فهرس الكتاب

دليل الفالحـــين - باب تحريم ابتداء الكافر بالسلام وكيفية الرد عليهم واستحباب السلام على أهل مجلسٍ فيهم مسلمون وكفار

رقم الحديث 866 ( عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله قال: لا تبدءوا اليهود ولا النصارى بالسلام) هو نهى تحريم، قال المصنف في «شرح مسلم» : هذا الحديث دليل مذهبنا ومذهب الجمهور من تحريم ابتداء الكفار بالسلام، وذهبت طائفة إلى جواز ابتدائنا لهم بالسلام، روى ذلك عن جمع منهم ابن عباس وآخرون، وهو وجه لبعض أصحابنا حكاه الماوردي لكنه يقول: السلام عليك لا عليكم، واحتج هؤلاء بعموم أحاديث الأمر بانشاء السلام وهي حجة باطلة لأنه مخصوص بهذا الحديث.
ثم حكى المصنف قولاً بكراهة ابتدائهم وضعفه وصوب أن النهي فيه للتحريم وأنه يحرم ابتداؤهم به، وقولاً آخر أنه يجوز ابتداؤهم به لضرورة وحاجة وسبب وهو قول علقمة في آخرين ( فإذا لقيتم أحدهم في طريق فاضطروه) أي فألجئوه بالتضييق عليه ( إلى أضيقه) وهذا عند الزحام فيركب المسلمون صدر الطريق فإن خلت الطريق عن الزحمة فلا حرج، وليكن التضييق بحيث لا يقع في وهدة ولا يصدمه نحو جدار ( رواه مسلم) في الاستئذان، قال السيوطي في «الجامع الكبير» : ورواه أحمد في «مسنده» أبو داود والترمذي وابن حبان.


رقم الحديث 867 ( وعن أنس رضي الله عنه قال: قال رسول الله: إذا سلم عليكم أهل الكتاب) هو شامل للذمي والحربي ( فقولوا) وجوباً، قاله المصنف وحكى قولاً بعدم الوجوب وضعفه ( وعليكم) وجهه في حديث ما جاء في حديث آخر عند مسلم «إن اليهود إذا سلموا عليكم يقول أحدهم: السام عليكم، فقل عليك» وفي رواية فقال «فقل وعليك» قال المصنف: اتفق العلماء على الرد على أهل الكتاب إذا سلموا لكن لا يقال لهم إذا سلموا وعليكم السلام، بل يقال عليكم أو وعليكم.
وقد جاءت عند مسلم أحاديث بإثبات الواو وحذفها وأكثر الروايات إثباتها، وعليه ففي معناها وجهان: أحدهما أنه على ظاهره من العطف فقالوا عليكم فقال وعليكم أيضاً: أي نحن وأنتم فيه سواء: أي كلنا نموت.
والثاني أن الواو للاستئناف لا للعطف والتشريك، والتقدير: وعليكم ما تستحقونه من الذم، وأما من حذف الواو فالتقدير عنده عليكم السام.
قال المصنف بعد أن حكى عن ابن حبيب المالكي ترجيح حذف الواو لئلا يقتضي التشريك، وعن الخطابي أنه بعد نقله عن عامة المحدثين أنهم ترجيح حذف الواو لئلا يقتضي التشريك، وعن الخطابي أنه بعد نقله عن عامة المحدثين أنهم يروون هذا الحرف وعليكم بإثبات الواو، وأنّ ابن عيينة يرويه بغير واو صوّب رواية حذفها قال: لأنها إذا حذفت صار الكلام بعينه مردوداً عليهم خاصة، وإذا أثنتت اقتضت المشاركة معهم فيما قالوه اهـ.
والصواب أن إثبات الواو وحذفها جائزان كما صحت به الروايات وأن الواو أجود كما هو في أكثر الروايات، ولا مفسدة فيه لأن السام هو الموت وهو علينا وعليهم فلا ضرورة في قوله بالواو اهـ ( متفق عليه) أخرجاه في الاستئذان، ورواه أحمد الترمذي وابن حبان.


رقم الحديث 868 ( وعن أسامة رضي الله عنه: أن النبي مرّ) وذلك في توجهه لعيادة سعد بن عبادةكما في مسلم على مجلس فيه أخلاط ( جمع خلط بكسر المعجمة كحمل وأحمال من المسلمين والمشركين) من فيه للبيان ( عبدة الأوثان) أي ممن لم يسلم حينئذ من قبيلة الأنصار فإنهم كانوا قبل الإسلام عبدة أوثان ( واليهود) الظاهر أنه معطوف على المشركين فيكون قسيماً لهم، ويجوز أن يكون عطفاً على عبدة الأوثان فيكونان قسيمين للمشركين.
قال البيضاوي في تفسير قوله تعالى: و { لا تنكحوا المشركات حتى يؤمن} ( البقرة: 22) مبيناً شمول الشرك لأهل الكتاب، والمشركات يعم الكتابيات لأن أهل الكتاب مشركون لقوله تعالى: { وقالت اليهود عزير ابن الله وقالت النصارى المسيح ابن الله} ( التوبة: 3) إلى أن قال { سبحانه عما يشركون} ( التوبة: 31) ( فسلم عليهم النبي) ولا شبهة أن سلامه متوجه إلى المؤمن منهم للنهي عن ابتداء غيره بالتحية ( متفق عليه) أي بمعناه، فقد أخرجه مطولاً البخاري في الجهاد وفي اللباس والاستئذان والتفسير وغيرها ومسلم في المغازي، وأخرجه النسائي أيضاً، وهذا اللفظ المختصر أخرجه الترمذي في الاستئذان كما قاله المزي في «الأطراف» .
9