فهرس الكتاب

دليل الفالحـــين - باب ما يقوله إذا ركب الدابة للسفر

رقم الحديث -168 أي عند ركوبها ( للسفر) ظاهر عمومه ولو كان غير مباح كالسفر لنحو قطع طريق، ولا بعد فيه لأن الجهة منفكة، وظاهر عبارته أنه لا يأتي به وقت ركوبها في غير السفر، وظاهر الآية طلب الذكر حينئذ وهو الأقرب وذكر السفر جرى على الغالب.
( قال الله تعالى) : ( { وجعل} ) أي خلق ( { لكم من الفلك} ) أي السفن ( { والأنعام} ) جمع نعم وهي الإبل والبقر والغنم، والمراد منه هنا الإبل ( ما تركبون) أي الذي تركبونه بحذف العائد اختصاراً ( { لتستووا على ظهوره} ) ذكر الضمير وجمع الظهر نظراً للفظ ما ومعناها ( { ثم تذكروا نعمة ربكم} ) أي إنعامه عليكم ( { إذا استويتم عليه} ) أي وقت استوائكم عليه فهو ظرف لتذكروا ( { وتقولوا} ) أي عند الركوب ( { سبحان الذي سخر لنا هذا} ) أي إنه مقدس عما لا يليق به منتزه عن سائر سمات الحوادث من الركوب والاستقرار على شيء ( { وما كنا له} ) أي لتسخيره المدلول عليه بقوله سخر لنا هذا أوله: أي المشار إليه ( { مقرنين} ) أي مطيقين ( { وإنا إلى ربنا لمنقلبون} ) ذكر لتنبيه الغافل للموت الذي قد ينشأ عن الركوب من تعثر الدابة وسقوطه عنها فيحمله ذلك على الاستكانة لله سبحانه والتوبة عن سائر المخالفات.


رقم الحديث 972 ( وعن ابن عمر رضي الله عنهما: أن رسول الله كان إذا استوى على بعيره) ليس ذكره لتقييد طلب الذكر به بل يطلب عند ركوبه كل مركوب ( خارجاً إلى السفر) أي سفر كان ( كبر) أي قال الله أكبر ( ثلاثاً) ظرف لكبر ( { ثم قال: سبحان الذي سخر لنا هذا} ) أي ذلله فتسخر قال الله تعالى: { وذللناها لهم} ( يس: 72) ( { وما كنا له مقرنين} ) جملة حالية من مجرور واللام ( { وإنا إلى ربنا لمنقلبون} ) جملة حالية أيضاً من «الذي» قبله أو من اسم كان أو ضمير خبره، فعلى الأول حال مترادفة وعلى الآخر حال متداخلة ( اللهم إنا نسألك في سفرنا هذا) أي بخصوصه ( البر) بكسر الموحدة أي الخير والفضل أو عمل الطاعة وعليه فعطف قوله ( والتقوى) من عطف العام على الخاص إن أريد بها الكف عن المخالفة وفعل الطاعة، وإن أريد بها الكفّ عن المعصية فهو من عطف المغاير وسؤال ذلك فيه لأن السفر مظنة ترك البرّ والتقوى إلا بتأييد من الله سبحانه ( ومن العمل ما ترضى) أي ما تحبه وتقبله والعائد محذوف ( اللهم هون علينا سفرنا) أي مشقته أو المشقة فيه ووصفه بقوله ( هذا) لما تقدم ( واطو) بوصل الهمزة: أي أزل أو ادفع ( عنا بعده) أي حقيقة أو حكماً ( اللهم أنت الصاحب) قال في «الفائق» : أي الملازم، وأراد بذلك مصاحبة الله إياه بالعناية والحفظ من الحوادث والنوازل في السفر.
t قال الشيخ أحمد بن حجر الهيتمي: إطلاق الصاحب على الله تعالى بقيد ( فيالسفر) جائز لا غير مقيد به لأن أسماءه تعالى توقيفية، وكذا كل ما ورد مقيداً كقوله ( والخليفة) أي المعتمد عليه والمفوض إليه حضوراً وغيبة ( في الأهل) ولا يطلق عليه كل من الصاحب والخليفة من غير قيد اهـ ملخصاً.
قال التوربشتي: الخليفة هو الذي ينوب عن المستخلف عنه، والمعنى: أنت الذي أرجوه وأعتمد عليه في غيبتي عن أهلي أن يلم شعثهم ويداوي سقيمهم ويحفظ عليهم دينهم وأمانتهم ( اللهم إني أعوذ) أي اعتصم ( بك من وعثاء السفر وكآبة المنظر) بفتح الميم والظاء قيل المراد الاستعاذة من كل منظر يعقب النظر إليه الكآبة فهو من قبيل إضافة المسبب إلى السبب ( وسوء المنقلب) بصيغة المفعول مصدر ميمي: أي الانقلاب من السفر والعود إلى الوطن بمعنى استعاذ من أن يعود لوطنه فيرى ما يسوؤه ( في المال والأهل) المراد بالأهل أهل البيت من الزوجة والخدم والحشم.
قال ميرك استعاذ من أن ينقلب إلى وطنه فيلقي ما يكتئب به من سوء أصابه في سفره كأن يرجع غير مقضي الحوائج، أو يصيب ماله آفة، أو كأن يقدم أهله فيجدهم مرضى أو يفقد بعضهم، قال في «الحرز» : أو يرى بعضهم على المعصية ( وإذا رجع) أي لابس الرجوع بالشروع فيه ( قالهن) أي الكلمات المذكورة ( وزاد فيهن) أي عليهن وهل في آخرهن أو أولهن؟ كل محتمل ( آئبون) بكسر الهمزة بعد الألف: أي راجعون وهي خبر لمحذوف: أي نحن معشر الرفقاء آئبون ( تائبون) أي من المعاصي، والأولى أن يقال تائبون عن الغفلة فإن الأوّاب صفة الأنبياء ومنه قوله تعالى: { إنه آواب} ( ص: 44) وصفة المؤمنين ومنه قوله تعالى: { إنه كان للأوابين غفوراً} ( الإسراء: 25) ( عابدون لربنا حامدون) الظرف متعلق بما قبله من العوامل، ويحتمل أن يكون متعلقاً أيضاً بما بعده وليس هو حينئذ من باب التنازع وإن وهم فيه صاحب الحرز، لأن شرط التنازع سبق العوامل المعمول، نعم هو من باب التنازع بالنظر للعوامل قبله ( رواه مسلم) وكذا رواه أبو داود والترمذي والنسائي ( معنى مقرنين مطيقين، والوعثاء بفتح الواو وإسكان المهملة وبالثاء المثلثة وبالمد وهي الشدة) المشقة ( والكآبة بالمد) مع فتح الكاف قبل الهمزة الممدودة( وهي تغير النفس من حزن) بضم فسكون وبفحتين ( ونحوه) أي غم وهم وفي «المصباح» : الكآبة أشد الحزن ( والمنقلب) بضم الميم وفتح اللام مصدر ميمي كما تقدم، وكذا فسره المصنف بقوله ( المرجع) بفتح الميم والجيم.


رقم الحديث 973 ( وعن عبد الله بن سرجس) بسين مهملة أوله وآخره وبعد الأولى راء فجيم بوزن نرجس ويحرز صرفه ومنعه، وهو صحابي سكن البصرة وخرج حديثه الأئمة الستة ( المزني) بضم الميم وفتح الزاي بعدها نون نسبة لمزينة، قال الحافظ في «التقريب» : وهو حليف بني مخزوم ( رضي الله عنه) روي له عن رسول الله فيما قاله ابن حزم في سيرته وابن الجوزي في «مختصر التلقيح» سبعة عشر حديثاً بتقديم المهملة، وانفرد به مسلم عن البخاري فروى له ثلاثة أحاديث ( قال كان رسول الله إذا سافر) يحتمل أن يكون على حقيقته: أي إذا لابس السفر بأن شرع في السير أو أنه مجاز عن إرادة ذلك، ويجوز أن يراد كلاهما ( يتعوذ) أي كان يقول أعوذ بالله ( من وعثاء السفر وكآبة المنقلب) أي الانقلاب ( والحور) بالمهملتين المفتوحة أولاهما بينهما واو ساكنة ( بعد الكون) بوزن ما قبله أي من الهبوط بعد الرفعة والاستعاذة منه حينئذ لأن السفر مظنة التفريط فيما يطلب فعله، وهو أيضاً حكمة قوله ( ودعوة المظلوم) لأن ذلك قد ينشأ عنه من ظلم الدابة بتحميلها فوق طاقتها أو تكليفها من الجهد في المشي فوق قدرتها أو منع الجمال ونحوه من الإتباع والعملة عن أجرهم أو نقصه، أو لأن دعوة المظلوم المسافر الذي لا يلقي إعانة ولا إغاثة أقرب إلى الإجابة ( وسوء المنظر) أي وأن أنظر ما يسوءني ( في الأهل) من مرض أو موت أو اشتغال بمخالفة أمر الله تعالى ( والمال رواه مسلم) والترمذي والنسائي وابن ماجه كلهم من حديث عبد الله بن سرجس ( هكذا هو في صحيح مسلم) وبين المشار إليه بقوله ( الحور بعد الكون) بالنون وكذا: أي كما ذكر من كون الكون بالنون ( رواه الترمذيوالنسائي) وقوله إنه كذلك في «صحيح مسلم» هو باعتبار أكثر أصوله والمشهور منها كما في «الأذكار» ( قال الترمذي) في «جامعه» ( ويروي الكور) بالجر على الحكاية ( بالراء) بدل النون ( وكلاهما) أي كلا الراويتين ( له وجه) من جهة المعنى ( قال العلماء) بغريب الحديث ومعانيه ( معناه بالنون والراء جمعياً: الرجوع من الاستقامة أو الزيادة إلى النقص) ، أي أعوذ بك من الحور وهو النقص بعد الوجود والثبات الذي هو معنى الكون.
قال في «الفائق» ، الحور الرجوع بعد الكون بالنون: أي الحصول على حالة جميلة يريد الرجوع بعد الإقبال، إذ الكون وهي الرفعة لازمة لمعنى الكور الذي أشار إليه قوله ( قالوا: ورواية الراء مأخوذة من تكوير العمامة وهو لفها وجمعها) وحينئذ فتكون الاستعاذة من النقض بعد الإبرام أو من النقص بعد الزيادة، وقيل الاستعاذة حينئذ من الشذوذ عن الجماعة بعد الكون فيها، أو من الفساد بعد الصلاح، أو من القلة بعد الكثرة، أو الرجوع عن الإيمان إلى الكفر، أو من الطاعة إلى المعصية، أو من الحضور إلى الغفلة، وذلك لأن من كان عمامته اجتمعت على رأسه، ومن نقضها تفرقت وتعقب التوربشتي من قال معنى الحور بعد الكور الرجوع عن الجماعة بعد أن كان منهم بأن استعمال الكور إنما هو في جماعة الإبل خاصة، وربما استعمل في البقر، قال صاحب الحرز: والجواب أن باب الاستعارة غير مسدود، فالعطن مختص بالإبل ويكنى يضيقه عن ضيق الخلق ( ورواية النون من الكون مصدر كان يكون كوناً إذا وجد) بالبناء للمفعول ( واستقر) يعني مصدر كان التامة: أي أعوذ بك من الحور وهو النقض بعد الوجود، والثبات الذي هو معنى الكون، وقال في «الفائق» : معنى الحور بعد الكور: الرجوع عن حالة جميلة بعد أن كان عليها يريد التراجع بعد الإقبال.


رقم الحديث 974 ( وعن عليّ بن ربيعة) بفتح الراء وكسر الموحدة وسكون التحتية بعدها مهملة وربيعة ابن نضلة بالنون فالضاد المعجمة، الوالبي بكسر اللام بعدها موحدة أبو المغيرة الكوفي، ثقة من كبار التابعين ( قال شهدت) أي حضرت ( عليّ بن أبي طالب رضي اللهعنه) حال كونه ( أتى بدابته) وعند الترمذي بدابة بالتنوين، والدابة في أصل اللغة ما يدبّ على وجه الأرض، ثم خصها العرف بذات الأربع، قال في «المصباح» : وتخصيص الفرس والبغل والحمار بالدابة عند الإطلاق عرف طارىء ( ليركبها فلما وضع رجله في الركاب) بكسر الراء ( قال باسم الله) أي أركب ( فلما استوى) أي استقرّ ( على ظهرها قال) شكرا الله ( الحمد لله) أي على هذه النعمة العظيمة، وهي تذليل الوحش النافر وإطاعته لنا على ركوبه محفوظين من شره كما صرح به بقوله ( الذي سخر) أي ذلل ( لنا) أي لأجلنا ( هذا) المركوب ( وما كنا له) أي لتسخيره ( مقرنين) أي مطيقين ( وإنا إلى ربنا لمنقلبون، ثم قال) أي بعد حمده المقيد بالثناء بما أنعم عليه ( الحمد لله) حمداً غير مقيد بشىء إيماء إلى أن التقييد فيما قبله بقوله الذي سخر لنا هذا الخ ليس لقصر طلب الحمد على وجود النعمة، بل هو سبحانه واجب الحمد لذاته ولتأكيد هذا المعنى كرره ( ثلاث مرات) وفي التكرير إشعار بعظم جلال الله سبحانه وأن العبد لا يقدر الله حق قدره وهو مأمور بالدأب في طاعته حسب استطاعته، وقيل في حكمة التكرير ثلاثاً: أن الأول لحصول النعمة، والثاني لدفع النقمة، والثالث لعموم المنحة ( قم قال) تنزيها لله وتقديساً له عن سمات المحدثين من الركوب والاستقرار في حيز ( الله أكبر ثلاث مرات) والتكرير للمبالغة في ذلك، أو الأول إيماء إلى الكبرياء والعظمة في الذات، والثاني الكبرياء والعظمة في الصفات، والثالث إشعار بتنزيهه عن الاستواء المكاني، وقوله الرحمن على العرش استوى: «ظاهره غير مراد إجماعاً ثم هل نفوض معناه إلى الله تعالى ولا نتكلم في تعيينه أو نتكلم فيه؟ قال بالأول السلف، وبالثاني الخلف وهو أحكم ( ثم قال سبحانك) بالنصب على المفعولية المطلقة بعامل لا يظهر وجوباً: أي أقدسك تقديساً مطلقاً، لأن كل مالا يليق به تعالى فهو مقدس عنه وذلك سائر سمات الحوادث ( إني ظلمت نفسي) بعدم القيام بحقك لشهود التقصير في شكر هذه النعمة العظمى ولو بغفلة أو خطره أو نظره ( فاغفر لي) أي استر ذنوبي بعدم المؤاخذة بالعقاب عليها ( إنه لا يغفر الذنوب إلا أنت) استئناف بياني كالتعليل لسؤال الغفران، وفيه إشارة بالاعتراف بتقصيره مع إنعام الله وتكثيره ( ثم ضحك فقيل) وعند الترمذي في «الشمائل»«فقال: أي ابن ربيعة، وفي نسخة مصححه من «الشمائل» «فقلت» بضمير المتكلم ( يا أمير المؤمنين من أي شيء ضحكت) لما لم يظهر ما يتعجب منه مما ينشأ عنه الضحك استفهمه عن سببه وقدم نداءه على سؤاله كما هو الأدب في الخطاب، وفي رواية للترمذي في «شمائله» «فقلت من أي شيء ضحكت يا أمير المؤمنين» وتقديم المسؤول عنه على ندائه لأنه أهم حينئذ لأن النداء لأجله، وفي قوله يا أمير المؤمنين إيماء إلى أن القصة جرت منه أيام خلافته ( قال: رأيت) أي أبصرت ( النبي صنع كما صنعت) من الركوب والذكر في أماكنه ( ثم ضحك فقلت: يا رسول الله من أي شيء ضحكت) وعند الترمذي كسياق الذي قبله ( قال: إن ربك سبحانه يعجب) عند الترمذي «ليعجب» : أي يرضى إذ العجب المضاف في كلام الشارع إليه تعالى لاستحالة قيام حقيقته به وهي استعظام الشيء مع خفاء سببه به تعالى، مراد مه غايته من الرضا وهي مستلزمة للثواب.
ولهذا الرضا المقتضى لفرح رسول الله إذ فيه مزيد المنة عليه ضحك، ولما تذكر عليّ رضي الله عنه ذلك أوجب مزيد شكره فبشره فضحك، لا أن ضحكه مجرد تقليد فإنه غير اختياري وإن كان قد يتكلف له ( من عبده) إضافة تشريف ( إذا قال رب اغفر لي ذنوبي يعلم) جملة حالية من فاعل قال: أي قال ذلك عالماً غير غافل ( أنه لا يغفر الذنوب غيري) في بعض نسخ «شمائل الترمذي» غيره بضمير الغائب، واستظهر بأن الكلام من الرسول لا كلام الله تعالى.
وأجيب بإمكان جعل قوله يعلم الخ معمولاً لقول محذوف هو حال من فاعل يعجب: أي يعجب قائلاً يعلم أنه لا يغفر الذنوب غيري ( رواه أبو داود) في الجهاد ( والترمذي) في الدعوات من «جامعه» وفي باب الضحك من «شمائله» ورواه النسائي في السير ( وقال: حديث حسن، وفي بعض النسخ، حسن صحيح) وعزاه إليه كذلك الحافظ المزي في «الأطرف» ( وهذ لفظ أبي داود) وقد أشرنا إلى بعض ما خالف فيه رواية الترمذي.
1