فهرس الكتاب

دليل الفالحـــين - بابُ فضل الحمد والشكر

رقم الحديث -240 أي: ما جاء في فضله والحض عليه.
وتقدم صدر الكتاب أنه لغة: الثناء باللسان على الجميل الاختياري على جهة التعظيم، وعرفاً فعل ينبىء عن تعظيم المنعم، لكونه منعماً على الحامد أو غيره، وأن النسبة بينهما العموم والخصوص الوجهي ( وشكره) عطفه على الحمد قرينة على أن المراد بالحمد الحمد اللغوي، وإلاّ فمعنى الحمد العرفي هو معنى الشكر لغة، أو أن المراد بالشكر معناه العرفي، أي: صرف العبد جميع ما أنعم الله به عليه لما خلق لأجله، كصرف السمع لسماع الآيات: والنظر للتفكر في المصنوعات، ويصح أن يراد من كل ما يعم المعنى اللغوي والعرفي وأتى بهما؛ لأن كلاً منهما مطلوب وإن تقاربا ( قال الله تعالى: فاذكروني) أي: بالطاعة أو في الرخاء ( أذكركم) بالمغفرة أو في الشدة.
وفي الحديث "من أطاع الله فقد ذكره وإن لم يذكره بلسانه، ومن عصى الله فقد نسيه وإن ذكره بلسانه" أورده الواحدي في الوسيط ( واشكرو لي) نعمتي ( وقال تعالى لئن شكرتم) نعمتي وأطعتموني ( لأزيدنكم) في النعمة.
والخطاب وإن كان لبني إسرائيل فهذه الأمة أولى بالزيادة عند الشكر منهم؛ لفضلها عليهم ( وقال تعالى) مخاطباً لنبيه ( وقل الحمد لله) حذف باقي القول وهو ( وسلام على عباده الذين اصطفى) ؛ لعدم تعلقه بالترجمة.
وأورد ما ذكر؛ لأن في الآية دلالة على شرف الحمد، إذ ورد الأمر له بأن يقوله: ( وقال تعالى وآخر دعواهم) أي: في الجنة ( أن) أي: أنه ( الحمد لله رب العالمين) أي: مالك العالمين، عن كثير من السلف أن أهل الجنة كلما اشتهوا شيئاً قالوا: سبحانك اللهم، فيأتيهم الملك بما يشتهون ويسلم عليهم فيردون عليه، وذلك قوله تعالى: ( تحيتهم فيها سلام) فإذا أكلوا حمدوا الله، وذلك قوله تعالى: ( وآخر دعواهم أن الحمد لله رب العالمين) .


رقم الحديث 1393 ( وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي - صلى الله عليه وسلم - أتى) أي: أتاه جبريل ( ليلة أسري به) وهي ليلة المعراج، وكان قبل الهجرة بثمانية عشر شهراً على أحد الأقوال، وسكت عن كونه.
وقيل: المعراج ببيت المقدس أو بعده عند سدرة المنتهى، وقد جاء في كل رواية وجمع بتعدد ذلك لأنها كانت ليلة إكرامه - صلى الله عليه وسلم - ( بقدحين) بفتح أوليه ( من خمر ولبن) أي مملوئين أحدهما من خمر والآخر من لبن ولظهور المراد عبر بما ذكر ( فنظر إليهما - صلى الله عليه وسلم -) أي وكان خير بينهما فألهم - صلى الله عليه وسلم - اختيار اللبن ( فأخذ اللبن فقال جبريل: الحمد لله الذي هداك للفطرة) قال المصنف: فسروا الفطرة هنا بالإسلام والاستقامة ومعناه والله أعلم: اخترت علامة الإِسلام والاستقامة، وجعل اللبن علامة ذلك لكونه سهلاً طيباً طاهراً سائغا للشاربين سليم العاقبة، والخمر أم الخبائث جالبة لأنواع من الشر حالاً ومآلاً اهـ.
( لو أخذت الخمر غوت أمتك رواه مسلم) ففيه إيماءً إلى التفاؤل بالفأل الحسن.


رقم الحديث 1394 ( وعنه عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: كل أمر ذي بال) أي شأن يهتم به شرعاً ( لا يبدأ فيه بالحمد لله) برفع الحمد على الحكاية فيكون المراد خصوص هذه الجملة أو بالجر فيكون المراد البدء بما فيه معنى الحمد بأي صيغة كانت ( فهو أقطع) أي: ناقص البركة ( حديث حسن) حسنه ابن الصلاح وغيره بل صححه الشرف الدمياطي ( رواه أبو داود وغيره) كابن ماجه والبيهقي في السنن، وقد أطلت الكلام في مخرجي هذا الحديث واختلاف ألفاظ رواته في أول كتاب الحمد من شرح الأذكار.


رقم الحديث 1395 ( وعن أبي موسى رضي الله عنه أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: إذا مات ولد العبد) هو شامل للبالغ وغيره وللذكر وغيره ( قال الله تعالى لملائكته: قبضتم) بفتح الموحدة والاستفهام مقدر فيه أي: أقبضتم وهو استفهام تقريري أو على ظاهره لينبههم على عظم فضل ثواب الصابر وإلا فهو غني عن الأسئلة لإِحاطة علمه بكل شيء ( ولد عبدي فيقولون: نعم) هي حرف للإِعلام لكونها في جواب الاستفهام ( فيقول: قبضتم ثمرة فؤاد) بفتح المثلثة والميم هو كناية عن الولد لكونه بمنزلة خلاصة الخلاصة إذ القلب خلاصة البدن، وخلاصته اللطيفة المودعة فيه من كمال الإِدراكات والعلوم التي خلق لها وشرف بشرفها، فلشدة شغف هذه اللطيفة بالولد صار كأنه ثمرتها المقصودة منها، وهو ترق بين به وجه عظم هذا المصاب وعظم الصبر عليه مع ذلك، بل ترقي عن مقام الصبر لمقام الحمد ( فيقولون: نعم.
فيقول: ماذا قال عبدي؟ فيقولون: حمدك واسترجع)
أي: قال: إنا لله وإنا إليه راجعون أي: فحقيق أن من فقد هذه الثمرة الخطيرة ومع ذلك لم يعدها مصيبة من كل وجه بل مصيبة من وجه فاسترجع، ونعمة من وجه فحمد، أن يقابل بالحمد في تسمية محله به ( فيقول الله: ابنوا لعبدي بيتاً في الجنة وسموه بيت الحمد رواه) أحمد و ( الترمذي وقال: حديث حسن) ففيه كمال فضل الصبر على فقد الصفي، وفي حديث "ما لعبدي المؤمن إذا قبضت صفيه من الدنيا فاحتسب إلا الجنة".


رقم الحديث 1396 ( وعن أنس رضي الله عنه قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: إن الله ليرضى عن العبد يأكل الأكلة) قال المصنف: كما تقدم في باب بيان طرق الخير بفتح الهمزة وهي الغدوة أو العشوة.
اهـ قلت: وبضم الهمزة، معناها اللقمة كما في المصباح ( فيحمده) بالرفع ( عليها) أي: لأجلها فعلى هنا مثلها في قوله تعالى: ( ولتكبروا الله على ما هداكم) في كونها للتعليل ( ويشرب الشربة فيحمده عليه رواه مسلم) وتقدم الحديث مشروحاً في الباب المذكور.