فهرس الكتاب

دليل الفالحـــين - باب استحباب التبشير والتهنئة بالخير

رقم الحديث -95 أي الإخبار بما يسرّ المخبر، سمى بذلك لما يبدو على بَشرة المخبر من الحبور والسرور (والتهنئة بالخير) وذلك لما فيه من التوادّ والتحاب.
(قال الله تعالى) : ( { فبشر} ) يا محمد ( { عباد} ) المشرّفون بشرف نسبة العبودية إليّ، وقوله ( { الذين يستمعون القول} ) أي القرآن ( { فيتبعون أحسنه} ) كالعفو عن نصف الصداق المخير الزوج بينه وبين أخذه.
وكالعفو عن المعسر المخير الدائن بينه وبين إنظار المدين، وحذف المبشر به ليعم ويذهب الوهم كل مذهب، وفضل الله أعلى وأوعب.
(وقال تعالى) : ( { يبشرهم ربهم} ) لا يخفي لطافة التعبير به: أي الذين رباهم بسابق عنايته بهم حتى أوصلهم لما سبق لهم في علمه ( { برحمة} ) عظيمة جليلة كما يؤذن به قوله ( { منه} ) فإن الذي من العظيم عظيم ( { ورضوان} ) وهو كواسطة العقد، قال تعالى: { ورضوان من الله أكبر} (التوبة: 72) فناسب توسيطه بين قلائد الصلاة ( { وجنات} ) والتنوين فيه كهو في رحمة، وقوله ( { لهم فيها نعيم مقيم} ) جملة اسمية في محل الصفة لها وأحد الظرفين خبر مقدم للاهتمام والثاني في محل الحال.
(وقال تعالى) حكاية عن تبشير الملائكة لخواص المؤمنين يوم القيامة ( { وأبشروا بالجنة التي كنتم توعدون} ) أي على لسان أنبيائكم.
(وقال تعالى) : ( { فبشرناه بغلام حليم} ) الأكثر أنه إسماعيل، وقيل إسحاق.
(وقال تعالى) : ( { ولقد جاءت رسلنا} ) الملائكة ( { إبراهيم بالبشرى} ) ببشارة الولد وبه يظهر حكمة قران الكلمة لها بما قبلها أو بشارة بهلاك قوم لوط.
وقال تعالى) : { وامرأته} أي سارة امرأة إبراهيم ( { قائمة} ) وراء الستر أو قائمة بخدمة الضيف ( { فضحكت} ) سروراً بالأمن أو تعجباً وقالت لأضيافنا نخدمهم بأنفسنا تكرمة وهم لا يأكلون طعاماً، أو تعجباً من خوف إبراهيم من رجال قلائل وهو بين خدمه وحشمه، أو ضحكت بمعنى حاضت، فإن الضحك من أسماء الحيض العشرة التي نظمتها في قولي: للحيض عشرة أسماء لنا وردت طمس وطمث وإعصار وإكبار ضحك دراس عراك بعد ذاك أتى حيض نفاس فراك هم يا جار ( { فبشرناها بإسحاق ومن وراء إسحاق يعقوب} ) .
(وقال تعالى) : ( { فنادته} ) أي زكريا ( { الملائكة وهو قائم يصلي في المحراب} ) الجملة حال من مفعول نادى والظرف حال من فاعل يصلي، وسمى محل الصلاة محراباً لأن المصلي يحارب فيه الشيطان ( { إن الله} ) بكسر الهمزة بإضمار قائلين وبفتحها من غير إضمار وقرىء بهما ( { يبشرك بيحيى} ) اسم أعجمي على صورة المنقول من مضارع حيى.
(وقال تعالى) : ( { إذا قالت الملائكة} ) أي اذكر وقت قولها ( { يا مريم إن الله يبشرك بكلمة} ) سمى كلمة لأنه صدر عن كلمة «كن» من غير ذكر، وقوله ( { منه} ) إيماء إلى تعظيم عيسى وتفخيم شأنه كما ذكرناه قريباً.
(الآية، والآيات في الباب كثيرة معلومة) وكل ما أورده منها شاهد في شطر الترجمة الأولى (وأما الأحاديث فكثيرة جداً) بكسر الجيم: أي نهاية في الكثرة (وهي مشهورة في) كتب (الصحيح) التي أصحها الصحيحان منها.


رقم الحديث 708 ( عن أبي إبراهيم) وعليه اقتصر المصنف في باب الصبر ( ويقال) فيه ( أبو محمد) ويقال أبو معاوية عبد الله بن أبي أوفي تقدمت ترجمته في الباب المذكور وهو ووالده صحابيان ( رضي الله عنهما أن رسول الله بشر خديجة أم المؤمنين رضي الله عنها ببيت) أي عظيم، وقد جاء في مسلم بقصر ( في الجنة من قصب) الظرف الأخير محتمل للحالية لتخصيص النكرة بالظرف قبله وللوصفية لنكارته ( لا صخب) بفتح الصاد المهملة والخاء المعجمة وبالباء الموحدة ( فيه) خبر لا ( ولا نصب) وهو بالفتح فيهما، وكأن الرواية فيه كذلك وإلا فيجوز فيه من الأوجه الخمسة ما يجوز في «لا حول ولا قوة إلا بالله» ( متفق عليه) رواه البخاري في فضل خديجة، ومسلم في الفضائل، ورواه النسائي في المناقب.
( القصب) بفتح القاف والصاد المهملة بعدها موحدة ( هنا) أي في هذا الحديث وما شابهه ( اللؤلؤ المجوف) زاد في النهاية الواسع كالقصر المنيف، والقصب من الجوهر ما استطال منه في تجويف، وفي التوشيح للسيوطي في الطيراني عن فاطمة «قلت: يا رسول الله أين أمي؟ قال: في بيت من قصب، قلت: أمن هذا القصب؟ قال: لا، من القصب المنظوم بالدرّ واللؤلؤ والياقوت» ( الصخب) بالصاد المهملة وإبدالها سينا لغة وبالخاء المعجمة المفتوحتين ( الصياح واللغط) وهو مصدر صخب من باب تعب قاله في المصباح ( والنصب) مصدر نصب بفتح النون وكسر المهملة ( التعب) ونفي التعب عن الجنة لأنها ليست دار تكليف وأعمال وإنما هي منزل تشريف وإجلال.


رقم الحديث 709 (وعن أبي موسى الأشعري) تقدمت ترجمته (رضي الله عنه) في باب الإخلاص (أنه توضأ في بيته) يحتمل أن يكون لإرادة الصلاة أو ليكون على طهارة (ثم خرج فقال:لألزمنّ رسول الله ولأكوننّ معه يومي هذا) الإشارة إليه للتعميم: أي لا أكتفي ببعضه عن باقيه (فجاء المسجد فسأل عن رسول الله فقالوا: وجه) (بفتح الواو وتشديد الجيم: أي توجه كما سيأتي في الأصل، أو وجه نفسه (ها هنا، قال: فخرجت على أثره) بفتح الهمزة المثلثة وبكسر فسكون أي تبعته عن قرب، وجملة (أسأل عنه) حال إما من فاعل فخرج فتكون مترادفة، أو من الظرف فتكون متداخلة (حتى دخل بئر أريس) أي الحائط الذي هي فيه وسيأتي ضبطه في الأصل (فجلست عند الباب حتى) أي إلى أن (قضي رسول الله حاجته) أي حاجة الإنسان من البول أو الغائط (وتوضأ فقمت إليه) أي متوجهاً إليه (فإذا) فجائية (هو) مبتدأ خبره (قد جلس على بئر أريس) وأظهر لزيادة البيان (وتوسط قفها) سيأتي ضبطه، ومعناه: أي الركية التي تجعل حول البئر (وكشف عن ساقيه) تثنية ساق، وهي ما بين الركبة والقدم وهي مؤنثة تصغيرها سويقة، قاله في المصباح (ودلاهما) أي الساقين (في البئر فسلمت عليه ثم انصرفت) المعطوف عليه محذوف: أي فسلم علىّ ثم انصرفت (فجلست عند الباب فقلت: لأكونن بوّاباً للنبي اليوم) قال في «فتح الباري» : ظاهره أنه اختار ذلك وفعله من نفسه، وقد صرح به في رواية للبخاري في الأدب فزاد قوله «ولم يأمرني بذلك» قال ابن التين: فيه أن المرء يكون بوّاباً للإمام وإن لم يأمره كذا قال.
ووقع في رواية للبخاري في مناقب عثمان من طريق آخر «فقال: يا أبا موسى أملك عليّ الباب» أخرجه أبو عوانة في «صحيحه» والرواياني في مسنده.
وفي رواية الترمذي «فقال لي: يا أبا موسى أملك عليّ الباب فلا يدخلن عليّ أحد» فيجمع بينهما بأنه لما حدّث نفسه بذلك صادف أمر النبي له بحفظ الباب عليه، وأما قوله «ولم يأمرني» يريد أنه لم يستمر بوّاباً، وإنما أمره بذلك قدر ما قضى حاجته وتوضأ، ثم استمر هو من قبل نفسه، فبطل استدلال ابن التين به.
وجاء عند أبي داود عن نافع بن عبد الخزاعي قال «دخل النبي حائطاً من حوائط المدينة فقال لبلال: أمسك عليّ الباب، فجاء أبو بكر يستأذن» فذكر نحو حديثالباب وأخرجه الطبراني في «الأوسط» من حديث أبي سعيد.
قال الحافظ: فإن صحح حمل على التعدد.
قال: ثم ظهر لي وهم من بعض رواته، وأن النسائي أخرج الحديث عن نافع عن أبي موسى وهو الصواب، فرجع الحديث إلى أبي موسى واتحدت القصة اهـ.
ولا ينافي هذا قول أنس: لم يكن له بواب، لأن مراده لم يكن بواب مرتب لذلك على الدوام (فجاء أبو بكر رضي الله عنه) يحتمل أنه علم كون النبي ثمة باستخبار كأبي موسى أو بإخبار سابق منه أو كان ذلك أمراً اتفاقياً (فدفع الباب، فقلت: من هذا؟ فقال: أبو بكر) أي أنا أبو بكر، ففيه استحباب تصريح المستأذن باسمه إذا سئل منه تعيين نفسه (فقلت: على رسلك) بكسر الراء وسكون السين المهملة أي هينتك (ثم ذهبت) أي فوقفت ثم ذهبت (إلى رسول الله فقلت: يا رسول الله هذا أبو بكر يستأذن) جملة مستأنفة أو حالية أو خبر بعد خبر (فقال: ائذن له وبشره بالجنة، فأقبلت حتى قلت لأبي بكر: ادخل ورسول الله يبشرك بالجنة) فيه حسن ثمرة لزوم الأدب، زاد البخاري في رواية «فحمد الله» وكذا قال في حق عمر (فدخل أبو بكر) وسار (حتى جلس عن يمين النبي) لأنها أشرف الجهات (معه) في محل الحال من ضمير جلس وكذا (في القف) ويحتمل أن أحدهما ظرف لغو في القف (ودلى) أي أرخى (رجليه في البئر كما صنع النبيّ وكشف عن ساقيه) كأنه فعل ذلك ليبقى النبي على ما هو عليه من تلك الجلسة المرتاح هو بها، إذ لو لم يفعل ذلك لربما ترك النبي ما كان عليه منها، فأثر بفعله ذلك ما هو من إسقاط الكلفة ما فيه راحة المصطفى (ثم) لعل الإتيان بها لطول مقام أبي موسى ناظراً في فعل الصدّيق وما يقول وما يقال، ويحتمل أنها مستعارة للفاء: أي (فرجعت فجلست وقد تركت أخي) كان أبورهم وأبو بردة، قبل وآخر اسمه محمد وأشهرهم أبو بردة واسمه عامر (يتوضأ ويلحقني،فقلت: إن يرد الله بفلان) كناية عن المبهم من أعلام العقلاء وقد تستعمل في غيرهم مجازاً ولذا قال (يعني أخاه خيراً يأت به) ليغنم التمتع بالحضور بين يدي المصطفى في الخلوة، ولعله أن يبشر بالجنة كما بشر من قبله (فإذا إنسان يحرّك الباب) على سبيل الاستئذان، وفيه حسن الأدب في الاستئذان.
وأما قول ابن التين لعله كان قبل الاستئذان، فقال الحافظ في «الفتح» : إنه بعيد، لأنه جاء في رواية البخاري عن أبي موسى بلفظ «فجاء رجل فاستأذن» فعرف أنه حركة مستأذن، لا دافعاً ليدخل بغير إذن (فقلت: من هذا؟ فقال عمر بن الخطاب) فيه أنه إذا كان لا يحصل بيان المستأذن إلا بالزيادة على اسمه ذكر ما يحصل به رفع الإبهام (فقلت: على رسلك) متعلق بمحذوف دل عليه الحال: أي وقف حال كونك على هينتك (ثم جئت) عبر به بدل قوله أوّلاً ذهبت تفنناً في التعبير (إلى رسول الله وقلت: هذا عمر) استغنى عن نسبته لعلمه بما يدل على تعيينه عند المصطفى بمجرد ذكر اسمه من قرائن الأحوال التي منها وجود قرينه وهو الصديق (يستأذن، فقال: ائذن له وبشره بالجنة) مبادرة لإدخال السرور عليه، وإلا فذلك حاصل من تأخيره وتبشيره، وفيه قبول خبر الواحد، وفيه جواز العمل بالظن مع القدرة على اليقين (فجئت عمر) أظهر والمقام للضمير ولعله استلذاذاً بذكره لمحبته له (فقلت: أذن) بالبناء للفاعل (ويبشرك رسول الله بالجنة) لعل حكمة العدول مع ما فيه من التفنن في التعبير الإشارة إلى علوّ مقام الأول، لأن الجملة الإسمية المخبر عنها بالفعلية تدل على الدوام والاستمرار نظراً لصدرها وعلى التجدد والحدوث نظراً لعحزها، والجملة الفعلية المحضة لا دلالة فيها على الدوام والاستمرار، فناسب علوّ مقام الصديق على مقام عمر رضي الله عنهما أن تكون البشارة للصديق بجملة أبلغ من البشارة لعمر، والله أعلم (فدخل فجلس مع رسول الله في القفّ عن يساره) بفتح التحتية وتخفيف السين أي شماله (ودلى رجليه) عبر بهما بدل ساقيه تفنناً في التعبير، لأنّ تدلية كل من الأمرين مستلزم لتدلية الآخر (في البئر) ، ثم رجعتفقلت: إن يرد الله بفلان خيراً، يعني أخاه يأت به، فجاء إنسان فحرك الباب مستأذناً (فقلت: من هذا؟ فقال: عثمان بن عفان، فقلت: على رسلك، وجئت النبي وأخبرته) أبدل العاطف، ففي الأولين ثم وهنا الواو وعمل الفعل، ففي الأولين جاء به قاصراً بمعنى حضرت، وفي الأخير متعدياً بمعنى أتيت، وحكاية إخباره، ففي الأولين بيَّن تفصيل ما وقع، وفي الثالث أجمل، وكل ذلك من بلاغته وتفننه في التعبير (فقال: ائذن له) جاء في رواية البخاري «فسكت هنيئة ثم قال: ائذن له» (وبشره بالجنة مع بلوى) هي اسم مصدر كالبلية والبلاء، قاله في المصباح (تصيبه فجئت فقلت: ادخل ويبشرك رسول الله بالجنة مع بلوى تصيبك) زاد في رواية للبخاري «فحمد الله ثم قال: الله المستعان» وفي رواية عند أحمد «فجعل يقول: اللهم صبراً حتى جلس» ووقع في رواية «فدخل وهو يحمد الله ويقول: اللهم صبراً» (فدخل فوجد القف قد ملىء فجلس وجاههم) بضم الواو وكسرها وتبدل تاء جوازاً فيقال تجاه: أي في محل مواجهتهم.
وعند البخاري في باب مناقب عثمان «وأمرني رسول الله يحفظ الباب» (من الشق الآخر) من البئر المقابل لقفها، زاد في البخاري «وقال سعيد بن المسيب: فأولتها قبورهم» قال الحافظ: نية وقوع التأويل في اليقظة وهو الذي يسمى الفراسة والمراد اجتماع الصاحبين مع النبي في الدفن وانفراد عثمان عنهم في البقيع.
وجاء في رواية أخرى وقال «فأوّلت ذلك انتباذ قبره من قبورهم» (متفق عليه) أخرجه البخاري في الفضائل وفي الفتن، ومسلم في الفضائل، وأخرجه النسائي في المناقب وقال: حسن صحيح، وأخرجه النسائي (وزاد) أبو موسى (في رواية) عند البخاري في باب مناقب عثمان (وأمرني رسول الله بحفظ الباب) وتقدم أن عنده أيضاً «فقال: ياأبا موسى لعلك على الباب» وتقدم الجمع بين ما ورد في ذلك من الروايات وأنه ليس من مختلف الحديث كما توهمه الداودي فيما نقله عنه ابن التين، قال الحافظ: وكأنه خفى عليه وجه الجمع الذي قررته (وفيها) أي تلك الرواية، وظاهر أن ذلك في المذكورة في باب فضل عثمان، والذي رأيته أنها في رواية أخرى مذكورة في باب مناقب عمر وليس فيها أنه أمر بحفظ الباب (أن عثمان حين بشره حمد الله ثم قال: الله المستعان، قوله: وجه بفتح الواو وتشديد الجيم: أي توجه) مثل قدم بمعنى تقدم في قوله تعالى: { لا تقدموا بين يدي الله ورسوله} (الحجرات: 1) وهذا أحد وجهين فيكون الفعل قاصراً وتقدم وجه آخر (وقوله بئر) بالهمز ويجوز تخفيفها (أريس هو بفتح الهمزة وكسر الراء بعدها مثناة تحت ساكنة ثم سين مهملة) قال في فتح الباري: هو بستان معروف بالقرب من قباء، وفي بئرها سقط خاتم النبيّ من أصبع عثمان (وهو مصروف) بإرادة المكان (ومنهم) أي النحاة (من منع صرفه) على إرادة البقعة.
وظاهر كلامه أن الصرف كالمتفق عليه وأن المنع منه للبعض، لكن عبارة الحافظ في الفتح وهي يجوز فيهما الصرف وعدمه تقتضي تساوي الوجهين (والقف بضم القاف وتشديد الفاء هو المبني حول البئر) قال في «الفتح» : هو الركية التي حول البئر، وأصله ما غلظ من الأرض وارتفع والجمع قفاف.
(قوله) أي أبي موسى لكل من المستأذنين (على رسلك بكسر الراء على المشهور) وعليه اقتصر في «النهاية» ونقله عن الجوهري (وقيل بالفتح أي أرفق) أي إن أريد به أرفق بنفسك فيكون بفتح الراء، أما بمعنى التؤدة والهيئة فهو بالكسر وهو المشهور وقد ذكر كذلك في «المطالع» ، والله أعلم.


رقم الحديث 710 (وعن أبي هريرة) تقدم حديثه هذا (رضي الله عنه) في باب الرجاء (قال: كنا قعوداً) جمع قاعد (حول رسول الله) قال المصنف: قال أهل اللغة: يقال قعدنا حوله وحواليه وحواله بفتح اللام في جميعها: أي على جانبه ولا يقال حواليه بكسر اللام (معنا) بفتح العين على اللغة المشهورة، ويجوز تسكينها في لغة حكاها صاحب «المحكم» والجوهري وغيرهما، وهي للمصاحبة: أي في جملتنا أيها القاعدون (أبو بكر وعمر) وخصا (رضي الله عنهما) لفضلهما على باقي الصحابة (في نفر) الظرفان يحتمل أن يكونا لغويين متعلقين بكان بناء على الصحيح من أن للأفعال الناقصة مصادر، وأن يكونا في محل الحال إما متداخلين أو مترادفين، والنفر بفتح النون والفاء جماعة الرجال من ثلاثة إلى عشرة، وقيل إلى سبعة، ولا يقال فيما زاد على العشرة (فقام رسول الله من بين أظهرنا) قال المصنف: هكذا هو هنا، وفي الموضع الآتي، وأظهرنا بالجمع قال: ووقع الثاني في بعض الأصول ظهرينا وكلاهما صحيح، قلت: وهو الذي أورده المصنف فيما يأتي قال أهل اللغة: يقال بين أظهركم وظهريكم وظهرانيكم بفتح النون: أي بينكم (فأبطأ علينا وخشينا أن يقتطع) بالبناء للمفعول (دوننا) أي يصاب بمكروه من عدو إما بأسر أو غيره (وفزعنا فقمنا، فكنت أول من فزع) قال القاضي عياض: الفزع يكون بمعنى الروع، وبمعنى الهيوب للشيء والاهتمام به وبمعنى العناية، قال: فيصح هنا هذه المعاني الثلاثة: أي ذعرنا لاحتباسه عنا، ألا تراه كيف قال: وخشينا أن يقتطع دوننا، ويدل على الوجهين الآخرين قوله فكنت أول من فزع (فخرجت أبتغي) أي أطلب (رسول الله) أي فسرت (حتى أتيت حائطاً) أي بستاناً، وسمى بذلك لأنه حائط لا سقف له (للأنصار) تقدم أنه علم بالغلبة على أولاد الأوس والخزرج، وقوله (لبني النجار) بدل منه بإعادة الجار (فدرت به هل أجد له بابا) أي متطلباً للوقوف على بابه (فلم أجد) أي بابا وحذف لدلالة ما قبله عليه (فإذا ربيع) بفتح الراء وكسر الموحدة، قال المصنف: على لفظ الربيع الفصل المعروف وجمعه أربعاء كنبى وأنبياء، ويأتي أنه النهر الصغير (يدخل في جوف حائط) أي(بستان وإسناد الدخول إلى الربيع مجازي فالداخل ماؤه مثل قولهم نهر جار (من بئر خارجة) قال المصنف: هكذا ضبطناه بتنوين بئر وخارجة على أن خارجة صفة بئر، وكذا نقله ابن الصلاح عن أصل الحافظ أبي عامر العبدرى، والأصل مأخوذ عن الجارودي.
وذكر الحافظ أبو موسى الأصبهاني أنه روى على ثلاثة أوجه: أحدها هذا، والثاني بتنوين بئر وإضافة خارجة إلى ضمير الحائط، والثالث إضافة بئر إلى خارجة بالهاء في آخره اسم رجل، قال المصنف: والوجه الأول هو المشهور خلافاً لصاحب التحرير في قوله إن الصحيح الوجه الثالث، قال: والأول تصحيف، قال: والبئر يعنون بها البستان، قال: وكثيراً ما يفعلون هذا يسمون البستان بالآبار التي فيها فيقولون بئر أريس وبئر حاء وبئر بضاعة وكلها بساتين اهـ.
Y قال المصنف: وأكثره أوكله لا نوافق عليه (والربيع الجدول) جملة معترضة مفسرة يحتمل أن تكون من كلام أبي هريرة من جملة الحديث وهو ظاهر كلام المصنف الآتي، ويحتمل أن تكون مدرجة فيه، والجدول فعول: هو النهر الصغير قاله في المصباح (فاحتفزت) روى بالزاي وبالراء، قال القاضي عياض: رواه عامة شيوخنا بالراء، قال: وسمعناه بالزاي من طريق أخرى وهو الصواب، ومعناه: تضاممت ليسعني المدخل، وكذا قال ابن الصلاح، وإنه بالراء في الأصل الذي بخط أبي عامر العبدري، وفي الأصل المأخوذ عن الجارودي وأنها رواية الأكثر، وأن رواية الزاي أقرب من حيث المعنى، ويدل عليه تشبيهه بفعل الثعلب وهو تضامُّه في المضايق، وأنكر صاحب التحرير الزاي وخطأ رواتها واختار الراء وليس اختياره بمختار (فدخلت على رسول الله، فقال أبو هريرة) أي أنت أبو هريرة؟ (قلت: نعم يا رسول الله، قال: ما شأنك) قال الراغب في مفرداته هو الحال والأمر الذي يتفق ويصلح ولا يقال إلا فيما يعظم من الأحوال والأمور (قال: كنت بين ظهرانينا) بصيغة المثنى وتقدم مأخذه (فقمت فأبطأت علينا فخشينا أن تقتطع دوننا، ففزعنا فكنت أول من فزع، فأتيت هذا الحائط فاحتفزت كما يحتفز الثعلب) بفتح المثلثة وسكون المهملة آخره، وله كنى كثيرة أشهرها أبو الحصين.
قال ابن النحوي في لغات «المنهاج» : ويقال فيه أيضاً أبو البحيص وأبو الحبيص وأبو حفص وأبو عومل وأبو النجم وأبو نومل وأبو الرباب اهـ (وهؤلاء الناس) الذين كنت بين أظهرهم أو هموغيرهم ممن اطلع على القصة، فأل للعهد أو للجنس (ورائي، فقال: يا أبا هريرة) وجملة (وأعطاني نعليه) جملة حالية من فاعل قال وقوله (فقال) تكرير للأول.
قال المصنف وأتى بها لطول الفصل بين القول ومقوله بالنداء وبالجملة الحالية وهذا حسن وموجود في كلام العرب بل في القرآن، قال تعالى: { فلما جاءهم ما عرفوا كفروا به} (البقرة: 89) قال محمد بن يزيد: فلما تكرير للأولى لطول الكلام وكذا قوله تعالى: { أيعدكم أنكم إذا متم وكنتم تراباً وعظاماً أنكم مخرجون} (المؤمنون: 35) فإنكم الثانية معادة لطول الكلام (اذهب بنعليّ) بفتح اللام وتشديد التحتية بدليل قوله قبله وأعطاني نعليه وقوله (هاتين فمن لقيت) أي من عربي وغيره من ذكر أو أنثى (من وراء هذا الحائط يشهد أن لا إله إلا الله) أي مع قرينتها وهي محمد رسول الله فإن ذلك صار في عرف الشرع كناية عن مجموعهما، وقوله (مستيقناً بها قلبه) حال من فاعل يشهد أتى به لإخراج المنافق من هذه البشرى (فبشره بالجنة وذكر الحديث بطوله) وحاصله أن عمر أشار على النبي بترك التبشير بذلك لئلا يتكل الناس على ذلك فيتركوا العمل فوافق عليه، ولا يضرّ ذلك في مقصود الباب لأن الشاهد في أمره بذلك فدل على طلبه، وكونه ترك خصوص ذلك المبشر به لأمر يقتضيه لا يتعدى إلى غيره، والله أعلم (رواه مسلم) في كتاب الإيمان.
(الربيع النهر) بفتح النون والهاء ويجوز إسكانها (الصغير وهو الجدول) أي إن الربيع والجدول مترادفان وإنهما اسمان للنهر الصغير (كما فسره في الحديث) الضمير البارز يرجع للربيع، وتقدم مرجع المستكن وما فيه من الاحتمال (وقوله احتفزت) وكذا قوله كما يحتفز الثعلب وكأنه سكت عنه اختصاراً لأن المادة واحدة (روى بالراء وبالزاي، ومعناه بالزاي تضاممت وتصاغرت حتى أمكنني الدخول) ومعناه بالراء حفر الأرض حتى اتسع فدخل من ذلك.


رقم الحديث 711 ( وعن أبي شماسة) بفتح الشين المعجمة وضمها ذكرهما صاحب المطالع والميممخففة وآخره سين مهملة ثم هاء واسمه عبد الرحمن بن شماسة بن ذئب أبو عمرو، وقيل أبو عبد الله المهبري بفتح الميم وإسكان الهاء قاله المصنف ( قال: حضرنا عمرو بن العاص) بحذف الياء كما تقدم توجيهه ( رضي الله عنه وهو في سياق الموت) بكسر المهملة وتخفيف التحتية: أي حال حضور الموت ( يبكي طويلاً) أي بكاء طويلاً، والجملة إما خبر بعد خبر أو حال من الضمير المستقرّ قبله ( وحوّل وجهه إلى الجدار) معطوف على قوله أول القصة حضرنا ( فجعل ابنه يقول: يا أبتاه) تكتب الهاء لأنها ينطق بها ساكنة عند الوقف ( أما) بتخفيف الميم أداة استفتاح ( بشرك رسول الله بكذا) كناية عن المبشر هو به ( فأقبل بوجهه فقال: إن أفضل ما نعد) بضم النون من الإعداد: أي نتخذه ذخراً أو عدة للمعاد ( شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله) وقوله ( إني كنت على ثلاثة أطباق) تفصيل لتعاقب أحواله وما عنده في كل حال.
والأطباق بمعنى الأحوال، وذكَّر ثلاثة نظراً لتذكير طبق، وإلا فلو نظر لكونه بمعنى حال الأفصح تأنيث معناها بأن يقال حال حسنة لحذف التاء أشار إليه المصنف ( لقد رأيتني) بضم التاء، من خصائص أفعال القلوب جواز كون فاعلها ومفعولها متحدين والمفعول الثاني محذوفاً لدلالة المقام عليه، وجملة ( وما أحد أشدّ) خبر ما، وقوله ( بغضا) منصوب على التمييز من نسبته إلى المخبر به عند ( لرسول الله منى ولا أحبّ إليّ أن يكون قد استمكنت) أي تمكنت وصيغة الاستفعال للمبالغة ( منه فقتلته) والجملة المنفية معطوفة على خبر ما، وأعاد النافي إيماء إلى أن النفي متوجه إلى كل منهما لا إلى مجموعهما ( فلومت) بضم الميم على الأفصح وبه قرأ الجمهور قوله تعالى: { ولئن متم} قال أبو البقاء: ضم الميم هو الأصل لأن الفعل منه يموت ويقرأ بالكسر وهي لغة، يقال مات يمات كخاف يخاف، فكما تقول خفت تقول مت اهـ ( على تلك الحال لكنت من أهل النار) أي من أصحابها المخلدين فيها أبداً وأتى باسم الإشارة الموضوع للبعيد في القريب إيماء لكمال قبحه، وذك ليعظم شكره لمولاه إذ أنقذه من أشد المتاعب وأشرّ المعايب، وعطف على تلك الحالة الثانيةقوله ( فلما جعل الله الإسلام) أي حبه ( في قلبي أتيت النبي) وذلك بعد الحديبية ( فقلت: ابسط يمينك فلأبايعك) بكسر اللام على أنها لام التعليل والفعل بعدها منصوب بأن مضمرة، ويجوز أن يكون بكسرها أو بإسكانها لام أمر كقوله «قوموا فلأصل لكم» على إحدى الروايات فيه، والمراد أن يبايعه على دخوله في اتباعه ونصرة الإسلام ( فبسط يمينه فقبضت يدي) بفتح المثناة التحتية وكسر الدال المهملة: أي يميني لأنها التي يبايع بها، وإنما عبر بها دفعاً للتكرار المستعذب تركه في الأسماع ( فقال: مالك) مبتدأ وخبر ( يا عمرو؟ قلت: أردت أن أشترط، قال: تشترط بماذا؟) قال المصنف: هكذا ضبطناه بإثبات الباء، فيجوز أن تكون زائدة للتأكيد ويجوز أن يكون ضمن معنى يشترط معنى يحتاط ( قلت: أن يغفر لي) بالبناء للمفعول وترك ذكر الفاعل لتعينه والعلم به وحذف المطلوب غفره للتعميم ( قال: أما علمت أن الإسلام يهدم ما كان قبله) من سائر الذنوب التي أعظمها الكفر، قال تعالى: قل للذين كفروا إن ينتهوا يغفر لهم ما قد سلف: ( وأن الهجرة تهدم ما كان قبلها) أي مما يحدث بين الإسلام وبينها ( وأن الحج يهدم ما كان قبله) هذا محمول عند المحققين على صغائر الذنوب المتعلقة بحق الله تعالى، أما الكبائر فلا يكفرها إلا التوبة، والتبعات لا تكفر إلا برضى أهلها أو بفضل الله تعالى فيها، ولهذه الجمل المبشرات بهدم كل من الأعمال الثلاث لما قبله من الذنوب، أورده المصنف شاهداً لشطر الترجمة، وهنا كلام محذوف دل عليه المقام: أي فأسلمت وبايعت ( وما كان أحد أحبّ إليّ من رسول الله) لأن الإيمان لا يتم إلا بذلك، قال رسول الله «لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحبّ إليه من أهله ونفسه والناس أجمعين» ( ولا أجل في عيني منه) من الجلال: أي العظمة والمهابة ( وما كنت أطيق أن أملأ عينيّ) بتشديد التحتية مثنى ( منه) متعلق بأملأ، وقوله ( إجلالاً له) علة لما قبله: أيإن عدم الإضافة ناشىء عن الجلال الذي عليه صلوات الله وسلامه عليه ( ولو سئلت أن أصفه) أي أذكر صفة خلقه بفتح الحاء المعجمة ( ما أطقت) ذلك لأنه لا يكون إلا عن إمعان نظر من الواصف للذي يريد وصفه، ويمنع منه بالنسبة إليه ما أسبغ عليه من المهابة والجلال المانعين من تحديق البصر فيه كما قال ( لأني لم أكن أملأ عيني) بصيغة المثنى أيضاً ( منه ولو متّ على تلك الحالة) العظيمة الشأن الدال على ذلك فيها الإشارة إليها بما يشار به للبعيد تعظيماً وتفخيماً ( لرجوت أن أكون من أهل الجنة) فيه أن العارف وإن عمل الصالحات ما عمل لا تفارقه خشيته لمولاه قال تعالى: { والذين يؤتون ما آتوا وقلوبهم وجلة} ( المؤمنون: 6) وذلك لأنه لم يركن إلى هذه الأعمال الصالحة ويقطع بكونه من أهل الجنة لكونها من أعماله، بل اعتمد على قلبه وأقبل بشراشره ولبه على مولاه راجياً أن ينظمه في سلك من والاه ( ثم ولينا أشياء ما أدرى ما حالي فيها) وهذا منه مزيد تواضع لمولاه وإلا فهو من علماء الصحابة، والصحابة كلهم عدول ( فإذا أنا مت فلا تصحبني نائحة) وهي الرافعة للصوت بالبكاء مع تعداد الأوصاف كيا جبلاه لأنها ملعونة في السنة ولا ينبغي صحبتها والنياحة حرام ( ولانار) وذلك للتفاؤل بالنجاة منها وكراهة لصحبتها للميت كما جاء في الحديث، ثم قيل سبب الكراهة لكونها شعار الجاهلية وقال ابن حبيب المالكي: كره تفاؤلاً بالنار، نعم إن دعا لها داع من تغير الميت ومزيد نتنه ولا تنكسر سورة ذلك عن حامليه إلا بما يبخر به فلا كراهية ( فإذا دفنتموني فسنوا على التراب سناً) فيه استحباب صب التراب في القبر فإنه لا يقعد عليه بخلاف ما يعمل في بعض البلاد ( ثم أقيموا حول قبري قدر ما تنحر جزور) ما مصدرية والجزور بفتح الجيم وضم الزاي: المذبوح من الإبل خاصة وسواء كان ذكراً أم أنثى وجمعه جزر كرسول ورسل وجزران أيضاً ثم يجمع على جزائر ( ويقسم لحمها حتى استأنس بكم) أي كي أستأنس بكم ( وأنظر ماذا أراجع به رسل ربي) أي من فتاني القبر.
وإنما أطلق عليهما صيغة الجمع مجازاً من إطلاقه على ما فوق الواحد.
قال المصنف: وفي هذه الجملة من الفوائد: إثبات فتنة القبر وسؤال الملكين وهومذهب أهل الحق، واستحباب المكث عند القبر بعد الدفن لحظة نحو ما ذكر لما ذكر.
وفيه أن الميت يسمع حينئذ من حول القبر ( رواه مسلم.
قوله «سنوا» روى بالشين المعجمة وبالمهملة)
قال المصنف في شرح مسلم ضبطناه بهما، قال: وكذا قال القاضي عياض إنه بهما ( أي صبوه قليلاً قليلاً) وقيل بالمهملة الصب في سهوته وبالمعجمة التفريق.
تنبيه: الترجمة معقودة للتبشير والتهنئة بالخير، والذي أورده المصنف إنما هو في الشطر الأول لا في الثاني، ويمكن أن يدعي في ضمن ذلك تهنئة بما بشر به المبشر، والله أعلم.
96