فهرس الكتاب

دليل الفالحـــين - باب سُنّة الظهر

رقم الحديث 1113 ( عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: صليت مع رسول الله ركعتين قبل الظهر وركعتين بعدها.
متفق عليه)
وتقدم مشروحاً في باب فضل السنن الرواتب، وتقدم أن من السنن المؤكدة ركعتين قبليتين للجمعة ومثلهما بعدها.


رقم الحديث 1114 ( وعن عائشة رضي الله عنها أن النبي كان لا يدع) أي لا يترك ( أربعاً قبل الظهر) مقتضاه مداومته عليها أبداً فتكون مؤكدة وسبق أن المؤكد ثنتان، وكأنه لما ورد مما يدل على تسهيله في اثنتين منها ( رواه البخاري) وسبق مشروحاً في باب تأكيد ركعتي الفجر، وما فعله المصنف فيه تقطيع الحديث والاقتصار على بعض وحذف بعض والصحيح جواز ذلك بشرط أن لا يكون للمذكور تعلق بالمحذوف من كونه غاية له أو شرطاً أو مستثنى منه.


رقم الحديث 1115 ( وعنها قالت) وفي نسخة رسول الله ( كان النبي يصلي في بيتي) إضافة البيت إليها لكونه سكنها وإلا فهو ملك لرسول الله كسائر مساكن أزواجه ( قبل الظهر أربعاً ثم يخرج) الظاهر أن التراخي المدلول عليه بثم كان طلب الاجتماع المصلين وتكاثرهم ( فيصلي بالناس) أي المكتوبة ( ثم يدخل) والإتيان بثم لتراخي الدخول بما قد يشتغل به بعد أدائها من تبليغ شرائع وقضاء بين متخاصمين ونحو ذلك ( فيصلي ركعتين) أي عقب الدخول كما تومىء إليه الفاء ( وكان يصلي بالناس المغرب ثم يدخل) أي بعد فعلها، والإتيان بثم لذلك ( فيصلي ركعتين ويصلي بالناس العشاء ويدخل بيتي فيصلي ركعتين) الإتيان بالواو في قولها ( ويدخل) يحتمل أن يكون للإيماء إلى عدم تراخي دخوله عن صلاتها لأنه كان يكره الحديث بعدها إلا في خير، ويحتمل أنها مرادة بها وخالفت بين الحرقين تفننا في التعبير ( رواه مسلم) .


رقم الحديث 1116 ( وعن أم حبيبة) بفتح المهملة وكسر الموحدة الأولى وهي أم المؤمنين سبقت ترجمتها ( رضي الله عنها) قريباً ( قالت: قال رسول الله: من حافظ) التعبير بصيغة المبالغة للمبالغة: أي من اهتم بالحفظ وبالغ فيه ( على أربع ركعات قبل الظهر وأربع بعدها حرمه الله) أي بفعل ذلك، وفي رواية «حرم الله لحمه» ( على النار) أي كونه فيها خالداً مؤبداً كالكافر.
ففيه بشارة للمحافظ عليها بالموت على الإسلام فلا ينافي ما تقرر من تعذيب بعض عصاة الموحدين لكن يشكل على هذا التأويل رواية «لم تمسه النار» إلا أن تؤول كذلك وفيه بعد وأجراه راويه على ظاهره، ففي رواية لأبي داود عن حسان بن عطية قال:لما نزل بعنبسة الموت جعل يتفرز فقيل له في ذلك فقال: أما إني سمعت أم حبيبة زوج النبي تحدث عن النبي «أنه من ركع أربع ركعات قبل الظهر وأربعاً بعدها حرم الله لحمه على النار فما تركتهن منذ سمعتهن» وفي رواية له عن محمد بن أبي سفيان قال «إنه لما نزل به الموت أخذه أمر شديد فقال: حدثتني أختي أم حبيبة قالت: قال رسول الله: من حافظ على أربع ركعات قبل الظهر وأربع بعدها حرمه الله على النار» ( رواه أبو داود والترمذي) والنسائي ( قال) أي الترمذي ( حديث حسن صحيح) .


رقم الحديث 1117 ( وعن عبد الله بن السائب) بالمهملة وبعد الألف همزة فموحدة قال المزي في «الأطراف» : واسمه صيفي بن عائذ بن عبد الله بن عمرو بن مخزوم، وكنيته أبو عبد الرحمن المخزومي قارىء أهل مكة ( رضي الله عنه) قال الذهبي في «الكاشف» : له صحبة قرأ على أبيّ ابن كعب، روى عنه مجاهد وعطاء.
توفي في قتل ابن الزبير.
خرج عنه مسلم والأربعة اهـ.
قلت: روي له عن النبيّ سبعة أحاديث أخرج له مسلم فيها حديثاً واحداً ولم يخرج له البخاري، كدا في «مختصر التلقيح» لابن الجوزي ( أن رسول الله كان يصلي أربعاً بعد أن تزول الشمس) وبه يدخل وقت الظهر ( قبل الظهر) أي قبل فعل فرضها ( وقال إنها) أي الساعة التي بعد الزوال ( ساعة تفتح) بالبناء للمفعول ( فيها أبواب السماء) أي لصعود الأعمال من الأرض كما يومىء إليه قوله ( فأحب أن يصعد لي) أي يرتفع لي ( فيها عمل صالح) وخير الأعمال الصلاة كما جاء كذلك في قوله «واعلموا أن خير أعمالكم الصلاة» ويحتمل أن فتحها لهبوط الفيوض على أهل الأرض فتعرّض لحوزها بأعمال البر المرتبة تلك لفيوض عليها ترتب المسبب على السبب بالحكمة الإلهية ( رواه الترمذي) والنسائي أيضاً ( وقال) أي الترمذي ( حديث حسن) في إيراد هذا الحديث في هذا الباب ما لا يخفى لأنالذي فيه سنة الزوال وهي غير سنة الظهر.
قال في «فتح الإله» : أخذ أئمتنا من الحديث أنه يسن أربع ركعات عقب الزوال وأقلها ركعتان، وروى خبر «راقبوا زوال الشمس فإذا زالت فصلوا ركعتين، فلكم أجر بعدد كل كافر وكافرة» وكأن وجه تخصيص الكفار بذلك وقوع هذه الصلاة عقب تسجير النار لهم اهـ.
إلا أن يقال هي في وقت الظهر لدخوله بالزوال فعدت من سننه وإن كانت شكراً لله تعالى على نعمة تحوّل الشمس من كبد السماء إلى جهة المغرب.


رقم الحديث 1118 ( وعن عائشة رضي الله عنها: أن النبي كان إذا لم يصل أربعاً قبل الظهر صلاهن بعدها) فيه مزيد الاهتمام منه بها، وقد جاء أنه بعد الظهر أربعاً أيضاً، وأمر بالمحافظة عليها في حديث أم حبيبة، فمن ثم قال أصحابنا: إن من الرواتب صلاة أربع قبل الظهر وأربع بعدها.
وفي كلام عائشة إيماء إلى العناية بالسنة القبلية وتقديمها على المكتوبة، فإن أخرت عنها تدوركت فيما بقي من الوقت أداء وبعده قضاء ( رواه الترمذي وقال: حديث حسن صحيح) ومما جاء في فضل الأربع قبل الظهر حديث ابن عمر قال: قال رسول الله «رحم الله امرأ صلى قبل الظهر أربعاً» رواه أحمد والترمذي، وحسنه أبو داود، وصححه ابن خزيمة وحبان وإن أعله ابن القطان.
قلت: ومن مظاهر الرحمة المرتبة عليها ما رتب عليها في حديث أم حبيبة السابق في الباب من كونه سبباً للخلوص من الخولد في النار المؤذن بالموت على الإسلام، حققه الله لنا بمنه وكرمه.