فهرس الكتاب

دليل الفالحـــين - باب استحباب طلب الرفقة وتأميرهم عَلَى أنفسهم واحداً يطيعونه

رقم الحديث -165 أي طلب المسافر رفقة وهو مثلث الراء سموا بذلك للارتفاق بهم ( وتأميرهم على أنفسهم واحداً) والأولى أن يكون فقيها حازماً عارفاً بأبواب السفر، وقوله ( يطيعونه) جملة مستأنفة لبيان حكمة التأمير وثمرته، ويجوز جعلها صفة لواحد: أي ينبغي أن يكون الآمر مطاعاً لهيبته وجلاله.


رقم الحديث 958 ( عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله: لو أن الناس يعلمون من الوحدة) بفتح الواو وسكون الحاء المهملة: أي الانفراد في السفر ( ما أعلم) أي الذي أو شيئاً أعلمه أو علمي، ولا يخفى ما في هذه العبارة من الإيماء إلى كثرة حذر الانفراد وأن ذلك لكثرته فوق أن يبين بالعبارة، وأن ومدخولها مؤول بمصدر فاعل فعل الشرط: أي لو ثبت علم الناس ما أعلم من ضرر الوحدة الدنيوي والديني كحرمانه من الصلاة بالجماعة وعدم من يعينه في حوائجه، ولأنه ربما مرض في الطريق فلا يجد من يتولى تمريضه، أو يموت فلا يجد من يتولى أمره وحمل تركته لأهله، وهذا وإن كان يحصل أمره بالثاني لكن كماله إنما يكون بالثلاثة فلذا قال في الحديث بعده «والثلاثة ركب» ( ما سار راكب) التعبير به باعتبار أنه شأن المسافر وإلا فالمشي في السفر مثله ( بليل) أي فيه، والتقييد بزيادة الضرر الناشىء عن الانفراد وظلام الليل ( وحده) أي منفرداً، وجرى بعضهم على أن إضافة وحده للضمير لم تكسبه التعريف لكونه المحل للحال وهو لا يكون إلا نكرة، فمنع ذلك كسب الإضافة للتعريف وعليه فهو معرفة صورة فلا يحتاج للتأويل، وما ذكرته أولاً هو ما عليه الجمهور لأنه معرفة حقيقة بالإضافة وأنه أول لكون الحال لا يكون إلا نكرة، ثم أخذ بعضهم بمفهوم قوله بليل فقال الكراهة في الانفراد ليلاً لا نهاراً ( رواه البخاري) قالابن مثال في «شرح المشارق» العلم في الحديث بمعنى المعرفة، وراه أحمد والترمذي وابن ماجه بلفظ «لو يعلم الناس من الوحدة ما أعلم» الخ.


رقم الحديث 959 ( وعن عمرو بن شعيب) بن محمد بن عبد الله بن عمرو ( عن أبيه عن جده) أي جد أبيه وهو عبد الله بن عمرو بن العاص كما تقدم رضي الله عنه، وقد أخذ شعيب عن جده ابن عمرو كما قدمناه ( قال: قال رسول الله: الراكب شيطان والركبان شيطانان) والتخصيص بالركوب لا مفهوم له لما ذكر فيما قبله، وكذا الذكورة، فالمرأة والماشي كذلك.
قال العراقي: إن المعنى مع الراكب شيطان أو إن المعنى تشبيهه بالشيطان، لأن عادته الانفراد في الأماكن الخالية كالأودية والحشوش.
وقال الخطابي: معناه أن التفرد والذهاب وحده في الأرض من فعل الشيطان وهو شيء يحمل عليه الشيطان ويدعوه إليه فقيل لذلك إن فاعله شيطان، وكذا الاثنان ليس معهما ثالث ( والثلاثة ركب) أي إذا وجد ذلك تعاضدوا وتعاونوا على نوائب السفر ودفع ما فيه من الضرر، وأصل الركب هم أصحاب الإبل، وأصحاب الخيل والبغال والحمير في معنى ذلك ( رواه أبو داود) في الجهاد من «سننه» ( والترمذي) في الجهاد أيضاً من «جامعه» ( والنسائي) في السير، ورواه الحاكم في «المستدرك» ( بأسانيد صحيحة) التعداد باعتبار أول السند، فرواه أبو داود عن القعنبي، ورواه الترمذي عن إسحاق بن موسى عن معن، ورواه النسائي عن عتيبة ثلاثتهم عن عمرو بإسناده المذكور ( وقال الترمذي حديث حسن) .


رقم الحديث 960 ( وعن أبي سعيد) هو الخدري ( وأبي هريرة رضي الله عنهما) قدم أبو سعيد ذلك ذكراً مع أن أبا هريرة أكثر منه مروياً لأنه من الأنصار وأقدم إسلاماً ( قالا: قال رسول الله: إذا خرج ثلاثة) خرج الاثنان إن اعتبرنا مفهوم العدد، وظاهر الحديث اعتبارههنا، واستوجبه بعض شراح «الجامع الصغير» ، وقال بعضهم: لا يبعد قياسهما على الثلاثة في ذلك، ولا ينافيه كونهما شيطانين ( في سفر) ولو مكروهاً كما اقتضاه الإطلاق ( فليؤمروا) ندباً فيما يتعلق بالسفر من أسبابه وما يعرض فيه ( أحدهم) ولو فاسقاً لأن هذه إمارة منوطة برضا المولين ويحتمل خلافه، والفاسق مستثنى من أهلية الولاية شرعاً، والمستثنى الشرعي غير داخل في الإطلاق ولا ينقض بصحة توليته في بعض الأوقات للضرورة لأن ما جاز بالضرورة لا نقض به، والأولى ولاية الأفضل الأجود رأياً، فإن تعارضا فالثاني أولى لأن رعاية المصالح السفرية هي المقصودة بالذات لأن التأمير إنما طلب لها، وينعزل هذا الأمير بالعزل بحنحة أو بانقطاع السفر وهو وصول المقصد أو بإقامة تمنع الترخص ( حديث حسن) هذا من تحسينات المؤلف، بل صححه الضياء وأورده في «المختارة» له ( رواه أبو داود بإسناد حسن) وقال في «فتح الكبير» : إنه إسناد صحيح، وما قاله المصنف المقدم.


رقم الحديث 961 ( وعن ابن عباس رضي الله عنهما عن النبي قال: خير الصحابة) بفتح الصاد المهملة جمع صاحب، قال في «المصباح» : صحبته أصحبه فأنا صاحب والجمع صحب وأصحاب وصحابة، قال الأزهري: ومن قال صاحب وصحب مثل فاره وفره، والأصل في هذا الإطلاق أنه لمن حصل له مجالسته اهـ: أي خير الأصحاب، قال ابن رسلان: وهو كذلك في غير أبي داود ( أربعة) قال الغزالي: الذي ينقدح أن فائدة تخصيص الأربعة أن المسافر لا يخلو عن رجل يحتاج إلى حفظه، وعن حاجة يحتاج إلى التردد فيها، فلو كانوا ثلاثة لكان المتردد في الحاجة واحداً فيتردد في السفر بلا رفيق فلا يخلو عن ضيق القلب لفقد أنس الرفيق، ولو تردد في الحاجة اثنان لكان الحافظ للرجل وحده فلا يخلو عن الخطر ولا عن ضيق القلب، فما دون الأربعة لا يفي بالمقصود وما زاد عليها زيادة على الحاجة، ومن يستغني عنه لا تصرف الهمة إليه، فخير الرفاق الخاصة أربعة.
قلت: ويصح أن تكون للعهد أي خير أصحاب رسول الله أربعة ويراد بهم الخلف الأربع والأول أقرب، ثم رأيت العاقولي قال: هو مطلق، فإن حملته على الصحابة فما أنت ببعيد عن الصواب وهم الأربعة الخلفاء الراشدون، وسرت بركتهم إلى كل عدد أربعة فصار خير الأصحاب مطلقاً أربعة، والله أعلم( وخير السرايا) جمع سرية، قال النووي: هي القطعة من الجيش تخرج منه تغير وترجع إليه.
وقال إبراهيم الحربي، هي الخيل تبلغ أربعمائة ونحوها فلذا جعلها خير السرايا فقال خير السرايا ( أربعمائة) سميت بذلك لأنها تسري في الليل ويخفى ذهابها فعليه بمعنى فاعلة، يقال سرى وأسرى إذا ذهب ليلاً.
وضعف ابن الأثير ذلك وقال: سميت بذلك لأنها خلاصة العسكر من الشيء السري: أي النفيس.
قال ابن رسلان: والظاهر أنه ليس المراد التحديد بالأربعمائة، ألا ترى إلى خير السرايا وهي عدة أهل بدر ثلثمائة وبضعة عشر، وكذا عدة أصحاب طالوت حين عبروا النهر وما جاوز معه إلا مؤمن، فعليه خير السرايا ما بين ثلثمائة إلى أربعمائة ومن أربعمائة إلى خمسمائة اهـ.
وفيه بعد لأن المراد به بيان أحسن مراتب عدد السرية، وأقل من هذا العدد لا يجري مجراه، وما فوقه زيادة على الحاجة وفضل ما ذكر لأمر خارجي لا ينافي التحديد في الحديث ( وخير الجيوش) بكسر الجيم وضمها ( أربعة آلاف) خصت الأربعة آلاف نظير الأربعة في الآحاد ولعله لما ذكر آنفاً فيما قبله من الإحزاء به دون ما دونه ( ولن يغلب اثنا عشر ألفاً) من الجيش ( من) تعليل أي لأجل ( قلة) أي قلة عدد بل لسبب آخر من عجب بكثرة أو تزيين الشيطان لهم أمرا نشأ عنه خذلهم أو نحو ذلك، وقد زاد العسكري في روايته «وخير الطائع أربعون» ( رواه أبو داود) في الجهاد ( والترمذي) فيه أيضاً ( وقال: حديث حسن) ورواه الحاكم في «المستدرك» .
168