فهرس الكتاب

دليل الفالحـــين - باب فضل ضعفة المسلمين والفقراء الخاملين

رقم الحديث 252 ( وعن حارثة) بالحاء المهملة وكسر الراء وبالمثلثة ( ابن وهب) الخزاعي أخو عبد الله بن عمر بن الخطاب لأمه.
قال ابن النحوي في شرح البخاري: أمهما أم كلثوم بنت جرول بن مالك بن المسيب الخزاعية.
روى عنه أبو إسحاق السبيعي ومعبد بن خالد الجهني ( رضي الله عنه) قال ابن الجوزي في المستخرج المليح: له ستة أحاديث أخرج له منها في «الصحيحين» أربعة أحاديث اتفقا عليها.
وقال البرقي: له حديثان، وهو غلط لأنه قد أخرج له في «الصحيحين» أربعة أحاديث اهـ.
( قال سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: ألا) حرف استفتاح لتنبيه السامع للكلام الآتي بعده ( أخبركم بأهل الجنة) قال ابن النحوي: أي بمعظمهم وكذا في القسم الأخير وليس المراد الاستيعاب، وسكت الراوي عن ذكر جوانبهم للعلم بوقوعه: أي قالوا: بلى فقال: هم ( كل ضعيف) فهو خبر لمبتدأ محذوف والجملة بيان، ومعنى ضعيف: أي نفسه ضعيفة لتواضعه وضعف حاله في الدنيا ( متضعف) قال ابن النحوي هو بفتح العين المشددة وكذا ضبطه الدمياطي.
قال ابن الجوزي: وغلط من كسرها إنما هو بالفتح، يعني أن الناس يستضعفونه ويقهرونه.
وقال النووي: روى بالفتح عند الأكثرين وبالكسر اهـ: قال الطيبي: فمعناه على «الفتح» يستضعفه الناس ويحتقرونه ويفخرون عليه لضعف حاله في الدنيا ومعناه بالكسر متواضع متذلل خامل واضع من نفسه اهـ.
وقيل المراد أنه يستضعف: أي يخضع سبحانه ويذل له نفسه، حكاه المصنف مقتصراً عليه.
قلت: وعلى هذا جرى العلقمي وزاد في رواية «مستضعف» .
وفي رواية لأحمد «الضعيف المستضعف» ( لو يقسم على الله لأبرّه) أي لأبرّ قسمه: أي لو حلف يميناً طمعاً في كرم الله بإبراره لأبره بحصول ذلك، وسيأتي فيه بسط.
ومن ذلك ما روي عن أنس بن النضر في أخته الربيع لما كسرت سنّ المرأة وأمر بالقصاص، فقال أنس: وا لا تكسر سنّ الربيَّع، فرضى أهل المرأة المجنى عليها بالأرش، فقال: «إن من عباد الله من لو أقسم على الله لأبرّ قسمه» وأتى بالمضارع في حديث الباب إيماء إلى استمرار عناية الله بهم كل زمن ووقت وقضاء حوائجهم وتيسير مطالبهم ويكفيك قوله في الحديث القدسي «لا يزال عبدي يتقرّب إليّ حتى أحبه» الحديث: أي كنت متولياً لسائر أموره كافياً له في مطالبه ( ألا أخبركم بأهل النار) أي بسماتهم وأفعالهم لتجتنبوها، هم ( كل عتل) بضم المهملة والفوقية وتشديد اللام ( جواظمستكبر) أي متخلق به وهو كما في الحديث المرفوع «بطر الحق» أي دفعه وعدم الانقياد إليه «وغمط الناس» أي احتقارهم زاد في رواية بعد جواظ «جعظري» وهو بفتح الجيم والظاهر المعجمة وسكون المهملة بينهما.
قيل الفظ الغليظ.
وقيل الذي لا عرض له، وقيل الذي يتمدح بما ليس عنده ( متفق عليه) أخرجه البخاري في التفسير والأدب والنذور من «صحيحه» ، ومسلم في صفة الجنة.
وأخرجه الترمذي في صفة الجنة ومداره عندهم على شعبة عن معبد بن خالد عن حارثة كذا لخص من الأطراف للمزي ( العتل الغليظ) العنيف، وهذا قول الخطابي ( الجافي) من الجفاء: أي الجافي عن المواعظ، هذا قول الفراء، والمصنف جمع القولين وجعلهما قولاً واحداً، وقيل هو الشديد من كل شيء، وقيل الكافر.
وقال الداودي: السمين العظيم العنق والبطن.
وقال الهروي: الجموع المنوع.
قال: ويقال هو القصير البطين، وقيل الأكول الشروب الظلوم ( والجواظ بفتح الجيم وتشديد الواو، وبالظاء المعجمة: وهو الجموع المنوع) هذا بعض تفسير له جاء مرفوعاً قال ابن النحوي: روي عن ابن عباس مرفوعاً «ثلاثة لا يدخلون الجنة: الجواظ والعتل والجعظري - وقيل يا رسول الله وما الجواظ؟ قال: الجموع المنوع البخيل في يديه» والجعظري: الفظّ على ما ملكت يمينه والغليظ لقرابته وجيرانه وأهل بيته.
والعتل الشرس الخلق الرحب الجوف الأكول الشروب الغشوم الظلوم اهـ.
( وقيل) كما حكاه الخطابي واقتصر عليه الجوهري في «صحاحه» ( الضخم) في البدن أي كثير لحمه ( المختال) افتعال من الخيلاء: وهو التكبر ( في مشيته) بكسر الميم ( وقيل) كما حكاه في «النهاية» ( القصير البطين) بفتح أولهما وكسر ثانيهما: أي القصير العظيم البطن لشرهه ونهمه فليس غرضه سوى ملء بطنه.
وفي الحديث عن ابن عمر عن النبي «المؤمن يأكل في معاً واحداً، والكافر يأكل في سبعة أمعاء» رواه البخاري.


رقم الحديث 253 ( وعن أبي العباس) كنية ( سهل) وقيل: كنيته أبو يحيى، وهو ( ابن سعد) بن مالك بنخالد بن ثعلبة بن عمرو بن الخزرج بن ساعدة بن كعب بن الخزرج الأنصاري ( الساعدي) نسبة ( رضي الله عنه) لجده ساعدة ( قال: مرّ رجل) لم أقف على من سماه ( على النبي فقال لرجل) وفي البخاري «فقال ما تقولون» قال الشيخ زكريا: الخطاب لما حضره، وهو أبو ذرّ ومن تبعه ( وما رأيك في هذا؟) من حيث التعظيم له باعتبار الأمور الدنيوية ( فقال رجل من أشراف الناس) الذين ينظرون إلى الظواهر ( هذا) أي المسؤول عنه ( وا حريّ إن خطب) مولية ( أن ينكح) بالبناء للمفعول وكذا المضارعة الآتية بعد أي يزوج ( وإن شفع) في أمر ( أن يشفع) أي لحسبه أو لشرف نسبه وظهور فخره دنيا ( فسكت رسول الله، ثم مر رجل) أي آخر، زاد في رواية للبخاري «من فقراء المسلمين» وهو في نسخة من هذا الكتاب أيضاً.
واسمه جعيل بن سراقة الغفاري كما ذكره شيخنا شيخ الإسلام زكريا في «تحفة القاري» ، ولعل الرجل: الأول كان عيينة بن حصين أو الأقرع بن حابس.
ففي «أسد الغابة» «قيل لرسول الله: أعطيت الأقرع بن حابس وعيينه بن حصن مائة من الإبل وتركت جعيلاً؟ فقال: والذي نفسي بيده لجعيل خير من طلاع الأرض مثل عيينة والأقرع» الحديث قال: أخرجه ابن عبد البرّ وابن منده وأبو نعيم اهـ.
( فقال له) أي لذلك أي الذي عنده ( رسول الله: ما رأيك في هذا، فقال: يا رسول الله هذا رجل من فقراء المسلمين هذا حريّ إن خطب) مولية ( أن لا ينكح) لفقره ( وإن شفع) في أمر ( أن لا يشفع، وإن قال) : أي تكلم ( لا يسمع لقوله) ويجوز في الأفعال الواقعة جواباً الجزم وهو الأفصح والرفع لكون فعل الشرط ماضياً ( فقال رسول الله: هذا) أي الذي احتقرتموه لفقره ( خير) عند الله ( من ملء الأرض) أي مما يملأ بها ( مثل هذا) الذي فضلتموه عليه.
قال الكرماني: إن قلت كيف هذا؟ قلت: إن كان الأول كافراً فالوجه ظاهر، وإلا فيكون ذلك معلوماً لرسول الله صلى الله عليه وسلم اهـ.
( متفق عليه) كما فعلالحميدي وأبو مسعود وابن الجوزي فأورده في المتفق عليه من حديث سهل، وتبعهم المصنف وأبي مالك الطرقي وخلف فعزياه إلى البخاري فقط، ذكره ابن النحوي.
قلت: وجرى على الأخير الحافظ المزي فاقتصر على عزوه إلى البخاري في كتاب النكاح والرقاق، قال: وأخرجه ابن ماجه في الزهد وقال الحافظ ابن حجر في «النكت الظراف على الأطراف» : قال الحميدي: ذكره ابن مسعود في المتفق عليه ولم أجده في مسلم.
قال الحافظ: وذكره خلف والطرقي وغيرهما في أفراد البخاري وهو الصواب اهـ.
( قوله حريّ هو بفتح الحاء) المهملة ( وكسر الراء) لا حاجة إلى وصفها بالإهمال دفعاً لاشتباهها بالزاي للفرق بين اسميهما بتنوين الياء الأخيرة في اللغة المشهورة فيه دون الراء ( وتشديد الياء: أي حقيق) وبمعناه جدير وقمير، وعسى ( وقوله شفع بفتح الفاء) مضارعة يشفع فتحها أيضاً.


رقم الحديث 254 ( وعن أبي سعيد) سعد بن مالك بن سنان الأنصاري ( الخدري رضي الله عنه عن النبي قال: احتجت) بتشديد الجيم: أي تخاصمت ( الجنة والنار) قال الطيبي: والمقصود حكاية ما يقع بيهما مما اختص به كل منهما، وفيه شائبة من معنى الشكاية ألا ترى كيف قال للجنة «أنت دار رحمتي» إلخ فأقحم كلاً بما تقتضيه مشيئته.
قال المصنف: هذا الحديث على ظاهره وإن الله تعالى جعل فيهما إدراكاً فتحاجا، ولا يلزم من هذا أن يكون التمييز فيهما دائماً وكذا قال الطيبي، قال ويجوز أن يكون على وجه التمثيل ( فقالت النار فيّ) بتشديد الياء أولاهما المدغمة آخر الحروف وثانيهما ياء المتكلم ( الجبارون) أي الذين يقهرون الغير على مراداتهم على حسب أهويتهم ( والمتكبرون، وقالت الجنة فيّ) بتشديد الياء أيضاً ( ضعفاء الناس) أي المتواضعون منهم أو المستضعفون فيهم لفقرهم وعدم ثروتهم، وإنما عزّ الدنيا عند أهلها السكارى بحبها.
قال سيدنا عمر بن الخطاب: عزّ الدنيا بالمال، وعزّ الآخرة بالأعمال ( ومساكينهم) أيوالمحتاجون منهم الصابرون على الضرار من غير تضجر ولا تبرم من القضاء اكتفاء بتدبير المولى فيهم ورضاء بما قسم لهم ( فقضى الله بينهما) أي أخبر عما أراده لهما مما سبقت به إرادته قائلاً ( إنك الجنة) في الغة: عبارة عن البستان من النخيل والأعناب والمراد منها هنا مقابل النار ( رحمتي) قال الطيبي: سماها رحمة لأن بها تظهر رحمة الله كما قال ( أرحم بك من أشاء) وإلا فرحمة الله من صفاته التي لم يزل بها موصوفاً ليس صفة حادثة ولا اسم حادث فهو قديم بجميع أسمائه وصفاته جل وعلا اهـ.
Y وهذا بناء على أن الرحمة الموصوف بها تعالى يراد منها إرادة الفضل والإحسان فتكون من صفات المعاني الأزلية القائمة بالذات، أما إذا أولت بالإحسان نفسه فتكون من صفات الأفعال، وهي حادثة غير قائمة بذات الباري عند الأشعري وأتباعه، وظاهر أن المراد هنا المعنى الثاني ( وإنك النار عذابي أعذب بك من أشاء) ممن تعلقت الإرادة الإلهية بتعذيبه ( ولكليكما عليّ ملؤها) فمن يدخل الجنة لا يخرج منها البتة وكذا من يدخل النار من الكفرة: أما ذوو المعاصي من المؤمنين إذا دخلوها فلا بد من خروجهم منها ودخولهم الجنة بالوعد الذي لا يخلف قال تعالى: { فمن يعمل مثقال ذرة خيراً يره} ( الزلزلة: 7) وقال: «من مات وفي قلبه ذرّة من إيمان دخل الجنة» ( رواه مسلم) وسيأتي بيان الباب الذي ذكره فيه من «صحيحه» وما فيه.


رقم الحديث 255 ( وعن أبي هريرة رضي الله عنه عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنه قال) وفي نسخة قال إنه: ( ليأتي) بفتح اللام وهي المؤذنة بالقسم المقدر قبلها المأتي به لتأكيد الأمروتقويته ( الرجل العظيم) قدراً في الدنيا ( السمين) جسماً ( يوم القيامة) ظرف ليأتي ( لا يزن عند الله جناح بعوضة) جملة حالية من فاعل يأتي: أي لا يعدله عند الله: أي لا قدر له عنده، وتتمةالحديث في مسلم «اقرءوا إن شئتم فلا نقيم لهم يوم القيامة وزناً» قال المصنف: في الحديث ذم السمن، ففيه تنبيه على أنه ليس الدار في الرفعة عند الله والقرب من فضله وساحة جرده بالصور، وإنما ذلك بما يقرّ في القلوب من الأنوار الإلهية والتجليات الربانية أهلَّنا الله لذلك بفضله ( متفق عليه) فأخرجه البخاري في «التفسير» من «صحيحه» ومسلم في التوبة كلاهما من طريق يحيى بن بكير عن المغيرة عن أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة ورواه البخاري في التفسير أيضاً أولاً عن محمد بن عبد ا؛ عن سعيد بن أبي مريم عن المغيرة قال الحافظ في «النكت الظراف» وأخرجه الطبراني في «الأوسط» عن عمرو بن أبي الطاهر عن سعيد بن أبي مريم عن المغيرة عن أبي الزناد وقال: تفرّد بها سعيد.
قال الحافظ تقي الدين بن فهد في «الإشراف» ورواية يحيى بن بكير ترد عليه اهـ.


رقم الحديث 256 ( وعنه) عن أبي هريرة رضي الله عنه ( أن امرأة سوداء كانت تقمّ المسجد أو شاباً) أي أسود.
وفي البخاري في باب كنس المسجد «أن رجلاً أسود أو امرأة سوداء» والشك فيه من ثابت، لأنه رواه عنه جماعة هكذا ومن أبي رافع.
قال الحافظ: وسيأتي بعد باب من وجه آخر عن عمار بهذا الإسناد فقال: ولا أراه إلا امرأة.
وروى ابن خزيمة من طريق العلاء بن عبد الرحمن عن أبيه عن أبي هريرة فقال امرأة سوداء، ولم يشك.
ورواه البيهقي بإسناد حسن من حديث ابن بريدة عن أبيه فسماها «أم محجن» وأفاد أن الذي أجاب النبي عن سؤاله عنها أبو بكر الصديق، وذكر ابن منده في الصحابة جزماً امرأة سوداء كانت تقم المسجد، وقع ذكرها في حديث حماد بن زيد عن ثابت عن أنس، وذكرها ابن حبان في الصحابة بدون ذكر السند فإن كان محفوظاً فهذا اسمها، وكنيتها أم محجن كذا في «فتح الباري» ( ففقدها) أي المرأة أو النسمة ليعم كلاً منهما ( رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فسأل عنها، أو) شك من الراوي مرتب على الشك قبله: أي وقال ( عنه) أي عن حال ذلك الإنسان ومفعول سأل محذوف: أي سأل الناس ( فقالوا مات) أيذلك الشخص ( قال: أفلا كنتم آذنتموني) أي أمسكتم عن الإعلام فما آذنتموني ( به) أي أعلمتموني بموته والمعطوف عليه مقدر بعد الهمزة ( فكأنهم صغروا) بتشديد الغين ( أمرها، أو) شك: أي أو قال صغروا ( أمره) أي أنه من الفقراء الخاملين الذي لا يؤبه بوفاة مثله فيدعى للصلاة عليها مثلك، وهذا يحتمل أن يكون من الصحابة وقالوا ذلك اعتذاراً: أي إننا آثرنا راحتك وبقاءك في منزلك أن مثل ذلك الميت ليس من مشاهير الصحابة أولى السبق والأيادي في الإسلام كما جاء كذلك عند ابن خزيمة من طريق العلاء «قالوا: مات في الليل فكرهنا أن نوقظك» وكذا في حديث بريدة ( فقال: دلوني على قبره) هكذا هو في النسخ بضمير المذكر بلا شك وهو محتمل لأن يكون الواقع وحده فقط مع الشك في كون المحدث عنه امرأة أو عبداً أو تذكيره باعتبار الميت ( فدلوه فصلى عليها) أي النسمة المتوفاة، هذا ما اتفقا عليه.
زاد مسلم عن أبي كامل الجحدري عن حماد عن أبي رافع عن أبي هريرة: أي وهو إسناد الحديث عندهما ( ثم قال) أي النبي ( إن هذه القبور مملوءة ظلمة على أهلها) لعدم المنافذ التي يدخل منها الضوء إليها فلا ينيرها إلا الأعمال الصالحة أو الشفاعات المقبولة الراجحة ( وإن الله ينورها لهم) أي يدخل النور لهم فيها ( بصلاتي) بسبب صلاتي عليهم.
قال الحافظ في «فتح الباري» في كنس المسجد.
وإنما لم يخرج البخاري هذه الزيادة لأنها مدرجة في هذا الإسناد وهي من مراسيل ثابت، بين ذلك غير واحد من أصحاب حماد بن زيد، وأوضحت ذلك بدلائله في كتاب بيان المدرج.
قال البيهقي: يغلب على الظن أن هذه الزيادة من مراسيل ثابت كما قال أحمد بن عبده أو من رواية ثابت عن أنس يعني كما رواه ابن منده.
ووقع في مسند أبي داود الطيالسي عن حماد بن زيد الجزار كلاهما عن ثابت بهذه الزيادة اهـ.
وبه يعلم ما في قول المصنف ( متفق عليه) .
وفي الحديث فضل تنظيف المساجد والسؤال عن الخادم والصديق إذا غاب، وفيه المكافأة بالدعاء والترغيب في شهود جنائز أهل الخير، وندب الصلاة على الميت الحاضر عند قبره لمن لم يصل عليه ( قوله تقم بفتح التاء) أي الفوقية إن كان المحدث عنه الجارية وإلا فبالتحتية ( وضم القاف أي تكنس) قال الحافظعلى الفتح جاء في رواية «أنها كانت تلتقط الخرق والعيدان من المسجد» وفي حديث بريرة «كانت مولعة بلقط القذا من المسجد» وهو بالقاف وبالذال المعجمة مقصوراً جمع قذاة وجمع الجمع أقذية.
قال أهل اللغة: القذا في العين والشراب ما تساقط فيه، ثم استعمل في كل شيء يقع في البيت وغيره إذا كان يسيراً ( والقمامة الكناسة) بضم أوليهما وهذه الصيغة لما لا يحتفل كالزبالة والنخالة ( وآذنتموني بمد الهمزة) أي ( أعلمتموني) من الإيذان: الإعلام.


رقم الحديث 257 ( وعنه) أي أبي هريرة رضي الله عنه ( قال: قال النبي: رب) قال ابن هشام في «المغني» : ليس معناها التقليل دائماً خلافاً لابن درستويه وجماعة، بل ترد للتكثير كثيراً، أو للتقليل قليلاً ومن الأول قوله تعالى: { ربما يود الذين كفروا لو كانوا مسلمين} ( الحجر: 2) وفي الحديث «يا رب كاسية في الدنيا عارية يوم القيامة» اهـ.
( أشعث) قال العلقمي في «المصباح» شعث الشعر شعثاً فهو شعث من باب تعب: تغير وتلبد لقلة تعهده بالدهن أي والترجيل ( أغبر) قال في «المصباح» : الغبار معروف وأغبر الرجل بالألف: أثار الغبار ( مدفوع بالأبواب) أي يدفع بها لحقارة قدره عندهم لفقره ورثاثة ملبسه ( لو أقسم على ا) أي حلف يميناً بحصول أمر طمعاً في كرم الله ( لأبره) لأوجد ذلك إكراماً له بإجابة سؤاله وصيانته من الحنث في يمينه، وهذا لعظم منزلته عند الله تعالى وإن كان حقيراً عند الناس.
وقيل معنى أقسم دعا ومعنى أبرّد أجاب دعوته، قاله المصنف في «شرح مسلم» ( رواه مسلم) قال في «الجامع الصغير» بعد إخراجه بهذا اللفظ: إلا أنه يذكر أغبر أخرجه مسلم وأحمد.


رقم الحديث 258 ( وعن أسامة) هو بن زيد حبّ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وابن أخيه كما صرح به كذلك المزي في «الأطراف» ( رضي الله عنه) حال كونه راوياً ( عن النبي قال: قمت على باب الجنة فكان عامة) أي معظم ( من دخلها) من الناس ( المساكين) أي الضعفاء المستضعفين في الدنيا الصابرين على الضراء والشاكرين على السراء ( وأصحاب الجد) أي الغنى ( محبوسون) قال ابن النحوي: كذا في الأصول بالحاء المهملة ثم باء من الحبس، وكذا عند أبي ذرّ وهو ظاهر.
قال ابن التين: كذا هو عند الشيخ أبي الحسن ولعله بفتح التاء والراء اسم مفعول من احترس.
قال أهل اللغة: يقال أحس بالمكان: إذا قام به حرساً فهم موقوفون لا يستطيعون الفرار.
وقال الداوودي: أرجو أن يكون المحبوسون أهل التفاخر لا أفاضل هذه الأمة الذين كان لهم أموال ووصفهم الله بأنهم سابقون.
ولما نقل ابن بطال عن المهلب أن في الحديث «إن أقرب ما يدخل به الجنة التواضع عز وجل، وإن أبعد الأسباب من الجنة التكبر بالمال وغيره» قال: وإنما صار أصحاب الجد محبوسون لمنعهم حقوق الله الواجبة للفقراء في أموالهم فحبسوا للحساب لما منعوه، فأما من أدى حقوق الله في ماله فإنه لا يحبس عن الجنة إلا أنهم قليل إذا أكثر شأن أهل المال تضييع حقوق الله تعالى فيه لأنه محنة وفتنة ألا ترى إلى قوله: «وكان عامة من دخلها المساكين وهذا يدل على أن الذين يؤدون حقوق الله في المال ويسلمون من فتنة هم الأقلون اهـ.
وقيل إنهم محبوسون لتسبقهم الفقراء بخمسمائة عام كما ورد ذلك في الحديث، ثم هو في بعض النسخ مضبوط بنصب أصحاب فيقدر له فعل عام فيه: أي ورأيهم وبالواو في محبوسون فيكون ذلك على تقدير مبتدأ فيكون استئنافاً بيانياً، كأن سائلاً يسأله عن شأن أصحاب الجد فأجاب بأنهم محبوسون ( غير) بالنصب وفي رواية إلا ( أن أصحاب النار) أي المستحقون لها بكفر أو معاصي من أصحاب الجد ( قد أمر بهم إلى النار) والجملة مضاف إليها إذا الفجائية ( وقعت على باب النار) فكشف لي عن أهلها ( فإذا عامة من دخلها) مبتدأ خبره النساء هذا باعتبار أول الأمر فلا ينافي خبر «يمشي الرجل من أهل الجنة: أي يأوي على ثنتين وسبعين زوجة، ثنتان من بني آدم، وسبعون من الحور العين» لأن هذا باعتبار الآخرة، فالنساء أكثر أهل النار ابتداء وأكثر أهل الجنة انتهاء ( متفق عليه) فأخرجه البخاري في «صحيحه» في بابي النكاح والرقاق ومسلم في آخر كتاب الدعوات،وأخرجه أحمد والنسائي في عشرة النساء، واستدل بحديث الباب على فضل الفقر على الغنى.
وتعقب بأنه ليس فيه أكثر من بيان أن الفقراء في الجنة أكثر من الأغنياء، وليس فيه أن الفقر أدخلهم الجنة إنما دخلوها بصلاحهم مع الفقر، فالفقير إذا لم يكن صالحاً لا فضل فيه.
قال العلقمي: ظاهر الحديث التحريض على ترك التوسع من الدنيا، كما أن فيه تحريضاً على الأغنياء بأمر الدين لئلا يدخلوا النار اهـ.
( والجد بفتح الجيم) وتشديد الدال المهملة ( الحظ والغنى) ويطلق على أبي الأب وعلى أبي الأم وعلى العظمة ومنه «تعالى جد ربنا» وعلى القطع وفي «القاموس» أنه يطلق أيضاً على الرجل العظيم الحظ وعلى الرزق وعلى شاطىء النهر اهـ.
أما الجد بالكسر فالاجتهاد ( قوله محبوسون: أي لم يؤذن لهم بعد في دخول الجنة) إما لوقوفهم للحساب وإما ليسبقهم إليها صالحو الفقراء كما تقدم.


رقم الحديث 259 (وعن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي قال: لم يتكلم في المهد إلا ثلاثة) قال الزركشي: أي من بني إسرائيل، وإلا فقد تكلم في المهد جماعة غيرهم ففي مسلم في قصة أصحاب الأخدود «أن امرأة جيء بها لتلقى في النار لتكفر ومعها صبيّ مرضع فتقاعست، فقال: يا أماه اصبري فإنك على الحق» قلت: وقد تقدم الحديث والكلام عليه في باب الصبر قال: ولأحمد والحاكم من حديث ابن عباس مرفوعاً: «تكلم في المهد أربعة، فذكر منهم شاهد يوسف وابن ماشطة فرعون لما أراد فرعون إلقاء أمه في النار فقال اصبري» .
وأخرج الثعلبي عن الضحاك أن يحيى تكلم في المهد، وفي تفسير البغوي أن إبراهيم الخليل تكلم في المهد، وفي سير الواقدي أن نبينا تكلم في أوائل ما ولد.
وقد تكلم في زمنه مبارك اليمامة وهو طفل وقصته في الدلائل للبيهقي.
قالالحافظ في «فتح الباري» : على أنه اختلف فيشاهد يوسف، فقيل كان صغيراً، وهذا أخرجه ابن أبي حاتم عن ابن عباس وسنده ضعيف، وبه قال الحسن وابن جبير، وأخرج عن ابن عباس أيضاً ومجاهد أنه كان ذا لحية، وعن قتادة والحسن أيضاً أنه كان حكيماً من أهلها اهـ.
قال السيوطي في «التوضيح» بعد ذكر ما ذكر: فكملوا عشرة، وقد نظمها في أبيات وقد تقدمت عنه في باب الصبر، وقد نظمت أسماءهم بقولي: تكلم في المهد طه كذا خليل ويحيى وعيسى ومريم وشاهد يوسف مبري جريج وطفل لدى النار لما تضرم وطفل ابن ماشطة قد عدت لفرعون فيما مضى من أمم وطفل عليه أتوا بالأمه يقولون تزني ولما تكلم كذلك في عهد خير الورى مباركهم وبه يختتم (عيسى) اسم عبراني، وزعم أنه مأخوذ من العيس أحد ألوان الإبل لحمرة فيه رده البيضاوي في تفسير سورة آل عمران بأنه تكلف لا دليل عليه (ابن مريم) إذ قال وهو في المهد كما أخبر الله عنه «إني عبد ا» الآية (وصاحب جريج) بجيمين مصغر (وكان جريج رجلاً عابداً) وكان في أول أمره تاجراً، وكان يزيد مرة وينقص أخرى فقال: ما في هذه التجارة خير لألتمس تجارة في خيرمن هذه/ فبنى صومعة وترهب فيها كذا في رواية أحمد، فدل ذلك على أنه كان بعد عيسى ومن أتباعه، لأنهم الذين ابتدعوا الترهيب وحبس النفس في الصوامع (فاتخذ صومعة) بفتح المهملة والميم وسكون الواو بينهما: وهي البناء المرتفع المحدد أعلاه ووزنها فوعلة من صمعت: إذا دققت لأنها دقيقة الرأس (فكان فيها) بعبد الله مؤثراً للخلوة والعزلة (فأتته أمه) قال الحافظ في «فتح الباري» : لم أقف في شيء من الطرق على اسمها (وهو يصلي) حالية من ضمير المفعول مقرونة بالواو والضمير معاً (فقالت: يا جريج) زاد في رواية أحمد «أشرف عليّ أكلمك أنا أمك» وفي حديث عمران بن حصين «وكانت أمه تأتيه فتناديه فيشرف عليها فتكلمه، فأتته يوماً وهو في صلاته» (فقال: أي)بفتح الهمزة وسكون اليا لنداء القريب وهو تعالى أقرب من كل قريب بعلمه وكرمه وفي نسخة بدل: أي يا (ربّ أمي وصلاتي) أي اجتمع على إجابة أمي وإتمام صلاتي فوفقني لأفضلهما، زاد في رواية الأعرج عند الإسماعيلي «أوثر صلاتي على أمتي، ذكره ثلاثاً» (فأقبل على) إتمام (صلاته، فانصرفت) ذلك اليوم (فلما كان) أي جريج في زمان (من العد) اليوم الذي بعد ذلك اليوم الأول (أتته أمه وهو يصلي فقالت: يا جريج، فقال: أي ربّ أمي وصلاتي، فأقبل على صلاته) في اليوم الثاني أيضاً (فلما كان من الغد) أي لليوم الثاني وهو الثالث (أتته فقالت: يا جريج، فقال: يا) وفي نسخة مصححة أي (ربّ أمي وصلاتي فأقبل على صلاته) قال الحافظ في «فتح الباري» : وكل ذلك أي الكلام الوارد عنه في الصلاة محمول على أنه قاله في نفسه: أي أو ما في معناه من تحريك اللسان من غير أن يسمع نفسه ولم يتحرك لسانه ثلاث حركات متوالية لا أنه نطق به: أي وأسمع نفسه وهو صحيح السمع سالم من اللغط ونحوه.
قال: ويحتمل أن يكون نطق به على ظاهره لأن الكلام كان مباحاً عندهم وكذا في صدر الإسلام.
قال: وقد سبق حديث يزيد بن حوشب عن أبيه رفعه «لو كان جريج عالماً لعلم أن إجابته أمه أولى من صلاته» اهـ.
(فقالت: اللهم لاتمته) بضم الفوقية الأولى (حتى ينظر إلى وجوه المومسات) وفي رواية للأعرج وأبي سلمة عن أبي هريرة حتى ينظر في وجوه المياميس» وفي حديث عمران بن حصين «فغضبت وقالت: اللهم لا يموتنّ جريج حتى ينظر في وجوه المومسات» (فتذاكر بنو إسرائيل جريجاً وعبادته وكانت امرأة بغيّ) أي زانية، قال العكبري: في وزنه وجهان: فقيل فعول فأعل إعلال صبيّ ولذا لم يلحق الثناء كما لا يلحق في امرأة صبور وشكور، وقيل فعيل بمعنى فاعل، ولم تلحقه التاء أيضاً لأنها للمبالغة أو لأنه على النسب مثل طالق وحائض ملخصاً، وتقدم فيه مزيد في باب طرق الخير (يتمثل بحسنها) بضم التحتية وفتح الفوقية وتشديد المثلثة بعد الميم: أي يضرب بحسنها لكماله المثل (فقالت: إن شئتم لأفتننه) في رواية وهب بن جرير بن حازم عن أبيه عند أحمد زيادة «فقالوا قد شئنا» قال الحافظ: ولم أقف على اسم هذه المرأة لكن في حديث عمران بن حصين أنها كانت بنت ملك القرية، وفي رواية الأعرج «وكان يأوي إلى صومعته راعيةترعى الغنم» ونحوه في رواية أبي رافع عند أحمد، وفي رواية أبي سلمة «وكان عند صومعته راعي ضأن وراعية معز» ويمكن الجمع بين هذه الروايات بأنها خرجت من دار أبيها بغير علم أهلها متنكرة وكانت تعمل الفساد إلى أن ادعت أنها تستطيع أن تفتن جريجاً فاحتالت بأن خرجت في صورة راعية ليمكنها أن تأوي إلى ظلّ صومعة جريج (فتعرضت له فلم يلتفت إليها) لعلمه بما يترتب على النظر إلى حسان الصور من الضرر (فـ) ـلما لم يفتتن ووعدتهم بذلك منه ولم تقدر عليه (أتت راعياً كان يأوي إلى صومعته) أي صومعة جريج (فأمكنته من نفسها) لتحمل فتنسبه إلى جريج فتصدق نفسها فيما وعدت به من فتنته وا كافي عبده المتوجه إليه (فوقع عليها) أي جامعها (فحملت فلما ولدت) أي بعد انقضاء مدة حملها على العادة (قالت: هو من جريج) فيه حذف تقديره: فسئلت ممن هو؟ فقالت من جريج.
زاد في رواية أحمد «فأخذت وكان من زنى منهم قتل، فقيل لها: ممن هذا؟ فقالت: من من صاحب الصومعة وفي رواية الأعرج «فقيل لها من صاحبك؟ قالت: جريج الراهب نزل إليّ فأصابني» زاد أبو سلمة في رواية «فذهبوا إلى الملك فأخبروه فقال: أدركوه فأتوني به (فأتوه فاستنزلوه وهدموا صومعته) وفي رواية أبي رافع «فأقبلوا بفؤوسهم ومساحيهم إلى الدير فنادوه فلم يكلمهم فأقبلوا يهدمون ديره» وفي رواية حديث عمران «فما شعر حتى سمع الفؤوس في أصل صومعته، فجعل يسألهم: ويلكم ما لكم؟ فلم يجيبوه، فلما رأى ذلك أخذ الحبل فتدلى» (وجعلوا يضربونه) وفي رواية أبي رافع: «فقالوا: أي جريج انزل فأتى يقبل على صلاته فأخذوا في هدم صومعته، فلما رأى ذلك نزل فجعلوا في عنقه وعنقها حبلاً فجعلوا يطوفون بهما في الناس» وفي رواية أبي سلمة: «فقال له الملك: ويحك يا جريج كنا نراك خير الناس فأحبلت هذه، اذهبوا به فاصلبوه وفي حديث عمران «فجعلوا يضربونه ويقولون: مرائي تخادع الناس بعملك» وفي رواية الأعرج «فلما مرّ نحو بيت الزواني ضحك، فقالوا: لِمَ تضحك؟ حتى من الزواني؟» (فقال: ما شأنكم فقالوا: زنيت بهذه البغيّ فولدت) بفتح اللام (منك قال: أين الصبيّ، فجاءوا به) أي أحضروه (فقال: دعوني) أي من السب والضرب (حتى أصلي) ففيه اللجأ إلى الصلاة عند الكرب.
B وفي الحديث «كان إذا حزنه أمر بادر إلى الصلاة» أورده السيوطي في سورة البقرة منالجلالين ولم يعزه لمخرج ولا عين صحابيه.
قال الحافظ ابن حجر في تخريج أحاديث «الكشاف» : رواه الطبراني في «تفسيره» من تفسير حذيفة بهذا اللفظ أخرجه أحمد وأبو داود عن حذيفة بلفظ «كان إذا حزبه أمر صلى» وأخرجه البيهقي في قصة الخندق مطولاً اهـ.
(فصلى) ركعتين كما في حديث عمران وعند وهب بن جرير فقام وصلى ودعا (فلما انصرف) أي من صلاته (أتى الصبي فطعن في بطنه) قال الحافظ في مرسل الحسن عن ابن المبارك في البرّ والصلة أنه سألهم أن ينظروه فأنظروه فرأى في المنام من أمره أن يضرب في بطن امرأة فيقول أيتها السخلة من أبوك؟ ففعل (فقال: يا غلام من أبوك؟ قال: فلان الراعي) في رواية أبي رافع «ثم مسح رأس الصبي فقال: من أبوك؟ قال: راعي الضأن» وفي روايته عند أحمد «فوضع أصبعه على بطنها» وفي رواية أبي سلمة «فأتى بالمرأة والصبيّ وفمه في ثديها فقال له جريج: يا غلام من أبوك؟ «فنزع الغلام فاه من الثدي وقال: راعي الضأن» قال الحافظ: ولم أقف على اسم الراعي، ويقال إن اسمه صهيب، وأما الابن ففي رواية البخاري بلفظ فقال «يا بابوس» وتقدم شرحه وأنه ليس اسمه وإنما المراد به الصغير، وفي حديث عمران « ثم انتهى إلى شجرة فأخذ منها غصناً ثم أتى الغلام وهو في مهده فضربه بذلك الغصن فقال: من أبوك؟» وفي «تنبيه الغافلين» للسمرقندي بغير إسناد «أنه قال للمرأة: أين أصبتك؟ قالت: تحت الشجرة، فأتى تلك الشجرة فقال لها: يا شجرة أسألك بالذي خلقك: من زنا بهذه المرأة؟ فقال كل غصن منها راعي الغنم» ويجمع بين هذا الاختلاف بوقوع جميع ما ذكر من مسح رأس الصبي ووضع الأصبع على بطن أمه ومن طعنه بأصبعه ومن ضربه بطرف العصى التي كانت معه وأبعد من جمع بينهما بتعدد القصة وأنه استنطقه وهو في بطنها مرة قبل أن تلد ثم استنطقه بعد أن ولد اهـ.
(فأقبلوا على جريج يقبلونه ويتمسحون به) عند وهب بن جرير «فوثبوا إلى جريج فجعلوا يقبلونه» وزاد «الأعرج» فأبرأ الله جريجاً وأعظم الناس أمر جريج (وقالوا نبني لك صومعتك) أي ما هدمناه منها كما في رواية أبي رافع (من ذهب؟ قال: لا، أعيدوها من طين كما كانت ففعلوا) زاد في رواية أبي سلمة «فرجع إلى صومعته فقالوا: با مم ضحكت؟ فقال: ما ضحكت إلا من دعوة دعتها عليّ أمي» وفي الحديث إيثار إجابة الأم على صلاة التطوع لأن الاستمرار فيها نافلة، وإجابة الأم وبرّها واجب.
قال المصنف وغيره: إنما دعت عليه لأنهان يمكنه تخفيف صلاته وإجابتها، لكن لعله خشي أن تدعوه إلى مفارقة صومعته والعود إلى الدنيا تشتاق إليه فتزوره وتقنع برؤيته وتكليمه، وكأنه إنما لم يخفف ويجيبها لأنه خشي أن ينقطع خشوعه.
وتقدم حديث يزيد بن حوشب عن أبيه مرفوعاً «لو كان جريج فقيهاً لعلم أن إجابة أمه أولى من عبادة ربه» أخرجه الحسن بن سفيان.
وهذا إذا احتمل إطلاقه استفيد منه إجابة أمه أولى من عبادة ربه» أخرجه الحسن بن سفيان.
وهذا إذا احتمل إطلاقه استفيد منه جواز قطع الصلاة مطلقاً لإجابة نداء الأم فرضاً كانت أو نفلاً، وهو وجه في مذهب الشافعي حكاه الروياني.
والأصح عند الشافعية أن الصلاة إن كانت نفلاً وعلم تأذى الوالد بالترك وجبت الإجابة وإن كانت فرضاً وضاق الوقت لم تجب الإجابة وإن لم يضق وجب عند إمام الحرمين وخالفه غيره لأنها تلزم بالشروع.
وعند المالكية أن إجابة الوالد أفضل من التمادي.
وحكى القاضي أبو الوليد أن ذلك يختص بالأم دون الأب.
وعند ابن أبي شيبة مرسل عن محمد بن المنكدر ما يشهد له، وقال به مكحول.
وقيل إنه لم يقل به من السلف غيره.
وفي الحديث أيضاً عظم برّ الوالدين وإجابة دعائهما ولو كان الولد معذوراً لكن يختلف الحال في ذلك بحسب المقاصد.
وفيه الرفق بالتابع لأن أم جريج مع غضبها منه لم تدع عليه إلا بما دعت به خاصة، ولولا طلبها الرفق بالتابع لأن أم جريج مع غضبها منه لم تدع عليه إلا بما دعت به مع الله لا تضرّه الفتن.
وفيه قوّة يقين جريج وصحة رجائه بنطق ما استنطقه، وفيه أن الله يجعل لأوليائه مخارج عند ابتلائهم وإنما يتأخر ذلك عن بعضهم في بعض الأوقات تهذيباً وزيادة في الثواب، وفيه إثبات كرامات الأولياء ووقوع الكرامة لهم باختيارهم وطلبهم، وفيه أن الوضوء لا يختص بهذه الأمة خلافاً لمن زعم ذلك وإنما الذي يختص بها الغرّة والتحيل في الآخرة اهـ.
ملخصاً من «الفتح» (وبينما) أصله بين فأشبعت الفتحة فتولدت الألف وكفت عن اضافته للمفرد وأضيف للجمل (صبي يرضع من أمه) قال الحافظ: لم أقف على اسم الصبيّ ولا على اسم أمه ولا على اسم أحد ممن ذكر في القصة المذكورة (فمر رجل) في رواية خلاس عن أبي هريرة عند أحمد «فارس متكبر» (راكب على دابة فارهة وشارة) بفتح الراء وسيأتي ضبطها وضبط الفارهة ومعناهما في الأصل (حسنة) أي منظر أبهى وملبس سنيّ (فقالت أمه: اللهم اجعل ابني مثل هذا فترك الثدي) بفتح المثلثة وسكون الدال المهملةوتخفيف الياء قال في «الصحاح» يذكر ويؤنث وهي للمرأة والرجل أيضاً/ والجمع أثد وثدىً على فعول وثدي أيضاً بكسر المثلثة اتباعاً لما بعدها من الكسر اهـ.
وفي «التهذيب» للمصنف مثله.
ثم نقل عن ابن فارس اختصاص الثدي بالمرأة ويقال لذلك من الرجل ثندوة بفتح الثاء بلا همز وثندؤة بالضم والهمز فأشار إلى تخصيصه وقد ثبت في الحديث الصحيح «أن رجلاً وضع ذاب سيفه بين ثدييه» (وأقبل إليه ونظر إليه) أي معتبراً لحاله بالسرّ الذي ألهمه الله إياه (فقال: اللهم لا تجعلني مثله) أي في الجبروت والتكبر وإن كان حسناً في المنظر فلا مدار على حسن الصورة بل على نور الباطن وأنوار السريرة (ثم أقبل على ثديه) يرضعه (فجعل يرتضع) ومرّوا وفي باب بدء الخلق من البخاري ومرّ بالمبني للمجهول (بجارية وهم يضربونها) وعند البخاري بأمة وعند أحد تضرب.
قال الحافظ: وقع في رواية خلاس أنها كانت حبشية أو زنجية.
وفي رواية الأعرج عن أبي هريرة عند البخاري «يجرراها» بجيم مفتوحة وتشديد الراء الأولى ويلعب بها وهو معنى قوله في رواية البخاري «فجروّها حتى ألقوها» (ويقولون: زنيت وسرقت) بكسر التاء فيهما للواحدة المخاطبة (وهي تقول حسبي ا) أي بحسبي أي كافيّ (و) هو (نعم الوكيل) وتقدم بسط فيها أوائل الكتاب، اكتفت بهذا الذكر عن تبرئتها لنفسها ونفي ما رموها به من الزنا والسرقة علماً بأن من اعتمد على مولاه كفاه ما أهمه من أمر دنياه وأخراه قال تعالى: { ومن يتوكل على الله فهو حسبه} (الطلاق: 3) وتقدم في باب اليقين والتوكل عن ابن عباس حديث كان آخر قول إبراهيم حين ألقي في النار: حسبي الله نعم والوكيل (فقالت أمه) لقصر نظرها على الظاهر (اللهم لا تجعل ابني مثلها) أي في كونه حقيراً يضرب لفعل السوء (فترك) الابن (الرضاع ونظر إليها) فألهمه الله أنها بريئة مما رميت به ومظلومة فيما يفعل بها (فقال: اللهم اجعلني مثلها) أي في البراءة من مزاولة المعاصي والوقوع فيها لا مثلها في الاتهام بما لم أفعل لأنه من باب تمني البلاء وهو منهيّ عنه كما في خبر «لا تمنوا لقاء العدوّ» الحديث (فهنالك) أي في ذلك الحال (تراجعا الحديث) أي سألته عنسبب مخالفته لها (فقالت) مخاطبة له لما صدر منه من المعارضة والمخالفة لها (مرّ رجل حسن الهيئة) هو بمعنى قوله في رواية السابقة راكب دابة فارهة وشارة حسنة (فقلت) اللهم اجعل ابني مثله) حسن المنظر جميل الهيئة (فقلت) بفتح التاء ضمير المخاطب (اللهم لا تجعلني مثله ومروا بهذه الأمة) لعلها كانت بالقرب لم تبعد حال كلامها معه وإن كانت قد ذهبت.
فالإتيان باسم الإشارة الموضوع للقريب لقرب القصة بالنسبة لما قبلها (وهم يضرونها ويقولون زنيت وسرقت.
فقلت: اللهم لا تجعل ابني مثلها.
فقلت: اللهم اجعلني مثلها) فأجابها ببيان سبب ذلك (قال) وهو استئناف بياني كأنه قيل: ماذا قال الصبي عند قول أمه له ما ذكر؟ فقال قال: (إن ذلك الرجل كان جباراً) .
وفي رواية أحمد «يا أماه أما الراكب ذو الشارة فجبار من الجبابرة» وفي رواية الأعرج «فكأنه كافر» في «مختصر القاموس» «الجبار الله تعالى» وكل عات وقلب لا تدخله الرحمة والقتال في غير حق والعظيم القوي الطويل جبار اهـ.
وظاهر أنه محتمل هنا لكل المعاني الأخيرة لاحتمال أنه موصوف بكل منها (فقلت: اللهم لا تجعلني مثله) في الجبروت فإنه سبب للقصم والهلاك في الدين (وإن هذه) أي الأمة الحاضرة أو التي في معنى الحاضرة لقرب قصتها (يقولون) أي لها (زنيت و) هي (لم تزن) فهي في محل الحال على تقدير المبتدأ أو معترضة بين المتعاطفين لتبرئتها مما رميت به (و) يقولون (سرقت) بكسر الفوقية فيه وفيما قبله (ولم تسرق) ويجوز كونها معترضة أيضاً إن وقوع الجملة المعترضة في آخر الكلام كما أشار إليه القاضي البيضاوي في «التفسير» في نظيره (فقلت: اللهم اجعلني مثلها) أي في السلامة من الذنب والبراءة من وصمته: قال الحافظ في «الفتح» : في الحديث أن نفوس أهل الدنيا تقف مع الخيال الظاهر فتعاف سوء الحال، بخلاف أهل التحقيق فوقوفهم مع الحقيقة في الباطن فلا يبالون بذلك مع حسن السريرة كما قال تعالى حكاية عن أصحاب قارون حيث خرج عليهم { قالوا يا ليت لنا مثل ما أوتي قارن ... وقال الذين أوتوا العلم ويلكم ثواب الله خير} (القصص: 79، 8) وفيه أن البشر طبعوا على إيثار الأولاد على النفس بالخير لطلبالمرأة الخير لابنها ودفع الشرّ عنه ولم تذكر نفسها (متفق عليه) قال الحافظ في باب بدء الخلق من «فتح الباري» : حديث أبي هريرة عن جرير، ورواه عنه محمد بن سيرين كما هنا وفي باب المظالم.
ورواه عنه الأعرج كما في أواخر الصلاة أو أبو رافع عند مسلم وأحمد وأبو سلمة وهو عند أحمد، ورواه عن النبي مع أبي هريرة عمران بن حصين اهـ.
قال الحافظ المزي في «الأطراف» : أخرجه مسلم في الاستئذان عن شيبان بن فروخ عن سليمان بن المغيرة عن حميد بن هلال عن ثابت البناني عن أبي رافع عن أبي هريرة، وتعقبه الحافظ في «النكت الظراف» بأنه لم يخرجه في الاستئذان إنما هو في البرّ والصلة وقد اعترض مغلطاي على المزي فقال: عزا هذا ظناً للاستئذان.
وعزى حديث مسلم من رواية جرير بن حازم عن محمد بن سيرين عن أبي هريرة للأدب والواقع إنما في مسلم في موضع واحد يعني إن كان الاستئذان من جملة الأدب فينبغي أن يقول فيهما إما الاستئذان وإما الأدب، وكتاب الأدب قبيل كتاب البرّ والصلة وبينهما الرؤيا ثم المناقب، فإن كان الذي يعبر عن الصلة والبر بالأدب فكان ينبغي أن يقول الأدب اهـ.
(المومسات بضم الميم الأولى وإسكان الواو وكسر الميم الثانية وبالسين المهملة وهن الزواني) ويجمع في التكسير على مواميس (والمومسة الزانية) وفي «الصحاح» : المومسة الفاجرة وهم أعم من قوله هنا الزانية إلا أن يكون مراداً منه ذلك (وقوله دابة) بالجرّ على الحكاية وإن كانت لكونها في غير الاستفهام شاذة ويجوز الرفع ومن أولى (فارهة بالفاء) والراء والهاء وبعدها تاء التأنيث (أي حاذقة نفيسة) وفي «الصحاح» الفاره الحاذق بالشيء اهـ.
وكأنه أخذ النفاسة من مقام المدح وأنه لازم الحذف عادة (والشارة بالشين المعجمة وتخفيف الراء: وهي الجمال الظاهر في الهيئة والملبس) زاد في «فتح الباري» حتى يتعجب منه وعليه فيقدر في الحديث مضاف: أي وذو شارة حسنة.
وقد جاء في رواية البخاري إذ مرّ بها راكب ذو شارة، قال في «الفتح» : أي صاحب جيش اهـ.
وعليه فيكون من حذف الجار وإبقاء عمله: أي وفي شارة حسنة ووصفها عليه بالمؤنث باعتبار لفظ شارة (ومعنى) تراجعا الحديث: أي (تراجع الصبي وأمه) حديث الصبي وحديثها الأنسب تقديم حديثها على حديثه وكان تأخيره لشرف الذكر (والله أعلم) .
3

رقم الحديث -33 بفتحات جمع ضعيف، قال ابن هشام في «التوضيح» : فعلة بفتحتين وهو شائع في وصف المذكر العاقل، الصحيح اللام كامل وكملة وساحر وسحرة اهـ.
ففيه إيماء إلى ندور ما نحن فيه من جمع ضعيف على ضعفة، وقد بين وجه جماعة عليه في «المصباح» فقال: هو ضعيف والجمع ضعفاء وضعاف أيضاً، وجاء أيضاً ضعفة وضعفي.
قال: ولوحظ في ضعيف معنى فاعل فجمع على ضعاف وضعفة مثل كافر وكفرة اهـ.
وفي شرح أبيات الجمل لابن السيد: وجاز أن يكسر فعيل على فعلة من حيث إن فعيل وفاعل يشتركان في المعنى الواحد فيقال عليم وعالم وقدير وقادر، فاشتركا في جمعهما كما اشتركا في مفردهما: وكما قالوا عالم وعلماء وشاعر وشعراء، وباب فعلاء في الجمع إنما لفعيل نحو حكيم وحكماء وبصير وبصراء اهـ: أي فضل ضعفاء ( المسلمين و) فضل ( الفقراء) من الدنيا ( والخاملين) الذكر فيها وإن لم يكونوا فقراء.
( قال الله تعالى: { واصبر نفسك} ) احبسها وثبتها ( مع الذين يدعون ربهم بالغداة والعشيّ) أي في مجامع أوقاتهم أو في طرفي النهار وقرىء «بالغدوة» وفيه أن غدوة علم في الأكثر فاللام فيه على تأويل التنكير، وأصل غداة بالفتح غدوة بوزن ضربة فنقلت حركة الواو إلى الدال واعتلت كإعلال أقام ( يريدون وجهه) أي رضا الله وطاعته وسيأتي بسط ذلك في معنى الآية في أثناء الكلام على حديث سعد في الباب بعده عن القرطبي ( { ولا تعد عيناك عنهم} ) ولا يجاوزهم نظرك إلى غيرهم، وتعديته بعن لتضمينه معنى نبا، وقرىء: «ولا تعد عينيك» ولا تعد من أعداه وعداه، والمراد نهى الرسول عليه الصلاة والسلام أن يزدرى بفقراء المؤمنين ويغلق عينيه عن رثاثة زيهم طموحاً إلى طراوة زي الأغنياء.
قال الكواشي: قال قوم من رؤساء الكفار لرسول الله: نحّ هؤلاء الموالي الذين كأنّ ريحهم ريح الصنان وهم صهيب وعمار وغيرهما من فقراء المسلمين حتى نجالسك.
فنزلت هذه الآية اهـ.