فهرس الكتاب

دليل الفالحـــين - باب النصيحة

رقم الحديث 181 ( وأما الأحاديث) النبوية النصيحة ( فـ) ـــكثيرة: ( فالأول: عن أبي رقية) كني بابنة له لم يولد لهغيرها ( تميمبن أوس) بن خارجةبن سودبن جذيمةبن دراعبن عديبن الحارثبن مرةبن أددبن زيدبن يشجببن عريببن زيدبن كهلانبن سبأبن يشجببن يعرببن قحطان ( الداري) نسبة إلى جده الدار ويقال فيه الديري نسبة إلى دير كان يتعبد فيه، أسلم تميم ( رضي الله عنه) سنة تسع وسكن المدينة ثم انتقل إلى الشام ونزل بيت المقدس بعد قتل عثمان.
روي له عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ثمانية عشر حديثاً، روى له مسلم حديثاً واحداً، وروى عنه باقي الستة إلا البخاري: وهذا الحديث من أفراد مسلم وليس لتميم فيه سوى هذا الحديث، وقد قيل هذا الحديث عليه مدار الإسلام، وقيل: أحد أرباع الإسلام وصحح بعضهم الأول.
وقد روي عنه، وهذه منقبة شريفة تدخل في رواية الأكابر عن الأصاغر كذا في «شرح الأربعين» للفاكهاني ( أن النبي قال: الدين النصيحة) أي: هي عماد الدين وقوامه كقوله «الحج عرفة» فهو من الحصر المجازي دون الحقيقي: أي إنه أريد المبالغة في مدح النصيحة حتى جعلت كل الدين وإن كان الدين مشتملاً على خصال كثيرة غيرها ( قلنا لمن؟) يؤخذ منه مراجعة المتعلم للعالم عند الإبهام والإلتباس ( قال) .
قال الخطابي: النصيحة تنصرف إلى الإيمان به، ونفي الشريك عنه، وترك الإلحاد في صفاته وأسمائه، ووصفه بصفات الكمال، وتنزيهه عن جميع النقائص، والقيام بطاعته واجتناب معصيته.
والحبّ فيه والبغض فيه، وموالاة من أطاعه ومعاداة من عصاه، وجهاد من كفر به، والاعتراف بنعمه وشكره عليها، والإخلاص في جميع الأمور، والدعاء إلى جميع الأوصاف المذكورة والحث عليها، والإخلاص في جميع الأمور، والدعاء إلى جميع الأوصاف المذكورة والحث عليها، والتلطف بالناس ومن أمكن منهم علمها.
قال الخطابي: حقيقة هذه الأوصاف راجعة إلى العبد في نصحه نفسه، فا غنيّ عن نصح الناصحين ( ولكتابه) .
قال العلماء: النصيحة له الإيمان بأنه كتاب الله وتنزيله، لا يشبه شيئاً من كلام الخلق ولا يقدر عليه أحد منهم، ثم تعظيمه وتلاوته حق تلاوته وتحسينها والخشوع عندها وإقامة حروفه في التلاوة، والذبّ عنه لتأول المحرفين، والتصديق بما فيه والوقوف مع أحكامه، وتفهم علومه وأمثاله، والاعتناء بمواعظه والتفكر في عجائبه، والعمل بمحكمه، والتسليم لمتشابهه، وللبحث عن عمومه وخصوصه وناسخه ومنسوخه، ونشر علومه والدعاء إليه وإلى ما ذكرنا من نصيحته ( ولرسوله) ونصيحته: تصديقه على الرسالة والإيمان به، وطاعته في أوامره ونواهيه، ونصرته حياً وميتاً، ومعاداة من عاداه وموالاة من والاه، وإعظام حقه وتوقيره، وإحياء طريقته وسنته، وبثّ دعوته ونشر سنته، واستفادة علومها والتفقه في معانيها، والدعاء إليها والتلطف في تعليمها وإعظامها وإجلالها، والتأدب عند قراءتها، والإمساك عن الكلام فيها بغير علم،وإجلال أهلها لانتسابهم إليها، والتخلق بأخلاقه والتأدب بآدابه، ومحبة آله وأصحابه، وبغض أهل البدع في السنة والمتعرضين لأحد من الصحابة ( ولأئمة المسلمين) وهي بمعاونتهم على الحق وطاعتهم وأمرهم به، وتنبيههم وتذكيرهم برفق ولطف، وإعلامهم بما غفلوا عنه ولم يبالغوا من حقوق المسلمين، وترك الخروج عليهم، وتألف قلوب المسلمين لطاعتهم، وألا يغرّوا بالثناء الكاذب عليهم ويدعى لهم بالصلاح، هذا كله بناء على أن المراد بهم الخلفاء وغيرهم ممن يقوم بأمر المسلمين، وهذا هو المشهور، وحكاه الخطابي.
ثم قال: وقد يتأول ذلك على الأئمة الذين هم علماء الدين، ومن نصيحتهم قبول ما رووه وتقليدهم في الأحكام وإحسان الظن بهم ( وعامتهم) أي: من عدا ولاة الأمر ونصيحتهم بإرشادهم لمصالحهم في دنياهم وأخراهم، وإعانتهم عليه بالقول والفعل، وستر عوراتهم وسد خلاتهم، ودفع المضارّ عنهم وجلب المنافع إليهم، وأمرهم بالمعروف ونهيهم عن المنكر برفق، وأن يحبّ لهم ما يحبّ لنفسه، ويذبّ عن أنفسهم وأموالهم وأعراضهم بالقول والفعل، ويحثهم على التخلق بجميع ما ذكرنا من أنواع النصيحة، وقد كان في السلف من تبلغ به النصيحة إلى الإضرار بدنياه.
قال ابن بطال: وهذا الحديث يدل على أن النصيحة تسمى ديناً وإسلاماً، وأن الدين يقع على العمل كما يقع على القول، والنصيحة فرض يجزى فيه من قام به ويسقط عن الباقين، وهي لامةٌ على قدر الحاجة إذا علم الناصح أنه يقبل نصحه ويطاع أمره وأمن على نفسه المكروه، فإذا خشي أذًى فهو في سعة اهـ ( رواه مسلم) .
قال السخاوي في تخريج الأربعين الحديث: ورواه الإمامان الشافعي وأحمدبن حنبل وأخرجه النسائي وابن خزيمة في «صحيحه» وله طرق كثيرة.


رقم الحديث 182 ( والثاني: عن جريربن عبد الله رضي الله عنه) البجلي تقدمت ترجمته في باب المحافظة على السنة ( قال: بايعت النبي على إقام الصلاة) أصله إقامة فحذفت التاء عند الإضافة تخفيفاً، والمراد الإتيان بالمكتوبات مستكملة الفرائض والسنن والآداب ( وإيتاء الزكاة) المفروضة ( والنصح) بضم النون مصدر نصح، يقال: نصحته ونصحت له وباللام أفصحنصحاً ونصاحة، والنصح بفتح النون مصدر نصحت الثوب خطته ( لكل مسلم) وتقدم في ترجمته من وفائه بما التزم من النصح زيادته لصاحب الفرس حتى بلغ به ثمانمائة درهم وكان أولاً رضى بما قل من ذلك بكثير بذلاً للنصيحة ( متفق عليه) .


رقم الحديث 183 ( والثالث: عن أنس رضي الله عنه عن النبي قال: لا يؤمن أحدكم) إيماناً كاملاً ( حتى يحب لأخيه) من الخيرات والطاعات.
وفي رواية النسائي: «حتى يحب لأخيه من الخير» .
قال السخاوي: وهي زيادة صحيحة لأنها خارجة من مخرج «الصحيحين» بل هي على شرطهما، وأخرجها ابن منده في كتاب الإيمان له اهـ ( ما يحب لنفسه) .
قال ابن الصلاح: وهذا قد يعدّ من الصعب الممتنع وليس كذلك، إذ معناه لا يكمل إيمان أحدكم حتى يحبّ لأخيه في الإسلام ما يحبّ لنفسه، والقيام بذلك يحصل بأن يحب له حصول مثل ذلك من جهة لا يزاحمه فيها بحيث لا ينقص النعمة على أخيه شيئاً من النعمة عليه وذلك سهل على القلب السليم، وإنما يعسر على القلب الدغل عافانا الله من ذلك آمين.
قال أبو الزناد: ظاهر الحديث التساوي وحقيقته التفضيل، لأن الإنسان يحبّ أن يكون أفضل الناس، وإذا أحبّ لأخيه مثله فقد دخل في جملة المفضولين.
وفي الحديث من الفقه أن المؤمن مع المؤمن ينبغي أن يكون كالنفس الواحدة، فيحبّ لأخيه ما يحب لنفسه من حيث إنها نفس واحدة.
وفي الحديث الصحيح: «المؤمنون كالجسد الواحد إذا اشتكى منه عضو واحد تداعى له سائر الجسد بالحمى» ( متفق عليه) .
قال السخاوي: وأخرجه أبو داود الطيالسي في «مسنده» والدارمي وعبد في «مسنديهما» وابن ماجه في «سننه» وأبو عوانة في «مستخرجه» وابن حبان في «صحيحه» وهو عند الترمذي والنسائي، وقال الترمذي: إنه صحيح اهـ.


رقم الحديث -23 قال الفاكهاني في شرح الأربعين الحديث التي جمعها المصنف: النصيحة كلمة جامعة معناها حيازة الخير للمنصوح له، يقال: إنها من وجيز الأسماء ومختصر الكلام وأنه ليس في كلام العرب كلمة مفردة تستوفي العبارة عن معنى هذه الكلمة، كما قالوا في الفلاح ليس في كلام العرب كلمة أجمع لخير الدارين منها، وهي مأخوذة من نصح الرجل ثوبه: إذا خاطه شبه فعل لاناصح فيما يتحراه للمنصوح له بسد الخياط خلل الثوب وإصلاحه.
وقيل: إنها مأخوذة من نصحت العسل: إذا صفيته من الشمع، شبه تخليص القول من الغش بتخليص العسل من الخلط اهـ.
( قال الله تعالى: { إنما المؤمنون إخوة} ) ففي التعبير بالأخوة المقتضية للنظر في مصالحة وما ينفعه إيماء إلى نصحه.
( وقال تعالى: إخباراً) أي: مخبراً ( عن نوح) على نبينا و ( عليه وسلم) أي: عما قاله لقومه ( { وأنصح لكم} ) .
قال السملي في «الحقائق» : قال بعضهم: أنصح لكم أدلكم على طريق رشدكم.
وقال شاه الكرماني: علامة النصيحة ثلاثة: اغتمام القلب بمصائب المسلمين، وبذل النصح لهم، وإرشادهم إلى مصالحهم وإن جهلوا وكرهوه.
( و) قال تعالى مخبراً ( عن) قول ( هود) لقومه ( { وأنا لكم ناصح} ) أي فيما آمركم به من عبادة الله وترك ما سواه ( { أمين} ) على تبليغ الرسالة وأداء النصح.
والأمين: الثقة على ما أؤتمن عليه.
حكى الله عن نوح بصيغة الفعل وعن هود بصيغة اسم الفاعل.
قال الخازن في «لباب التأويل» : والفرق أن صيغة الفعل تدل على تجدده ساعة بعد ساعة، فكان نوح يدعو قومه ليلاً ونهاراً كما أخبر الله تعالى عنه بذلك، فلما كان ذلك من عادته ذكره بصيغة الفعل.
وأما هود فلم يكن كذلك بل كان يدعوهم وقتاً دون وقت فلذا ذكر بصيغة الوصف، وفي الآية جواز مدح النفس والثناء عليها في مواضع الضرورة إلى مدحها.