فهرس الكتاب

دليل الفالحـــين - باب تحريم الغَدر

رقم الحديث 1585 ( وعن ابن مسعود وابن عمر وأنس رضي الله عنهم قالوا قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: لكل غادر لواء يوم القيامة) ينشر زيادة في فضيحته، وشناعة أمره، وشهرته بذلك، في ذلك الملأ العام ( يقال هذه غدرة) بفتح المعجمة، المرة من الغدر ( فلان، متفق عليه) ظاهر كلام المصنف متفق عليه، عند كل من الثلاثة، لكن في الجامع الصغير أنه كذلك من حديث أنس، ولفظه رواه أحمد والشيخان عن أنس وأحمد، ومسلم عن ابن مسعود، ومسلم عن ابن عمر.


رقم الحديث 1586 ( وعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: لكل غادر لواء عند استه) بوصل الهمزة وسكون المهملة بعدها فوقية أي: دبره ( يوم القيامة يرفع له) في ذلك الموقف ْ ( بقدر غدره) ليكون التشهير بقدر الجرم ( ألا) بتخفيف اللام ( ولا غادر أعظم غدراً من أمير عامة) قال المصنف، قال: أهل اللغة: اللواء الراية العظيمة، لا يمسكها إلا صاحب جيش الحرب، أو صاحب دعوة الجيش، ويكون الناس تبعاً له، قالوا فمعنى لكل غادر لواء أي: علامة يشهر بها في الناس، لأن موضع اللواء الشهرة، وكانت العرب تنصب الألوية في الأسواق، الحفلة لغدر الغادر، ليشتهر بذلك.
وأما الغادر فهو الذي يعاهد، ولا يفي.
يقال غدر يغدر من باب ضرب.
وفي هذه الأحاديث بيان غلظ تحريم الغدر، ولا سيما من صاحب الولاية العامة، لأن غدره يتعدى ضرره إلى خلق كثير؛ وقيل لأنه غير مضطر إلى الغدر، لقدرته على الوفاء.
والمشهور أن هذا وارد في ذم الإِمام الغادر.
وذكر القاضي فيه احتمالين، وهذا أحدهما.
والثاني: أن يكون لذم غدر الرعية بالإِمام، ولا يشقون عليه العصا، ولا يتعرضون لما يخاف حصول فتنه بسببه.
والأول هو الصحيح اهـ.
وفي حمله اللواء على الكناية عن الشهرة، صرف اللفظ عن ظاهره، بلا صارف والله أعلم ( رواه مسلم) .


رقم الحديث 1587 (وعن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: قال الله تعالى ثلاثة) أي: من الأوصاف، أو أوصاف ثلاثة (أنا خصمهم يوم القيامة: رجل أعطى بي ثم غدر، ورجل باع حراً فأكل ثمنه، ورجل استأجر أجيراً فاستوفى منه، ولم يعطه أجره) قال الشيخ تقي الدين السبكي: الحكمة في كون الله تعالى خصمهم، أنهم جنوا على حقه سبحانه وتعالى، فإن الذي أعطي به ثم غدر، جنى على عهد الله بالخيانة والنقض وعدم الوفاء، ومن حق الله أن يوفي بعهده.
والذي باع حراً وأكل ثمنه جنى على حق الله، فإن حقه في الحر إقامته على عبادته، التي خلق الجن والإِنس لها.
قال الله تعالى: (وما خلقت الجن والإِنس إلا ليعبدون) فمن استرق حراً فقد عطل عليه العبادات المختصة بالأحرار، كالجمعة والحج والجهاد والصدقة وغيرها، وكثير من النوافل المعارضة لخدمة السيد، فقد ناقض حكم الله ْفي الوجود، ومقصوده عن عباده، فلذا عظمت الجريمة، والرجل الذي استأجر أجيراً، بمنزلة من استعبد الحر، وعطله عن كثير من نوافل العبادات، فشابه الذي باع حراً وأكل ثمنه، فلذا عظم ذنبه اهـ.
ملخصاً.
وقال ابن بطال قوله: "أعطى بي ثم غدر" يريد نقض العهد الذي عاهد الله عليه، وقوله: "وأكل ثمنه".
انتفع به على أي وجه كان، وذكر الأكل لأنه أخص المنافع؛ كما في قوله تعالى: (إن الذين يأكلون أموال اليتامى ظلماً) (رواه بتشديد النون الأولى والعدول إليه عن المانّ، إيماء إلى عدم دخول، من صدر منه المن مرة مثلاً في ذلك الوعيد، وإن كان مطلقه منهياً عنه محرماً.
(والمنفق) بصيغة الفاعل من الإِنفاق (سلعته) بكسر المهملة الأولى أي: متاعه (بالحلف الكاذب) وجاء في الحديث عند البخاري الحلف منفقة للسلعة ممحقة للبركة (رواه مسلم) ورواه أحمد وأصحاب السنن الأربعة (وفي رواية له المسبل إزاره) وذكر الإِزار لا للتخصيص به، بل لكون إسباله هو الغالب، فإسبال غيره مثله، كما قال المصنف (يعني المسبل إزاره وثوبه أسفل من الكعبين للخيلاء) أما إسبال ذلك، لا على وجه الخيلاء، فمكروه تنزيهاً.
باب النهي عن الافتخار والبغي (قال الله تعالى: فلا تزكوا أنفسكم) أي: لا تمدحوها، ولا تنسبوها إلى الطهارة (هو أعلم بمن اتقى) فربما تنسبون أحداً إلى التقوى، والله يعلم إنه ليس كذلك.
ولذا ورد في الحديث الصحيح: "إن كان أحدكم مادحاً صاحبه لا محالة، فليقل حسب فلاناً والله حسيبه، ولا أزكي على الله أحداً أحسبه كذا وكذا" إن كان يعلم ذلك.
(وقال تعالى: إنما السبيل) أي: بالمعاقبة (على الذين يظلمون الناس) لا على من انتصر بعد ظلامته (ويبغون في الأرض بغير الحق أولئك) أي: الظالمون الباغون (لهم عذاب أليم) لظلمهم وبغيهم.