فهرس الكتاب

دليل الفالحـــين - باب فضل حِلَقِ الذِّكْر والنَّدب إِلَى ملازمتها والنهَّي عن مفارقتها لغير عذر

رقم الحديث -245 بكسر المهملة وفتح اللام، جمع حلقة بفتح المهملة وسكون اللام، نحو قصعة وقصع، وبدرة وبدر قاله الأزهري: وقيل: حلق بفتحتين على غير قياس.
وحكى يونس عن أبي عمرو بن العلاء أن حلقة بفتح الحاء واللام لغة في السكون، قال: وعليه فالجمع بفتح الحاء كقصبة وقصب، وجمع ابن السراج بينهما فقال: قالوا حلق بفتح الحاء ثم خففوا الواحد حين ألحقوه الزيادة اهـ من المصباح ( الذكر) بكسر الذال تقدم معناه ( والندب) أي الدعاء ( إلى ملازمتها) بذكر فضلها ( والنهي) تنزيهاً ( عن مفارقتها لغير عذر، قال تعالى: واصبر نفسك) أي: احبسها ( مع الذين يدعون ربهم بالغداة والعشي) طرفي النهار ( يريدون وجهه) أي: يريدون الله لا عرضاً من الدنيا ( ولا تعد) تنصرف ( عيناك) بصرك ( عنهم) أي: إلى غيرهم بالنظر إلى ذوي الغنى، أو الرتب من كفار قريش الطالبين منه - صلى الله عليه وسلم - أن يفرد لهم مجلساً لا يكون فقراء الصحابة فيه، وهو سبب النزول وعدي تعد بعن، مع أنه متعد بنفسه لتضمنه معنى النبوة، يقال: ثبت عنه عينه إذا ازدرته فلم تعلق به.


رقم الحديث 1447 ( وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: إن لله تعالى ملائكة يطوفون في الطرق) بضمتين والجملة الفعلية في محل الصفة لاسم إن والطرق خبرها قدم للاختصاص ( يلتمسون أهل الذكر) جملة حالية من ضمير يطوفون، أو صفة بعد صفة، والذكر يتناول الصلاة، وقراءة القرآن، والدعاء بخير الدارين، وتلاوة الحديث، ودراسة العلم، ومناظرة العلماء ونحوها.
قال الحافظ في الفتح: الأشبه اختصاص ذلك بمجالس التسبيح والتكبير ونحوهما.
والتلاوة فحسب، وإن كان قراءة الحديث، ودراسة العلم، والمناظرة فيه من جملة ما دخل تحت مسمى ذكر الله تعالى ( فإذا وجدوا) من الوجدان مفعوله ( قوماً يذكرون الله عز وجل) عند مسلم: فإذا وجدوا مجلساً فيه ذكر ( تنادوا) وفي رواية الإِسماعيلي: يتنادون، أي: ينادي بعضهم بعضاً دلالة على المطلوب ( هلموا) أي: تعالوا وهذا ورد على لغة تميم، وأهل نجد حيث يلحقون بهم ضمائر المخاطب، تأنيثاً وتثنية وجمعاً، ولغة أهل الحجاز استعمالها في الجميع بلفظ واحد، واختلف في أصل هذه الكلمة فقيل: أصلها هل لك في كذا أمه؟ أي: أقصده، فركبت الكلمتان فقيل: هلم أي: اقصد.
وقيل: أصلها هالم بضم اللام وتشديد الميم والهاء، للتنبيه حذفت ألفها تخفيفاً ( إلى حاجتكم) وفي رواية إلى بغيتكم ( فيحفونهم) بفتح التحتية وضم الحاء المهملة أي: يطوفون ويدورون حولهم ( بأجنحتهم) وقيل: معناه يدفون أجنحتهم حول الذاكرين، فالباء للتعدية.
وقيل: للاستعانة.
قاله الحافظ في الفتح ( إلى السماء الدنيا قال: فيسألهم ربهم) أي سؤالاً صورياً.
بدليل قوله لدفع توهم حمله على حقيقته من استكشاف ما يجهله السائل ( وهو أعلم بهم) والجملة حالية أو معترضة، ومن حكم السؤال إقرار الملائكة أن في بني آدم المسبحين والمقدسين، فيكون كالاستدراك لما سبق من قولهم ( أتجعل فيها من يفسد فيها) ( ما يقول عبادي) الجملة بيان لقوله فيسألهم ربهم، أو مفعول لقول مقدّر أي: قائلاً أولاً تقدير، بل هو ناصب بنفسه؛ لأنه نوع من القول ( قال يقولون: يسبحونك ويكبرونك ويحمدونك ويمجدونك) وفي رواية الإِسماعيلي "مررنا بهم وهم يذكرونك، ويهللونك، ويحمدونك، ويسألونك " وفي حديث أنس عن البزار "يعظمون آلاءك، ويتلون كتابك، ويصلون على نبيك، ويسألونك لآخرتهم ودنياهم والمجد العز والشرف " ( قال: فيقول: هل رأوني) أي: أبصروني ( فيقولون: لا والله ما رأوك) قال الحافظ في الفتح: كذا ثبت بلفظ الجلالة في جميع نسخ البخاري، وكذا في بقية المواضع وسقط لغيره ( قال: فيقول: كيف لو رأوني؟ قال: يقولون: لو رأوك كانوا أشد لك عبادة) أتى به كذلك ليزدوج مع ما بعده الممتنع بناء صيغة التفضيل منه؛ لكونه ثلاثياً مزيداً فيه.
وإلاّ فأفعل التفضيل يبنى من العبادة ويقال كانوا أعبد لك ( وأشد تمجيداً) أعاد أفعل التفضيل ومتعلقه إطناباً ( وأكثر لك تسبيحاً) عربه دون ما عربه في قرينه تفنناً ( قال: فيقول) هكذا رواية أبي ذر أحد رواة البخاري بالفاء، وفي رواية غيره بحذفها ( فما يسألون) وفي الرواية الآتية وماذا يسألوني؟ وعند أبي معاوية فأي شيء يطلبون؟ ( قال: يقولون: يسألونك الجنة، وفي رواية جنتك) ثم علمهم بأنهم يسألونها يحتمل أن يكون لسماعهم له منهم، ويحتمل أن ذلك لظهوره وبدوه إذ المكلف يطلب من فضل ربه النعيم وكفاية الجحيم ( قال: يقول: وهل رأوها) أي: أبصروها، وعند مسلم كما يأتي: فهل رأوا جنتي ( قال: يقولون: لا والله يا رب) أتى به تلذذاً بالخطاب وطلباً لإِطالة الكلام مع الأحباب ( ما رأوها قال: فيقول) أي: الله تعالى، ولأبي ذر فيقول ( فكيف لو رأوها) الفاء عاطفة على مقدر أي: هذا طلبهم لها وما رأوها فكيف طلبهم لها لو رأوها؟ ( قال: يقولون لو أنهم) أي: لو ثبت أنهم ( رأوها كانوا أشد عليها حرصاً وأشد لها طلباً وأعظم فيها رغبة) هو هكذا في صحيح البخاري، وفي الفتح للحافظ ما يوهم أنه ليس عنده عليها، وعبارته قوله: كانوا أشد حرصاً: زاد أبو معاوية في روايته عليها، وفي رواية ابن أبي الدنيا "كانوا أشد حرصاً، وأشد طلبة، وأعظم فيها رغبة" اهـ.
والظرف في كل من القرائن متعلق بأفعل قبله لا بالمصدر بعده، لمنع تقديم معمول المصدر عليه، ولو ظرفاً على خلاف في الظرف ( قال) أي: الله ( فمم) بتشديد الميم الثانية وإدغام نون من الجارة في ميمها وأصلها ما استفهامية فحذفت ألفها تخفيفاً أي: فمن أي شيء ( يتعوذون) أي: يلوذون بالذكر ويعتصمون منه ( قال) كذا هو بالإِفراد، وفي الكلام حذف، وهو قال: يقولون يتعوذون من النار، فسقط من قلم الشيخ يقولون، ففاعل قال: هو النبي - صلى الله عليه وسلم -، وفاعل يقولون الملائكة ( يتعوذون من النار) أي: بك فحذف لدلالة المقام عليه ( قال: فيقول: وهل رأوها؟ قال: يقولون لا والله ما رأوها) صرحوا به مع دلالة عليها؛ إطناباً ولما تقدم ( قال: فيقول فكيف لو رأوها؟ قال: يقولون لو رأوها كانوا أشد منها فراراً) بكسر الفاء ( وأشد لها مخافة) أي: خوفاً، وعدل عنه لما قاله تفخيماً لأن زيادة البناء تدل على زيادة المعنى ( قال: فيقول فأشهدكم) عطف على مقدّر أي: فأعذتهم فأشهدكم ( أني قد غفرت لهم) حذف المفعول؛ للتعميم ( قال: يقول ملك من الملائكة فيهم) أي: في جملتهم ( فلان) تقدم أنه كناية عما يجهل من الإِعلام ( ليس منهم) صفة أو حال مما قبله؛ لتخصيصه بتقديم الخبر ( إنما جاء لحاجة) أي: غير ما ذكر من الذكر وما بعده ( قال: هم الجلساء) أي: الكاملون المكملون ( لا يشقى جليسهم) صفة أو حال أو خبر بعد خبر، أو مستأنفة لبيان المقتضى لكونهم أهل الكمال.
قال الحافظ في الفتح: أخرج جعفر في الذكر عن الحسن البصري قال: "بينما قوم يذكرون الله إذ أتاهم رجل فقعد إليهم قال: فنزلت الرحمة ثم ارتفعت فقالوا: ربنا فيهم عبدك فلان! قال: غشوهم رحمتي، هم القوم لا يشقى بهم جليسهم" وفي هذه العبارة مبالغة في نفي الشقاء عن جليس الذاكرين، فلو قال: يسعد بهم جليسهم لكان ذلك في غاية الفضل، لكن التصريح بنفي الشقاء أبلغ في حصول المقصود ( متفق عليه) فيه أن هذا اللفظ للبخاري فقط أخرجه في الدعوات، من طريق جرير، عن الأعمش عن أبي صالح، عن أبي هريرة انفرد به عن مسلم وقوله: ( وفي رواية لمسلم) هي المتفق عليها فإنها عند مسلم في الدعوات من طريق وهيب بن خالد، عن سهيل، عن أبيه عن أبي هريرة.
وأخرجه البخاري في الدعوات عقيب حديث جرير، إلا أنه لم يسق لفظه ( عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أن لله ملائكة سيارة) بفتح المهملة وتشديد التحتية أي: سياحين في الأرض ( فضلاً) قال المصنف: أرجح وجوه ضبطه وأشهرها في بلادنا ضم أوليه.
وضبط ْأيضاً بضم فسكون ورجحها بعضهم، وادعى أنها أكثر وأصوب، وضبط بفتح فسكون.
قال القاضي: هي الرواية عند جمهور مشايخنا في الصحيحين، وبضم أوليه ورفع اللام على أنه خبر مبتدأ محذوف، وبضم ففتح آخره ألف ممدودة جمع فاضل، قال العلماء: معناه على جميع الروايات أنهم زائدون على الحفظة وغيرهم من المرتبين مع الخلائق فهؤلاء السيارة لا وظيفة لهم إلا قصد حلق الذكر ( يتتبعون) ضبط بالمهملة من التتبع، وهو البحث والتفتيش عن الشيء وبالغين المعجمة من الابتغاء والطلب.
قال المصنف: وكلاهما صحيح ( مجالس الذكر فإذا وجدوا مجلساً فيه ذكر قعدوا معهم وحف بعضهم بعضاً بأجنحتهم) قال المصنف: كذا في كثير من نسخ بلادنا بالمهملة وبالفاء، وفي بعضها بالضاد المعجمة، أي: حث على الحضور والاستماع، وحكى القاضي عن بعض رواتهم، وحط بالمهملتين واختاره القاضي.
قال: ومعناه أي: أشار بعضهم إلى بعض بالنزول، ويؤيدها قوله بعده في رواية البخاري "هلموا إلى حاجتكم" ويؤيد الرواية بالفاء قوله في البخاري "يحفونهم بأجنحتهم" أي: يحدقون ويستديرون حولهم، ويحف بعضهم بعضاً ( حتى يملأوا ما بينهم وبين السماء الدنيا) أي: أنهم يكثرون في مجلسه حتى يعلو بعضهم على بعض، ويملأوا ما ذكر ( فإذا تفرقوا عرجوا وصعدوا) بكسر المهملة الثانية من باب علم ( إلى السماء قال فيسألهم الله عز وجل وهو أعلم، من أين جئتم؟ فيقولون: جئنا من عند عباد) التنوين فيه للتعظيم ( لك) صفة ( في الأرض) صفة بعد صفة لا حال؛ لأن شرط مجيء الحال من المضاف إليه مفقود، نعم يجوز جعل الظرف حالاً من المستقر في الظرف قبله وكذا قوله ( يسبحونك ويكبرونك ويهللونك ويحمدونك ويسألونك) فتكون أحوالاً مترادفة، ويجوز أن تكون أحوالاً من المستقر في الظرف قبلها، فتكون على إعراب الظرف، كذلك أحوالاً متداخلة وحذفوا المفعول، طلباً لحصول السؤال عنه فيطول الكلام المستعذب، فالحذف هنا نظير قول موسى ( ولي فيها مآرب أخرى) ( قال: وماذا يسألوني؟ قالوا: يسألونك جنتك، قال: وهل رأوا جنتي؟ قالوا: لا أي رب) بحذف ضمير المتكلم، ومعه غيره والأصل ربنا فيكون مفتوحاً، ويحتمل أن يكون الأصل أي: ربي بياء المتكلم، فحذفت اجتزاءً بدلالة الكسرة عليها، وهو مضبوط في الأصول من مسلم، والرياض بكسر الباء ( قال: فكيف لو رأوا جنتي) سكت الراوي عن جوابهم عن هذا نسياناً وقد بينه في الرواية السابقة عند البخاري ( قالوا: ويستجيرونك) أي: يسألونك الجوار أي الأمان ( قال: ومما) بإثبات الألف.
هكذا في الأصول، وجاء على خلاف الغالب من حذف ألفها عند جرها تخفيفاً، أي: ومن أي شيء ( يستجيروني) بنون مخففة، والأصل يستجيرونني بنونين نون الرفع ونون الوقاية، فحذفت أحداهما تخفيفاً وفي تعيينها خلاف، الأرجح أنها نون الوقاية كما قاله ابن هشام ( قالوا: من نارك) حذف المتعلق لدلالة وجوده في السؤال عليه ( يا رب) غاير بين حرفي النداء تفنناً في التعبير، وأتى بحرف النداء الموضوع للبعيد دون العكس تفخيماً، قاله الشيخ خالد في شرح التوضيح.
( قال: وهل رأوا ناري؟ قالوا: لا، قال: فكيف لو رأوا ناري) أظهر في محل الإِضمار في الجملتين؛ للتعظيم والتهويل ( قالوا: يستغفرونك) كذا هو بحذف الواو في صحيح مسلم مصححاً عليه وهي مقدرة؛ لأنها معطوفة كالجمل قبلها، وليست جواب قوله: ( فكيف لو رأوا ناري؟ فيقول: قد غفرت لهم) بدأ به في الجواب؛ لأنه أقرب مطلوب؛ وأسنى مرغوب؛ ولأن ما بعده مبني عليه فلذا فرع عليه قوله: ( فأعطيتهم ما سألوا) يعني الجنة ( وأجرتهم) بالقصر أي: آمنتهم ( مما استجاروا) بحذف العائد المنصوب بما قبله محلاً والمجرور بمن أي: منه ( قال: يقولون رب فيهم فلان عبد خطاء) بفتح المعجمة وتشديد المهملة وبالهمزة آخره، أي: كثير الخطايا ( إنما مر) هو بمعنى قوله فيما قبله، إنما جاء لحاجة ( فجلس معهم قال: فيقول: وله غفرت) بتقديم الظرف، للاهتمام ( هم القوم لا يشقى بهم جليسهم) قال الحافظ في الفتح: في الحديث فضل الذكر والذاكرين، وفضل الاجتماع على ذلك، وأن جليسهم يندرج معهم في جميع ما يتفضل عليهم إكراماً لهم، وإن لم يشاركهم في أصل الذكر.
وفيه محبة الملائكة لبني آدم واعتناؤهم بهم، وفيه أن السؤال قد يصدر ممن هو أعلم بالمسؤول عنه من المسؤول؛ لإِظهار الغاية بالمسؤول عنه، والتنويه بقدره والإِعلان بشرف منزلته، وفيه بيان كذب من ادعى من الزنادقة أنه يرى الله تعالى جهراً في الدنيا، وقد ثبت في صحيح مسلم من حديث أبي أمامة رفعه "واعلموا أنكم لن تروا ربكم حتى تموتوا" وغير ذلك.


رقم الحديث 1448 ( وعنه) أي: أبي هريرة ( وعن أبي سعيد) الخدري ( رضي الله عنهما قالا: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: لا يقعد قوم) التقييد بالقعود وبالقوم جري على الغالب، فالاجتماع للذكر بأي ومن أي ترتب عليه ما يأتي، ويؤيده أنه تقدم من حديث أبي هريرة "وما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله يتلون كتاب الله " والحديث تقدم بجملته في باب قضاء حوائج المسلمين ( يذكرون الله إلا حفتهم الملائكة) أي: أحدقت بهم، وطافت بحفافيهم تشريفاً لهم وتنويهاً لما هم فيه من الذكر ( وغشيتهم الرحمة) أي: آثارها من الفيض والفضل ( ونزلت عليهم السكينة) بوزن فعيلة ما تسكن به نفسهم قال التوربشتي: هي الحالة التي يطمئن بها القلب فيسكن عن الميل إلى الشهوات، وعن الرعب والأصل فيها الوقار، وقيل: هي ملكة تسكن قلب المؤمن وتؤمن اهـ ( وذكرهم الله فيمن عنده) عندية مكانة، لاستحالة المكان في حقه تعالى ( رواه مسلم) .


رقم الحديث 1449 ( وعن أبي واقد) بالقاف والمهملة ( الحارث بن عوف) بالفاء هو الليثي من بني ليث بن بكر بن عبد مناة من كنانة بن خزيمة، مشهور بكنيته، وما ذكره المصنف في اسمه واسم أبيه، هو أحد الأقوال، وقيل: عوف بن الحارث، وقيل: الحارث بن مالك، قيل: إنه شهد بدراً، وقيل: لم يشهدها، وكان معه لواء بني ضمرة، وبني ليث، وبني سعد بكر بن عبد مناة، يوم الفتح، وقيل، أنه من مسلمة الفتح.
قال ابن الأثير: والصحيح أنه شهد الفتح مسلماً، يعد في أهل المدينة، وشهد اليرموك بالشام، وجاور بمكة سنة، ومات بها، ودفن في مقبرة المهاجرين بفخ سنة ثمان وستين، وهو ابن خمس وسبعين سنة، وقيل: خمس وثمانين ( رضي الله عنه) روي له عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أربعة وعشرون حديثاً، وقال البرقي: جاء عنه سبعة أحاديث، وفي مختصر التلقيح له في الصحيحين أحد وعشرون حديثاً اتفقا على أحد عشر منها، وانفرد البخاري باثنتين، ومسلم بثمانية ( أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بينما هو جالس في المسجد والناس معه) جملة حالية ( إذ أقبل ثلاثة نفر) بفتح أوله تمييز لما قبله أي: ثلاثة، هم نفر لا أنه نوع الثلاثة على عدد نفر فيكونون تسعة، وهذا كما يقال ثلاثة رجال ليس المراد ثلاثة جموع رجل، وهو يطلق على الثلاثة والتسعة وما بينهما كما تقدم، والجملة أضيف إليها الظرف ( فأقبل اثنان) ذكره بعد فأقبل ثلاثة إما لأن التقدير فأقبل اثنان منهم وإما لأن إقبال الثلاثة، إقبال إلى المجلس أو إلى جهته، وإقبال الاثنين ( إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وذهب واحد فوقفا على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فأما أحدهما فرأى) أي: أبصر ( فرجة في الحلقة) بسكون اللام أي: المستديرين بين يديه - صلى الله عليه وسلم - ( فجلس فيها وأما الآخر) بفتح الخاء ( فجلس خلفهم) أي: خلف أهل الحلقة ( وأما الثالث فأدبر ذاهباً) أي: لم يرجع، بل استمر في إدباره وإلا فأدبر مفرغر ذاهباً، قلت أو يكون من قبيل ( فتبسم ضاحكاً) أي: حال مؤكدة ( فلما فرغ رسول الله - صلى الله عليه وسلم -) أي: مما كان فيه من الخطبة أو تعليم العلم أو الذكر ( قال: ألا) حرف تنبيه، ويحتمل أن تكون الهمزة للاستفهام ولا نفي، وفي الكلام طي فكأنهم قالوا: أخبرنا فقال: ألا ( أخبركم عن النفر الثلاثة أما أحدهم فأوى) بالقصر أي: رجع ( إلى الله فآواه الله) بالمد قال أئمة اللغة: في كل منهما القصر والمد ومصدر المقصور أويا على فعول ومصدر الممدود إيواء، ونسبة الإِيواء إلى الله تعالى، وكذا الاستحياء والإِعراض مجاز لاستحالتها في حقه تعالى، فالمراد بها لوازمها من إرادة إيصال الخير، وترك العقاب والإِذلال، أو نحو ذلك، وقرينة الصرف عن الحقيقة فيه وفي مثله مما يستحيل قيامه به تعالى العقل.
وفائدته: بيان الشيء بطريق عقلي وزيادة توضيح وتحسين اللفظ، ويسمى مثل هذا المجاز مجاز المشاكلة والمقابلة.
انتهى ملخصاً من اللامع الصبيح ( وأما الآخر) بفتح الخاء وفيه لكونه استعمله في غير الأخير رد على من زعم أنه لا يستعمل إلا في الأخير ( فاستحيا) من المزاحمة لما فيها من التضييق، والحياء كذلك محمود والمذموم فيه الحياء الباعث على ترك التعلم، ولما كان ما فعله من الحياء الممدوح غفر الله له كما قال ( فاستحيا الله منه) كما تقدم ( وأما الآخر) بفتح المعجمة ( فأعرض) عن مجلس رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، الذي هو مجلس العلم ( فأعرض الله عنه) فيه ذم الإعراض عن مجلس العلم بغير عذر، وأن من أعرض كذلك فقد تعرض لسخط الله، فإنه أخبر بأن الله أعرض عنه ( متفق عليه) رواه البخاري في العلم، وليس لأبي واقد في صحيحه إلا هذا الحديث.
وقد وهم صاحب الكمال فقال في ترجمة أبي واقد: خرج عن الخمسة إلا البخاري، ورواه مسلم في الاستئذان، ورواه أيضاً أبو داود في الاستئذان والنسائي في العلم.


رقم الحديث 1450 ( وعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: خرج معاوية رضي الله عنه على حلقة) بإسكان اللام على المشهور، قال العسكري: هي كل مستدير خالي الوسط، وحكي فتح اللام، وهو قليل ( في المسجد فقال: ما أجلسكم؟ قالوا: جلسنا) أعادوه وزيادة في الإيضاح ( نذكر الله قال: آلله) بمد الهمزة والأصل أألله بهمزتين أولاهما للاستفهام والأخرى همزة أل فأبدلت الثانية مدة، وجر الاسم الكريم.
قيل: بالهمزة وهي من حروف القسم، وقيل: إن حرف القسم مقدر بعدها، وهو الذي صححه ابن هشام ( ما أجلسكم إلا ذلك) أي: الذكر، وأتى فيه باسم الإِشارة الموضوع للبعيد مع قربه تشريفاً له كما في قوله تعالى: ( الم ( 1) ذَلِكَ الْكِتَابُ لَا رَيْبَ فِيهِ) والجملة جواب القسم ( قالوا: ما أجلسنا إلا ذلك) الأقرب أن الجملة جواب قسم حذف المقسم به اكتفاء بدلالة وجوده في السؤال عليه، ويدل عليه قوله: ( قال: أما) بتخفيف الميم، أداة استفتاح ( إني لم أستحلفكم تهمة لكم) بضم الفوقية، وفتح الهاء وسكونها كما في المصباح هي الشك والريبة، والتاء بدل من الواو لأنها من الوهم ( وما كان أحد بمنزلتي) أي: بمكانتي وقربي ( من رسول الله - صلى الله عليه وسلم -) وذلك، لكون أخته أم حبيبة أم المؤمنين، ولتآلف النبي - صلى الله عليه وسلم - له لما علم فيه من السر الإِلهي المصون والظرف.
الأول: في محل الصفة.
والثاني: لغو متعلق بمنزلة ( أقل) بالنصب خبر كان ( منه) أي: من ذلك الأحد ( حديثاً) تمييز ( مني) أي: لم يكن أحد مماثلاً لي في القرب، أقل مني حديثاً، وذلك احتياطاً وتحرزاً من أن يسهو بزيادة أو نقص، عند ذكر حديث، وهذه الجملة أتى بها إظهاراً لعنايته بالمخاطبين إذ حدثهم عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، مع إقلاله منه فقال: ( إن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - خرج على حلقة من أصحابه فقال: ما أجلسكم) لكونهم كانوا في زمن لا يؤلف منهم الجلوس فيه في المسجد ( قالوا: جلسنا نذكر الله ونحمده) من عطف الخاص على العام، إن أريد بالذكر ما يعم أنواعه، وإن أريد به فرد خاص منه، وبالحمد الثناء عليه بالأوصاف الثبوتية كان من عطف المغاير ( على ما هدانا للإِسلام) على فيه للتعليل، وما فيه مصدرية أي: نحمده لذلك، والحمد في مقابلة النعمة يثاب عليه ثواب الواجب الفائق ثواب المندوب بسبعين ضعفاً ( ومن به علينا) حذف الممتن به إيماء؛ لكثرته وقصور العبارة عن الإِحاطة به قال سبحانه وتعالى: ( وإن تعدوا نعمة الله لا تحصوها) ( قال: آلله) بالمد ( ما أجلسكم إلا ذلك) أي: دون غيره من الأعراض والأغراض، وحذف المصنف جوابهم، وهو في مسلم ولفظه "قالوا: والله ما أجلسنا إلا ذلك" وكذا وقع له في الأذكار، بأنه غير مذكور في صحيح مسلم، كما يأتي عنه مرات أخرج أصل الحديث، لا بخصوص هذه الزيادة، وهو من قلم الناسخ ( أما أني لم أستحلفكم تهمة لكم ولكنه أتاني جبريل فأخبرني أن الله يباهي) أي: يفاخر ويعاظم ( بكم الملائكة) والاستدراك المفاد بلكن لمفهوم قوله لم أستحلفكم تهمة، الخ فإنه ربما يؤخذ منه انتفاء مقتضى الاستخلاف فاستدركه لذلك ( رواه مسلم) قال الحافظ في تخريج أحاديث الأذكار: وأخرجه أبو عوانة والترمذي، وقال: حديث حسن غريب، لا نعرفه إلا من هذا الوجه.
اهـ.