فهرس الكتاب

دليل الفالحـــين - باب وجوب طاعة ولاة الأمور في غير معصية وتحريم طاعتهم في المعصية

رقم الحديث -80 مفهوم الجمع غير قيد في وجوب الطاعة بل المراد ذي الولاية سواء كان إماماً أو سلطاناً أو ملكاً أو أميراً أو عاملاً ( في غير معصية) متعلق بطاعة، والأمر فيما عدا المعصية لتجتمع كلمة المسلمين فإن الخلاف سبب لفساد أحوال الدين والدنيا قاله المصنف ( وتحريم طاعاتهم) أي طاعة كل منهم ( في المعصية) دخل في شق الوجوب الواجب والمندوب والمباح والمكروه فتجب طاعة أمر ولي الأمر به والثاني قاصر على المحرم صغيرة كانت أو كبيرة.
( قال الله تعالى) : ( { يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول} ) ذكر طاعته تعالى تشريفاً لرسوله وإيماء إلى طاعة الرسول طاعة له ( { وأولي الأمر منكم} ) ولعل حكمة إعادة العامل في المعطوف الأول دون الثاني الإيماء إلى مزيد الاهتمام بطاعته والانقياد لأمره لأن ذلك علامة الإيمان قال تعالى { فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم} ( ) الآية.
وطاعة ولاة الأمور وإن كانت واجبة أيضاً للآية ولغيرها إلا أنها ليس الإخلال بها مخلا بالإيمان، والله أعلم.


رقم الحديث 663 ( وعن ابن عمر رضي الله عنهما عن النبيّ قال: على المرء المسلم) أي يجب عليه ( السمع والطاعة) أي القبول والانقياد لقول ولي الأمر ( فيما أحب) المرء إن كان موافقاً لمراد المأمور أيضاً ( وكره) بأن كان مخالفاً لمراده والعائد محذوف إن كانت ما موصولاً إسمياً، فإن أعربتها مصدرية فلا خلاف في حبه وكراهيته والمصدر بمعنى اسم المفعول ( إلا أن يؤمر بمعصية) كقتل محترم ( فإن أمر بمعصية) أتى به ظاهراً والمقام للضمير زيادة في الإيضاح ورفع الإلباس وبنى الفعل للمجهول ليعم كل آمر من ولي أمر أبوين وغيرهم ( فلا سمع ولا طاعة) لبناء الاسمين اشتغراقاً لأفراد كل منهما أي فلا يطلب شيء من هذين حينئذ بوجه بل يحرم ذلك على من كان قادراً على الامتناع وهو نفي بمعنى الخبر أي فلا تسمعوا ولا تطيعوا وهو أبلغ كأنه امتثل وانتفى ما أمر بتركه فأخبر عنه بما يحبر به عن المنفي( متفق عليه) أخرجه البخاري في كتاب الفتن، وأخرجه مسلم في كتاب المغازي.


رقم الحديث 664 ( وعنه رضي الله عنه قال: كنا إذا بايعنا رسول الله) الإتيان بصيغة المفاعلة لأنهم باعوا أنفسهم وأموالهم من الله تعالى على يده وباعهم ما أعده الله لهم من نعيم الآخرة ( على السمع والطاعة) لولاة الأمر ( يقول لنا) ملقنا ( فيما استطعتم) أي خصصوا المبايعة بقولكم فيما استطعنا وذلك شفقة منه عليهم ورحمة لئلا يدخل في عموم بيعته ما لا يطيقون وهو نحو قوله «عليكم من الأعمال ما تطيقون» قال العاقولي وفيه إشكال على قولنا يجب إحضار الاستثناء على خاطر المستثنى قبل تمام المستثنى منه.
قلت: ولا إشكال ولعلهم أعادوا المبايعة ليقيدوها بذلك ( متفق عليه) أخرجه البخاري في الأحكام ومسلم في آخر المغازي ومداره عندهما على عبد الله بن دينار عن ابن عمرو ورواه الترمذي في السير من «جامعه» وقال حسن صحيح والنسائي في السير وفي البيعة من «سننه» هذا ما ذكره المزي في «أطرافه» ثم الحديث في الصحيحين بضمير الواحد المخاطب وليس فيه ميم الجماعة فلعل ما في نسخ «الرياض» من زيادة الميم من تحريف الكتاب، وإلا فسبق قلم بلا ارتياب.


رقم الحديث 665 ( وعنه قال: سمعت رسول الله يقول: من خلع يدا من طاعة) أي خرج عنها بالخروج على الإمام وعدم الانقياد له في غير معصية بأي وجه كان، أطلق خلع اليد وأراد به لازمه وهو إبطال المبايعة بالخروج عن الطاعة مجازاً مرسلاً، قال العاقولي: يكنى بخلع اليد عن نكث العهد لأن المعاهد يضع يده في يد من عاهد غالباً ( لقي الله يوم القيامة ولاحجة له) أي لا حجة له يومئذ فيما فعله من نبذ الطاعة ولا عذر له فيه ( ومن مات وليس في عنقه بيعة) أي للإمام بالسمع والدخول في طاعته والجملة في محل الحال من فاعل مات قيد له.
( مات ميتة جاهلية) هي صفة ميتة أي مات على الضلالة كما يموت أهل الجاهلية عليها من جهة أنهم كانوا لا يدخلون تحت طاعة أمير ويرون ذلك عيباً بل كان ضعيفهم نهباً لقويهم ( رواه مسلم) في المغازي من «صحيحه» منفرداً به عن باقي الستة.
( وفي رواية له) أي لمسلم عن ابن عمر مرفوعاً ( ومن مات وهو مفارق للجماعة) وهو شامل لعدم المبايعة والدخول في الطاعة ابتداء وللخروج عنها بعد الدخول فيها، والمراد بالجماعة الإمام وجيش الإسلام، ويجوز أن يراد به مفارقة الجماعة في الصلوات كالروافض فإنه لبدعتهم لا يرون الدخول تحت طاعة أئمة الحق والانقياد لهم إلا اضطراراً وتقية ( فإنه يموت ميتة جاهلية) أي مات على هيئة موت أهل الجاهلية فإنهم كانوا أفراداً لا إمام يردعهم ولا جماعة تجمعهم، قال المصنف ( الميتة بكسر الميم) للنوع والحالة.


رقم الحديث 666 ( وعن أنس رضي الله عنه قال: قال رسول الله: اسمعوا) ما قال أمراؤكم ( وأطيعوا) أي أطيعوهم في غير معصية ( وإن استعمل عليكم عبد حبشي كأنّ رأسه زبيبة) أي أمر عليكم في نحو سرية أو جيش أو كان عاملاً، لا الإمامة العظمى وإن أريد به الإمامة فيكون على ضرب المثل للمبالغة نحو «لو أن فاطمة بنت محمد سرقت» على سبيل الفرض لا الوقوع قلت أو كان ذلك على سبيل التغلب عليها فإنها تنعقد حينئذ ولو لم يكن جامعاً لشروطها ثم الجملة وصلية قيل معطوفة على مقدر وقيل في محل الحال.
وقوله كأن رأسه زبيبة جملة في محل الحال من عبد لتخصيصه بالوصف أو وصف بالجملة بعد الوصف بالمفرد، ومعنى كأنّ رأسه إلخ أي أسود صغير قطط فيكون أبلغ في حقارته ( رواه البخاري) في كتاب لصلاة وكتاب «الأحكام» من «صحيحه» ورواه ابن ماجة في «الجهاد» من«سننه» .


رقم الحديث 667 ( وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله: عليك) اسم فعل مبني الزم ( السمع) أي لقول الأمير ( والطاعة) له فيما لا معصية فيه لله تعالى ( في عسرك ويسرك) بضم أولهما وسكون ثانيهما أي في فقرك وغناك ( ومنشطك ومكرهك) بفتح أولهما وثالثهما وسكون ثانيهما.
قال القرطبي في المفهم هما مصدران أي ما تحب وما تكره مما هو موافق لنشاطك وهواك أو مخالف له مما ليس معصية فإن كان معصية فلا سمع ولا طاعة للأحاديث المصرحة به المحمول المطلق عن التقييد بذلك على المقيد به ( وأثرة عليك) بفتح الهمزة والمثلثة ويقال بضم وبكسر فسكون فيهما لغات ثلاث حكاهن في المشارق قال القرطبي: ورويناه بفتحهما وبضم الهمزة وكلاهما بمعنى وهو كما تقدم اللاستئثار والاختصاص بأمور الدنيا: أي عليكم الطاعة وإن اختص الأمراء بالدنيا ولم يوصلوكم حقكم مما عندهم ( رواه مسلم) ورواه أحمد والنسائي كذا في «الجامع الصغير» .


رقم الحديث 668 ( وعن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما قال: كنا مع رسول الله في سفر فنزلنا منزلاً) بفتح فسكون فكسر قال في «المصباح» : هو موضع النزول ( فمنا من يصلح خباءه) بكسر المعجمة وتخفيف الموحدة بعدها ألف ممدودة: هو ما يعمل من وبر أو صوف، وقد يكون من شعر وجمعه أخبية بغير همز ككساء وأكسية ويكون على عمودين أو ثلاثة وما فوق ذلك فهو بيت، كذا في المصباح ( ومنا من ينتضل) بفتح التحتية والفوقية وسكون النون بينهما ثم ضاد معجمة: أي يرمي بالسهام تدرّباً ومداومة ( ومنا من هو في جشره إذ) ظرف لـ «كنا» بناء على دلالتها على الحدث كما هو الصحيح ( نادى منادي رسول الله الصلاة جامعة) برفعهما مبتدأ وخبر ونصبهما الأول على الإغراء والثاني على الحالية، ورفع الأولمبتدأ محذوف الخبر: أي مدعوّ إليها ونصب الثاني حالاً وعكسه، ونصب الأول على الإغراء ورفع الثاني خبر محذوف: أي هي حاضرة.
قال المصنف في «شرح مسلم» : هو بنصب الجزءين: أي من حيث الرواية وما ذكرناه هو من حيث الدراية إن لم تدفعه رواية وإلا فهي المقدمة، قال القرطبي: خبر بمعنى الأمر كأنه قال اجتمعوا للصلاة.
قلت: هذا منه يقتضي أنهما مرفوعان، إذ لو نصبا لكان من الطلب لا من الخبر بمعنى الطلب.
قال القرطبي: وكأن الوقت كان وقت صلاة، فلما جاءوا معه صلوا معه وسكت الراوي عن ذلك، وإلا فمن المحال أن ينادي منادي الصادق بالصلاة ولا صلاة ( فاجتمعنا إلى رسول الله فقال: إنه لم يكن) أي يوجد ( نبيّ قبلي) ويصح كونها ناقصة وقبلي صفة للإسم والخبر محذوف: أي متحلياً بشيء من الأحوال، أبدل منه قوله ( إلا إن كان حقاً) أي واجباً ( عليه) خبر مقدم والإسم ( أن يدل أمته على خير ما يعلمه لهم وينذرهم) بضم التحتية من الإنذار ( شرّ ما يعلمه لهم) لأن ذلك حكمة الإرسال والبعثة ليسوق العباد إلى نفعهم ويدفع عنهم ضررهم ولأنه من طريق النصيحة والاجتهاد في التبليغ والبيان، والاستثناء كما علم مما قررناه مفرغ ( وإن أمتكم هذه) يعني الأمة المحمدية ( جعل عافيتها) أي سلامتها من فتن الدين ( في أولها) قال القرطبي: المراد به زمان الخلفاء الثلاثة إلى قتل عثمان فهذه كانت أزمنة اتفاق هذه الأمة واستقامة أمرها وعافية دينها، فلما قتل عثمان هاجت الفتن ولم تزل ولا تزال إلى يوم القيامة، وعليه فأول الآخر ما بعد مقتل عثمان وهو آخر بالنسبة لما قبله من زمن العافية، ويدل له قوله «وأمور تنكرونها» والخطاب للصحابة فدل على أن منهم من يدرك أول ما سماه آخراً وكذلك كان اهـ.
قلت: ويحتمل أن يراد بالأول زمن الصحابة والتابعين وبالآخر ما بعدهما وذلك بشهادة قوله «خير القرون قرنى ثم الذين يلونهم» الحديث، ولحديث «عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي عضواً عليها بالنواجذ» وذلك أن غلبة أشعة الأنوار المحمدية حينئذ مخمدة لسائر ظلمات البدع والشكوك والفتن الدينية ( وسيصيب) بالسين لتأكيد تحقيق ما دخلت عليه ( آخرها بلاء) بالمد اسم مصدر من الابتلاء ومثله البلية بمعنى المحنة، قاله في المصباح ( وأمور تنكرونها) لمخالفتها للشرع، وجملة وسيجيء الخ معطوفة على خبر إن، وجملة ( وتجيء فتن يرقق) فيه رواياتيأتي بيانها ( بعضها بعضاً) يجوز أن تكون مستأنفة لتأكيد ما قبلها من تتابع الفتن وأن تكون معطوفة كالتي قبلها فيقدر رابط: أي وتجيء فيها فتن ( وتجيء الفتنة) أي العظيمة في الدين كما يومىء إليه قوله ( فيقول المؤمن هذه مهلكتي) بضم الميم وكسر اللام بصيغة اسم الفاعل وإسناد الإهلاك إليها مجازى من الإسناد للسبب ( ثم تنكشف) أي تذهب ( وتجيء الفتنة) أي غير الأولى، ولا يخالف قاعدة أن المكررين إذا كانا معرفتين أو كان الثاني كذلك كان الثاني عين الأول لأن أل فيه جنسية والمحلى بها نكرة من حيث المعنى، فكأنّ المكررين نكرتان، وإذا تكررت النكرة كان الثاني غير الأول على أن القاعدة أغلبية وإلا فهي مشكلة ( فيقول المؤمن هذه هذه) أي هذه الفتنة هي الفتنة العظمى فهما وإن اتحدا لفظاً تغايرا اعتباراً، وذلك كاف في تغاير المسند والمسند إليه، فاسم الإشارة لتعظيم الأمر وفخامته، ثم فرّع على ذلك قوله ( فمن أحبّ أن يخرج نفسه من النار ويدخل الجنة) أي يتسبب في عدم دخوله النار ابتداء مجاوزاً عنها إلى الجنة، فأطلق الخروج مراداً به المباعدة مجازاً مرسلاً: أي أحبّ الخروج منها وعدم التأبيد في العذاب بل الحلول في الجنة: أي أحبّ الموت على الإسلام ( فلتأته منيته) بفتح الميم وكسر النون وتشديد التحتية أي الموت كما في «النهاية» ( وهو يؤمن بالله واليوم الآخر) جملة حالية من فاعل مات، والمراد ليدم على الإيمان بذلك حتى يأتيه الموت وهو كذلك فهو في الحقيقة أمر بدوام الإيمان، ونظيره قوله تعالى: { ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون} ( آل عمران: 12) ( وليأت) اللام فيه للأمر وكسرها هو الأصل وتسكن بعد الواو والفاء وثم وهو مضارع أتى مقصوراً أي ليجيء ( إلى الناس الذي يحب أن يؤتي) بالبناء للمفعول: أي يجاء ( إليه) قال في المصباح: أتى الرجل يأتي أتيا جاء وأتيته، يستعمل لازماً ومتعدياً: أي ليجئهم في الأفعال بما يحبّ أن يأتوه بمثلها.
قال المصنف: هذا من جوامع كلمه وبدائع حكمه، وهذه قاعدة ينبغي الاعتناء بها وهي أن الإنسان يلتزم ألا يفعل مع الناس إلا ما يحبّ أن يفعلوه معه.
قال القرطبي: وهذا مثل قوله «لا يؤمن أحدكم حتى يحبّ لأخيه ما يحبّ لنفسه» والناس هنا الأئمة والأمراء، فيجب عليه لهم من السمع والطاعة والنصرة والنصيحة ما يجب له عليهم لو كان هو الأمير.
قلت: وكأن هذا التخصيص باعتبار سابق الكلام ولو أبقى على العموم وشمل ما ذكره لما كان بعيداً وهو الذي مشى عليه المصنف كما نقلناه عنه ( ومن بايع إماماً فأعطاه صفقة يده) هو كالبيان للبيعة فهو كقولهم توضأ فغسل وجهه الخ فالفاء فيه للترتيب الذكرى، والصفقة بفتح المهملة وسكون الفاء بعدها قاف: ضرب اليد على اليد وكانت عادة العرب إذا أوجبت ضرب أحدهما على يد صاحبه، ثم استعملت الصفقة في العقد فقيل: بارك الله في صفقة يمينك، كذا في «المصباح» .
وقال القرطبي: أصلها الضرب بالكف والكف أو بأصبعين على الكف ( وثمرة) بفتح المثلثة ( قلبه فليطعه) قال القرطبي: دل على أن البيعة لا يكتفي فيها بمجرّد عقد اللسان بل لا بد من الضرب باليد كما قال تعالى: في أية المبايعة { يد الله فوق أيديهم} ( الفتح: 1) لكن ذلك في الرجال فقط وعقد القلب وإلزام البيعة به وترك الغش والخديعة فذلك من أعظم العبادات ( إن استطاع) قيد في الأمور: أي يطيعه فيما يطيقه وهذا كما تقدم من تلقينه حال البيعة على السمع والطاعة بقوله «فيما استطعت» ( فإن جاء آخر ينازعه) أي خرج عن طاعته ونازعه في الملك ( فاضربوا عنق الآخر) أي إن لم يندفع عن ذلك إلا بذلك فافعلوه ولو بأن تحاربوه وتقاتلوه، ولا ضمان على قاتله حينئذ لأنه ظالم متعدّ في قتاله ( رواه مسلم) في المغازي من «صحيحه» وزاد فيه «فقال عبد الرحمن بن عبد ربّ الكعبة: فدنوت منه فقلت: أنشدك الله، أأنت سمعت هذا من رسول الله: فأهوى إلى أذنيه وقلبه بيديه وقال: سمعته أذناي ووعاه قلبي» والحديث رواه أبو داود في الفتن والنسائي في البيعة وابن ماجه في الفتن، قاله المزي في «الأطراف» .
( وقوله ينتضل) مضارع يفتعل من النضل بالمعجمة ( أي يسابق بالرمي بالنبل) بفتح النون وسكون الموحدة: السهام العربية لا واحد لها من لفظها بل الواحد سهم فهي مفردة اللفظ مجموعة المعنى ( والنشاب) بضم النون وتشديد المعجمة.
قال في «الصحاح» : السهام الواحدة نشابة اهـ، وعليه فهو من عطف العام على الخاص لأن النشابة تعم العربية وغيرها بخلاف النبل ( والجشر بفتح الجيم والشين المعجمة وبالراء وهي الدوّاب التي ترعى وتبيت مكانها) وفي«المشارق» للقاضي عياض: الجشر المال يخرج به أربابه في مكانه يمسك فيه.
قال الأصمعي: قال جشر إذا كان بمرعاه ولا يأوي أهله، قال غيره: وأصله أن الجشر نقل الربيع، وقال أبو عبيدة: الجشر الذين يثبتون مكانهم لا يرجعون إلى بيوتهم، وبه يعلم أن المصنف تبع قول الأصمعي كما أن قول «النهاية» : الجشر قوم يخرجون بدولبهم إلى المرعى ويبيتون مكانهم ولا يأوون إلى البيوت اهـ تابع لأبي عبيدة ( وقوله يرقق بعضها بعضاً) روى بوجوه أحدها ما اقتصر عليه المصنف هنا، وقال في «شرح مسلم» : إنه الذي نقله عن جمهور الرواة يرقق بضم التحتية وفتح الراء وبقافين ( أي يصير بعضها بعضاً رقيقاً: أي خفيفاً لعظم ما بعده فالثاني يجعل الأول رقيقاً) الأنسب فالبعض يجعل البعض ليشمل ما إذا كان الثاني أشد وهو ما ذكره المصنف والعكس ( وقيل يسوق بعضها بعضاً بتحسينها وتسويلها) هو ما اقتصر عليه القرطبي في المفهم فقال: ورواه أكثر الرواة بالراء المفتوحة والقاف الأولى مكسورة: أي يسبب بعضها بعضاً، ويشير إليه كما في المثل: عن صبوح ترقق، ويزحزح عن النار: أي ينحى عنها ويؤخر منها.
قال المصنف في «شرح مسلم» : وقيل معناه يشبه بعضها بعضاً، وقيل يدور بعضها في بعض ويذهب ويجىء به، قال: والثاني من جوه رواياته بفتح التحتية وسكون الراء ضم الفاء بعدها قاف.
والثالث يدقق بدال بدل الراء والفاء ومكسورة وبالقاف: أي يدفع ويصب.
والدفق: الصب.
قال القرطبي: وهذه رواية الطبري عن الفارسي، قال: ومعناه يدفق: أي يدفع أي إن الفتن كموج البحر الذي يدفق بعضه بعضاً، قال: وشبه المؤمن فيها بالعائم الغريق بين الأمواج فإذا أقبلت عليه موجة قال هذه مهلكتي.
ثم تروح عنه تلك فتأتيه أخرى فيقول هذه هذه: أي التي تغرق إلى أن يغرق بالكلية، وهذا تشبيه واقع اهـ.


رقم الحديث 669 ( وعن أبي هنيدة) بضم الهاء وفتح النون وسكون التحتية بعدها دال مهملة ثم هاء ويقال بلا هاء ( وائل) بالهمزة بعد الألف ( ابن حجر) بضم المهملة وسكون الجيم آخره راء ابن ربيعة بن يعمر الحضرمي ( رضي الله عنه) كذا قال ابن عبد البر، وقال الحافظ أبو القاسم ابن عساكر: وائل بن حجر بن سعد بن مسروق بن وائل بن ضمعج بن وائل بن ربيعة بن وائل بن النعمان بن زيد.
قال: وقيل غير ذلك، كان من ملوك حمير ويقال للملك منهم قيل بفتح القاف وسكون التحتية جمعه أقيال وكان أبوه من ملوكهم.
وفد على رسول الله وكان بشر أصحابه قبل قدومه بأيام وقال «يأتيكم وائل بن حجر من أرض بعيدة من حضرموت طائعاً راغباً في الله وفي رسول الله وهو بقية الأقيال» فلما دخل عليه رحب به وأدناه من نفسه وبسط له رداءه وأجلسه إليه مع نفسه وقال اللهم بارك في وائل وولده، وأصعده معه على المنبر وأثنى عليه واستعمله على بلاده وأقطعه أرضاً وأسل معه معاوية بن أبي سفيان وقال أعطه إياها، روى له عن رسول الله أحد وسبعون حديثاً روى مسلم منها ستة ولم يرو البخاري له شيئاً، نزل الكوفة وعاش إلى أيام معاوية ووفد عليه فأجلسه معه على السرير وشهد مع علي صفين وكانت معه راية حضرموت اهـ.
من «التهذيب» للمصنف ( قال: سأل سلمة) بفتح أوليه ( ابن يزيد) بفتح التحتية وكسر الزاي وسكون التحتية الثانية ابن مشجعة بن المجمع بن مالك بن كعب بن سعد بن عوف بن حريم بضم المهملة وفتح الراء ابن جعفي ( الجعفي) بضم الجيم وسكون المهملة بعدها فاء نسبة لجده المذكور، وما ذكره المصنف في اسمه أحد قولين فيهز قال ابن عبد البر: اختلف الشعبي وأصحاب سماك في اسمه، فقبل سلمة بن يزيد وقيل يزيد بن سلمة ( رسول الله فقال: يا رسول الله أرأيت) بفتح الفوقية أي أخبرني ( إن قامت علينا أمراء يسألونا) كذا في الأصول من «الرياض» و «صحيح مسلم» بنون واحدة هي نون الضمير وحذف نون الرفع من الأفعال الخمسة.
قال المصنف في «شرح مسلم» لغة وهذا منها والجملة صفة: أي أمراء طالبون ( حقهم) أي من السمع والطاعة ( ويمنعونا حقنا) من العطاء والاهتمام بمصالحنا والنصيحة في أمرنا ( فما تأمرنا) أي فأي شيء تأمرنا ( فأعرض عنه) لمارأى من المصلحة في ذلك، أو لينتظر الوحي به ( ثم سأله فقال رسول الله: اسمعوا وأطيعوا) أي أعطوهم ما لهم وإن لم يعطوكم ما لكم ( فإنما عليهم ما حملوا) من المأثم وإثمهم لا يمنع من أدائهم معهم ما عليهم من الحق ( وعليكم ما حملتم) أي فلا يمنعكم من أداء ما عليكم تفريطهم بعدم أداء ما لكم ( رواه مسلم) في المغازي ورواه الترمذي في الفتن.


رقم الحديث 670 ( وعن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: قال رسول الله إنها) ضمير القصة ( ستكون بعدي أثرة) أي استئثار من ولاة الأمر بالأموال على المسلمين المستحقين فيها فيفضل غيركم عليكم في الفيء أو الغنيمة وغيرها وتقدم ضبطه أثرة قريباً ( وأمور تنكرونها) أي لقبحها شرعاً، وقد ظهر ما أخبر عنه كما أخبر فهو من جملة معجزاته ( قالوا: يا رسول الله: كيف تأمرنا) أي أيّ حال تأمرنا أن تكون عليها حينئذ؟ ( قال تؤدون) بحذف المفعول الأول أي تعطونهم ( الحق) أي الواجب ( الذي عليكم) من السمع والطاعة ( وتسألون الله لكم) أي تسألونه أن يوصل إليكم حقكم بأن يلهم الأئمة ذلك أو يوجد من يفعل ذلك لكم منهم ويولى من ينصفكم، وهو دليل على عدم التعرض للأئمة وإن جاروا والاعتماد على مكافأة الله تعالى ( متفق عليه) أخرجه البخاري في علامات النبوة ومسلم في المغازي ورواه الترمذي في الفتن من جامعه وقال حسن صحيح.


رقم الحديث 671 ( وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله: من أطاعني فقد أطاع الله) قال الله تعالى: { من يطع الرسول فقد أطاع الله} ( النساء: 8) ( ومن عصاني) وأعرض عما أمرت به وخالف ما نهيت عنه ( فقد عصى الله) قال الله تعالى: { ومن تولى فما أرسلناك عليهم حفيظاً} أي ومن تولى بالإعراض { فما أرسلناك عليهم حفيظاً إنما عليك البلاغ وعلينا الحساب} فالآية والحديث من واد واحد ( ومن يطع الأمير) عند مسلم «أميري» ( فقد أطاعني ومن يعص الأمير) فيما أمر مما ليس معصية لله ( فقد عصاني) لأن رسول الله صلى بطاعته فيما ليس كذلك فطاعته طاعة للرسول ونهى عن معصيته كذلك فمعصيته معصية للرسول ( متفق عليه) أخرجه البخاري في الأحكام ومسلم في المغازي، وعند البخاري في الجهاد من طريق لآخر من حديث أبي هريرة «من أطاعني فقد أطاع الله من أطاع الأمير فقد أطاعني وإنما الإمام جنة» .