فهرس الكتاب

دليل الفالحـــين - باب كيفية السلام

رقم الحديث -132 (يستحب أن يقول المبتدىء بالسلام) واحداً كان أو أكثر على واحد أو أكثر، والقول اللفظ الموضوع، ولا بد في حصول السنة من رفع الصوت به، ثم إن كان المسلم عليه واحداً فحتى يسمعه أو أكثر فحتى يسمع بعضهم (السلام عليكم) متعلق الخبر محذوف: أي رقيب أو مطلع، ويجوز أن يكون السلام إما مصدراً أواسم مصدر، ويؤيده عطف قوله (ورحمة الله) أي نعمته (وبركاته) أي خيراته الدائمة الثابتة، وعلى الأخير فحذف المضاف إليه من الأول لدلالة ما بعده عليه (فيأتي) أي المبتدىء (بضمير الجمع) ندباً (وإن كان المسلم عليه واحداً ذاكراً كان أو أنثى جليلاً أو حقيراً وينوي المسلم عليه ومن يحضره من الملائكة، فإن أفرد الضمير جاز في أداء السنة، وكمالها جمعه للجمع (ويقول المجيب) للمبتدىء واحداً كان أو أكثر (وعليكم السلام) الواو عاطفة للدعاء منه على الدعاء من المبتدىء، ولو قدم المبتدىء فقال السلام عليكم ناوياً الرد أجزأه كما تقدم في حديث أول لباب (ورحمة الله وبركاته) ولا يزيد على ذلك لما تقدم لأن البادي ما ترك للمجيب ما يزيد حتى يأتي به (ويأتي) أي المجيب ندباً (بواو العطف) أي لا واو الاستئناف (في قوله وعليكم) أي فيقصد أن جوابه مشارك لسلام المبتدىء في التعاون على إفشاء السلام.


رقم الحديث 851 (وعن عمران بن الحصين) كذا في الأصول بزيادة أل في اسم أبيه، وتقدم ضبطه وأنه بضم المهملة الأولى وفتح الثانية وسكون التحتية (رضي الله عنهما قال: جاء رجل إلى النبي فقال) أي الرجل (السلام عليكم فرد) أي النبي (عليه) أي بأن قال له وعليكم السلام (ثم جلس فقال النبي: عشر) أي ما يأتي به من الدعاء بالسلام حسنة وهي بعشر (ثم جاء آخر فقال: السلام عليكم ورحمة الله) فرد عليه (ظاهر اللفظ أنه قال وعليكم السلام ورحمة الله، ويحتمل أنه زاد في الرد فيها وفيما قبلها (فجلس) أي الرجل (فقال عشرون) أي الدعاء بالسلام والدعاء بالرحمة عشرون حسنة لما مر (ثم جاء آخر فقال السلام عليكم ورحمة الله وبركاته فرد عليه فجلس فقال: ثلاثون) أي حسنة، لأن الحسنة يجزي صاحبها بعشر أمثالها، وذلك بناء على أن كلاً من السلام ورحمة الله وبركاته حسنة مستقلة، فإذا أتى بواحدة منها حصل له عشر حسنات، وإن أتى بها كلها حصل له ثلاثون حسنة.
وجعل العاقولي في «شرح المصابيح» الحسنات للرادّ فقال: فإذا أتى الردّ بواحدة منها حصل له عشر حسنات، والاحسن ما قاله المظهري من أن ذلك لكل من البادىء والرادّ، وبالجملة فأفضل صيغ الابتداء السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
وأفضل صيغ الرد وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته.
وأقل الرد عليكم السلام لا مجرد قوله عليكم أو وعليكم من غير ذكر السلام (رواه أبو داود في الأدب والترمذي وقال: حديث حسن) .


رقم الحديث 852 ( وعن عائشة رضي الله عنها قالت: قال لي رسول الله) هذا يقتضي أنه كان حاضراً حينئذ كما هو أصل وضع اسم الإشارة ( جبريل) وجملة ( يقرأ عليك السلام) بفتح التحتية والراء في محل الحال من جبريل، قيل والعامل فيها ما في هذا من معنى الفعل وهو أنبه أو أشير أو خبر بعد خبر أو خبر جبريل عطف بيان، لهذا ( قالت قلت) امتثالاً لقوله تعالى: { وإذا حييتم بتحية فحيوا بأحسن منها أو ردوها} ( النساء: 86) ( وعليه السلام ورحمة الله وبركاته) فأتت بأحسن صيغ الرد وما ذكرته من أنها زادت بناءاً على ما يومىء إليه ظاهر قوله يقرأ عليك السلام.
ويحتمل أن مراده أن جبريل يقرأ عليك السلام التام وأتى به بأفضل صيغ الابتداء، فيكون ما صنعته عائشة من الرد بالمثل لأنه لم يبق بعد وبركاته ما يزاد كما تقدم ( متفق عليه) أخرجه البخاري في بدء الخلق وفي غيره، ورواه مسلم في الأدب ( وهكذا) أي ومثل ما ذكر إلى قوله وبركاته ( وقع في بعض روايات الصحيحن وبركاته) وهكذا هو عند البخاري في بدء الخلق، وفي رواية له أيضاً في الاستئذان ( وفي بعضها) وهي رواية البخاري في باب الاستئذان أيضاً ( بحذفها) وأشار المصنف إلى ترجيح رواية إثباتها بقوله ( وزيادة الثقة مقبولة) عند الجمهور من الفقهاء وأصحاب الحديث كما حكاه عنهم الخطيب سواء تعلق بها حكم شرعي أم لا.
وسواء أوجبت نقصاً من أحكام ثبت بخبر ليست فيه تلك الزيادة أم لا، وسواء كان ذلك من شخص واحد بأن رواه مرة ناقصاً وأخرى بتلك الزيادة من غير من رواه أم كانت الزيادة من غير من رواه ناقصاً، وقد ادعى ابن ظاهر الاتفاق على هذا القول عند أهل الحديث.
وفي المسألة أقوال مذكورة في علم الأثر.
وفي الحديث جواز سلام الرجل الأجنبي على المرأة عند أمن الريبة.
قال العيني في «شرح البخاري» : إن قلت: هلاّ واجه جبريل عائشة كما واجه مريم؟ قلت: وجه ذلك أنه لما قدر وجود عيسى عليه السلام من غير أب بعث جبريل ليعلمها تكونه قبل كونه لتعلم أنه يكون بالقدرة فتسكن فيزمن الحمل، ثم بعث إليها عند الولادة لكونها في وجد فقال { لا تحزني قد جعل ربك تحتك سرياً} فكان خطاب الملك لها فيا لحالتين لتسكن ولا تنزعج.
وجواب آخر أن مريم كانت خالية من زوج فواجهها بالخطاب، وأم المؤمنين احترمت لمكان سيد الأمة كما احترم الشارع قصر عمر رضي الله عنه الذي رآه في المنام خوفاً من الغيرة، وهذا أبلغ في فضل عائشة لأنه إذا احترمها جبريل الذي لا شهوة له حفظاً لقلب زوجها سيد الأمة كان ما قيل فيها من الإفك أبعد.
وجواب آخر أنه خاطب مريم لكونها نبية على قول وعائشة لم يذكر عنها ذلك اهز والجواب الآخر ساقط الاعتبار، زاد البخاري في روايته عن عائشة «أنها قالت: ترى مالا نرى يا رسول الله» أي إنه يرى الملك حينئذ وهي لا تراه وفيه إمكان رؤية الملك.


رقم الحديث 853 ( وعن أنس رضي الله عنه: أن النبي كان إذا تكلم بكلمة) المراد منها المعنى اللغوي الصادق بالجملة والجمل: أي إذا نطق بما يعسر فهمه من الجمل.
( أعادها) أي ذكرها ( ثلاثاً) وليس معمول أعاد لأنه يقتضي حينئذ أنه تكلم بها أربعاً، وهو خلاف المراد وقد علل ذكرها ثلاثاً بقوله ( حتى تفهم) بالبناء للمجهول: أي تؤخذ ( عنه) تلك الكلمة، وهذا من كمال حسن خلقه ومزيد شفقته ورحمته بالعباد والاقتصار على الثلاث إشعار بأن مراتب الفهم كذلك أعلا وأوسط وأدنى.
ومن لم يفهم في ثلاث لا يفهم ولو زيد عليه مرات ( وإذا أتى قوماً فسلم عليهم ثلاثاً رواه البخاري) هكذا في كتاب العلم، ورواه فيه مسلم أيضاً فقال «وإذا سلم ثلاثاً» وزيادة الثقة مقبولة، ولذا قال المصنف ( وهذا) أي تكرار السلام ثلاثاً ( محمول على ما إذا كان بالجمع) المومىء إليه قوله قوم ( كثيراً) بأن لا يعمهم قوله السلام عليكم مرة أو مرتين وإنما يعمهم الثلاث، ويؤخذ منه أنه لو كثر الجمع جداً بحيث لا يعمهم التسليم ثلاثاً زيد عليه بقدر ما يعمهم، وهذا منه جبر لخواطر الجمع، وإلا فأصل سنة الإسلام تحصل بسماع بعض الجمع والمسلم عليهم كما مر، والحديث رواه أحمد والترمذي كما في «الجامع الصغير» .


رقم الحديث 854 (وعن المقداد) بن الأسود الكندي، تقدمت ترجمته (رضي الله عنه) في باب إجراء أحكام الناس على ظواهرهم (في حديثه الطويل قال: كنا) هو وصاحبه اللذان أعطاهما النبي الشاتين يشربوا من درّهما وليشرب معهما النبي كما في الحديث (نرفع للنبي نصيبه من اللبن) المحلوب (فيجىء من الليل) أي أثناء، فمن للتبغيض (فيسلم تسليماً بصوت متوسط بين أقل الجهر وما فوقه كما يؤخذ من قوله (لا يوقظ نائماً) وذلك لنزوله عن أعلا الجهر الموقظ للنائم (ويسمع اليقظان) لوجود أصل الجهر فيؤخذ منه استحباب ذلك لمن دخل على قوم فيهم نيام (فجاء النبي) أي على عادته وذلك بعد أن يصلي ما كتب له (فسلم كما كان يسلم) والكاف فيه مفعول مطلق صفة مصدر مقدر، وسكت المصنف عن تتمة الحديث المشتمل على معجزة له من إيجاد اللبن أكثر من عادته من شاة قد حلبت قبل ذلك بزمن يسير لعدم تعلق غرض الباب هنا وذلك بجملته في «الأذكار» ، وذكرنا في الشرح ما يتعلق به (رواه مسلم) في الأطعمة ورواه الترمذي في الاستئذان والنسائي في اليوم والليلة.


رقم الحديث 855 ( وعن أسماء) بالمد ( بنت يزيد) بفتح التحتية الأولى وسكون الثانية وكسر الزاي بينهما ويزيد بن السكن بفتح المهملة والكاف ابن رافع بن امرىء القيس بن يزيد بن عبد الأشهل ابن جشم، وكنيتها أم سلمة، ويقال أم عامر الأنصارية تقدمت ترجمتها ( رضي الله عنها) في كتاب اللباس ( أن رسول الله مر في المسجد) الظاهر أن أل فيه للعهد الذهني: أي المسجد النبوي ويحتمل غيره ( يوماً وعصبة) بضم المهملة الأولى وسكون الثانية بعدها موحدة قال في «المصباح» : العصبة من الرجال قال ابن فارس: نحو العشرة، وقال أبو يزيد: من العشرة إلى الأربعين، والجم عصب كغرفة وغرف اهـ.
وظاهر أن الخلاف في عصبتهم جار فيهن والله أعلم.
( من النساء) صفة للنكرة قبلها وبه ساغ الابتداء بها ( قعود) جمع قاعد والتذكير باعتبار الشخص وإلا فجمع قاعدة وصف المؤنث قواعد ( فألوى) أيأشار ( بيده بالتسليم) رواه الترمذي في الاستئذان ( وقال: حديث حسن) قال: قال ابن حنبل لا بأس بعبد الحميد، يعني ابن بهرام هن شهر بن حوشب، أي الراوي للخبر عن ما ذكر عنها ورواه ابن ماجه أيضاً في الأدب ( وهذا محمول على أنه جمع بين اللفظ) فقال لهن السلام عليكن ( والإشارة) باليد اليمين لتنبههن لسلامه وكان ذلك لعدم مبالغته في الجهر بالسلام مع بعدهن في الجملة ( ويؤيده أن في رواية أبي داود) عن أسماء في كتاب الأدب من «سننه» «مر علينا رسول الله ( فسلم علينا) وهو ظاهر في السلام اللفظي والجمع بين الروايات خير من إلغاء بعضها وقد جاء أيضاً عند الترمذي من حديث ابن عمر مرفوعاً «ليس منا من تشبه بغيرنا، لا تشبهوا باليهود ولا بالنصارى فإن تسلمي اليهود الإشارة بالأصابع وتسليم النصارى الإشارة بالكف» قال الترمذي: إسناده ضعيف، فوجب حمل ما ورد من أنه أشار بالسلام على أنه جمع معه اللفظ به لئلا يخالف القول على أنه لو لم يجمع بذلك وأبقى على أنه أشار من غير لفظ مبيناً أن النهي تنزيهي لا تحريمي لم يكن فيه محذور، لكن الأول أولى فلذا سلكه المصنف هنا، وفي «الأذكار» قال الحليمي: وكان النبي للعصمة مأموناً من الفتنة فمن وثق بنفسه في السلام فليسلم وإلا فالصمت أسلم.


رقم الحديث 856 ( وعن أبي جرى) بصيغة التصغير فيه وفي قوله ( الهجيمي) كما تقدّم بيان ذلك مع ترجمته ( رضي الله عنه) في كتاب اللباس ( قال: أتيت النبي فقلت عليك السلام يا رسول الله) أي مبتدأ بذلك ( قال) حذف العاطف لأن القصد بيان ما صدر من النبي عند ذلك القول من غير قصد لربط هذه القصة بقصة الإتيان ( فقال: لا تقل) أي ندباً ( عليك السلام) في الابتداء ( فإن عليك السلام تحية الموتى) هو إخبار عن عوائد الجاهلية الجاري على ألسنتهم فيها وجرى عليه الشعراء كثيراً حتى قال من رأى عمر بن الخطاب: عليك السلام من أمير وباركت والأخبار عن الواقع لا يدل على الجواز فضلاً عنالاستحباب: أي إن هذا اللفظ يستحب في تحية الموتى فرقاً بينها وبين تحية الأحياء وإن جرى عليه في «المفاتيح» فتعين المصير إلى ما ورد عنه من تقديم لفظ السلام حين السلام على الموتى، فإن تخيل متخيل في الفرق أن السلام على الأحياء يتوقع جوابه فقدم الدعاء على المدعو له بخلاف الميت، قلنا: والسلام على الميت يتوقع جوابه أيضاً كما ورد به الحديث، وقد بسطت الكلام فيه في «شرح الأذكار» وأصله من ابن القيم في «بدائع الفوائد» ( رواه أبو داود والترمذي وقال: حديث حسن صحيح وقد سبق بطوله) مشروحاً في كتاب اللباس.
3