فهرس الكتاب

دليل الفالحـــين - باب استحباب سجُود الشكرعند حصول نعمة ظاهرة أَو اندفاع بلية ظاهرة

رقم الحديث -209 هو سجدة واحدة تطلب خارج الصلاة، ويشترط لها شروط الصلاة، وأركانها: النية، وتكبيرة الإحرام، والسجود، والسلام ( عند حصول نعمة ظاهرة) أي هجومها سواء كانت مما يتوقعها أولا، لكن يظهر من قولهم هجومها أنه يشترط ألا يكون متوقعاً لها، وسواء عمت النعمة المسلمين أو خصت كما صرح به المصنف وغيره ( أو اندفاع بلية ظاهرة) ولو تصدق أو صلى شكراً فحسن، قاله في «التهذيب» ، قال الناشري في ( الإيضاح) أي يفعل ذلك مع السجود كما صرح به النووي في «مجموعه» ، وفهم الخوارزمي تليمذ صاحب «التهذيب» أنه بدله فقال: لو أقام التصدق أو الصلاة مقام السجود للشكر كان حسناً اهـ.


رقم الحديث 1159 ( وعن سعد بن وقاص رضي الله عنه قال: خرجنا مع رسول الله من مكة نريد المدينة) بالتحتية حال من رسول الله على مذهب الفارسي في إجازته مجيء الحال من المضاف إليه من غير شرط، وعى الاشتراط فتعرب الجملة مستأنفة، وبالنون حال من فاعل خرجنا «فلما كنا قريباً من عزوزاء» بفتح العين وضم الزاي وسكون الواو وبالزاي الثانية مثل دبوقاً اسم للمعذرة، وفي بعض النسخ بسكون الزاي وفتح الواو والمد، وهو أقرب، ولابن العبد عزوزاه بالهاء بدل الهمزة قال البكري: هو بضم الزاي وواو وزاي أخرى: موضع بين مكة والمدينة، وأنا أظنه تصحيفاً وأنه بفتح العين المهملة وسكون الزاي وفتح الواو، وراء مهملة: موضع قريب من مكة، قاله ابن رسلان ( نزل) أي عن راحلته ( ثم رفع يديه فدعا الله) سبحانه وتعالى ( ساعة) فيه استحباب رفع اليدين في كل دعاء ( ثم خر) أي سقط بعزمة ( ساجداً) منصوب على الحال، والسجود هو وضع الجبهة مكشوفة على الأرض وهو غاية الخرور ونهاية الخضوع ( فمكث) ضم الكاف وفتحها: أي أقام.
قال ابن عطية: وفتحالكاف أحسن لأنه لغة القرآن في قوله ماكثين إذ هو من مكث بفتحها، ولو كان من مضمومها لكان مكيتين ( طويلاً) فيه فضيلة تطويل سجدة الشكر ومثلها سجدتا السهو والتلاوة وغيرهما ( ثم قام) أي من سجوده وسلم ( فرفع يديه) أي للدعاء ( ساعة) ويحتمل أن يكون المراد ثم قام للدعاء بعد التحلل من سجدة الشكر، فيؤخذ منه ندب القيام للدعاء بعد التحلل من سجدة الشكر ( ثم خر ساجداً) لله عزّ وجل ( فعله) أي ما ذكر من الخرور والسجود ( ثلاثاً وقال: إني سألت ربي) سبحانه وتعالى حذف المفعول للتعميم أو لأنه المراد بقوله ( وشفعت لأمتي) بفتح الفاء ظاهره حصولها منه لهم في الدنيا، ولا يشكل عليه حديث الصحيحين «لكل نبي دعوة مستجابة وإني اختبأت دعوتي شفاعة لأمتي» خلافاً لمن توهمه لأنها وقعت منه لهم في الدنيا، وهناك شفاعة خاصة جعلها دعوته المقطوع بإجابها، وفيه مزيد كمال شفقته بأمته ورأفته بهم واعتنائه بالنظر في مصالحهم المهمة ( فأعطاني) أي بالدعاء الأول ( ثلث أمتي) أي أن يدخلهم الجنة ( فخررت) بكسر الراء الأولى ( ساجداً لربي) عز وجل ( شكراً) نصب على المصدرية: أي خرور شكر، أو على العلة أو الحال فيه: أي ولما استجاب الله دعوته في أمته وذلك من أعظم النعم عنده وأثمها خر ساجداً شكراً لذلك.
ففيه استحباب سجود الشكر عند تجدد النعمة، وظاهر الحديث أن سجوده كان خارج الصلاة وهو كذلك فإنها لا تشرع فيها ( ثم رفعت رأسي) أي من سجدة الشكر ( فسألت ربي وشفعت لأمتي) حذف المسؤول إيماء إلى كثرته وعظمته، وأنه فوق ما تحيط ببيانه العبارة، والمطلوب بهذا السؤال الثاني الزيادة على الحاصل الأول ( فأعطاني ثلث أمتي) الثاني: أي أن يدخلوا الجنة ( فخررت ساجداً لربي شكراً) فيه تكرير السجود بتكرير المقتضي له ( ثم رفعت رأسي) أي من السجدة الثانية ( فسألت ربي) وشفعت ( لأمتي فأعطاني الثلث الآخر) بكسر الخاء ( فخررت ساجداً لربي) سجدة ثالثة شكراً له سبحانه ( رواه أبو داود) في «الجهاد» من «سننه» .