فهرس الكتاب

دليل الفالحـــين - باب وداع الصاحب ووصيته عند فراقه لسفر وغيره والدعاء لَهُ وطلب الدعاء مِنْهُ

رقم الحديث -96 بكسر الواو: أي موادعة ( الصاحب) يحتمل كون المصدر مضافاً لفاعله، فالمفعول محذوف ويحتمل العكس: أي موادعة الشخص الصاحب ( ووصيته عند فراقه) أي بما يتواصى به من البرّ والتقوى ( لسفر وغيره) متعلق بفراقه وغيره كعدم التلاقي في البلاد أو الموت ( والدعاء له وطلب الدعاء منه) أي حينئذ لأن القيد بحرف على جميع المتعاطفات.
( قال الله تعالى) : ( { ووصى بها} ) أي بالملة وكلمة الإخلاص ( { إبراهيم بنيه ويعقوب} ) أي وصى هو أيضاً بنيه، ويجوز أن يكون معطوفاً على إبراهيم والمفعول محذوف: أي وصى يعقوب بنيه، قال السفاقسي: وهذا أظهر مما قبله ( { يا بنيّ} ) على إضمار القول أو معمول وصى لأنه نوع من القول مذهبان: الأول بصري، والثاني كوفي، وذلك مقول كل منهما على القراءة السبعية برفع يعقوب وأنه عطف على إبراهيم، أما على إعراب يعقوب مبتدأ محذوف الخبر كما بدأنا به فيكون قوله يا بنيّ من كلامه، وقرىء شاذاً بنصبه عطفاً على مفعول وصي فيكون يا بنيّ من قول إبراهيم وحده ( إن الله اصطفى لكم الدين) أي دين الإسلام ( { فلا تموتنّ إلا وأنتم مسلمون} ) أي دوموا على الإسلام حتى لا يصادفكم الموت إلا عليه ( { أم كنتم شهداء} ) أم منقطعة: أي بل كنتم والهمزة للإنكار: أي ما كنتم حاضرين وهذا رد لليهود حيث قالوا للنبي: ألست تعلم أن يعقوب يوم مات أوصى بنيه باليهودية ( { إذ حضر بعقوب الموت} ) الظرف متعلق بشهداء، وهنا تم الكلام ثم ابتدأ بقوله ( { إذ قال لبنيه} ) كأنه قال: اذكر إذ قال ذلك الوقت حتى لا تدّعي عليه اليهود، أو متعلق بقالوا نعبد.
قلت: أو بدل من إذ الأولى أشار إليه السفاقسي ( { ما تعبدون من بعدي} ) سؤال عن صفات المعبود ( { قالوا نعبد إلهك وإله آبائك إبراهيم وإسماعيل وإسحاق إلها واحداً} ) نصب على البدل من إلهك قال السفاقسي أو حال موطئة: أي القصد الوصف، وجىء باسم الذات توطئة، وإجازة الزمخشري نصبه على الاختصاص مردودة بأن المنصوبات كذلك لا تكون إلا نكرة، وتمحل له السفاقسي بأنه لم يرد الاختصاص الصناعي بل المعنوي وإسماعيل عمه فهو من التغليب.
قلت: أو استعمال اللفظ في حقيقته ومجازه لأن العم يسمى أبا مجازاً ( { ونحن له مسلمون} ) حال من مفعول نعبد أو معطوفة على جملة نعبد، وإجازة الزمخشري إعرابها معترضة رده السفاقسي بأنها التي تفيد تقوية بين متلازمين، وليست هذه كذلك لأن ما قبلها وما بعدها كلامان مستقلان.
وأيضاً ما قبلها من كلام بني يعقوب وما بعدها من كلام الله، وشرط الاعتراضية أن تكون بين متلازمين من متكلم واحد ليؤكد بها كلامه اهـ ملخصاً.
وقد بينت في شرح نظم القواعد في الجمل التي لا محل لها أن مراد الزمخشري الاعتراض البياني لا النحوي، أشار إليه ابن هشام في المغنى وقال: إنه قد يردّ عليه من لا يعرف ذلك العلم كأبي حيان توهماً منه أن لا اعتراض إلا ما يقوله النحاة من الاعتراض بين شيئين متطالبين اهـ.


رقم الحديث 712 ( حديث زيد بن أرقم رضي الله عنه الذي سبق) مع شرحه ( في باب إكرام أهل بيت رسول الله) وقوله( قال) إلى آخر الحديث بدل من حديث في محل رفع ( قام) أي انتصب ( فينا رسول الله خطيباً) قال: وفيه طلب القيام حال الخطبة ( فحمد الله) بأوصافه الثبوتية ( وأثنى عليه) بتنزيهه عما لا يليق به الأوصاف ( ووعظ وذكر) يحتمل أن يكون من عطف العام على الخاص وأن يكون من عطف الرديف ( ثم قال: أما بعد، ألا) أداة استفتاح أتى بها مع ما قبلها مبالغة في إنباه المخاطبين وكذا قوله ( أيها الناس) أي انتبهوا لسماع ما أقوله لفخامة شأنه، والفاء في قوله ( فإنما أنا بشر) عاطفة على ذلك، وقوله ( يوشك) بضم أوله وكسر ثالثه: أي يقرب ( أن يأتي رسول ربي) أي بالانتقال إليه وإن كان يخير بين ذلك وبين البقاء في الدنيا كما جاء ذلك في حديث عائشة، لكن من المعلوم أنه لا يؤثر على النقلة إليه البقاء في الدنيا، فلذا قال ( فأجيب) بالنصب عطفاً على ما قبله، ويحتمل الرفع على إضمار مبتدأ، وابتداء الوصية التي هي محل شاهد الترجمة من الحديث قوله ( وأنا تارك فيكم ثقلين) سميا به لعظمهما، قال تعالى: { إنا سنلقي عليك قولاً ثقيلاً} ( الأحزاب: 21) ( أولهما كتاب الله) أي القرآن ( فيه الهدى) لا منافاة بينه وبين قوله { هدى للمتقين} ( البقرة: 2) لأنه إما أن يكون ما في الحديث من باب التجريد كقوله تعالى: { لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة} ( المزمل: 5) وهو في نفسه أسوة لكن أتى بذلك للمبالغة، أو يكون قوله { هدى للمتقين} بتأويل الوصف، أو على تقدير المضاف، أو حمل المصدر عليه مبالغة لاشتماله عليه حتى كأنه عينه فلا ينافي كونه فيه ( والنور) أي من ظلمات الجهالة والضلالة ( فخذوا بكتاب الله) أظهر والمقام للإضمار تحريضاً على الأخذ به لشرفه بشرف المضاف إليه ( واستمسكوا به) يحتمل أن يكون بمعنى ما قبله فيكون إطناباً، وأن يكون المراد من الجملة الأولى التناول، ومن الثانية الدوام على ذلك وعدم الانفكاك عنه ( فحث) أي حرض ( على كتاب الله) أي على التمسك به والاعتصام بحبله ( ورغب فيه) بذكر ما فيه من الثواب والدرجات في المآب ( ثم قال: وأهلبيتي) أي والثاني من الثقلين أهل بيتي ( أذكركم الله في أهل بيتي) بالوداد لهم ومناصرتهم والتمسك بمحبتهم والتنسك بمودتهم، قال الصديق رضي الله عنه «ارقبوا محمداً في أهل بيته» كما تقدم في باب فضل الآل المذكور ( رواه مسلم) وقد سبق بطوله في الباب المذكور.


رقم الحديث 713 ( وعن أبي سليمان مالك بن الحويرث) بضم المهملة وفتح الواو وسكون التحتية آخره مثلثة، ويقال ابن الحارث، وقال شعبة: ابن حويرثة بن أشيم بالمعجمة والتحتية وزن أحمد الليثي.
قال ابن الأثير: يختلفون في نسبه إلى ليث ثم حكاه وقال: ولم يختلفوا في أنه من ليث بن بكر بن عبد مناف بن كنانة وهو من أهل البصرة، قدم على النبي في شببة من قومه فعلمهم الصلاة، روى له عن رسول الله خمسة عشر حديثاً، اتفقا على حديثين منها، وانفرد البخاري بحديث، توفي ( رضي الله عنه) بالبصرة سنة أربع وتسعين ( قال: أتينا النبيّ) أي في وفد لنتعلم أحكام الدين ( ونحن شببة) بفتح المعجمة والموحدتين جمع شاب ككاتب وكتبة ( متقاربون) صفة لما قبله أو خبر بعد خبر ( فأقمنا عنده عشرين ليلة) نتعلم ( وكان رسول الله رحيماً رقيقاً) جملة في محل الحال من فاعل أقمنا، ويمنع كونها من الضمير المضاف إليه أن شرط مجىء الحال من المضاف إليه كونه بعضاً للمضاف أو في منزلته أو معمولاً له قبل الإضافة، وكان في الحديث مثلها في قوله تعالى: { وكان الله غفوراً رحيماً} ( النساء: 96) للاستمرار ( فظنّ أنا قد اشتقنا) قال في «المصباح» : الشوق إلى الشيء نزاع النفس إليه فهو مصدر شاقني الشيء شوقاً من باب قال، ويتعدى بالتضعيف فيقال شوقته واشتقت إليه، ومنه يعلم أن نصب ( أهلنا) على تزع الخافض ( فسألنا عمن تركنا) العائد ضمير منصوب محذوف، وقوله ( من أهلنا) في محل الحال بيان الموصول( فأخبرناه فقال: ارجعوا إلى أهليكم فأقيموا فيهم وعلموهم) عطف على ارجعوا وعطفه بالواو إيماء إلى حصول امتثال الأمر به عقب العود أو بعده ( ومرورهم) استئناف كأنه قيل ماذا نعلمهم فقال مروهم بالطاعات كذا وكذا والأمر بها مستلزم للتعليم ( وصلو صلاة كذا) كناية عن مبهم من الصلوات الخمس ( في حين كذا) كناية عن وقت تلك الصلاة المكنى عنها ( وصلاة كذا في حين كذا) بالنصب على الظرف وكأن التخالف بينهما للتفنن في التعبير ( فإذا حضرت الصلاة فليؤذن) يجوز تسكين لام الأمر بعد الفاء وكسرها هو الأصل ( لكم أحدكم) أي الواحد منكم لأن القصد منه الإعلام بدخول الوقت فاستوى حصول ذلك من الكامل وغيره ( وليؤمكم) قال البرماوي: يجوز فتح ميم يؤمكم للخفة وضمها للإتباع والمناسبة.
قلت: وكسرها على أصل التخلص من التقاء الساكنين ( أكبركم) أي أسنكم وفي الحديث ما يدل على تساويهم في الأخذ عنه ومدة الإقامة عنده فلم يبق إلا السن ( متفق عليه) روياه في كتاب الصلاة ( زاد البخاري في رواية له) انفرد بها عن مسلم ( وصلوا كما رأيتموني أصلي) عطف على قوله ارجعوا إلى أهليكم أو على قوله وصلوا ( قوله رحيماً رقيقاً روى بفاء وقاف) من الرفق لرفقه بأمته وشفقته عليهم كما قال تعالى: { رؤوف رجيم} ( التوبة: 128) قال في «المطالع» : هي رواية القابسي ( وروى بقافين) قال في «المطالع» هي للأصيلي وأبي الهيثم.


رقم الحديث 714 ( وعن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال: استأذنت النبي في العمرة) أيسألته الإذن فيها، ففيه مزيد الأدب والوقوف عند أمره حتى في أفعال البرّ ( فأذن لي وقال: لا تنسنا) يحتمل أن يكون الضمير له ولأتباعه ويحتمل كونه أراد نفسه التي هي أعظم ذوات المكونات وأشرفها ( يا أخي) تقدم ضبطه في باب زيارة أهل الخير ( من دعائك) وقوله ( فقال كلمة) بالنصب مراد بها المعنى اللغوي: أي قوله لا تنسنا يا أخي من دعائك ( ما يسرّني أن لي بها) أي بدلها ( الدنيا) لحقارتها وخستها بالنظر إلى ما أذن به هذا القول من رفعة عمر من الإعلام بعلو رتبته عند مولاه وأنه مما يجاب دعاؤه، وقوله يا أخي ( وفي رواية قال أشركنا) أي اجعلنا شركاء لك ( يا أخيّ في دعائك.
رواه أبو داود والترمذي وقال: حديث صحيح)
.
وفي الحديث غير ما تقدم من القوائد مزيد تواضعه والحث على سؤال الدعاء من سائر المسلمين وإن كان الطالب أشرف من المطلوب منه.


رقم الحديث 715 ( وعن سالم بن عبد الله بن عمر أن عبد الله بن عمر) بن الخطاب تابعي جليل، قال في التقريب: يكنى أبا عمر، وقيل أبا عبد الله أحد الفقهاء السبعة، وكان ثبتا عابداً ثقة من كبار التابعين خرّج عن الجميع ( رضي الله عنهما كان يقول لرجل إذا أراد سفراً) أي وتلبس به وبمقدماته ( ادن) أي اقرب ( مبنى حتى أودعك كما كان رسول الله يودعنا) وفيه كما فضله وتوديعه مع علو مقامه لأصحابه ( فيقول: أستودع الله دينك) أي أودعه إياه.
والسين لتأكيد ذلك وتحقيقه، وذكر الدين لأن السفر مظنة التساهل في أمره لمشقته، ولذا رخص للمسافر في أمور من العبادات ( وأمانتك) أي وما ائتمنت عليه من التكاليف الشرعية، أو الحقوق الإنسانية ( وخواتيم عملك) ذكره اهتماماً بشأنه لأن المدار عليهوهذا الحديث شاهد لطلب وداع المسافر ( رواه الترمذي وقال: حديث حسن صحيح) .


رقم الحديث 716 ( وعن عبد الله بن يزيد الخطمي الصحابي) تقدمت ترجمته ( رضي الله عنه قال: كان النبي إذا أراد أن يودع الجيش) الجماعة الخارجين للقتال ( قال: أستودع الله دينكم وأمانتكم وخواتيم عملكم) لعل إفراد الأولين لأنهما مصدران يقال أمن بكسر الميم أمانة، والأصل فيه الإفراد والتذكير، بخلاف خاتمة فإنه على صيغة الوصف الذي شأنه خلاف ذلك، ولعل في جمعه إيماء إلى إكثار الأعمال الصالحة عند الوفاة ليكون الختم بالكثير الطيب فأوصى بجمع ذلك لذلك، والله أعلم، ( حديث صحيح) هذا على مذهبه الذي اختاره من جواز التصحيح ومقابله في هذه الأزمنة الأخيرة لمن تأهل له خلافاً لابن الصلاح المانع لذلك، وقد رده المصنف في «الإرشاد والتقريب» ( رواه أبو داود وغيره) وهو الحاكم في «المستدرك» ( بإسناد صحيح) والأصل في صحته صحة المتن ما لم يعرض للمتن شذوذ أو علة.


رقم الحديث 717 ( وعن أنس رضي الله عنه قال: جاء رجل إلى النبي فقال: يا رسول الله إني أريد سفراً فزودني يحتمل أن تكون عاطفة على مقدر: أي فائذن لي وزودني كما تقدم من فعل عمر في استئذان النبي، ويحتمل تقدم الاذن له في ذلك وإنما جاء لطلب الدعاء، ففيه استحباب مجيء المسافر لأصحابه وسؤاله دعاءهم، وعلم) بقرينه حال السائل أن مراده الإعداد بالدعاء فلذا قال ( فقال: زوّدك الله التقوى) قال تعالى: { وتزوّدوا فإن خير الزاد التقوى} ( البقرة: 197) وإنما كانت كذلك لأنها الزاد الذي يقطع به العقبة الكئود وينجي بهابرحمة الله تعالى المرء في اليوم المشهود ( قال زدني) لا يخفي ما بين زودني وزدني من الجناس: أي من هذا الزاد ( فقال: وغفر ذنبك) أي ما أسلفته من المخالفة ( قال: زدني، قال: ويسر لك الخير) الديني والدنيوي ( حيثما كنت) ما صلة أي في أيّ مكان كنت ( رواه الترمذي وقال: حديث حسن) .
97 - ( باب الاستخارة) أي سؤال خير الأمرين والتوفيق له ( والمشاورة) أي للغير عند إرادة شيء ما.
وذكر دليل الثاني في الترجمة قبل الأول منها لكونه من الكتاب.
واختصر فقال ( قال الله تعالى: { وشاورهم في الأمر} ) أي الذي تصح فيه المشاورة وذلك لتطبيب قلوبهم.
( وقال الله تعالى) : ( { وأمرهم شورى بينهم} ) شورى اسم مصدر اشتور: أي ذو اشتوار كما قال المصنف مبيناً لحاصل المعنى ( أي يتشاورون فيه) فدل الثناء بذلك في معرض المدحة أنه ممدوح محبوب.