فهرس الكتاب

دليل الفالحـــين - باب النهي عن سؤال الإمارة واختيار ترك الولايات إذا لَمْ يتعين عليه أَوْ تَدْعُ حاجة إِلَيْهِ

رقم الحديث -81 مصدر مضاف لمفعوله: أي طلبه من الإمام الإمارة ( واختيار الولايات) عطف على سؤال ( إذا لم يتعين عليه) بأن لم يكن ثم متأهل للإمارة سواه بشهادة العقلاء من أولى الحل والعقد وإلا فيجب عليه حينئذ سؤالها واختيارها ( و) إذا ( لم تدع حاجته إليها) أي عند عدم التعين: أي وما لم تدعه الحاجة للاسترزاق بالعمل، ولا كسب لائق في ذلك فله الطلب حينئذ، وإن لم يكن متعيناً دفعاً للحاجة.
( قال الله تعالى) ( { تلك} ) أتى باسم الإشارة الموضوع للبعد إيماء لفخامتها وعلوّ رتبتها ( { الدار الآخرة نجعلها للذين لا يريدون علواً} ) تكبراً واستكباراً ( { في الأرض ولا فساداً} ) عملاً بالمعاصي ( { والعاقبة} ) الحسنى ( { للمتقين} ) عن معاصيه، والآية تقدم الكلام في معناها في باب تحريم الكبر والإعحاب.


رقم الحديث 674 ( وعن أبي سعيد عبد الرحمن بن سمرة) بفتح المهملة وضم الميم ابن حبيب بن عبد شمس بن عبد مناف كذا نسبه ابن عبد البر والبخاري في آخرين، وزاد مصعب والزبير في نسبه ربيعة بعد حبيب، قال الحافظ أبو القاسم بن عساكر: الصحيح الأول وهو قرشى عبشمي المكي ثم البصري ( رضي الله عنه) أسلم يوم الفتح وصحب النبي، كان اسمه عبد الكعبة وقيل عبد كلال فسماه رسول الله عبد الرحمن، سكن البصرة وغزا خراسان في زمن عثمان، وفتح سجستان سنة ثلاث وثلاثين، روى له عن رسول الله أربعة عشر حديثاً، اتفقا على حديث وانفرد مسلم بحديثين، توفي سنة خمسين وقيل سنة إحدى وخمسين بالبصرة، وقيل توفي بمرو، وإنه أوّل من دفن بها من الصحابة والصحيح الأوّل.
كان متواضعاً، فإذا وقع المطر لبس البرنس وأخذ المسحاة وكنس الطريق ( قال: قال لي رسول الله لا تسأل الإمارة) يحتمل صدوره منه بعد أن سأل منه أن يوليه عملاً فيكون كحديث أبي موسى الآتي، ويحتمل أن النبيّ منه أنه جاء لذلك باطلاع الله على ما في قلبه فقال ذلك، قال القرطبي: والنهي ظاهره التحريم ويدل عليه ظاهر قوله بعد: إنا والله لا نولي هذا العمل أحداً سأله أو حرص عليه لما سيأتي فيه، والكلام في السؤال الممنوع كما علم من الترجمة، والإمارة بكسر الهمزة ويقال الإمرة بالكسر أيضاً: هي الولاية، قاله في المصباح، وعلل النهي بقوله على سبيل اللاستئناف البياني ( فإنك إن أعطيتها) بالبناء للمفعول وترك ذكر الفاعل للعلم به حقيقة أي أعطاكها الله ولعدم التعيين باعتبار الصورة: أي أعطاكها ذو الإمامة العظمى ( من غير مسألة) منك لها ( أعلنت عليها) بالبناء للمجهول: أي أعانك الله تعالى بالتسديد والتوفيق للصواب.
قال المهلب: جاء تفسيرالإعانة عليها في حديث أنس رفعه «من طلب القضاء واستعان عليه بالشفعاء وكل إلى نفسه، ومن أكره عليه أنزل الله له ملكاً يسدده» أخرجه ابن المنذر، قال في «فتح الباري» : وأخرجه أبو داود والترمذي وابن ماجه، وأخرجه الحاكم من الطريق التي اتفق عليها الثلاثة على إخراج الحديث منها وصححه.
وتعقب بأن ابن معين لين خيثمة، وضعف عبد الأعلى وكذا قال الجمهور في عبد الأعلى وهو الثعلبي إنه ليس بقوي، قال المهلب: وفي معنى الإكراه أن يدعي إليه فلا يرى نفسه أهلاً لذلك هيبة له وخوفاً من الوقوع في المحذور فإنه يعان عليه إذا دخل فيه ويسدد، والأصل فيه أن من تواضع لله رفعه الله ( وإن أعطيتها عن مسألة) أي سؤال ( وكلت إليها) بضم الواو وكسر الكاف مخففاً ومشدداً وسكون اللام، ومعنى المخففة صرفت إليها ومن كل إلى نفسه هلك، ومعنى وكله بالتشديد استحفظه: أي من طلب الإمارة فأعطيها تركت إعانته من أجل حرصه عليها.
قال في «فتح الباري» : من المعلوم أن كل ولاية لا تخلو من المشقة، فمن لم يكن له من الله إعانة تورط فيما دخل فيه وخسر دنياه وعقباه، فمن كان ذا عقل لم يتعرض للطلب أصلاً، بل إذا كان كامناً وأعطيها من غير مسألة فقد وعده الصادق بالإعانة ولا يخفي ما جاء فيه من الفضل ( وإذا حلفت على يمين) أي بها أو على محلوفها ( فرأيت) أي علمت ( غيرها خيراً منها) لحسن ثمرة ذلك الغير ( فأت الذي هو خير) أي أفعله وإن حلفت على تركه ( وكفر عن يمينك) فيه تأخير الكفارة عن الحنث وهو أفضل وهذه رواية مسلم.
وعند البخاري في الأيمان والأحكام بلفظ «فكفر عن يمينك أئت الذي هو خير» قال الشرّاح: والعبارة للتحفة للشيخ زكريا، الواو لا تقتضي الترتيب فيجوز تقديم التكفير على إتيان المحلوف عليه وإن كان تأخيره أفضل، واستثنى الشافعي هذه الجملة لما قبلها أن الممتنع من الإمارة قد يؤدي به الحال إلى الحلف على عدم القبول مع كون المصلحة فيها ( متفق عليه) أخرجه البخاري في الأيمان والأحكام، ومسلم في الأيمان والنذور، ورواه أبو داود في الخراج مقتصراً على قصة الإمارة فقط من«سننه» والترمذي في النذور والأيمان من «جامعه» وقال: حسن صحيح، والنسائي قصة الإمارة فقط في القضاء والسير وقصة اليمين في الأيمان والنذور.


رقم الحديث 675 ( وعن أبي ذر رضي الله عنه قال: قال رسول الله: يأبا ذر إني أراك ضعيفاً) أي عن القيام بوظائف الولايات فتعجز عن تنفيذ أمورها ورعاية حقوقها ( وإني أحبّ) أي أرضى ( لك ما أحبّ) العائد محذوف أي ما أحبه ( لنفسي) وهذا تلطف من النبيّ وتحريض على سماع قوله ( ولا تأمرن) بفتح الهمزة والميم المشددة وإحدى التاءين محذوفة من أوله أي لا تتأمرن ( على اثنين) أي لا تصيرن حاكماً بينهما وأميراً عليهما ( ولا تولين) بفتح أوليه مع تشديد ثالثه: أي لا تتولين وهو بإثباتهما في نسخة من «المشارق» ، قال ابن مالك: هو من الولي: أي القرب أي لا تقربنّ ( مال يتيم) أي سواء كان من أقربائك أو بعيداً منك وسواء كان ذكراً أو أنثى والنهي عن قربانه أبلغ من النهي عن الاستيلاء عليه ( رواه مسلم) في المغازي وأبو داود والنسائي في الوصايا من «سننهما» .


رقم الحديث 676 ( وعنه) أي أبي ذرّ ( قال: قلت يا رسول الله ألا تستعملني) أي تصيرني عاملاً كاستحجر الطين إذا صار حجراً ( فضرب بيده على منكبي) بوزن مسجد وهو مجتمع رأس العضد والكتف، سمى بذلك لأنه يعتمد عليه كذا في «المصباح» ، ثم هو بتخفيف الموحدة كأنه فعل ذلك به ليتنبه من سنة غمرة طلبه لذلك وتوهمه في نفسه الاستعداد له ( ثم قال: يأبا ذرّ إنك ضعيف) أي عن القيام بالإمارة ووظائف العمل، قال القرطبي: ووجه ضعفه عنها أن الغالب عليه كان الزهادة واحتقار الدنيا والإعراض عنها، ومن كان كذلك لم يعتن بمصالح الدنيا ولا بأموالها، وبمراعاتها تنظم مصالح الدين ويتم أمره، وقد أفرط أبو ذرّ في الزهد حتى أفتى بتحريم جمع المال وإن أديت زكاته، فلما علم منه ذلك نصحه ونهاه عن الإمارة وولاية مال الأيتام ( وإنها) أي الإمارة ( أمانة) أي في الدنيا: أي ائتمان منالمولى لذلك المولى على رعيته، فمن لم يفرط في حقها ولم يخن فيها برىء من عهدتها وضده بضده ( وإنها يوم القيامة) ظرف ( خزي) أي فضيحة قبيحة وذلك لمن لم يؤد في الأمانة حقها ولا قام للرعية بمستحقها ( وندامة) على تقلده لذلك مع تفريطه فيها، فالذم محمول على الأهل للولاية إذ لم يعدل فيها، أو على غير الأهل، أما الأهل لها إذا وليها وعدل فيها فله فضل عظيم وأجر جسيم، وهو من السبعة الذين يظلهم الله في ظله يوم لا ظلّ إلا ظله.
قال القرطبي: وهو مع الذين أنعم الله عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقاً، وإلى الجانب الأخير أشار بقوله ( إلا من أخذها) أي الإمارة ( بحقها) أي بأن كان متأهلاً لها ( وأدى الذي عليه فيها) من نشر ألوية العدل وبسط بساط الإنصاف والرفق وعدم الاعتساف، ثم قال العاقولي: الاستثناء منقطع: أي هي خزى وندامة لكن من أخذها بحقها لم تكن خزيا عليه.
قلت: ولا يتعين انقطاعه فيجوز كونه متصلاً: أي أن الإمارة كذلك إلا إذا كانت مأخوذة بالحق مقاماً فيها بالعدل.
قال المصنف: ومع فضل العدل لكن خطر الولاية كثير فلذا حذره منها، وكذا حذر العلماء وامتنع منها خلائق من السلف وصبروا على الأذى حين امتنعوا.
وقال العاقولي: الحديث أصل عظيم في اجتناب الولاية فإنه لا يفي الوصل بالصد ( رواه مسلم) في المغازي.


رقم الحديث 677 ( وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله قال) من جملة معجزاته من الإخبار عن المغيب قبل وقوعه فوقع كما أخبر ( إنكم ستحرصون) بكسر الراء ويجوز فتحها أكد باسمية الجملة وتصديرها بإن وتقدير القسم قبلها والإتيان بحرف الاستقبال، كأنه لما يومي إليه حال زهدهم حينئذ في الدنيا وإعراضهم عنها من استبعاد طلبهم لها فضلاً عن الحرص عليها فعوملوا معاملة المنكر ( على الإمارة) بطلبها وهو شامل للإمارة الكبرى والصغرى وهي الولاية على بعض البلاد ( وستكون ندامة يوم القيامة) أي لمن لم يكن من أهلها ولم يقم بحقها، إذ المطلق محمول على المقيد وكونه حذف ذلك هنا تنفيراً عنها وتبعيداً منها لما تقدم فيما قبله ( رواه البخاري) في الأحكام ورواه النسائي في القضاء وفي البيعة وفيالتفسير.
82