أي الأمم ( أنهم كانوا إذا سرق فيهم الشريف) قدراً ووجاهة ( تركوه) لوجاهته وشرفه.
ثم الجملة الشرطية خبر كان ( وإذا سرق فيهم الضعيف أقاموا عليه الحد) لخموله وسقوط وجاهته ( وايم الله) بضم الميم والهمزة فيه للوصل وهو من لغات أيمن بفتح الهمزة في الأفصح وتكسر.
قال ابن هشام: هوا سم مفرد مشتق من اليمن والبركة لا جمع يمين خلافاً للفراء وفيه اثنتا عشرة لغة جمعها ابن مالك في قوله: همز ايم وايمن فافتح واكسرن أم قل أو قل م أو من بالتثليث قد شكلا وأيمن اختم به والله كلا أضف إليه في قسم تستوف ما نقلا وذكر السيوطي في «شرح جمع الجوامع» له في النحو في ذلك عشرين لغة ( لو أن فاطمة بنت محمد) ( سرقت) أتى به مبالغة وهو على سبيل الفرض الذي يستعمل فيما لا يكون أصلا لا الوقوع، وكان التقى السبكي يزيد بعد هذا قوله.
حاشاها من ذلك، وهو أدب حسن ( لقطعت يدها) مع أنها أشرف نساء هذه الأمة.
ففيه أن شرف الجاني لا يسقط الحد عنه، وأن أحكام المولى سبحانه يستوي فيها الشريف والوضيع ( متفق عليه) أخرجه البخاري في الأحكام، ومسلم في الحدود، ورواه أصحاب السنن الأربعة، وقال الترمذي: حسن صحيح.


رقم الحديث 652 (وعن أنس رضي الله عنه: أن رسول الله رأى نخامة) بضم النون.
قال ابن سيده في «المحكم» : نخم الرجل: دفع بشيء من صدره وأنفه.
وقال في «الصحاح» والمجمل: النخامة: النخاعة.
وفي «المغرب» و «المطرب» للمطرزي: هو ما يخرج من الخيشوم.
وفي التهذيب للمصنف: النخامة ما يلفظه الإنسان كالنخاعة (في القبلة) أي في الجدار الذي يستقبلونه حال استقبالهم القبلة (فشقّ ذلك عليه حتى رؤى) أثر ذلك (في وجهه) من الغضبالذي كان يعتريه لله إذا انتهكت حرمات الله (فقام) أي عقب الإطلاع عليه (فحكه) إزالة للمنكر باليد.
ويحتمل أنه كان باقياً على طراوته فأزاله بيده مها.
ويحتمل أن يكون قد جف فمعنى أزله (بيده) أي بما فيها من نحو عود (فقال: إن أحدكم) أي الواحد منكم (إذا قام في صلاته فإنه يناجي ربه) جواب إذا، ومناجاته لربه من جهة إتيانه بالقرآن والأذكار ومناجاة ربه له من جهة لازم ذلك وهو إرادة الخير مجازاً، لأن الحقيقة وهو الكلام المحسوس مستحيلة في حقه تعالى.
والمناجاة: المسارة يقال ناجيته ونجوته إذا ساررته (وإن) بكسر الهمزة وفتحها والواو للعطف وهذا ما في بعض نسخ البخاري، وفي بعضها «أو» وهي إيماء إلى أن بعض رواته شك في ذلك (ربه بينه وبين القبلة) قال الخطابي: معناه أن توجهه إلى القبلة مفض بالقصد منه إلى ربه، فصار التقدير أن مقصوده بينه وبين قبلته.
وقيل هو على تقدير مضاف: أي عظمة الله أو ثوابه، وقيل هو كلام خرج على التعظيم لشأن القبلة (فلا يبزقن) بضم الزاي وقد تبدل صادا لوقوعها قبل القاف (أحدكم قبل) بكسر ففتح: أي مقابل (القبلة) أي لأنها الجهة التي أمر الله بتعظيمها فلا تقابل بالبزاق.
قال الشيخ زكريا في «تحفة القارى» : والنهي للتحريم (ولكن عن يساره أو تحت قدمه) متعلق الظرف محذوف دلّ عليه ما قبله: أي ليبزق فيهما (ثم أخذ طرف ردائه فبصق فيه) الصاد فيه بدل من الزاي (ثم ردّ بعضه على بعض) ليذهب جرم البزاق ويستهلك بذلك (فقال أو يفعل هكذا) وأو فيه وفيما قبله للتنويع: أي هذه أحب (متفق عليه) رواه البخاري في أبواب المساجد من «صحيحه» ، ومسلم في كتاب الصلاة (والأمر بالبصاق عن يساره، أو تحت قدمه هو فيما إذا كان في غير المسجد) فيفعل ما أراد من الأمور الثلاثة (فأما في المسجد) جامعاً كان أو غيره (فلا يبصق إلا في ثوبه) لحرمة البصاق فيه، قال «البصاق في المسجد خطيئة وكفارتهادفنها» قال المصنف: أي كفارة دوام إثم ذلك، أما الابتداء فلا يكفره إلا التوبة أو فضل الله سبحانه وتعالى.
) 78