فهرس الكتاب

دليل الفالحـــين - باب العفو عن لغو اليمين وأنَّه لا كفارة فِيهِ، وَهُوَ مَا يجري عَلَى اللسان بغير قصد اليمين

رقم الحديث -315 باب العفوعن لغو اليمين وأنه لا كفارة فيه وهو أي: لغو اليمين عند إمامنا الشافعي وأصحابه: ( ما يجري على اللسان بغير قصد اليمين) وكذا ما تكلم به جاهلاً لمعناه، كما قال البيضاوي، وذهبت الحنفية إلى أنه الحلف على ما يظن أنه كذلك، ولم يكن ( كقوله على العادة لا والله وبلى والله ونحو ذلك) من الألفاظ التي يعتاد الحلف بها، إذا صدرت من غير قصد اليمين.
( قال الله تعالى لا يؤاخذكم الله باللغو في أيمانكم) أي: إذا حنثتم أو بنكث اللغو ( ولكن يؤاخذكم بما عقدتم الأيمان) بما وثقتم الأيمان عليه بالقصد والنية، والمعنى ولكن يؤاخذكم بما قدمتم، إذا حنثتم، أو ينكت ما عقد ( فكفارته) أي: كفارة نكثه أي: الفعلة التي تذهب إثمه وتستره ( إطعام عشرة مساكين من أوسط ما تطعمون أهليكم) من اقصده في النوع والقدر، وهو مد لكل مسكين عندنا.
ومحله النصب صفة لمفعول محذوف، تقديره أن تطعموا عشرة مساكين، طعاماً من أوسط ما تطعمون، أو الرفع على البدل من إطعام.
وقرىء "أهاليكم" بسكون الياء، على لغة من يسكنها في الأحوال الثلاث، كالألف.
وهو جمع أهل، كالليالي في جمع ليل.
( أو كسوتهم) عطف على إطعام، أو من أوسط أن جعل بدلاً وقرىء بضم الكاف وهو كعروة.
وقرىء كأسوتهم، بمعنى أو كمثل ما تطعمون أهليكم إسرافاً أو تقتيراً تساوون بينهم وبينكم، إن لم تطعموهم الأوسط.
والكاف في محل الرفع، وتقديره أو إطعامهم كأسوتهم ( أو تحرير رقبة) أي: إعتاق إنسان، ومعنى "أو" إيجاب إحدى الخصال الثلاث مطلقاً، وتخيير المكلف في التعيين ( فمن لم يجد) أي: واحداً منها ( فصيام ثلاثة أيام) أي: فكفارته صيامها ( ذلك) أي: المذكور ( كفارة أيمانكم إذا حلفتم) أي: وحنثم ( واحفظوا أيمانكم) بأن تصونوها ولا تبذلوها لكل امر، أو بأن تبروا فيها ما استطعتم ولم يفت بها خير، وبأن تكفروها إذا حنثتم.


رقم الحديث 1719 ( وعن عائشة رضي الله عنها قالت: أنزلت هذه الآية) وعطفت عليها عطف بيان قولها ( لا يؤاخذكم الله باللغو في أيمانكم) ( في قول الرجل) أي: الإِنسان، وخص لأنه الأشرف؛ ( لا والله وبلى والله) مما جرت عادة الإِنسان بالإِتيان به في كلامه، من غير قصد لتحقق اليمين ( أخرجه البخاري) قال السيوطي في الدر المنثور: أخرجه مالك في الموطأ ووكيع والشافعي في الأم وعبد الرزاق، وعبد بن حميد، وابن المنذر، وابن أبي حاتم، وابن مردويه والبيهقي في سننه من طرق، وفي الدر أخرج أبو داود وابن جرير وابن حبان وابن مردويه والبيهقي، من طريق عطاء بن أبي رباح: أنه سئل عن اللغو في اليمين فقال: قالت عائشة إن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "هو كلام الرجل في يمينه كلا والله وبلى والله" ثم أخرج في الدر آثاراً أخر عن عائشة كذلك، موقوفة عليها.
قال: وأخرج أبو الشيخ من طريق عطاء عن عائشة وابن عباس وابن عمرو، أنهم كانوا يقولون: اللغو لا والله وبلى والله.
وأخرج ابن أبي حاتم والبيهقي عن عائشة أنها كانت تتأول هذه الآية ( لا يؤاخذكم الله باللغو في أيمانكم) وتقول: هذا الشيء يحلف عليه أحدكم لا يريد منه إلا الصدق، فيكون على غير ما حلف عليه.
باب كراهة أن يسأل الإِنسان بوجه الله غير الجنة أي: فإنه عظيم فلا ينبغي أن يسأل إلا ما كان كذلك من الجنة، التي هي دار الأحباب، والنظر إلى وجه الله الكريم ورضوانه، والرضوان الذي هو أشرف ما أعطوه ( وكراهة منع من سأل بالله تعالى شيئاً) من الأمور الدنيوية، وإن ارتكب مكروهاً بسؤاله ذلك بوجه الله تعالى ( و) من ( تشفع به) أي: بالله تعالى وجعله وسيلة إلى المسئول منه متشفعاً به إليه.