فهرس الكتاب

دليل الفالحـــين - باب بيان جواز الشرب قائِماً وبيان أنَّ الأكمل والأفضل الشرب قاعداً.

رقم الحديث 767 ( وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: سبقت النبي من زمزم) فيه إطلاق ذلك على نفس الماء فيكون زمزماً اسماً له، ويحتمل أن يكون على تقدير مضاف: أي من ماء زمزم فيكون زمزم اسماً للبئر ( فشرب وهو قائم) وذلك لبيان الجواز أو لضيق المحل عن التمكن من الجلوس، وقد بسطت الكلام على ذلك في كتاب «درر القلائد فيما يتعلق بزمزم وسقاية العباس من الفوائد» ( متفق عليه) روياه في الأطعمة من «صحيحهما» .


رقم الحديث 768 ( وعن النزل) بفتح النون وتشديد الزاي ( ابن سبرة) بفتح المهملة وسكون الموحدةالهلالي الكوفي ثقة من كبار التابعين، وقيل إن له صحبة كذا في «تقريب الحافظ» ، وليس للنزال في البخاري سوى هذا الحديث كما في «الفتح» ( قال: أتى علي رضي الله عنه باب الرحبة) بفتح الراء وبالمهملة وبالموحدة وهو المكان المتسع، ومنه رحبة المسجد وهي ساحته قال ابن التين: فعلى هذا تسكن حاء الرحبة، ويحتمل أنها صارت رحبة الكوفة بمنزلة رحبة المسجد فيقرأ بالتحريك، قال الحافظ ابن حجر: وهذا هو الصحيح ( فشرب قائماً) أي بعد غسله وجهه ورأسه ورجليه ( وقال إني رأيت) أي أبصرت ( رسول الله فعل كما رأيتموني فعلت) وجملة فعل الخ في محل الحال من مفعول الفعل بإضمار قد، ويجوز كون رأي علمية فالجملة ثاني مفعوليها والمشار إليه بقوله فعلت كما رأيتموني فعلت: قال الحافظ: هو الشرب من قيام ثم أورد ما يدل له ومنه قول على: «إن أشرب قائماً فقد رأيت رسول الله يشرب قائماً، وإن أشرب قاعداً فقد رأيته يشرب قاعداً» ( رواه البخاري) في الأشربة من «صحيحه» ، ورواه أيضاً أبو داود فيها والترمذي في «الشمائل» والنسائي في الطهارة.


رقم الحديث 769 ( وعن ابن عمر رضي الله عنهما قال: كنا نأكل على عهد) أي زمن ( رسول الله ونحن نمشي) الجملة الاسمية حال من فاعل نأكل وهذا محمول على أنه جائز: أي لا يحرم، وإن كان منهياً عنه فالنهي فيه تنزيهي لا تحريمي وكذا قوله ( ونشرب ونحن قيام) جمع قائم كقوله تعالى: { فاذكروا الله قياماً وقعوداً} ( النساء: 13) وهذا الفعل فيهما خلاف الأكثر من شأنهم فيهما، فالأكثر فعل الأكل والشرب من قعود ( رواه الترمذي) في الأشربة من «جامعه» ( وقال: حديث صحيح) والذي في نسختي منه هذا حديث حسن صحيح غريب من حديث عبيد الله بن عمر عن نافع عن ابن عمر، ورأيته كذلك عند المزي في «الأطراف» فلعل حذفالوصفين من النسخة التي عند المؤلف من النساخ.
قال المزي: ورواه ابن ماجه في الأطعمة.


رقم الحديث 770 ( وعن عمرو بن شعيب) بن محمد بن عبد الله بن عمرو بن العاص ( عن أبيه عن جده) أي جد أبيه وهو ابن العاص، ولذا قال ( رضي الله عنه قال: رأيت رسول الله يشرب قائماً) محمول عند الجمهور كما تقدم على بيان الجواز أو أن ضرورة ضيق المحل حملته على ذلك ( وقاعداً) هذا هو الأكثر وهو الأكمل والأفضل ( رواه الترمذي وقال: حديث حسن صحيح) الذي في نسختي من «الجامع» الاقتصار على وصف الحسن، وكذا اقتصر المزي في «الأطراف» بقوله وقال: حديث حسن.


رقم الحديث 771 ( وعن أنس رضي الله عنه عن النبي نهى أن يشرب الرجل قائماً) بتقدير أنه قبل الفعل وروي التثليث الترمذي وحسنه من حديث الجارود ( قال قتادة) هو ابن دعامة السدوسي البصري تابعي ثقة ثبت، قال الحافظ في «التقريب» : يقال إنه ولد أكمه، خرج عنه الجميع ( فقلنا لأنس فالأكل) أي قائماً كيف هو أيكره كالشرب قائماً ( قال ذلك أشر) قال المصنف: كذا وقع في أصول مسلم أشر بالألف والمعروف في اللغة بحذفها وكذا أخير قال الله تعالى { فسيعلمون من هو شرّ مكاناً} ( مريم: 75) وقال { أصحاب الجنة يومئذ خير مستقراً} ( ) ولكن هذه اللفظة وقعت على الشك فإنه قال أشر ( أو أخبث) فشك الراوي عن قتادة في أي اللفظين صدر من أنس فلا يثبت عن أنس أنه قال أشر بالألف لهذه الرواية فإن بت عنه من رواية أخرى كان عربياً فصيحاً قليل الاستعمال قال ولهذا نظير مما لا يكون معروفاً عند النحاة وجارياً على قواعدهم وتثبت به الرواية فلا ينبغي رده إذا ثبت بل يقال هذه لغة قليلة الاستعمال وسببه أن النجاة لم يحيطوا إحاطة قطعية بجميع كلام العرب ولذا يمنع بعضهم ما ينقل غيره عن العرب كما هو معروف اهـ قال في الفتح وإنما جعل الأكل شراً لطول زمانه بالنسبة لزمان الشرب.
( رواه مسلم.
وفي رواية له)
عن أنس ( أن النبيّ زجر) أي منع ( عن الشرب قائماً) والمنع على سبيل التنزيه لدليل شربه قائماً.


رقم الحديث 772 ( وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله: لا يشربن أحد منكم قائماً فمن تسنى) فشرب كذلك قال المصنف: وتبعه العراقي في «شرح الترمذي» لا مفهوم لهذا القيد، فمن شرب قائماً ولو عامداً ( فليستقيء) أي يتقايا والسين للمبالغة، وخص النسيان بالذكر لكون شأن المؤمن ألا يفعل ذلك بعد النهي غالباً إلا نسياناً قال الحافظ في «الفتح» : ويطلق النسيان بمعنى الترك فيشمل العمل ومنه قال المصنف: بعد أن ذكر الأحاديث الواردة في المنع من الشرب قائماً والواردة في إجازة ذلك والصواب أن النهي فيها محمول على التنزيه، وشربه قائماً لبيان الجواز، ومن زعم نسخاً أو غيره فإنه لا يصار إلى النسخ إلا عند تعذر إمكان الجمع من ثبوت التاريخ وفعله لذلك لا يكون مكروهاً في حقه أصلاً لأنه كان يفعل الشيء للبيان المرة والمرات ويواظب على الأفضل، والاستقاء محمول على الاستحباب لأن الأمر إذا لم يحمل على مقتضاه من الوجوب حمل على الاستحباب، وقول عياض لا خلاف بين أهل العلم أن من شرب قائماً لا يتقيأ، وأشار به إلى تضعيف الحديث لا يلتفت إلى إشارته وكون أهل العلم لا يقولون به لا يمنع استحابه فمن ادعى منع الاستحباب بالإجماع فهو مخالف وكيف يترك السنة الصحيحة الصريحة بالتوهمات والدعاوى والتنزهات.
وقال الحافظ في «الفتح» : وليس في كلام عياض التعرض للاستحباب أصلاً بل نقل الاتفاق وإنما هو كلام المازري وتضعيف عياض للأحاديث لم يتشاغل النووي الجواب عنه وطريق الإنصاف ألا تدفع حجة العالم بالصدر فأما إشارته إلى تضعيف حديث أنس فلكون قتادة مدلساً، وقد يمنعه فيجاب عنه بأنه صرح في نفس السند بما يقتضي سماعه له منه فإن فيه قلنا لأنس فالإكل اهـ.
وللناس في حديث الشرب المذكور مسالك ذكرها الحافظ في الأشربة من «الفتح» ، وهذا الذي ذكرناه ما اختاره المصنف وهو أوجهها والله أعلم.
( رواه مسلم) .