فهرس الكتاب

دليل الفالحـــين - باب التعاون عَلَى البر والتقوى

رقم الحديث 177 ( وعن أبي عبد الرحمن) وقيل: أبو طلحة، وقيل: أبو زرعة ( زيدبن خالد الجهني) بضم الجيم نسبة إلى جهينة.
قال الحازمي: جهينةبن زيدبن ليثبن سودبن أسلمبن لحافبن قضاعة قبيلة عظيمة منها بشر كثير من الصحابة اهـ.
سكن زيد ( رضي الله عنه) المدينة وشهد الحديبية وكان معه لواء جهينة يوم الفتح.
روي له عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أحد وثمانون حديثاً، اتفقا على خمسة منها، وانفرد مسلم بثلاثة.
توفي بالمدينة وقيل بالكوفة وقيل بمصر سنة ثمان وخمسين وهو ابن خمس وثمانين سنة، وقيل غير ذلك ذكره المصنف في «التهذيب» ( قال: قال نبي الله: من جهز غازياً في سبيل ا) أي: هيأ أسباب السفر له إعانة على الخير ( فقد غزا) .
قال ابن حبان: معناه أنه مثله في الأجر وإن لم يغز حقيقة ( ومن خلف) بالخاء المعجمة المفتوحة وبتخفيف اللام المفتوحة أيضاً ( غازياً) في سبيل الله ( في أهله بخير) بأن قام بما يحتاجون إليه ( فقد غزا) وفي رواية لابن حبان: «من جهز عازياً في سبيل الله أو خلفه في أهله كتب الله له مثل أجره غير أنه لا ينقص من أجره شي» ( متفق عليه) ورواه ابن ماجه من حديث ابن عمر بلفظ: «من جهز غازياً حتى يستقلّ كان له مثل أجره حتى يموت أو يرجع» .
قال العلقمي: أفادت هذه الرواية فائدتين: أن الوعد المذكورمرتب على إتمام التجهيز وهو المراد بقوله حتى يستقل، وأنه يستوي معه في الأجر إلى أن تنقضي تلك الغزوة اهـ.
ثم قال في أثناء كلام: لكن من يجهز الغازي بماله مثلاً وكذا من يخلفه فيمن يتركه بعده يباشر شيئاً من المشقة أيضاً، فإن الغازي لا يتأتى منه الغزو إلا بعد أن يكفي ذلك العمل فصار كأنه يباشر معه الغزو، بخلاف من اقتصر على النية مثلاً أي: حصل له أجر سبب الغزو، وهذا الأجر يحصل بكل جهاز سواء قليله وكثيره، ولكل خالف في أهله بخير من قضاء حاجة لهم أو إنفاق عليهم أو ذبّ عنهم أو مساعدتهم في أمرهم، ويختلف قدر الثواب بقلة ذلك وكثرته.
قلت: وبه يعلم أن ما أفاده حديث ابن ماجه من ترتبت الأجر على تمام التجهيز المراد به كمال الأجر ودوامه المشار إليه بقوله حتى يرجع إليه لا أصله، فهو حاصل بما فعل من التجهيز وإن قل.


رقم الحديث 178 ( وعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بعث) أي: أراد أن يبعث ( بعثاً إلى بني لحيان) بكسر اللام وفتحها والكسر أشهر، بطن ( من هذيل) إذ هو لحيانبن هذيلبن مدركةبن إلياسبن مضر.
قال المصنف في «شرح مسلم» واتفق العلماء على أن بني لحيان كانوا في ذلك الوقت كفاراً، فبعث إليهم بعثاً يغزوهم ( فقال) لذلك البعث ( لينبعث من كل رجلين أحدهما) مراده كما قال المصنف من كل قبيلة نصب عددها ( والأجر) أي مجموع الحاصل للغازي والخالف له بخير ( بينهما) فهو بمعنى قوله في الحديث قبله: «ومن خلف غازياً فقد غزا» وأما حديث مسلم: «أيكم خلف الخارج في أهله وماله بخير كان له مثل نصف أجر الخارج» .
فقال القرطبي: لفظة نصف تشبه أن تكون مقحمة: أي مزيدة من بعض الرواة.
وقال العلقمي: لا حاجة لدعوى زيادتها بعد ثبوتها في الصحيح.
والذي يظهر في توجيهها أنها إنما أطلقت بالنسبة إلى مجموع الثواب الحاصل للغازي والخالف له بخير، فإن الثواب إذا قسم بينهما نصفين كان لكل منهما مثل ما للآخر فلا تعارض بين الحديثين.
قلت: إلا أنه على هذا التوجيه يكون فيه حذف، وعلى توجيه القرطبي تكون فيه زيادة والله أعلم.
ثم قوله والأجر بينهما محمول على ما إذا خلف المقيم الغازي في أهله بخير كما تقدم في الحديث قبله وصرح به باقي الأحاديث ( رواه مسلم) .


رقم الحديث 179 ( وعن ابن عباس رضي الله عنهما: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لقي) في حجة الوداع ( ركباً) بفتح الراء وسكون الكاف جمع راكب كصحب وصاحب ( بالروحاء) بالمهملتين: محل بقرب المدينة ( فقال) بعد أن سلم عليهم كما في حديث أبي داود ( من القوم) .
قال ابن رسلان: فيه السلام على الركب المسافرين إذا لقيهم وإن لم يعرفهم، وأن الذي يسلم يكون كبير القوم، وأن من لقي غيره لا يكلمه قبل أن يسلم عليه، وكذا لا يجيب من كلمه قبل أن يسلم لحديث: «السلام قبل الكلام» ( قالوا المسلمون) فيه دليل على إطلاق ذلك ولا يحتاج إلى فصله بقوله إن شاء الله خوفاً من سوء الخاتمة أي لأن الأصل بقاء الفصل وإن كان الإتيان بها نظراً لذلك أفضل ( فقالوا من أنت) وعند أبي داود «من أنتم» .
قال القاضي عياض: يحتمل أن يكون هذا اللقاء كان ليلاً فلم يعرفوه، ويحتمل كونه نهاراً لكنهم لم يروه قبل ذلك لعدم هجرتهم فأسلموا في بلدانهم ولم يهاجرو قبل ذلك ( فقال أنا) وفي رواية أبي داود فقالوا ( رسول الله فرفعت إليه امرأة صبياً) زاد أبو داود «فأخذت بعضده فأخرجته من محفتها» ( فقالت يا رسول الله) كما في أبي داود ( ألهذا) وعند أبي داود «هل لهذا» ( حج) أي: يصح له ( قال: نعم) فيه حجة للشافعي، والجمهور على انعقاد حج الصبي وإن كان غير مميز، إذ من يخرج من المحفة بعضده لا تمييز له، فيحرم عنه الوليّ إن كان غير مميز ويخير بين ذلكـ والإذن للصبي إن كان مميزاً فيثاب الصبي عليه في الحالين وإن كان لا يجزيه عن حجة الإسلام بل يقع تطوعاً ( ولك أجر) أي ويثبت لك الأجر، وبسبب الحمل وتجنيبه المحرم وفعل ما يفعله المحرم.
أما الإحرام عنه، فإن كانت وصية أو قيمة صح وإلا فلا، ولا أجر لها في الإحرام عنه حيئذٍ، أما أجر حجة فيكتب له مع سائر ما يعمله من الطاعات من طواف وسعي وطهارة وصلاة وغيرها من الطاعات ولا يكتب له معصية بالإجماع ( رواه مسلم) وأبو داود.


رقم الحديث 180 ( وعن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه عن النبي أنه قال: الخازن) لمال غيرهبإذنه ( المسلم الأمين) أي: في ذلك المال الذي أمر بإعطائه وإن خان في غيره قبل أو بعد فيما يظهر من القواعد، لأن سبق المعصية أو تأخرها فيما لا تعلق له بما أطاع فيه لا يقتضي نقص ثواب ما أطاع فيه ( الذي ينفذ) بفاء مكسورة مثقلة ومخففة ( ما أمر به) أي: بإعطائه ( فيعطيه كاملاً موفراً) تأكيد بعد تأكيد لما غلب على الخزان من الطمع فيما أمروا بإعطائه والنقص عنه ( طيبة به نفسه) بأن لا يحسد المعطي ولا يظهر له من العبوس وتقطيب الوجه ما يكدر خاطره، ونبه على ذلك لأن أكثر الخزان غلب عليهم البخل بمال غيرهم فهم أبخل البخلاء ( فيدفعه إلى الذي أمر) بالبناء للمفعول ( له) راجع للذي ( به) راجع للمال ( أحد المتصدقين) فيكتب له بتلك الشروط الأربعة ثواب من ثواب الصدقة، لكنه يقل ويكثر بحسب تعبه وبشاشته ورفقه في الإعطاء ( متفق عليه) ورواه أحمد وأبو داود والنسائي عن أبي موسى كذا في «الجامع الصغير» .
( وفي رواية) لهما ( الذي يعطي ما أمر به) وعليها اقتصر صاحب «المشكاة» وقال: متفق عليه ( وضبطوه) أي: المحدثون ( المتصدقين بفتح القاف مع كسر النون على التثنية) أي: على أنه مثنى وعلى هذا اقتصر في «شرح مسلم» وعليه فهما هو وبازل الصدقة ( وعكسه) أي: كسر القاف وفتح النون ( على الجمع) الصحيح المذكر السالم وهو جنس الخازن وجنس المتصدق أو أطلق الجمع وأريد به الإثنان مجازاً ( وكلاهما) أي: الضبطين ( صحيح) باعتبار المعنى كما عرفت.
22

رقم الحديث -22 ( قال الله تعالى: { وتعاونوا} ) أي: ليعن بعضكم بعضاً ( { على} ) اكتساب ( { البر} ) قال ابن عباس: متابعة السنة ( { والتقوى} ) وتقدم في الباب قبله فوائد في الآية.
( وقال تعالى: { والعصر} ) الدهر؛ أو ما بعد الزوال، أو صلاة العصر، أو زمان رسول الله، أقسم به كما أقسم ابحث في الكتاب: اضغط للبحث عن الكلمة داخل الكتاب تحميل الكتاب الأولى السابقة التالية الأخيرة بمكانه تنبيهاً بذلك على أن زمانه أفضل الأزمان وأشرفها، وجواب القسم ( { إن الإنسان} ) أل فيه للاستغراق ( { لفي خسر} ) أي: خسران ونقصان في تجارة لأن تجارة الإنسان عمره، فإذا ضاعت الساعة منه في معصية فهو الخسران المبين الظاهر، أو في طاعة فلعل غيرها أفضل وهو قادر على الإتيان به، فكان في فعل غير الأفضل تضييع وخسران، فبان بذلك أنه لا ينفك إنسان عن خسران ( { إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات} ) فليسوا في خسر، وكل ما مر من عمر الإنسان في طاعة الله فهو في صلاح وخير.
وما كان بضده فهو فساد وهلاك ( { وتواصوا} ) أي أوصى بعضهم بعضاً ( { بالحق} ) أي: الإيمان والتوحيد، وقيل: القرآن والعمل بما فيه ( { وتواصوا بالصبر} ) على الطاعة وعن المعصية.
قال الخازن: وقيل أراد أن الإنسان إذا عمر في الدنيا وهرم ففي نقص وتراجع، إلا الذين آمنوا فإن الله يكتب أجورهم ومحاسن أعمالهم التي كانوا يعملونها في شبابهم وصحبتهم وهي مثل قوله تعالى: { ثم رددناه أسفل سافلين إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات فلهم أجر غير ممنون} ( التين: 5 - 6) اهـ ( قال الإمام) : هو لغة: من يقتدى به.
وفي عرف الشرع من يقتدى به في الخير ( الشافعي) عالم قريش المحمول عليه «لا تسبوا قريشاً، فإن عالمها يملأ الأرض علماً» محمدبن إدريسبن العباسبن عثمانبن شافعبن السائببن عبيدبن عبد يزيدبن هاشمبن المطلببن عبد مناف جد النبي، لقي النبي وهو مترعرع، وأسلم أبوه يوم بدر بعد أن أسر بها وفدى نفسه.
ولد الشافعي بغزة على الأصح سنة خمسين ومائة ثم حمل إلى مكة ونشأ بها، وحفظ القرآن وهو ابن سبع سنين والموطأ وهو ابن عشر، وتفقه على مسلمبن خالد المعروف بالزنجي لشدة شقرته من أسماء الأضداد، وأذن له في الإفتاء وهو ابن خمس عشرة سنة، ثم رحل إلى مالك ولازمه مدة، ثم قدم بغداد سنة خمس وتسعين ومائة فأقام بها سنتين، فاجتمع عليه علماؤها ورجع كثير منهم عن مذاهب كانوا عليها إلى مذهبه وصنف بها كتابه القديم، ثم عاد إلى مكة فأقام بها شهراً، ثم خرج إلى مصر ولم يزل بها ناشراً للعلم ملازماً للاشتغال بجامعها العتيق إلى أن ماتـ وهو قطب الوجود يوم الجمعةـ سلخ رجب سنة أربع ومائتين ودفن بعد العصر من يومه.
ومناقبه كثيرة أفردت بالتآليف في مجلدات.
ومن شعر الشافعي ( رحمه ا) : أمتّ مطامعي فأرحت نفسي فإن النفس ما طمعت تهون وأحييت القنوع وكان ميتاً ففي إحيائه عرضي مصون إذا طمع يحل بقلب عبد علته مهانة وعلاه هون ( كلاماً) مفعول، قال: وجاز عمله فيه مع أنه مفرد، وينصب القول الجمل لأنه يؤدي مؤداها ولم أقف على لفظه المذكور، ولم يذكر المصنف من خرّجه عنه حتى يرجع إليه ( معناه أن الناس أو) للتردد ( أكثرهم في غفلة عن تدبر) مقاصد ( هذه السورة) وما هي مؤدية ومنبهة بشرفه من التواصي بالحق والصبر ومن عمل البر، وخسران من لم يكن كذلك.