فهرس الكتاب

دليل الفالحـــين - باب استحباب تشميت العاطس إِذَا حمد الله تَعَالَى وكراهة تشميته إذا لَمْ يحمد الله تَعَالَى وبيان آداب التشميت والعطاس والتثاؤب.

رقم الحديث -142 التشميت بالشين المعجمة وبالسين المهملة كما ذكره الفيروز أبادي في كتاب «تخيير الموشين فيما يقال بالشين والسين» هو أن يقول للعاطس رحمك الله أو يدعو له، وفي حاشية السيوطي على سنن أبي داود قال الخليل وأبو عبيد وغيرهما يقال بالمعجمة والمهملة، والعرب تجعل السين والشين في اللفظ الواحد بمعنى، قال الفزاري: التسميت بالمهملة التبريك، يقال سمته إذا دعا له بالبركة، وبالمعجمة من شمت الإبل في المرعى إذا جمعت، فمعنى شمته دعا له أن يجمع شمله وقيل هي من الشماتة وهي فرح الشخص بما يسوء عدوه، فكأنه إذا حمد الله دخل على الشيطان ما يسوءه فشمت هو بالشيطان، وقيل هو من الشوامت جمع شامتة وهي القائمة يقال: لا ترك الله له شامتة: أي قائمة.
وقال أبو بكر بن العربي: تكلم أهل اللغة في اشتقاق اللفظين ولم يبينوا المعنى فيه وهو بديع، وذلك أن العاطس ينحل كل عضو في رأسه وما يتصل به من العنق ونحوه فكأنه إذا قيل له يرحمك الله كان معناه أعطاك رحمة يرجع بها بدنك إلى حاله قبل العطاس ويقيم على حالة من غير تغيير، فإن كان التشميت بالمهملة فمعناه رجع كل عضو إلى سمته الذي كان عليه، وإن كان بالمعجمة فمعناه صان الله شوامته: أي قوائمه التي بها قوام بدنه عن خروجها عن الاعتدال اهـ ( إذا حمد الله) وسيأتي حكمة استحبابه للعاطس ( وكرهة تشميته إذا لم يحمد الله تعالى) لأنه أمر بالتشميت عند الحمد فيدل على النهي عنه عند عدمه ( وبيان آداب التشميت والعطاس والتثاؤب) بمثناة ثم مثلثة وبعد الألف همزة، وجاء في مسلم «إذا تثاوب» بالواو بدل الهمزة فمصدره التثاوب بالواو، وقال السيوطي: قال غير واحد: إنهما لغتان والهمز والمد أشهر.


رقم الحديث 878 ( عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي قال: إن الله تعالى يحبّ العطاس ويكره التثاؤب) قال الخطابي: معنى المحبة والكراهة فيهما ينصرف إلى سببهما وذلك أن العطاس يكون عن خفة البدن وانفتاح المسام وعدم الغاية في الشبع، وهو بخلاف التثاؤب فإنه يكون عن غلبة امتلاء البدن وثقله مما يكون ناشئاً عن كثرة الأكل والتخليط فيه والأول يستدعي النشاط للعبادة والثاني عكسه اهـ.
والمراد من المحبة المسندة إلى الله تعالى غايتها من الرضا والقبول والثواب أو إرادته، وقد بسطت الكلام فيها أول «شرح الأذكار» ( فإذا عطس أحدكم) قال في «المصباح» : عطس من باب ضرب وفي لغة من باب قتل اهـ.
( وحمد الله تعالى) يحتمل أن تكون معطوفة على فعل الشرط وأن تكون حالاً بإضمار قد، قال الحليمي: الحكمة في مشروعية الحمد للعاطس أن العاطس يدفع الأذى عن الدماغ الذي فيه قوة الفكر ومنه منشأ الأعصاب التي هي معدن الحس وبسلامته تسلم الأعضاء، فظهر بهذا أنها نعمة جليلة فناسب أن تقابل بالحمدلله لما فيه من الإقرار لله بالخلق والقدرة وإضافة الخلق إليه لا إلى الطبائع وعموم الحديث متناول للحمد بأي صيغة كانت وأفضله رواه أحمد والنسائي من حديث سالم بن عبيد رفعه «إذا عطس أحدكم» فليقل الحمد لله على كل حال أو الحمد لله رب العالمين» وقال المصنف: قال ابن جرير: هو مخير بين أن يقول الحمد لله «أو» الحمد لله رب العالمين أو الحمد لله على كل حال، قال المصنف: وهذا هو الصحيح.
وأجمع العلماء أنه مأمور بالحمد لله، وفي منهج العلماء للمتقي حديث «إذا عطس أحدكم فقال الحمد لله قالت الملائكة رب العالمين، فإذا قال رب العالمين قالت الملائكة يرحمك الله» رواه الطبراني من حديثابن عباس مرفوعاً، قال الحافظ ابن حجر: ولا أصل لما اعتاده كثير من الناس من استكمال قراءة الفاتحة يعد قوله الحمد لله رب العالمين، وكذا العدول إلى أشهد أن لا إله إلا الله أو تقديمها على الحمد فهو مكروه ( كان حقاً) أي سنة متأكدة ( على كل مسلم) أي ذي إسلام فيشمل المرأة ( سمعه أن يقول له يرحمك الله) قال الحليمي: أنواع البلاء كلها والآفات مؤاخذات وإنما المؤاخذة عن ذنب، فإذا أدركت العبد الرحمة وصار الذنب مغفوراً لم تقع المؤاخذة، فمعنى رحمك الله: أي جعل لك ذلك ليدوم لك السلام.
وفيه إشارة إلى تنبيه العاطس على طلب الرحمة والتوبة من الذنب، ومن ثمة شرع له أن يجيب بقوله: يغفر الله لنا ولكم، قال ابن دقيق العبد: ظاهر الحديث أن السنة لا تتأدى إلا بالمخاطبة وما اعتاده الناس من قولهم للرئيس يرحم الله سيدنا فخلاف السنة.
قال المصنف في «الأذكار» : قال أصحابنا: التشميت سنة على الكفاية، ولكن الأفضل أن يقوله كل واحد منهم لظاهر قوله «كان حقاً على كل مسلم سمعه أن يقول له يرحمك الله» هذا الذي ذكرناه من استحباب التشميت هو مذهبنا.
واختلف أصحاب مالك في وجوبه فقال القاضي عبد الوهاب: هو سنة، ويجزىء تشميت واحد من الجماعة كمذهبنا وقال ابن مزين: لزم كل واحد منهم، واختاره ابن العربي وإذا لم يسمع الحمد لا يطلب منه التشميت وإن أتى به العاطس.
ونقل المصنف عن الإمام مالك أنه قال: لا تشمته حتى تسمع حمده وإن رأيت من يليه شمته اهـ ملخصاً ( وأما التثاوب) بالواو في الأصول المصححة، قال العيني في «شرح البخاري» : التثاوب هو النفس الذي ينفتح منه الفم لدفع البخارات المختلفة في عضلات الفك اهـ ( فإنما هو من الشيطان) قال ابن بطال: إضافته إلى الشيطان بمعنى إضافة الرضا والإرادة: أي إن الشيطان يحب أن يرى الإنسان متثاوباً لأنها حالة تتغير فيها صورته فيضحك، منه، وليس المراد أن الشيطان نفس التثاوب.
وقال ابن العربي: بينا إن كل فعل مكروه نسبه الشرع إلى الشيطان لأنه واسطته وأن كل فعل حسن نسبه الشرع إلى الملك لأنه واسطته.
قال: والتثاوب من الامتلاء وينشأ عنه التكاسل، وذلك بواسطة من الشيطان والعطاس من تقليل الغذاء وينشأ عنه النشاط وذلك بواسطة الملك.
وقال المصنف: أضيف التثاوب إلى الشيطان لأنه يدعو إلى الشهوات إذيكون من ثقل البدن واسترخائه وامتلائه والمراد التحذير من السبب الذي يتولد عنه ذلك وهو التوسع في الأكل.
فائدة: أخرج ابن أبي شيبة والبخاري في «التاريخ» من مرسل يزيد بن الأصم قال «ما تثاوب النبي قط» وأخرج الخطابي من طريق مسلمة بن عبد الملك بن مروان قال «ما تثاوب نبي قط» قال السيوطي ومسلمة أدرك بعض الصحابة وهو صدوق ( فإذا تثاءب) بالهمز كما قاله السيوطي قال: وروى مسلم أي في حديث آخر تثاوب بالواو ( أحدكم فليرده) بالحركات الثلاث في آخر الفعل والضم إتباع لحركة الضمير ( ما استطاع) أي قدر استطاعته وذلك بإطباق فيه، فإن لم يندفع بذلك فيوضع اليد عليه ( فإذا تثاءب ضحك الشيطان منه) فرحاً بذلك لما فيه من تغير صورة الإنسان ودخوله في فيه كما سيأتي آخر الباب، وأشار ابن بطال إلى أن الشيطان يضحك حينئذ من جوفه نقله عنه الكرماني ( رواه البخاري) في الأدب من «صحيحه» .


رقم الحديث 879 ( وعنه عن النبي قال: إذا عطس أحدكم فليقل الحمد لله) شكراً على ذلك لأنه محبوب إلى الله سبحانه ( وليقل له أخوه له) شك من الراوي ( صاحبه) والتعبير بأحد هذين تحريض على التشميت ( يرحمك الله) قال القاضي عياض: وإنما أمر بالحمد لما حصل من المنفعة بخروج ما احتقن في دماغه من الأبخرة ( فإذا قال) أي أخوه ( له) أي العاطس ( يرحمك الله) وهي جملة خبرية لفظاً دعائية معنى ( فليقل) مقابلة للدعاء بمثله ومكافأة للجميل ( يهديكم الله) أي يرشدكم بالإيصال إلى مرضاته ( ويصلح بالكم) أي حالكم وخاطركم وكأن حكمة إفراد الدعاء للعاطس وجمعه للمجيب ولو منفرداً فيهما أن الرحمة مدعو بها للعاطس وحده لما أصابه مما تنحلّ به أعصابه ويضرّ سمتها لولا الرحمة والهداية مدعوّ بها لجميع المؤمنين ومنهم المخاطب فلذا جمع ضميره والله أعلم ( رواه البخاري) في الأدب من «صحيحه» .


رقم الحديث 880 ( وعن أبي موسى رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله يقول: إذا عطس أحدكم فحمد الله فشمتوه) وصرح بمفهوم ما قبله اعتناء به فقال ( فإن لم يحمد الله فلا تشمتوه) وظاهر الحديث طلب تشميت من عطس وحمد وإن لم يسمعه المشمت لكن قال المصنف: وعطس وحمد ولم يسمعه الإنسان لم يشمته، وقال مالك: لا تشمته حتى تسمع حمده فإن رأيت من يليه شمته فشمته اهـ.
» وكلام مالك يدل على أنه إذا تحقق إتيان العاطس بالحمد شمته وإن لم يسمع حمده ( رواه مسلم) ورواه أحمد والبخاري في «الأدب المفرد» .


رقم الحديث 881 ( وعن أنس رضي الله عنه قال: عطس رجلان) قال الشيخ جلال الدين السيوطي هما عامر بن الطفيل ولم يحمده وابن أخيه وهو الذي حمد ( عند النبي فشمت) بالمعجمة وللسرخسي بالمهملة، وتقدم الخلاف هل هما بمعنى وهو الدعاء بخير أو أن بينهما فرقاً، وأن الذي بالمهملة من الرجوع: أي رجع كل عضو منك إلى سمته الذي كان عليه لتحلل أعضاء الرأس والعتق بالعطاس، والذي بالمعجمة من الشوامت جمع شامتة وهي القائمة: أي صان الله شوامتك: أي قوائمك التي بها قوام بدنك عن الخروج عن الإعتدال ( أحدهما) وهو الذي حمد ( ولم يشمت الآخر) وهو الذي لم يحمد ( فقال الذي لم يشمته: عطس فلان) كناية عن اسم الرجل العاطس حينئذ ( فشمته وعطست فلم تشمتني) أي فهو سؤال عن حكمة الإتين به مع الأول وتركه معه ( فقال هذا) أي الذي شمته ( حمد الله) فاستأهل الدعاء له لاشتغاله بالذكر وعدم إهماله ذلك ففيه إكرام من صنع طاعة ( وإنك لم تحمد الله) فكان حقك أن تترك كما تركت الذكر فالجزاء من جنس العمل، وإنما أكد مع أنه إنكار منه لعدم مجيئه بالحمد لما قد يومىء إليه سؤاله من التأهيل له إنما يكون بالحمد، وقد قالت علماء البلاغة: وقد ينزل غير المنكر منزلة المنكرفيتلقى بالمؤكد، وأومأ هذا الحديث إلى ما صرح به ما قاله أنه لا يشمت من لم يحمد الله وإن أتى بنحو تسبيح أو تحميد أو تهليل وهو كذلك.
وفي «معالم السنن» للخطابي حكى عن الأوزاعي أنه عطس رجل بحضرته فلم يحمد الله، فقال له الأوزاعي: كيف تقول إذا عطست، فقال أقول الحمد لله، فقال له يرحمك الله: وإنما أراد بذلك أن يستخرج منه الحمد ليستحق التشميتالله.
هـ.
( متفق عليه) قال الحافظ المزي: أخرجه البخاري في الأدب من «صحيحه» ومسلم في آخر الكتاب، ورواه أيضاً أبو داود في الأدب من «سننه» والترمذي في الاستئذان من «جامعه» وقال: حسن صحيح، والنسائي في اليوم والليلة، وابن ماجه في الأدب من «سننه» اهـ ملخصاً.


رقم الحديث 882 ( وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: كان رسول الله إذا عطس وضع بده أو) شك من الراوي ويحتمل أنها للتنويع أي كان تارة يضع يده وتارة ( ثوبه على فيه) لئلا يخرج منه شيء من بصاق أو مخاط فوضع ما ذكر على فيه لئلا يؤذي جليسه بما يبرز منه ولو لوى عنقه صيانة لجليسه لم يأمن من الالتواء كما شاهدنا من وقع له ذلك ( وخفض أو غض بها صوته) قال ابن العربي: الحكمة في خفض الصوت بالعطاس أن في رفعه إزعاجاً للأعضاء، وقد روى من حديث عبادة بن الصامت وشداد بن أوس مرفوعاً؟ إذا تجشى أحدكم أو عطس فلا يرفع صوته بهما، فإن الشيطان يحبّ أن يرفع بهما صوت أورده السيوطي في «الجامع الصغير» ( شك الراوي) أي قال، خفض أو قال غض، وهل قال وضع يده أو قال ثوبه ( رواه أبو داود) في الأدب من «سننه» ( والترمذي) في الاستئذان من «جامعه» وقال: حديث حسن صحيح.


رقم الحديث 883 ( وعن أبي موسى رضي الله عنه قال: كان اليهود يتعاطسون) الظاهر أن التفاعل فيه للتكلف: أي يظهرون العطاس بالإتيان بصوت يشبهه أو يتسببون له بنحو كشف الرأس ( عند رسول الله يرجون) جملة حالية من الواو: أي يؤملون ( أن يقول لهم يرحمكم الله) لتعود عليهم بركة دعائه بها فإنهم كانوا يعلمون باطناً نبوته ورسالته وإن أنكرو ظاهراً حسداً وعناداً ( فيقول لهم) من مزيد فضله ولا يحرمهم بركة حضرته وثمرة الجلوس بين يديه ( يهديكم الله) أي يدلكم على الهدى لتهتدوا، ولو أراد يوصلكم إلى الهدى لآمنوا واهتدوا ( ويصلح بالكم) أي ما يهتم به من أمر الدين وذلك بأن يرشدهم إلى الاسلام ويزينه لهم ويوفقهم له ( رواه أبو داود والترمذي وقال: حديث حسن صحيح) .


رقم الحديث 884 ( وعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: قال رسول الله إذا تثاوب) تقدم أنه عند مسلم بالواو ( أحدكم فليمسك بيده على فيه) وفي نسخة فمه بالميم وذلك كراهية صورة التثاؤب المحبوبة للشيطان ( فإن الشيطان يدخل فيه) أي في الإنسان عند انفتاح فمه حال التثاؤب فيمنعه من ذلك بوضع اليد على الفم سداً لطريقه ومبالغة في منعه وتعويقه ( رواه مسلم) وأشار السيوطي في «الجامع الصغير» إلى أن البخاري أخرجه أيضاً، وقد أخرجه أحمد وأبو داود بلفظ «فإن الشيطان يدخل من التثاؤب» وعند ابن ماجه من حديث أبي هريرة بلفظ «إذا تثاوب أحدكم فليضع يده على فيه، ولا يعوي فإن الشيطان يضحك منه» .
3