فهرس الكتاب

دليل الفالحـــين - باب تحريم الكذب

رقم الحديث 1542 ( وعن ابن مسعود رضي الله عنه قال قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إن الصدق) أي: تحري الصدق في القول ( يهدي) بفتح التحتية من الهداية، قال الحافظ في الفتح: وهي الدلالة الموصلة إلى المطلوب اهـ.
ولعله تفسير للمراد هنا ( إلى البر) بكسر الموحدة وتشديد الراء أي: الطاعة قال الحافظ: أصله التوسع في فعل الخير، وهو اسم جامع للخيرات كلها، ويطلق على العمل الخالص الدائم ( وإن البر يهدي إلى الجنة) قال ابن بطال: مصداقه في كتاب الله تعالى ( إن الأبرار لفي نعيم) ( وإن الرجل ليصدق) أي: يتكرر منه الصدق، وعند مسلم "ليتحرى الصدق" وكذا قال في الكذب ( حتى يكتب عند الله صديقاً) أي: يستحق اسم المبالغة في الصدق عنده سبحانه وتعالى، قال العاقولي: وصديق من أبنية المبالغة، من تكرر منه الصدق حتى يصير سجية له وخلقاً ( وإن الكذب يهدي إلى الفجور) قال الراغب: أصل الفجر: الشق، والفجور: شق الديانة، ويطلق على الميل إلى الفساد، وعلى الانبعاث في معاصي، وهو اسم جامع للشر ( وإن الفجور يهدي إلى النار) أي يوصل إليها، والإِسناد في الجمل الأربع، من الإِسناد إلى السبب ( وإن الرجل ليكذب حتى يكتب عند الله كذاباً) والمراد بالكتابة: الحكم عليه بذلك، وإظهاره للمخلوقين من الملأ الأعلى، وإلقاء ذلك في قلوب أهل الأرض.
وقد ذكره مالك بلاغاً عن ابن مسعود، وأورد فيه زيادة مفيدة، ولفظه "لا يزال العبد يكذب ويتحرى الكذب فينكت في قلبه نكتة سوداء حتى يسوَد قلبه فيكتب عند الله من الكذابين".
قال المصنف: قال العلماء: في الحديث الحث على تحري الصدق، وهو قصده والاعتناء به.
وعلى التحذير من الكذب، والتساهل فيه.
فإنه إذا تساهل فيه أكثر منه فعرف به فكتب.
( متفق عليه) وقد تقدم مشروحاً في باب الصدق.


رقم الحديث 1543 ( وعن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: أربع) أي: من الخصال ( من كن فيه كان منافقاً خالصاً) في نفاق العمل ( ومن كان فيه خصلة منهن كانت فيه خصلة من النفاق حتى يدعها) أي: يتركها ( إذا أؤتمن) بالهمز ( خان) جواب إذا، وهو العامل فيها، وهي والمعطوف عليها خبر لمحذوف أي: هي تعود للأربع ( وإذا حدث كذب وإذا عاهد غدر) من الغدر ضد الوفاء ( وإذا خاصم فجر) بالأيمان الكاذبة، والدعاوى الباطلة ( متفق عليه وقد سبق بيانه) مع شرحه مبسوطاً ( مع حديث أي هريرة بنحوه) في بعض خصال النفاق في باب الوفاء بالعهد.


رقم الحديث 1544 ( وعن ابن عباس رضي الله عنهما عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: من تحلم) بفتح التاء والمهملة وتشديد اللام أي: تكلف الحلم أي: كذب بما لم يره في منامه كما علق به قوله: ( بحلم لم يره) والحلم بضم المهملة، والمراد به هنا مطلق ما يرى مناماً، خيراً كان أو شراً، وإن كان قد يخص الأخير، كما تقدم في حديث: "الرؤيا من الله والحلم من الشيطان" ( كلّف) بصيغة المجهول ( أن يعقد بين شعيرتين ولن يفعل) عند أحمد: "من تحلم كاذباً دفع إليه شعيرة حتى يعقد بين طرفيها وليس بعاقد وعنده عذب حتى يعقد بين شعيرتين وليس عاقداً".
قال الحافظ: وذلك ليطول عذابه في النار؛ لأن عقده بين طرفي الشعيرة غير ممكن؛ قال الحافظ في الفتح: الحق أن التكليف ليس هو المصطلح عليه في الدنيا، وإنما هو كناية عن التعذيب اهـ.
قال الطبري: إنما أسند الوعيد فيه، مع أن الكذب في اليقظة، قد يكون أشد مفسدة منه، كشهادة الزور في قتل مسلم، أو أخذ ماله: لأن الكذب في المنام كذب على الله؛ وذلك لحديث "الرؤيا جزء من النبوة" وما كان من أجزاء النبوة فمن الله ( ومن استمع إلى حديث قوم وهم له) أي: لاستماعه المدلول عليه بالفعل؛ ( كارهون) قال الشيخ أكمل الدين: جملة وهم له كارهون حالية، وذو الحال فاعل استمع، والذي سوغ ذلك تضمنها ضميره، ويجوز أن تكون صفة للقوم، والواو لتأكيد لصوق الصفة بالموصوف، فإن الكراهة حاصلة لا محالة ( صب) بالبناء للمجهول ( في أذنيه الآنك) فيه وعيد شديد، والجزاء من جنس العمل ( يوم القيامة ومن صور صورة) أي: من ذوات الأرواح ( عذب وكلف أن ينفخ فيها الروح وليس بنافخ) عبر به وعبر فيما تقدم بقوله وأن ينفخ تفنناً في التعبير.
قال العارف بن أبي جمرة: مناسبة الوعيد للكاذب في منامه وللمصور: أن الرؤيا خلق من خلق الله تعالى، وهو صورة معنوية، فأدخل لكذبه صورة معنوية لم تقع، كما أدخل المصور في الوجود، صورة ليست بحقيقية، لأن الصورة الحقيقية هي التي فيها الروح؛ فكلف صاحب الصورة بتكليفه أمراً شديداً، وهو أن يتم ما خلقه بزعمه، فينفخ الروح فيه.
ووقع عند كل منهما بأن يعذب حتى يفعل ما كلف، وليس بفاعل، وهو كناية عن دوام تعذيب كل منهما.
قال: والحكمة في هذا الوعيد، أن الأول كذب على جنس النبوة، والثاني نازع الخالق في قدرته اهـ ( رواه البخاري) وفي الجامع الكبير: "من تحلم كاذباً كلف يوم القيامة، أن يقعد بين شعيرتين، ولن يقعد بينهما".
رواه الترمذي بعد إيراد الجمل الثلاث، لكن قدم التصوير، وقال عذبه الله يوم القيامة حتى ينفخ، ثم الحلم ثم الاستماع، وقال: رواه أحمد وأبو داود وهو حسن صحيح من حديث ابن عباس قال: ورواه أحمد من حديث أبي هريرة رضي الله عنه أيضاً، لكن قال: ودفع إليه شعيرة، وكلف أن يعقد بين طرفيها، وليس بعاقد.
وصححه ابن ماجه وابن جرير من حديث ابن عباس، وحديث: "من استمع إلى حديث قوم وهم له كارهون صب في أذنيه الآنك ومن أري عينيه في المنام ما لم ير كلف أن يعقد شعيرة".
رواه الطبراني في الكبير من حديث ابن عباس، ولم يذكره البخاري وهو عجيب ( تحلم أي: قال إنه حلم في نومه ورأى كذا وكذا وهو كاذب والآنك بالمد وضم النون وتخفيف الكاف وهو الرصاص المذاب) وقيل هو الرصاص الأبيض، وقيل هو الأسود، وقيل هو الخالص منه، ولم يجىء واحد على أفعل، غير هذا، وقيل يحتمل أنه فاعل لا أفعل، وهو شاذ أيضاً، وفي المصباح الآنك وزان أفلس، ومنهم من يقول الآنك فاعل، قال وليس في العربي فاعل بضم العين، وأما الآنك والأجر فيمن خفف وآمل وكابل فأعجميات اهـ.


رقم الحديث 1545 ( وعن ابن عمر رضي الله عنهما قال قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أفرى الفري) بكسر الفاء وتخفيف الراء مقصوراً جمع فرية ( أن يري الرجل عينيه ما لم تريا) أي: بأن يسند إليهما رؤيا ما لم ترياه.
وتقدم شرح الحديث في باب الرؤيا في أثناء حديث واثلة ( رواه البخاري) في التعبير ( ومعناه يقول رأيت فيما لم يره) ظاهره شمول اليقظة والنوم، وظاهر لفظ أبي داود والبخاري في باب التعبير: اختصاصه بالأخير.
ومقتضى إيراد المصنف، ثم تفسيره شموله لها.


رقم الحديث -258 باب تحريم الكذب بفتح فكسر هو الإِخبار عن الشيء، بخلاف ما هو عليه، ويأثم المخبر إذا علم بذلك، ثم إن علم الضرر فيه، كأن من الكبائر، وإلا فمن الصغائر، وإن كانت فيه مصلحة تقاوم ذلك الضرر، صار مندوباً تارة، وواجباً أخرى.
كما سيأتي في باب بيان ما يجوز منه قال الله تعالى: ( ولا تقف ما ليس لك به علم) .
وقال تعالى: ( ما يلفظ من قول إلا لديه رقيب عتيد) تقدم ما يتعلق بهما قريباً.


رقم الحديث 1546 (وعن سمرة بن جندب رضي الله عنه قال كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مما يكثر) خبر مقدم مبتدؤه (أن يقول) أي: قوله، والجملة خبر كان، والرابط محذوف أي: منه.
وقال الطيبي: مما يكثر خبر كان، وما موصول: صلته يكثر، والعائد على ما: فاعل يقول، وأن يقول فاعل يكثر.
وهل رأى أحد منكم الخ هو المقول أي: رسول الله من النفر الذين كثر منهم هذا القول، فوضع ما وضع من تفخيماً وتعظيماً لجانبه، هذا من جهة البيان، ومن حيث النحو يجوز أن تكون هل رأى أحد منكم الخ مبتدأ.
والخبر مقدم عليه على تأويل هذا القول مما يكثر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن يقول.
ثم أشار إلى ترجيح الوجه السابق قال الحافظ في الفتح: فالمتبادر الثاني، وعليه أكثر الشارحين (لأصحابه هل رأى أحد منكم من رؤيا) من: مزيدة للاستغراق، وشمول كل منام بأيّ وصف وشأن (فيقص) بضم القاف وتشديد المهملة (من شاء الله أن يقص) أي: يعلمه برؤياه التي أراد الله أن يعلمه بها (وأنه قال لنا ذات غداة) أي: صبح يوم، وذات: زائدة وهو من إضافة الشيء إلى نفسه، قاله الحافظ (إنه) أي: الشأن (أتاني الليلة آتيان) بمد الهمزة وبعدها فوقية مكسورة فتحتية مخففة (وإنهما قالا لي انطلق) أي: معنا بدليل قوله (وإني انطلقت معهما) أي: ذهبت معهما (وإنا) عطف على إن ومعموليها (أتينا على رجل مضطجع وإذا آخر) بفتح الخاء وبالرفع مبتدأ خبره (قائم عليه بصخرة وإذا هو) أي: الرجل، والضمير مبتدأ خبره (يهوي) بكسر الواو أي: يسقط (بالصخرة) الباء فيه للتعدية (لرأسه) متعلق بيهوى أيضاً (فيثلغ) بالرفع أي: يشدخ الحجر أو الرجل القائم بعذاب ذلك المضطجع (رأسه فيتدهده الحجر ها هنا فيتبع الحجر فيأخذه فلا يرجع) أي: الحجر (إليه) أي: الرجل أولاً يرجع الرجل أي: يصل إلى الحجر (حتى يصح رأسه كما كان) أي: قبل شدخه.
والكاف في محل المفعول المطلق، أي: صحة مثل ما كان، والتذكير باعتبار لفظها (ثم يعود) أي: القائم (عليه) أي: المضطجع (فيفعل به مثل ما فعل) أي: فعله، أو الذي فعله؟ وفي نسخة فعل به وهو يؤيد الثاني (من الأولى) كذا لأبي ذر والنسفي ولغيرهما.
وفي نسخة "المرة الأولى" وهو كذلك عند أبي عوانة.
قال ابن العربي: جعلت العقوبة في رأس هذا: لنومه عن الصلاة؛ والنوم موضع الرأس (قال قلت لهما سبحان الله) كلمة تنزيه، تستعمل حال التعجب من الشيء (ما هذا) أي: ما حاله (قالا: لي انطلق انطلق) أي: دع السؤال عن بيان حاله، وانطلق لرؤية التعجب (فانطلقنا فأتينا على رجل مستلق لقفاه) أي: عليها نحو قوله تعالى: (يخرُّون للأذقان) (وإذا آخر) بفتح الخاء، وآخر: غير مصروف مبتدأ خبره (قائم عليه بكلوب من حديد وإذا هو) أي: القائم (يأتي أحد شقي) بكسر المعجمة أي: جانبي (وجهه) أي: الملتقى (فيشرشر) بضم التحتية (شدقه) قال في المصباح: هو جانب الفم، يقال بالفتح والكسر.
وجمع الأول شدوق، والثاني أشداق (إلى قفاه) القفا مقصوراً: مؤخر العنق (ومنخره) بالنصب عطفاً على شدقه، بفتح الميم وكسر المعجمة، ويقال بكسرهما باتباع حركة الميم بحركة المعجمة لسكون النون الحاجز بينهما؛ (إلى قفاه وعينيه إلى قفاه ثم يتحول) بتشديد الواو، والفاعل ضمير القائم، والمفعول محذوف لدلالة المقام؛ أي: نحو الكلوب.
(إلى الجانب الآخر) أي: جانب الشق الآخر من الوجه (فيفعل به مثل ما فعل بالجانب الأول) من الشق من الجانب الثاني، أي: من الشدق أو من العين، وشق المنخر في الأول، كاف عن شقه الثاني، أو من الشدق ومن العين ثانياً، ظاهر اللفظ يومىء للأول.
(فما يفرغ من ذلك الجانب) عبر بذلك عن هذا: إيماء إلى طول فعل ذلك به، لعظم بدنه؛ فكأنه بعيد فلذا عبر فيه بما يشار به إليه (حتى يصبح ذلك الجانب) أي: المبدوء به أولاً (كما كان) قبل الشرشرة (ثم يعود) أي: القائم (عليه) أي: الجانب الذي صح (فيفعل مثل ما فعل في المرة الأولى) قال ابن العربي: شرشرة شدقي الكاذب: إنزال العقوبة بمحل المعصية، وعلى هذا تجري العقوبة في الآخرة، بخلاف الدنيا.
(قال قلت سبحان الله ما هذان) أي: المضطجع والموكل بعذابه (قالا لي: انطلق انطلق فانطلقنا فأتينا على مثل التنور) تنور الخبز، قال الكواشي في تفسيره: هو في جميع اللغات مستعمل بهذا المعنى، قالوا: ولا لفظ له سواه.
قال البرماوي: وهو من الغرائب.
وقال السيوطي في التوشيح: قيل هو معرب.
وقيل: عربي.
وهو في الأكثر يكون حفيرة في الأرض، وربما كان على وجه الأرض.
ووهم من خصه بالأول اهـ.
(فأحسب) أي: أظن بكسر المهملة (أنه قال فإذا فيه لغط) بفتح اللام والغين المعجمة وبالطاء المهملة قال في المصباح: هو كلام فيه جلبة واختلاط، ولا يتبين (وأصوات فاطلعنا فيه) بتشديدء الطاء المهملة (فإذا فيه رجال ونساء عراة) بضم المهملة وتخفيف الراء: جمع عار كغاز وغزاة (وإذا هم يأتيهم لهب) بفتح أوله (من أسفل منهم) جر بالفتحة نيابة عن الكسرة لمنع صرفه؛ ويتعلق به قوله (فإذا أتاهم ذلك اللهب ضوضوا) أي: رفعوا أصواتهم مختلفة (قلت ما هؤلاء قالا لي انطلق انطلق فانطلقنا فأتينا على نهر) بإسكان الهاء، ويجوز فتحها (حسبت أنه كان يقول) إن كان هذا الكلام من الصحابي، شك في المأتي به بعدها.
فالضمائر تعود للنبي - صلى الله عليه وسلم -، وإن كان مما بعده فيرجع للراوي المحدث عنه (أحمر مثل الدم) وكل من أحمر ومثل: مجروران صفةً لنهر، وفي نسخة من الرياض: ضبطهما بالرفع، ولعله على قطعهما عن المنعوت وجعلهما مبتدأ (وإذا في النهر رجل سابح) بالموحدة (يسبح وإذا على شط) بفتح المعجمة وتشديد المهملة أي: جانب (النهر رجل قد جمع عنده حجارة كثيرة) أتي بالوصف لدفع توهم أن التنوين للتقليل؛ (وإذا ذلك السابح يسبح ما يسبح) قال الحافظ: بفتح أوليه والموحدة خفيفة، لكن رأيته في نسخ من الرياض بالمضارع (ثم يأتي ذلك) أي: إلى الجالس على الشط (الذي قد جمع عنده الحجارة فيفغر له فاه فيلقمه) بضم التحتية (حجراً فينطلق ليسبح ثم يرجع إليه كلما رجع ّإليه فغر له فاه فألقمه حجراً فقلت لهما ما هذان) أي: السابح والملقم له الحجر (قال لي انطلق انطلق فانطلقنا فأتينا على رجل كريه المرآة) كريه بالكاف والراء والتحتية، بوزن فعيل من الكراهية، والمرآة يأتي الكلام عليها (أو) شك من الراوي في أنه قال كريه المرآة، أو قال (كأكره ما أنت راء رجلاً مرأى) وفي نسخة "مرآة"، وراء اسم فاعل، من رأي البصرية.
ورجلا مفعوله، ومرأى تمييز (وإذا هو عند نار يحشها ويسعى حولها) بالنصب على الظرفية (قلت لهما ما هذان قالا لي انطلق انطلق فانطلقنا فأتينا على روضة معتمة) أي: مخصبة (فيها من كل نور) كذا في الرياض، بفتح النون وآخره راء زهر وهي رواية الكشميهني، والأكثر وفي رواية للبخاري لون بلام أوله، ونون آخره أي: لون (الربيع وإذا بين ظهري) بفتح الراء وكسر التحتية لالتقاء الساكنين؛ تثنية ظهر أي: وسط (الروضة رجل طويل لا أكاد أرى رأسه طولاً) تمييز (في السماء) متعلق به (وإذا حول الرجل من أكثر ولدان) بكسر الواو (ما رأيتهم) أي: أبصرتهم (قط) قال الطيبي: أصل الكلام وإذا حول الرجل ولدان، ما رأيت ولدانا قط أكثر منهم، ونظيره قوله بعد ذلك، لم أر روضة قط أعظم منها، ولما أن كان هذا التركيب يتضمن معنى النفي، جازت زيادة من وقط، التي تختص بالماضي المنفي.
وقال ابن مالك: جاز استعمال قط في المثبت في هذه الرواية وهو جائز، وغفل عنه أكثرهم، فخصوه بالمنفى، قال في الفتح: والذي وجه به الطيبي حسن جداً، ووجهه الكرماني: بأنه يجوز أن يكون المنفي، المعنى الذي يلزم من التركيب.
إذ المعنى ما رأيتهم أكثر من ذلك، أو أداة النفي مقدرة (قلت ما هذا وما هؤلاء قالا لي انطلق انطلق فانطلقنا فأتينا إلى دوحة عظيمة لم أر دوحة قط أعظم منها ولا أحسن) قال الحافظ في الفتح: قوله يعني البخاري فأتينا إلى روضة عظيمة لم أر روضة قط، أعظم منها ولا أحسن، قال: قالا لي أرق، فإنه بعد أن ذكر المتن.
كذلك في رواية أحمد والنسائي وأبي عوانة والإِسماعيلي.
ودرجة بدل روضة اهـ.
فهذا صريح في أن لفظ البخاري: روضته، وحينئذ فما في الرياض، لعله من قلم النساخ (قالا لي أرق فيها فارتقينا فيها إلى مدينة مبنية بلبن) بفتح فكسر اسم جنس جمعي واحده لبنة (ذهب ولبن فضة) قال في الفتح: أصل اللبن ما يبنى به من طين (فأتينا باب المدينة فاستفتحنا ففتح) بصيغة المجهول نائب فاعله لنا فدخلناها فتلقانا رجال شطر من خلقهم) بفتح الخاء المعجمة وسكون اللام، وبالقاف أي: هيئتهم المدركة بحاسة البصر.
وفي نسخة "شطر منهم" (كأحسن ما) أي: الذي (أنت راء) أي: إليه (حسن) بفتح أوليه المهملين (وشطر) أي: نصف (منهم كأقبح ما أنت راء) شطر مبتدأ، وكأحسن خبر، والكاف زائدة، والجملة صفة رجال.
قال الحافظ: وهذا الإِطلاق، يحتمل أن يكون المراد منه أن نصفهم حسن كلّه، ونصفهم قبيح كله.
ويحتمل أن يكون المراد كله: واحد نصفه حسن، ونصفه قبيح، والثاني هو المراد.
ويؤيده في قوله في صفتهم هؤلاء، قوم خلطوا عملاً صالحاً أي: عمل كل منهم عملاً صالحاً خلطه بسيء (قالا) أي: الملكان (لهم) للرجال المذكورين (اذهبوا فقعوا في ذلك النهر) أي: انغمسوا فيه لتغسل تلك الصفة القبيحة، بهذا الماء الصافي الخالص (وإذا هو) أي: النهر المشار إليه (نهر معترض) أي: يجري عرضاً (كان ماءه) المحض أي: اللبن الخالص عن الماء، حلواً كان أولاً، وبين جهة التشبيه بقوله (في البياض) قال الطيبي: ويحتمل أن يراد بالماء المذكور عفو الله تعالى عنهم، وتوبته عليهم، كما في الحديث: "اغتسل خطاياي بالماء والثلج والبرد" (فذهبوا فوقعوا فيه ثم رجعوا إلينا قد ذهب ذلك السوء عنهم) أي: صار الشطر القبيح، كالشطر الحسن.
ولذا قال: (فصاروا في أحسن صورة) والجملة مدخول قد حالية، ومدخول الفاء معطوفة على جملة رجعوا (قال) أي: النبي - صلى الله عليه وسلم - (فقالا لي هذه جنة عدن) يعني المدينة، وهي بفتح المهملة الأولى، وسكون الثانية، من عدن بالمكان إذا أقام به (وهذا منزلك) بالرفع، خبر لاسم الاشارة (فسما) بفتح المهملة، والميم الخفيفة، أي: نظر (بصري) إلى فوق (صعدا) قال الحافظ: ضبط بضم المهملتين، أي: ارتفع كثيراً، وضبطه ابن التين: بفتح العين واستبعد ضمها (فإذا قصر مثل الربابة) يأتي معناها، وفي رواية: "فرفعت رأسي فإذا هو في السحاب" وقصر مبتدأ، ومثل صفته، والخبر محذوف.
وقيل: هو إذا الفجائية، ووصف الربابة زيادة في الإِظهار بقوله: (البيضاء قالا لي هذا منزلك قلت لهما بارك الله فيكما فذراني فأدخله قالا أما الآن فلا) ويأتي بيان ذلك في الرواية الثانية.
وقولهما بقي لك عمر (وأنت داخله) دون غيرك، كما يؤذن به تعريف الجزأين (قلت لهما فإني رأيت منذ الليلة) أي: فيها (عجباً) بفتح أوله المهمل، فالجيم وبالموحدة، أي: أموراً يتعجب منها (فما هذا الذي رأيت) يحتمل السؤال عن الحقيقة والوصف القائم بها، وكذا يحتملهما الجواب (قالا لي أما) بتخفيف الميم (إنا سنخبرك) السين فيه لتأكيد الوعد (أما الرجل الأول الذي أتيت) بقصر الهمزة أي: مررت (عليه) حال كونه (يثلغ رأسه) بضم التحتية، وبالمثلثة، وبالمعجمة (بالحجر فإنه الرجل يأخذ القرآن) أي: يحفظه (فيرفضه) بكسر الفاء وبضمها (وينام عن الصلاة المكتوبة) قال ابن هبيرة: رفض القرآن بعد حفظه كبيرة عظيمة، لأنه يوهم أنه رأى فيه ما يوجب رفضه؛ فلما رفض أشرف الأشياء، وهو القرآن، عوقب في أشرف الأعضاء، وهو الرأس.
(وأما الرجل الذي أتيت عليه يشرشر شدقه إلى قفاه ومنخره إلى قفاه وعينه إلى قفاه فإنه الرجل) ذكره لكونه هو الغالب لا مفهوم له مخرجاً للمرأة؛ (يغدو) أي: يخرج (من بيته فيكذب الكذبة) بفتح فسكون المرة من الكذب (تبلغ الآفاق) بمد الهمزة، وبالفاء والقاف: جمع أفق بضم أوليه وبضم فسكون.
قال في القاموس: هو الناحية، أو ما ظهر من نواحي الفلك، أو مهب الجنوب والشمال والدبور والصبا اهـ.
(وأما الرجال والنساء العراة) بضم العين المهملة جمع عار، هو المجرد عن الثوب (الذين هم في مثل بناء التنور فهم الزناة) أي: من الرجال (والزواني) من النساء، مناسبة العرى لهم لاستحقاقهم.
أن يفضحوا، لأن عادتهم أن يستتروا في الخلوة؛ فعوقبوا في الهتك.
والحكمة في كون العذاب لهم من تحتهم كون، جنايتهم من أعضائهم السفلى.
(وأما الرجل الذي أتيت عليه يسبح في النهر ويلقم) بالبناء للمفعول (الحجارة فإنه آكل الربا) قال ابن هبيرة: إنما عوقب آكل الربا بسباحته في النهر الأحمر وإلقامه الحجر: لأن أصل الربا يجري في الذهب وهو أحمر؛ وأما إلقام الملك له الحجر فإنه إشارة إلى أنه لا يغني عنه شيئاً؛ وكذلك الربا فإن صاحبه يتخيل أن ماله يزداد، والله تعالى من ورائه يمحقه (وأما الرجِل الكريه المرآة) بفتح الميم والهمزة الممدودة أي: المنظر (الذي عنده النار يحشها ويسعى حولها فإنه مالك خازن النار) وإنما كان كريه الرؤية، زيادة في تعذيب أهل النار (وأما الرجل الطويل الذي في الروضة) قال في المصباح: هو الموضع المعجب بالزهور (فإنه إبراهيم) وإنما اختص إبراهيم بذلك: لأنه أبو المسلمين؛ قال تعالى: (ملة أبيكم إبراهيم) وقال تعالى: (إن أولى الناس بإبراهيم للذين اتبعوه) الآية (وأما الوالدان الذين حوله فكل مولود مات على الفطرة) أي: الإِسلام (وفي رواية) أخرى (للبرقاني ولد على الفطرة) قال الحافظ في الفتح: وهو أشبه بقوله (فقال بعض المسلمين يا رسول الله وأولاد المشركين) قال الحافظ: لم أقف على اسم القائل، وهذا يسمى بالعطف التلقيني، نظير الاستثناء التلقيني في قول العباس، إلا الأذخر (فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: وأولاد المشركين) ظاهره أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ألحقهم بأولاد المسلمين في حكم الآخرة، ولا يعارض قوله في الحديث الآخر: "هم من آبائهم" لأن ذلك في حكم الدنيا؛ (وأما القوم الذين كانوا) وجملة (شطر) أي: نصف (منهم حسن) خبر، والرابط الضمير المجرور.
وأعرب الحافظ كان: تامة، وجعل الجملة حالية (وشطر منهم قبيح فإنهم قوم خلطوا عملاً صالحاً وآخر سيئاً) قال السيد معين الدين الصفوي في جامع البيان: قيل الواو بمعنى الباء، كما في بعت الشاة شاة ودرهماً أي: بدرهم.
والأولى: أن الواو على أصله، دال على أن كل واحد مخلوط بالآخر، كما تقول: خلطت الماء واللبن أي: خلطت كل واحد منهما بصاحبه، كما إذا قلت خلطت الماء باللبن واللبن بالماء (تجاوز الله عنهم) أي: غفر لهم (رواه البخاري) قال الحافظ المزي: حديث "كان النبي - صلى الله عليه وسلم - إذا صلى الصبح أقبل علينا بوجهه" الحديث بطوله، رواه مقطعاً في الصلاة، وفي الجنائز، والبيوع، والجهاد وبدء الخلق وصلاة الليل، وأحاديث الأنبياء والتفسير والتعبير.
ورواه مسلم في الرؤيا، ورواه الترمذي مختصراً وقال: حسن صحيح.
ورواه النسائي اهـ.
وتعقب المزي، بأن البخاري، ساق الحديث بتمامه في كل من الجنائز والتعبير، وفيما عداه في كل موضع قطعة.
ورواه في صلاة الليل بقصر مجحف للغاية، وكذا اختصره في التفسير، وهو في تفسير براءة (وفي رواية له) أي: للبخاري، أو ردها في الجنائز (رأيت الليلة رجلين) أي: على صورتهما (أتياني فأخرجاني إلى أرض مقدسة) بصيغة المفعول من التقديس أي: التطهير (ثم ذكره) أي: الإِخراج إليها أي: من بيته (قال فانطلقنا إلى نقب) بفتح النون وسكون القاف أي: خرق.
مصدر نقبت الحائط أنقبه من باب قتل (مثل التنور) وبين وجه شبهه بقوله: (أعلاه ضيق وأسفله) بالرفع (واسع يتوقد) بالتحتية (تحته) أي: النقب (ناراً) قال الدماميني في المصابيح: كلام ابن مالك صريح في أن تحته ظرف منصوب، لا مرفوع فإنه قال: نصب ناراً على التمييز، وفاعل يتوقد: ضمير يعود على النقب، والأصل يتوقد ناره تحته.
قال: ويجوز أن يكون فاعل يتوقد موصولاً بتحته، فحذف.
وبقيت صلته دالة عليه لوضوح المعنى؛ أي: يتوقد الذي، أو ما تحته ناراً، وهو مذهب الكوفيين والأخفش.
واستصوبه ابن مالك، واستدل عليه بأمور قررها في توضيحه فلتراجع فيه اهـ.
(فإذا ارتفعت ارتفعوا) بحمل لهيبها لهم (حتى كادوا) أي: قاربوا (أن يخرجوا) فيه إدخال أن في خبر كاد ومنه قول عمر رضي الله عنه: ما كدت أن أصلي العصر، حتى كادت الشمس أن تغرب.
والأكثر تجرده منها، قال تعالى: (وما كادوا يفعلون يكاد زيتها يضيء) (وإذا خمدت) بالمعجمة أي: سكن لهبها مع بقاء حمرة الجمر بحالها (رجعوا فيها) إلى الأسفل (وفيها رجال ونساء عراة وفيها) أي: هذه الرواية (حتى أتينا على نهر من دم) بالجزم (ولم يشك) الراوي، كما شك في الأولى، حيث قال: حسبت أنه قال أحمر مثل الدم (فيه) أي: النهر (رجل قائم على وسط النهر) بفتح السين المهملة على الأفصح، ويجوز إسكانها، وبإسكان الهاء، ويجوز فتحها (وعلى شطر النهر رجل وبين يديه حجارة فأقبل الرجل الذي في النهر فإذا أراد أن يخرج) أي: منه (رمى) الذي في الشط (حجراً في فيه) أي: الرجل المريد للخروج، إيماء إلى خيبته، كما في الحديث "وللعاهر الحجر" (فرده حيث كان فجعل) أي: الذي في الشط (كلما جاء ليخرج) أي: الذي في النهر (جعل يرمي) أي: الذي في الشط (في فيه) أي: الذي في النهر (بحجر فيرجع كما كان) أي: على كونه فيه.
قال الدماميني في قوله رمى الخ: وقوع خبر جعل، التي هي من أفعال الشروع، جملة فعلية مصدرة بكلما، والأصل أن يكون مضارعاً.
تقول جعلت أفعل كذا، وما جاء بخلافه: فمبني على أصلٍ متروك، وهو أن أفعال المقاربة مثل كان، في الدخول على مبتدأ وخبر، فالأصل كون خبرها كخبر كان في وقوعه مفرداً وجملة اسمية وفعلية وظرفية، فترك ذلك والتزم كون الخبر مضارعاً.
وقد يجيء على الأصل المتروك شذوذاً (وفيها) أي: الرواية المذكورة (فصعدا) بكسر المهملة الثانية (بي الشجرة) قبله فانطلقنا حتى انتهينا إلى روضة خضراء، فيها شجرة عظيمة، إلى أن قال: فصعدا بي الشجرة (فأدخلاني داراً لم أر قط أحسن منها فيها رجال شيوخ) بضمتين، أو بكسر فضم: أحد جموع لفظ شيخ (وشباب) بمعجمة وموحدتين (وفيها) أي: الرواية المذكورة في قوله: (الذي رأيته يشق شدقه) بالبناء للمفعول (فكذاب) قال ابن مالك: أدخل الفاء لتضمن الموصول العموم؛ إذ ليس المراد به معيناً، بل هو وأمثاله.
وكذا الباقي اهـ.
وهذا أحسن مما يأتي عن الدماميني لما فيه من إجرائه، على العام الغالب، والمبالغة باعتبار الكيف كما قال (يحدث بالكذبة) بالكسر قال البرماوي أي: ينشئها كما تقدم في الرواية قبلها (فتحمل) بصيغة المجهول، فالميم مخففة.
وقال الزركشي مشددة (عنه حتى تبلغ الآفاق فيصنع) بصيغة المجهول (به) ونائب الفاعل مستتر، يعود إلى ما ذكر من العذاب (إلى يوم القيامة وفيها) أي: الرواية المذكورة (الذي رأيته يشدخ في رأسه فرجل علمه الله القرآن) قال الدماميني في المصابيح: الأصل في الموصول، الذي تدخل الفاء في حيزه، أن يكون المشددة وهو معروف) قال الجوهري: هو المنشار، وكذا الكلاب، والجمع كلاكليب وقال ابن بطال: الكلوب: خشبة في رأسها غفافة.
قال الدماميني: لا يتأتى تفسير الحديث بهذا لتصريحه بأنه من حديد؛ قلت: لعل مراد ابن بطال أنه من الحديد، بصورة الذي في الخشب، ثم رأيت البرماوي فسرها بذلك، فقال: حديدة لها شعب يعلق فيها اللحم (قوله فيشرشر أي: يقطع) بتشديد الطاء والتفعيل لتكرير الفعل؛ (ضوضوا هو بضادين معجمتين) مفتوحتين، قال في الفتح: بغير همز للأكثر، وحكي الهمز، ومنهم من يسهله (أي: صاحوا) بأصوات مختلفة وفي النهاية: الضوضأة أصوات الناس ولغطهم، وكذا الضوضي: بلا هاء مقصور قال الحميدي: المصدر بغير همز (قوله فيفغر هو بالفاء والغين المعجمة أي: يفتح) هو بمعناه وبوزنه (قوله المرآة هو بفتح الميم) وسكون الراء، وهمزة ممدودة بعدها هاء تأنيث (أي: المنظر) قال ابن التين: أصله المرأية، تحركت الياء وانفتح ما قبلها قلبت ألفاً، ووزنها مفعلة (قوله يحشها هو بفتح الياء) التحتية (وضم الحاء المهملة وبالشين المعجمة) أي: المشددة من الثلاثي، وحكي في المطالع ضم أوله من الرباعي.
وفي الرواية الثانية التي أشار إليها المصنف، يخشها بضم المعجمتين (أي: يوقدها وقوله روضة) وهي كما تقدم الموضع المعجب بالزهور (معتمة هو بضم الميم وإسكان العين) المهملة (وفتح التاء) الفوقية (وتشديد الميم) هذا الضبط، نسبه في الفتح لبعضهم، وبدأ قبله بأنه بكسر المثناة وتخفيف الميم (أي: وافية النبات طويلته) قال في الفتح يقال: اعتم النبت إذا اكتمل، ونخلة عتمة طويلة.
وقال الداودي: اعتمت الروضة غطاها الخصب، هذا على روايته بتشديد الميم.
قال ابن التين: ولا يظهر للتخفيف وجه.
قلت الذي يظهر: أنه من العتمة، وهي شدة الظلام، فوصفها بشدة الخضرة كقوله تعالى: (مدهامتان) وضبطه ابن بطال روضة مغنة، بكسر الغين وتشديد النون.
ثم نقل عن أبي زيد، روض غن ومغن، إذا كثر شجره، وقال الخليل روضة غناء، كثيرة العشب (قوله دوحة هي بفتح الدال المهملة وإسكان الواو وبالحاء المهملة وهي الشجرة الكبيرة) أي: شجرة كانت قال في المصباح والجمع دوح و (قوله المحض هو بفتح الميم وإسكان الحاء المهملة وبالضاد المعجمة وهو اللبن) يفيد أن لا يخالطه ماء، والمحض: الخالص الذي لم يخالطه غيره.
وأنت الضمير أولاً باعتبار أنها كلمة، وذكره ثانياً نظراً لأنه لفظ، أو لأن الخبر مذكر؛ و (قوله فسما بصرى) بالفاء العاطفة، وسها فعل ماض (أي: ارتفع وصعداً بضم الصاد والعين) بمهملات (أي: مرتفعاً) أي: إن صعداً بمعنى صاعد، وهو بمعنى مرتفع، فهو منصوب على الحال (والربابة بفتح الراء وبالباء الموحدة مكررة وهي السحابة) البيضاء، ويقال لكل سحابة منفردة عن السحاب، ولو لم تكن بيضاء، وقال الخطابي: الربابة السحابة التي ركب بعضها على بعض.
باب بيان ما يجوز من الكذب للمصلحة المترتبة عليه: (اعلم أن الكذب وإن كان أصله محرماً) أي: إذا كان على وجه التعمد (فيجوز) أي: لا يمتنع (في بعض الأحوال) وتارة يكون واجباً، وتارة يكون مندوباً، وأخرى مباحاً، (بشروط) جمع شرط، وهو لغة العلامة.
وشرعاً ما يلزم من عدمه العدم، ولا يلزم من وجوده وجود ولا عدم لذاته (قد أوضحتها في كتاب الأذكار ومختصر ذلك) أي: ملخص ما فيه (إن الكلام وسيلة) أي: متوسلاً به (إلى المقاصد) فلذا كان من ألطاف وضع اللغة، ليعبر الإِنسان عن مقصوده؛ (فكل مقصود محمود) شرعاً (يمكن تحصيله بغير الكذب يحرم الكذب فيه) لأنه لا داعي إلى الإتيان والمقصود حاصل بدونه، فارتكابه حينئذ، ارتكاب محرم بلا داع (وإن لم يمكن تحصيله إلا بالكذب جاز الكذب) أي: لا يمتنع، وليس المراد به الجواز بمعنى الإباحة، حتى يشكل بأنه يكون حينئذ واجباً تارة، ومندوباً أخرى، كما قال (ثم إن كان تحصيل ذلك المقصود مباحاً كان الكذب مباحاً) لأنه وسيلة لمباح؛ وللوسائل حكم المقاصد (وإن كان واجباً كان الكذب واجباً فإذا اختفى مسلم من ظالم يريد قتله) أي: ظلماً، كما يومىء إليه لفظة ظالم (أو أخذ ماله) كذلك، (وسئل إنسان عنه، وجب الكذب بإخفائه) وأنه ما رآه (وكذا لو كان عنده وديعة، وأراد ظالم أخذها وجب الكذب باخفائها) ومحل وجوب الكذب فيهما، ما لم يخش التبين، ويعلم أنه يترتب عليه ضرر شديد، لا يحتمل (والأحوط في هذا كله أن يوري) من التورية، وهي إيراد لفظ له معنيان، قريب وبعيد، ويراد البعيد منهما كما قال (ومعنى التورية) المأخوذة من قوله يوري (أن يقصد بعبارته مقصوداً صحيحاً ليس هو كاذباً فيه بالنسبة إليه) أي: لذلك المقصود (وإن كان كاذباً في ظاهر اللفظ بالنسبة إلى ما يفهمه المخاطب) لكونه المعنى القريب؛ كأن يريد بقوله: ما رأيته ما ضربت رئته، وبقوله ما له عندي مال دانقاً، أو نحوه بما ليس من جنس المسئول عنه (ولو ترك التورية وأطلق عبارة (الكذب) إضافة بيانية (فليس ضرة) بفتح الضاد المعجمة، وتشديد الراء.
قال في المصباح: وهي امرأة الزوج، والجمع ضرات على القياس، وسمع ضرائر، كأنها جمع ضريرة مثل كريمة وكرائم.
ولا يكاد يوجد لها نظير (فهل عليّ جناح) بضم الجيم أي: (أن) بفتح الهمزة أي: في أن (تشبعت) بتشديد الموحدة (من زوجي غير الذي يعطيني) وذلك تفعله المرأة إظهاراً لرفعتها على ضرتها عند الزوج: لتغيظها به؛ (فقال - صلى الله عليه وسلم - المتشبع بما لم يعط) بصيغة المجهول (كلابس ثوبي زور متفق عليه) .
ورواه أحمد وأبو داود من حديثها.
ورواه مسلم من حديث عائشة (المتشبع هو الذي يظهر الشبع وليس بشبعان) هذا معنى اللفظ لغة (ومعناه) أي: المراد منه (هنا أنه) أي: المتشبع (يظهر أنه يحصل له فضيلة) من علم، أو جاه، أو رفعة.
(وليست حاصلة ولابس ثوبي زور) المشبه به، المتشبع، فيه مضاف مقدر (أي: ذي زور، وهو الذي يزور على الناس، بأن يتزيا بزي) بكسر الزاي، أي: الهيئة.
وأصله زوي (أهل الزهد) من خشونة الملبوس، والترفع على أهل الدنيا (أو) أهل (العلم) بأن يلبس لباسهم المعروف بهم (أو) أهل (الثروة) بفتح المثلثة وسكون الراء كثرة المال (ليغتر به الناس) فيتبركوا به في الأول، ويعطوه وظائف أهل العلم في الثاني، ويأمنوه على أموالهم في الثالث.
(وليس هو بتلك الصفة) جملة حالية من ضمير يتزيا (وقيل غير ذلك) وفي فتح الباري: وقيل المراد بالثوب النفس، لقولهم: فلان نقي الثوب، إذا كان بريئاً من الدنس، ودنس الثوب، إذا كان مغموصاً عليه في دينه.
قال الخطابي: الثوب مثل، ومعناه أنه صاحب زور وكذب.
كما يقال لمن يوصف بالبراءة من الأدناس، طاهر الثوب.
والمراد به نفس الرجل.
وقيل المراد أن باب تحريم لعن إنسان بعينه أي: إن لم يتيقن موته على الكفر، أما من تيقن موته عليه فلا، سواء مات، كأبي جهل وأمثاله، أولا كإبليس وأجناده.
وإنما حرمت اللعنة فيما عداه، لأنها طرد عن رحمة الله؛ ولا يعلم ذلك إلا بتوقيف.
والحي الكافر إيمانه مرجو، فيدخل في أهلها (أو دابة) أي مثلاً وكذا كل مخلوق من النبات والجماد.