فهرس الكتاب

دليل الفالحـــين - باب فضل صلاة الضحى وبيان أقلِّها وأكثرها وأوسطها، والحثِّ عَلَى المحافظة عَلَيْهَا

رقم الحديث -204 قال العراقي في «شرح التقريب» : وهو بضم الضاد مقصور، قال في «الصحاح» : الضحا ضحوة النهار بعد طلوع الشمس، مقصور يذكر ويؤنث.
فمن أنث ذهب إلى أنه جمع ضحوة، ومن ذكر ذهب إلى أنه اسم على وزن فعل مثل صرد ونفر، وهو ظرف غير متمكن مثل سحر، تقول لقيته ضحاً بالتنوين، وإذا أردت به ضحا يومك لم تنونه، ثم بعد الضحاء ممدود مذكر وهو عند ارتفاع النهار الأعلى.
وفي «المحكم» : الضحو والضحوة والضحية على مثال العشية ارتفاع النهار، والضحا فويق ذلك، وتصغيرها بغيرها لئلا تلتبس بتصغير ضحوة والضحاء: إذا امتد النهار وقرب أن يتنصف، وفي «النهاية» : الضحوة ارتفاع أول النهار، والضحا بالضم والقصر، سميت صلاة الضحا والضحاء بالفتح والمد إذا علت الشمس إلى ربع السماء فما بعده، وفي «المشارق» : الضحاء بفتح الضاد ممدود والضحا بالضم مقصور، قيل هما بمعنى، وأضحى النهار أشرق ضوؤه، وقيل المقصور المضموم أول ارتفاع الشمس والممدود من حين حرها إلى قرب نصف النهار، وقيل المقصور حين تطلع الشمس والممدود إذا ارتفعت، وقال ابن العربي: بالضم والقصر طلوع الشمس، وبالفتح والمد إشراقها وضياؤها وبياضها اهـ ملخصاً ( وبيان أقلها) وهو ركعتان ( وأكثرها) وهو ثمان على ما صححه المصنف في «المجموع» والتحقيق تبعاً لما عليه الأكثرون، وظاهر سياقه هنا الميل إليه، وقيل اثنتا عشرة، وجرى عليه في «المنهاج» لحديث ضعيف فيه، قيل وينبغي حمل ما في «المجموع» ليوافق عبارة الروضة على أن الثمان أفضلها لأنها أكثر ما صح عنه، وإن كان أكثرها الاثنتي عشرة لورود الحديث الضعيف، ويعمل به في مثل ذلك حتى تصح نية الضحا بالزيادة على الثمان ( أو وسطها) وهو أربعة ( والحث على المحافظة عليها) لعظيم ثوابها ومزيد فضلها الآتي بعضه في الباب.
قال الزين العراقي: ومما ألقاه الشيطان في أذهان بعض العامة أن من صلى الضحا ثم تركها عمي، وهذا لا أصل له من كتاب ولا سنة، وإنما قصد به منعهم من حصول هذا الأجر الفخيم.


رقم الحديث 1139 ( عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: أوصاني خليلي) في التعبير بخليل إيماء إلى الاهتمام بشأن هذه الصلاة، لأن شأن الخيل الاعتناء بنفع من يخالله، ولا ينافي تعبيره بذلك حديث «لو كنت متخذاً خليلاً غير ربي لاتخذت أبا بكر خليلاً» الحديث لأن الممتنع اتخاذه غير ربه خليلاً لا اتخاذ غيره له خليلاً وما نحن فيه من التاني ( بصيام ثلاثة أيام من كل شهر) ليكون كصيام الدهر كله كما جاء كذلك في حديث ابن عمر، والأولى أن تكون البيض أو السود أو غيرهما مما يندب صومه بخصوصه ( وركعتي الضحا) اللذين هما أقل ما يحصل به صلاته ( وأن أوتر) أي أصلي الوتر ولم يذكر فيه عدداً كما قبله كأنه تفنن في التعبير ( قبل أن أرقد) وذلك احتياط لأنه قد لا يقوم له فيفوته، ولا ينافي هذا حديث «اجعلوا آخر صلاتكم بالليل وتراً» لأنه لمن وثق بيقظته حينئذ بعادته أو بإيقاظ أحد له كما سيأتي في كلامه ( متفق عليه) .
( والإيثار) أي فعل صلاة الوتر الحاصل أقله بركعة ( قبل النوم إنما يستحب لمن لا يثق بالاستيقاظ آخر الليل) لغلبة نومه حينئذ وانتفاء من يوقظه لذلك ( فإن وثق) أي بالاستيقاظ حينئذ ( فآخر الليل) بالنصب ظرف لمبتدإ محذوف: أي ففعلهآخر الليل ( أفضل) الذ هو الخبر عن ذلك المبتدإ المحذف المدلول عليه بالسياق أو آخر بالرفع مبتدأ وأفضل خبره وثمة مضاف إليه محذوف: أي أفضل وقته.


رقم الحديث 1140 ( وعن أبي ذرّ رضي الله عنه عن النبيّ قال: يصبح) بمعنى الصيرورة ويصح إبقاؤها على مدلولها ( على كل سلامى) بضم المهملة وتخفيف اللام وفتح الميم بعدها ألف مقصورة، تقدم في باب بيان طرق الخير أنها المفصل وتقدم ثمة نقل أقوال أخر ( من أحدكم) أي الواحد منكم السليم من الآفات ( صدقة) عظيمة شكراً لله تعالى على عظيم مننه بسلامة ذلك ( فكل تسبيحة) الفاء لتفصيل إجمال الصدقة قبله: أي مرة من التسبيح بأي صيغة كانت ( صدقة وكل تحميدة) أي ذكر الحمد بأي عبارة دلت عليه ( صدقة وكل تهليلة) أي قول لا إله إلا الله ( صدقة، وكل تكبيرة صدقة) أشير بذلك إلى أن الصدقة المؤداة شكراً لسلامة السلامى لا تختص بالمال، بل تكون به وبغيره من صالح الأقوال والأعمال تخفيفاً من الله ورحمة ( وأمر) بالرفع عطف على كل وتعميمه المستفاد من سياقه أغنى عن دخول كل عليه، وغاير بينه وبين ما قبله عليه لاختلاف النوعين، إذ ما قبل ثوابه باعتبار مدلوله من الثناء عليه تعالى وتقديسه وهذا باعتبار ثمرته ( بالمعروف) أي ما عرف شرعاً من واجب أو مندوب ( صدقة، ونهي عن المنكر) أي ما لم يعرف كذلك من محرم أو مكروه ( صدقة) ثم لا يلزم من كون كل مما ذكر صدقة تساويها في الرتبة وتفاوتها بتفاوت ثمرتها أو مدلولها، فمدلول لا إله إلا الله فوق مدلول نحو سبحان الله فلذا فضل عليه ( ويجزىء) بضم أوله مع همز آخره من الإجزاء وبفتح أوله من غير همز آخره من الجزاء بمعنى الكفاية ( من ذلك) أي بدل ما ذكر من الصدقات المتعددة بتعدد السلامى المتصدق عنها ( ركعتان يركعهما) أي يفعلهما أحدكم ( من) أي في ( الضحا) أو بسببه أو مبتدأة منه، وفيه كمال شرف هذهالصلاة، وتقدم سبب ذلك في الباب المذكور ( رواه مسلم) ورواه أبو داود والنسائي في آخرين تقدموا ثمة.


رقم الحديث 1141 ( وعن عائشة رضي الله عنها قالت: كان رسول الله يصلي الضحا) في نسخة من الضحا: أي فيه أو من جهته ( أربعاً) عند الترمذي في «الشمائل» أربع ركعات ( ويزيد ما شاء الله) قضيته أن لا حصر للزيادة، لكن باستقراء الأحاديث الصحيحة والضعيفة علم أنه لم يزد على الثمان ولم يرغب في أكثر من ثنتي عشرة ( رواه مسلم) ورواه أحمد في «مسنده» .
ولا تنافي بين إثباتها لها من فعله في هذا الحديث ونفيها لها عن فعله في رواية أخرى لما قال المصنف في «شرح مسلم» من أن النبي كان يصليها في بعض الأوقات لفضلها ويتركها في بعضها خشية أن تفرض.


رقم الحديث 1142 ( وعن أم هانىء) بالهمز آخره كما تقدم كنية ( فاختة) بالفاء والخاء المعجمة المكسورة والمثناة الفوقية ثم هاء تأنيث ( بنت أبي طالب رضي الله عنها قالت: ذهبت إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عام الفتح) أي زمن فتح مكة وكان في عشرين من رمضان سنة ثمان من الهجرة، وذهابها إليه لسؤاله تنفيذ جوارها لمن أجارته كما يأتي ( فوجدته يغتسل) وفاطمة رضي الله تعالى عنها تستره بثوب ( فلما فرغ من غسله) أي اغتساله فهو اسم مصدر له ( صلى ثماني) بكسر النون وتخفيف الياء ( ركعات) زاد ابن خزيمة «يسلم من كل ركعتين» ( وذلك) أي المفعول من الصلاة ( ضحا) أي صلاته أو المشار إليه مجموع الاغتسالوما بعده وضحا ظرف متعلق بمحذوف هو الخبر، ولا يقدح عليه في الاستدلال به لصلاة الضحا، لأن في رواية أبي داود التصريح بأنها صلاة الضحا ولفظه «صلى سبحة الضحا ثماني ركعات يسلم من كل ركعتين» ( متفق عليه) أي أصل الحديث لا بخصوص هذا اللفظ ولذا قال.
( وهذا مختصر لفظ إحدى روايات مسلم) في «صحيحه» ومن ألفاظه في بعض رواياته قالت «ذهبت إلى رسول الله عام الفتح فسلمت، فقال: من هذه فقلت: أم هانىء بنت أبي طالب، فقال: مرحبا يا أمّ هانىء، فلما فرغ من غسله قام فصلى ثماني ركعات ملتحفاً في ثوب واحد، فلما انصرف قلت: يا رسول الله زعم ابن أمي عليّ ابن أبي طالب أنه قاتل رجلاً أجرته فلان ابن هبيرة، فقال رسول الله: قد أجرنا من أجرت يا أم هانىء، قالت أم هانىء: وذلك ضحا» وله عنها ألفاظ أخر.
7 - بابٌ بالتنوين أو بتركه مضافاً إلى جملة ( تجوز صلاة الضحى من ارتفاع الشمس) كرمح في رأى العين ( إلى زوالها) أي ميلها عن كبد السماء إلى جهة المغرب، ودخل في عمومه وقت الاستواء فيجوز فعلها فيه، لكن ينبغي أن يكون محله مالم يقصد تأخيرها إليه لأنه بذلك مراغم للشارع قياساً على منع فعل القضاء فيه كذلك، لكن كلامهم صريح في الصحة ولو مع قصد التأخير، وكأنه لأن الوقت وقتها ولا كذلك المقضية المقصود تأخيرها لوقت الكراهة ( والأفضل) أي الأكثر ثواباً ( أن تصلى عند اشتداد الحر) بسبب ارتفاع الشمس ( وارتفاع الضحا) أي وقته.