فهرس الكتاب

دليل الفالحـــين - باب بيان فضل صوم المُحَرَّم وشعبان والأشهر الحُرمُ

رقم الحديث -223 سمي بذلك دون باقي الأشهر الحرم، تشريفاً، وقيل: لغير ذلك، كما بينته في مؤلفي في عاشوراء، المسمى بفتح الكريم القادر، في متعلقات عاشوراء، من الأعمال والمآثر ( وشعبان والأشهر الحرم) لعل حكمة فضله بشعبان بين المحرم، وباقي الأشهر الحرام مع فضل صومها على صومه، إكثار صومه - صلى الله عليه وسلم - له كما سيأتي دونها، وإلا فهو بعده في الفضل، خلافاً لبعض منهم ابن رجب في اللطائف كما بينته في المؤلف المذكور مع رده.


رقم الحديث 1246 ( عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: أفضل الصيام) أي: من النانلة المطلقة ( بعد) صيام ( شهر رمضان شهر الله المحرم) أي: صيامه وإضافة الشهر لله كإضافة البيت والناقة إليه تعالى في قولنا: الكعبة بيت الله، وقوله تعالى: ( ناقة الله) للتشريف والتفخيم ( وأفضل الصلاة) أي: من النافلة المطلقة ( بعد الفريضة صلاة الليل) أي: التهجد وذلك؛ لأنه أبعد عن الرياء وأقرب إلى الإِخلاص، مع حصول الحضور حينئذ؛ لعدم وجود ما يصد عنه؛ ولأنه وقت التجليات الإِلهية والفيوض الربانية ( رواه مسلم) وتقدم مشروحاً في باب فضل قيام الليل.


رقم الحديث 1247 ( وعن عائشة رضي الله عنها قالت لم يكن النبي - صلى الله عليه وسلم - يصوم) أي: صوم نفل مطلق، ( من شهر) أي: فيه، أو بعضه ( أكثر من شعبان) وفعله - صلى الله عليه وسلم - لذلك، مع الحديث قبله الدال على أفضلية صوم المحرم على صومه، لما ورد عنه - صلى الله عليه وسلم - من قوله: "إنه شهر ترفع فيه الأعمال فأحب أن يرفع عملي وأنا صائم" وفي حديث آخر " إنه شهر تكتب فيه الآجال فأحب أن يكتب أجلي وأنا صائم " وفي حديث آخر " إنه شهر يغفل الناس عنه بين رجب ورمضان فأحب إحياءه "؛ أو لأنه لم يطلع على فضل صوم المحرم إلا في أواخر عمره الشريف، أو لم يتمكن من صومه؛ لكونه أول السنة، فكان يتجهز فيها للحروب ويخرج لجهاد أعداء الدين، وعلى كل فلا دليل في إكثاره صومه، دون المحرم على فضله على المحرم مع ما ذكر ( فإنه كان يصوم شعبان كله) قيل: المراد أنه كان يصوم معظمه بدليل قوله: ( وفي رواية) لمسلم ( كان يصوم شعبان إلا قليلاً) وعند البخاري: ما رأيته أكثر صياماً منه في شعبان، فلذا قال المصنف: ( متفق عليه) قال المصنف في شرح مسلم: قوله كان يصوم شعبان إلا قليلاً، هذا تفسير للأول، وبيان أن قوله كله أي: غالبه، وقيل: كان يصومه كله في وقت وبعضه في وقت آخر، وهذا أنسب باللفظ.
قال المصنف قال العلماء: وإنما لم يستكمل غير رمضان؛ لئلا يظن وجوبه، وقيل: في قولها كله أي: يصوم في أوله وفي وسطه وفي آخره، ولا يخص شيئاً منه بل يعمه بصيامه، ذكر هذه الأجوبة المصنف في شرح مسلم، وقيل: غير ذلك، وقد تعقب الدماميني في المصابيح كلامه.
"أما الأول": فإن إطلاق الكل على الأكثر مع الإِتيان به توكيداً، غير معهود.
وتعقبه الحافظ زين الدين العراقي، بأن في حديث أم سلمة عند الترمذي: ما رأيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يصوم شهرين متتابعين إلا رمضان وشعبان، فعطفه على رمضان يبعد أن يراد به أكثره، إذ لا جائز أن يراد من رمضان بعضه، والعطف يقتضي المشاركة فيما عطف عليه، وإن مشى ذلك فإنما يمشي على رأي من يقول إن اللفظ الواحد يحمل على حقيقته ومجازه، وفيه خلاف لأهل الأصول قال في عمدة القاري: ولا يمشي على ذلك الرأي أيضاً؛ لأن من قال ذلك قاله في اللفظ الواحد، وهما لفظان رمضان وشعبان، لكن نقل الترمذي عن ابن المبارك أن العرب يتجوزون بذلك فيقولون: إذا صام أكثر الشهر وقام أكثر ليله صام الشهر كله، وقام ليله أجمع، ولعله قد تعشى واشتغل ببعض أمره.
"وأما الثاني": فقال الدماميني: إن قولها: كان يصوم شعبان يقتضي تكرار ذلك الفعل له عادة على ما هو المعروف في مثل هذه العبارة اهـ أي: بناء على إفادتها له، والذي اختاره المصنف وعزاه للأكثرين والمحققين أنها تقتضيه عرفاً.
"وأما الثالث": فقال الدماميني: إن أسماء الشهور إذا ذكرت غير مضاف إليها لفظ شهر كان العمل عاماً لجميعها، فلا تقول سرت المحرم، وقد سرت بعضه، فإن أضفت الشهر إليه لم يلزم التعميم، هذا مذهب سيبويه، وتبعه عليه غير واحد، ولم يخالفه إلا الزجاج، وأما قولها في رواية: وما رأيته أكثر صياماً منه في شعبان، فلا ينافي صيامه لجميعه، فإن المراد، أنه - صلى الله عليه وسلم - أكثر الصيام فيه على غيره من الشهور التي لم يفرض فيها الصوم، وذلك صادق بصومه كله؛ لأنه إذا صام جميعه صدق عليه أن الصوم الذي أوقعه فيه أكثر من الصوم الذي أوقعه في غيره، ضرورة أنه لم يصم غيره، مما عدا رمضان كاملاً، وأما قولها: لم يستكمل إلا رمضان فيحمل على الحذف أي: وشعبان بدليل الطريق الآخر، كان يصوم شعبان كله، وحذف المعطوف والعاطف جميعاً ليس بعزيز في كلامهم، ويمكن الجمع بطريق أخرى، وهي أن قولها: كان يصوم شعبان كله، محمول على محذوف أداة الإِستثناء والمستثنى أي: إلا قليلاً منه؛ بدليل رواية عبد الرزاق بلفظ "ما رأيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أكثر منه صياماً في شعبان فإنه كان يصومه كله إلا قليلاً.
اهـ ملخصاً من القسطلاني على البخاري.


رقم الحديث 1248 ( وعن مجيبة) بضم أوله وكسر الجيم بعدهما تحتية، ثم موحدة، امرأة من الصحابة، كذا في تقريب الحافظ ( الباهلية) قال ابن الأثير: ( عن أبيها) وفي أطراف المزي، اسم أبي مجيبة عبد الله بن الحارث الباهلي صحابي ( أو عمها) قال أبو موسى: ذكر فيمن لم يسم، وقال أبو عمر: لا أعرفه، وأخرجه أبو عمر وأبو موسى مختصراً، فيمن روى عن أبيه ( أنه أتى رسول الله - صلى الله عليه وسلم -) أي: أتاه وافداً عليه ( ثم انطلق) إلى أهله ( فأتاه بعد سنة) الفاء فيه مستعارة لموضع ثم وجملة ( وقد تغيرت حاله) أي: صفته، والحال يذكر ويؤنث في محل الحال من الفاعل ( وهيئته) هي الحال الظاهرة فعطفها على الحال من عطف الخاص على العام ( فقال) عطف على مقدر أي: فلم يعرفه فقال: ( يا رسول الله أما) بتخفيف الميم، أداة استفتاح ( تعرفني؟ قال: ومن أنت؟ قال: أنا الباهلي الذي جئتك عام الأول) من إضافة الموصوف لصفته، وهو مؤول عند البصريين على تقدير عام الوقت الأول ليمنع ذلك اتحاد المتضايفين، وأجازه الكوفيون من غير تأويل ( قال: فما غيرك وقد كنت حسن الهيئة) جملة حالية من فاعل غير ( قال: ما أكلت طعاماً منذ) ظرف لدخولها على الجملة الفعلية وهي ( فارقتك إلا بليل) أي: لم أزل صائماً، ومراده ما عدا أيام العيد والتشريق، ويحتمل أنه أراد ما يعمها، وكان لم يعلم تحريم صومها، ويؤيد الأول أنه لم ينهه عن صومها، ولم يبين له تحريمها ( فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: عذبت نفسك) أي: بمنعها من مألوفاتها وقطعها عن معتاداتها، بما يضر بالنفس التي مطية العبد للوصول إلى ساحة الفضل ( ثم قال: صم) المراد من الأمر فيه مطلق الطلب الشامل للوجوب والندب ( شهر الصبر) لاستغراق النفي ( أيام العمل الصالح) مبتدأ ( فيها) ظرف مستقر في محل الوصف أو الحال مما قبله؛ لأنه محلى بأل الجنسية، أو لغو متعلق بالخبر وهو ( أحب إلى الله من العمل الصالح في هذه الأيام) ولا يضر تعدد المتعلق لاختلاف اللفظ ( يعني) أي: النبي - صلى الله عليه وسلم - بالأيام المشار إليها ( أيام العشر) أي: من ذي الحجة ( قالوا: يا رسول الله ولا الجهاد في سبيل الله) أي: المفعول في غيرها أفضل من غيره من عمل البر فيها ( قال: ولا الجهاد في سبيل الله) أي: فلا يفوق عمل البر فيها ( إلا رجل) أي: إلا عمل رجل فالاستثناء متصل، والرفع على البدل، وقيل: منقطع أي لكن رجل خرج يخاطر بنفسه وماله فلم يرجع بشيء أفضل من غيره، وقال الدماميني: إنما يستقيم هذا على اللغة التميمية، وإلا فالمنقطع عند أهل الحجاز واجب النصب ( خرج يخاطر بنفسه وماله) أي: خرج يقصد قهر عدوه، ولو أدى ذلك إلى قتل نفسه وذهاب ماله ( فلم يرجع من ذلك بشيء) أي: بأن رزقه الله الشهادة، ولأبي عوانة: إلا من لا يرجع بنفسه، ولا ماله، وله من طريق آخر، إلا أن لا يرجع، وله أيضاً: إلا من عقر جواده وأهريق دمه.
زاد أبو عوانة في رواية عن ابن عمر "فأكثروا فيهن من التهليل والتكبير، فإن صيام يوم منها يعدل صيام سنة، والعمل فيها بسبعمائة ضعف " وللترمذي عن أبي هريرة "يعدل صيام كل يوم منها بصيام سنة وقيام كل ليلة منها بقيام ليلة القدر".
"قلت" وبهذه الروايات يتخصص حديث: أفضل الصيام بعد شهر رمضان شهر الله المحرم ( رواه البخاري) ورواه أبو داود والترمذي، وقال: حسن صحيح غريب.
وابن ماجه.