فهرس الكتاب

دليل الفالحـــين - باب الحثَّ عَلَى الأكل من عمل يده والتعفف به من السؤال والتعرُّض للإعطاء

رقم الحديث -60 باب الحث بفتح المهملة وتشديد المثلثة: أي التحريض ( على الأكل من عمل يده) بالاحتراف والاكتساب ( والتعفف به عن السؤال والتعرض) معطوف على مجرور عن، وعن التعرض: أي التطلب ( للإعطاء) .
( قال الله تعالى) : ( { فإذا قضيت الصلاة} ) أي صلاة الجمعة ( { فانتشروا في الأرض} ) أي لقضاء حوائجكم ( { وابتغوا من فضل ا} ) أي رزقه وهذا أمر إباحة بعد الحظر، عن بعض السلف «من باع واشترى بعد الجمعة بارك الله له سبعين مرة» .


رقم الحديث 539 ( وعن أبي عبد الله الزبير بن العوام) بن خويلد القرشي الأسدي المكي، ثم المدني أحد العشرة المبشرة بالجنة تقدمت ترجمته ( رضي الله عنه) في باب الأمر بأداء الأمانة ( قال: قال رسول الله) مؤكداً للشيء المقطوع بصدقه بالقسم المقدر المؤذن به اللام من قوله ( لأن من يأخذ أحدكم) أي وا لأخذ أحد منكم ( أحبله) بفتح أوله وسكون المهملة وضم الموحدة جمع قلة الحبل ( ثم يأتي الجبل) أي مثلاً فغيره من المفازات محال الحطب كذلك، ولعل التصريح به ما في الصعود فيه من زيادة المشقة على سلوك الأودية ( فيأتيبحزمة من حطب على ظهره) من نفسه أو من ظهر دابته والأول أنسب بما قبله ( فيبيعها فيكف الله بها وجهه) أي فيمنع بها ذاته من الحاجة، وعبر بالوجه عن الكل لأنه أشرف الأجزاء الإنسانية، أو لأن السؤال إنما يكون به غالباً ( خير له من أن يسأل الناس) قال الحافظ في «الفتح» : خير ليس للتفضيل إذ لا خير في السؤال مع القدرة على الكسب، بل الأصح حرمته عند الشافعي، ويحتمل أنه كذلك بحسب اعتقاد السائل وتسمية الذي يعطاه خيراً وهو في الحقيقة شر ( أعطوه أو منعوه) تقسم للسؤال المفضل عليه الاكتساب، وتصدير الحديث بالقسم الدال عليه اللام كما تقدم لتأكيده في نفس السامع وفيه مزيد الحض على التعفف عن المسألة والتنزه عنها، ولو امتهن المرء نفسه في طلب الرزق وارتكب المشاق في ذلك، ولولا قبح المسألة في نظر الشرع لما فضل عليها ذلك، وذلك لما يدخل على السائل من ذل السؤال ومن الرد إذا لم يعط ولما يدخل على المسؤول من الضيق من ماله إن أعطى كل سائل ( رواه البخاري) في الزكاة من «صحيحه» ، ورواه ابن ماجه في الزكاة من «سننه» أيضاً.


رقم الحديث 540 ( وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله: لأن يحتطب أحدكم حزمة على ظهره) أي فيبيعها فيكف الله بها وجهه كما تقدم في حديث الزبير قبله، قال الحافظ في «الفتح» : وحذف من هذه الرواية لدلالة السياق عليه ( خير له من أن يسأل أحداً) هو بمعنى قوله فيما قبله: من أن يسأل الناس ( فيعطيه أو يمنعه متفق عليه) رواه البخاري في الزكاة من «صحيحه» ورواه مسلم فيها من طريق آخر من «صحيحه» ، ورواه الترمذي من طريق مسلم في الزكاة وقال: حسن غريب مستغرب من حديث بيان عن قيس.


رقم الحديث 541 ( وعنه عن النبي قال: كان داود عليه السلام لا يأكل إلا من عمل يديه) قالالحافظ: الظاهر أن الذي كان يعمله داود بيده الدروع، وألان الله له الحديد فكان ينسج الدروع ويبيعها ولا يأكل إلا من ثمن ذلك، مع أنه كان من كبار الملوك، قال تعالى: { وشددنا ملكه} ( ص: 2) وكان مع سعة ملكه يتورّع ولا يأكل إلا من عمل يده ( رواه البخاري) في البيوع من «صحيحه» من حديث أبي هريرة باللفظ المذكور من جملة حديث أوله: خفف على داود القرآن وفي آخره وكان لا يأكل إلا من عمل يديه.


رقم الحديث 542 ( وعنه أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: كان زكريا) قال المصنف في «التهذيب» : فيه خمس لغات: أشهرها بالمدّ، والثانية بالقصر وبهما قرىء في السبع، والثالثة والرابعة زكري بلا ألف بتخفيف الياء وتشديدها حكاهما ابن دريد وآخرون من المتأخرين الجواليقي، والخامسة زكر كعلم حكاها أبو البقاء، وقوله: ( عليه السلام) فيه إيماء إلى ما قدمناه من أنه لا كراهة في إفراد واحد من الأنبياء بالصلاة لحديث الطبراني: «صلوا على سائر الأنبياء فإنهم بعقوا كما بعثت» ( نجاراً) وهذا من الفضائل لحديث البخاري: «أفضل ما أكل الرجل من عمل يده» ولحديث المقدام وغيرهما، وفي «شرح مسلم» للمصنف في الحديث جواز الصنائع وأن النجارة لا تسقط المروءة وأنها صنعة فاضلة، وفيه فضيلة لزكريا وأنه كان صانعاً يأكل من كسبه ( رواه مسلم) في أحاديث الأنبياء من «صحيحه» ، ورواه ابن ماجه في كتاب التجارات بالفوقية من «سننه» .


رقم الحديث 543 ( وعن المقدام) بكسر الميم وسكون القاف وبالدال المهملة ( ابن معد يكرب) بسكون الياء ( رضي الله عنه عن النبي قال: ما أكل أحد طعاماً قط) بفتح القاف وضم الطاء المهملة المشددة ظرف لاستغراق ما مضى وباقي الأزمنة مقيسة عليه فيما يأتي ( خيراًمن أن يأكل) أي: أو يشرب أو يلبس، وذكر الأكل لأنه أغلب أنواع الاستعمال كما قيل به في قوله تعالى: { إن الذين يأكلون أموال اليتامى ظلماً} ( النساء: 1) فإن المراد استعمالها بأي وجه وذكر لذلك ( من عمل يديه) كناية عن الكسب وذكر اليدين، إما لأنه أفضل مما ليس فيه عملهما، ويؤيده أنه قيل له: أيّ الكسب أفضل؟ فقال: عمل الرجل بيده، وكل بيع مبرور.
أو لأن أغلب الأعمال بهما، وإلا فالمراد مطلقة كالحاصل من كسب النظر كأن يستأجر لحفظ متاع، والسمع كأن يستأجر لسماع طلب درس علم، أو النظر كأن يستأجر لقراءة قرآن، أو لا من شيء من أعضائه كأن يستأجر ليصوم عن ميت، ثم المراد كما تدل عليه القواعد الشرعية كسب حلال خالص من الغش بسائر وجوهه.
قال في «فتح الإله» : ويؤخذ من عموم الحديث أن الاكتساب خير من التوكل، على أنه لا ينافيه بل هو عينه لكن بقيد كما يفهم ذلك حده الذي قيل فيه: إنه أفضل حدوده: إنه مباشرة الأسباب مع شهود مسببها، فالاكتساب مع شهود أن حصوله بتيسير الله له ولطفه به وإقداره عليه، وفتح أبواب الرزق التي يحتاج إليها أفضل من عدمه وإن كان إنما تركه لنحو صلاة أو صيام وقد كان شأن أكابر القوم ذلك، فقد كان للجنيد سيد الطائفة الصوفية ذكان في البزازين، وكان يرخي ستره عليه فيصلي ما بين الظهرين قيل ألف ركعة وقيل أربعمائة وقيل: مائة، ولعله اختلف فعله فحكى كل من أصحابه ما اطلع عليه.
وكان ابن أدهم يكثر الكسب وينفق منه ضرورته ويتصدق بباقيه.
وكان أحب طرقه إليه حفظ البساتين وخدمتها لأنه تتم له فيها الخلوة ومجاهدة النفس بأعظم أنواع مجاهداتها، ومن ثم لم يعهد أنه أكل من ثمرة من ثمارها.
وترك بعض الكسب كان بعد كمال رياضة نفوسهم وتهذيبها ( وإن نبيّ الله داود عليه السلام كان يأكل من عمل يده.
رواه البخاري)
في أوائل البيوع من «صحيحه» قبل حديث أبي هريرة المذكور قبله، ومما هو انفرد به البخاري عن باقي الكتب الستة، والله أعلم.
5 - ( وعن المقدام) بكسر الميم وسكون القاف وبالدال المهملة ( ابن معد يكرب) بسكون الياء ( رضي الله عنه عن النبي قال: ما أكل أحد طعاماً قط) بفتح القاف وضم الطاء المهملة المشددة ظرف لاستغراق ما مضى وباقي الأزمنة مقيسة عليه فيما يأتي ( خيراً من أن يأكل) أي: أو يشرب أو يلبس، وذكر الأكل لأنه أغلب أنواع الاستعمال كما قيل به في قوله تعالى: { إن الذين يأكلون أموال اليتامى ظلماً} ( النساء: 1) فإن المراد استعمالها بأي وجه وذكر لذلك ( من عمل يديه) كناية عن الكسب وذكر اليدين، إما لأنه أفضل مما ليس فيه عملهما، ويؤيده أنه قيل له: أيّ الكسب أفضل؟ فقال: عمل الرجل بيده، وكل بيع مبرور.
أو لأن أغلب الأعمال بهما، وإلا فالمراد مطلقة كالحاصل من كسب النظر كأن يستأجر لحفظ متاع، والسمع كأن يستأجر لسماع طلب درس علم، أو النظر كأن يستأجر لقراءة قرآن، أو لا من شيء من أعضائه كأن يستأجر ليصوم عن ميت، ثم المراد كما تدل عليه القواعد الشرعية كسب حلال خالص من الغش بسائر وجوهه.
قال في «فتح الإله» : ويؤخذ من عموم الحديث أن الاكتساب خير من التوكل، على أنه لا ينافيه بل هو عينه لكن بقيد كما يفهم ذلك حده الذي قيل فيه: إنه أفضل حدوده: إنه مباشرة الأسباب مع شهود مسببها، فالاكتساب مع شهود أن حصوله بتيسير الله له ولطفه به وإقداره عليه، وفتح أبواب الرزق التي يحتاج إليها أفضل من عدمه وإن كان إنما تركه لنحو صلاة أو صيام وقد كان شأن أكابر القوم ذلك، فقد كان للجنيد سيد الطائفة الصوفية ذكان في البزازين، وكان يرخي ستره عليه فيصلي ما بين الظهرين قيل ألف ركعة وقيل أربعمائة وقيل: مائة، ولعله اختلف فعله فحكى كل من أصحابه ما اطلع عليه.
وكان ابن أدهم يكثر الكسب وينفق منه ضرورته ويتصدق بباقيه.
وكان أحب طرقه إليه حفظ البساتين وخدمتها لأنه تتم له فيها الخلوة ومجاهدة النفس بأعظم أنواع مجاهداتها، ومن ثم لم يعهد أنه أكل من ثمرة من ثمارها.
وترك بعض الكسب كان بعد كمال رياضة نفوسهم وتهذيبها ( وإن نبيّ الله داود عليه السلام كان يأكل من عمل يده.
رواه البخاري)
في أوائل البيوع من «صحيحه» قبل حديث أبي هريرة المذكور قبله، ومما هو انفرد به البخاري عن باقي الكتب الستة، والله أعلم.
6