فهرس الكتاب

دليل الفالحـــين - باب آداب النَوم والاضْطِجَاع وَالقعُود والمَجلِس وَالجليس وَالرّؤيَا

رقم الحديث -127 هو غشية ثقيلة تهجم على القلب فتقطعه عن المعرفة بالأشياء ولذا قيل هو آفة لأن النوم أخو الموت، وقيل النوم مزيل للقوة والعقل، وقيل مغط لهما، أما السنة ففي الرأس والنعاس في العين.
قيل السنة هي النعاس، وقيل هي ريح النوم تبدو في الوجه ثم تنبعث إلى القلب فينعس الإنسان فينام، كذا في «المصباح» مع زيادة حكاية أنه مغط للعقل قال الفقهاء: الجنون يزيل العقل، والسكر والإغماء يغلبانه، والنوم يستره، وعلامة النوم الرؤيا، وعلامة النعاس سماع كلام الحاضرين وإن لم يفهم معناه ( و) آداب ( الاضطجاع) افتعال من الضجع: أي وضع الجنب بالأرض وأبدلت التاء طاء دفعاً للنقل.


رقم الحديث 814 ( عن البراء بن عازب رضي الله عنهما قال: كان رسول الله إذا أوى) بالقصر أي انضم ( إلى فراشه) بكسر الفاء أي مفروشة ( نام على شقه الأيمن) وهو أنفع ما يكون بالقلب وأسرع لانتباه النائم لتعلق القلب وعدم انغماره بالنوم ( ثم قال) لعل ثم فيه مستعارة في محل الفاء أو على ما بها والمراد أنه يقول قبل هذا الذكر بعد الاضطجاع أذكار آخر ثم يأتي بهذا ( اللهم أسلمت نفسي إليك) أي تركتها مسلمة إليك من غير تعرض مني لما يرد إليها منك كما هو حق السيد على عبده وليكون صادقاً عند إرادة ذلك بقلبه وإلا أدركه لكذبه المقت ( ووجهت وجهي إليك) أي ذاتي وكنى به عنه لأنه أشرف ما في الإنسان إذهو محل الصورة التي بها تمايز الجمال، قال «الصورة في الرأس فإذا قطع الرأس فلا صورة» أخرجه الإسماعيل في «معجمه» من حديث ابن عباس كما في «الجامع الصغير» ومعنى كونها في الرأس: أي بالقرب منه ( وفوضت) أي سلمت ( أمرى إليك) ومن فوّض أمره إلى مولاه كفاه ( وألجأت ظهري إليك) أي أرجعته إليك وجعلته راجعاً بين يديك فلا ملجأ منك إلا إليك ( رغبة) بالغين المعجمة مفعول له: أي طمعاً في ثوابك ( ورهبة) إسكان الهاء وفتحها معطوف على ما قبله: أي خوفاً من عقابك ( إليك) قيل إنه متعلق برهبة ومتعلق رهبة محذوف، وقيل بل كلاهما تنازعاه: أي نحن في حالتيهما نلجأ إليك لا إلى غيرك، وقيل بل هو بطريق اللفّ والنشر المرتب كما سبق عن الطيبي ( لا ملجأ) بهمزة مفتوحة أي مستند ( ولا منجا) أصله بترك الهمز لكن لما جمعا جاز أن يهمز ازدواجاً لما قبله، وجاز قراءتهما بالألف اللينة من غير همز لما ذكر، وجاز إبقاء كل على حاله، ويجوز التنوين مع القصر ( منك) تنازعه ما قبله إن كانا مصدرين ( إلا إليك) أي لا مستند ولا نجاة منك إلى أحد إلا إليك والجملة مستأنفة لما قبلهما استئنافاً بيانياً ( آمنت) أي صدقت ( بكتابك الذي أنزلت) أي بجنس الكتاب المنزل منك إلى الأنبياء وبالكتاب المعهود: أي القرآن والإيمان به ليستلزم الإيمان بكل كتاب ( ونبيك) كذا في الأصول من «الرياض» بحذف الجار وهو في الأدعية من البخاري بلفظ وبنبيك بإعادة الجار ( الذي أرسلت) أي إلى كافة الخلائق كما يؤذن به حذف المعمول وقد تقدم الحديث مع «شرحه» وبيان من خرجه في باب اليقين أول الكتاب ( رواه البخاري بهذا اللفظ في كتاب الأدب من صحيحه) أي عقبه وإلا فهو مذكور في كتاب الدعوات من الصحيح.
v

رقم الحديث 815 ( وعنه قال: قال لي النبي: إذا أتيت مضجعك) بفتح الميم والجيم وسكون الضاد المعجمة بينهما أي أردت إتيان مكان اضطجاعك ( فتوضأ وضوءك الصلاة) أشار إلى أن المراد به الوضوء الشرعي لا اللغوي ( ثم اضطجع على شقك الأيمن وقل، وذكر نحوهفيه: واجعلهن) أي الكلمات المذكورة ( آخر ما تقول) لتكون خاتمة قولك وتمام عملك فإن مت كذلك رفعت ( متفق عليه) ورواه الأربعة كما تقدم ثمة.


رقم الحديث 816 ( وعن عائشة رضي الله عنها قالت: كان النبي يصلي من الليل إحدى عشرة ركعة) جاء في رواية لها «يصلي ستاً منها مفصولة ويوتر من ذلك بخمس لا يجلس في شيء إلا في آخرها» ( فإذا طلع الفجر) أي الصادق ( صلى ركعتين خفيفتين) سنه الصبح القبلية ( ثم اضطجع على شقه الأيمن) ، وذلك ليتذكر الإنسان بها ضجعة القبر فيحمله ذلك على حسن العمل في نهاره الذي استقبلة، والصحيح أن هذه الضجعة سنة مطلقاً لمن قام الليل وغيره كما سيأتي في الأصل ويستمر علة اضطجاعه ( حتى يجيء المؤذن فيؤذنه) بضم التحتية وسكون الهمزة من الإيذان وهو الإعلام أي يعلمه باجتماع الناس للصلاة فيقوم من ضجعته ويخرج إليهم ( متفق عليه) .


رقم الحديث 817 ( وعن حذيفة رضي الله عنه قال: كان النبيّ إذا أخذ مضجعه من الليل) أي أراد النوم فيه ( وضع يده تحت خده) عند الترمذي في «الشمائل» في حديث البراء ابن عازب وضع كفه اليمين تحت خده الأيمن وإنما كان يختار الأيمن لأنه كان يحبّ التيمن في شأنه كله وليعلم أمته، ولأن النوم أخو الموت وهذه الهيئة عند النزع وفي القبر حال الوضع وهيالأفضل في هيئة الصلاة للعاجز عن الصلاة قاعداً ( ثم يقول) ثم فيه بمعنى الواو بدليل رواية الترمذي في «الشمائل» في حديث حذيفة قال «كان النبيّ إذا أوى إلى فراشه قال ( اللهم باسمك أموت وأحيا) قال القرطبي: فيه دلالة على أن الاسم المسمى: أي أنت تحييني وتميتني فأموت وأحيا بقدرتك.
قال الحافظ: ويقال اسم مقحم، والمعنى: بك أحيا وأموت.
وفيه أنه لا يجري على مذهب البصريين المانع من زيادة الأسماء قال القرطبي: أو أن المراد أن أسمائه سبحانه وتعالى لكل منها مقتضى فكل ما ظهر في الوجود فهو صادر عن تلك المقتضيات، فكأنه قال باسمك المحيى أحيا وباسمك المميت أموت، ثم تقديم الظرف فيه لأن القصد من الكلام متعلق بشأنه دون متعلقه فقدم اهتماماً، وفيه كلام للتقي السبكي نقلته في «شرح الأذكار» ( وإذا استيقظ قال: الحمد لله الذي أحيانا) أي أيقظنا ففيه استعارة تبعية كما في آماتنا ( من بعد ما أماتنا) أي أنامنا والقرينة علة المجاز فيها ظاهر الحال: قال الطيبي: لما كان الانتفاع بالحياة يتحرّى رضا الله تعالى بأعمال البرّ فيها والنائم لاحظ له من هذا الانتفاع كان كالميت، فكأن الحمد شكراً لنيل هذه النعمة وزوال تلك الفترة وبه ينتظم مع قوله ( وإليه النشور) أي المرجع إليه تعالى في نيل ثواب ما اكتسبه في الحياة: أي أن ذلك منه تعالى لا مدخل لغيره فيه ( رواه البخاري) في الدعوات من «صحيحه» وأخرجه الأربعة أيضاً، فأخرجه أبو داود في الأدب من «سننه» والترمذي في الدعوات من «جامعه» وقال: حسن صحيح، وفي باب النوم من «شمائله» ، والنسائي في اليوم والليلة وابن ماجه في الدعاء.


رقم الحديث 818 ( وعن يعيش) بفتح التحتية وكسر المهملة وسكون التحتية ( ابن طحفة) قال صاحب «المغني» نقلاً عن جامع الأصول: هو بمهملة وخاء معجمة وفاء، وقيل بهاء مكان الخاء، وقال الحافظ في «التقريب» بكسر أوله وسكون المعجمة الخاء، ويقال بالهاء بدلها وبالغين المعجمة ( الغفارى) بكسر المعجمة وتخفيف الفاء وبعد الألف راء نسبة لبني غفار قبيلة أبي ذرّ ( رضي الله عنهما) قال ابن الأثير: يعيش هذا شامي ( قال: قال أبي) أي طخفة، وفي«التقريب» للحافظ ما يقتضي أنه ليس لطحفة هذا الحديث ( بينما أنا مضطجع) اسم فاعل من الاضطجاع، قال في «النهاية» : هو النوم ( في المسجد على بطني إذا رجل يحركني) برجله فقال أي عقب استيقاظي منبهاً علة حكمة تحريكه له ( إن هذه ضجعة) بفتح الضاد وهي المرة من الاضطجاع ( يبغضها الله) مجاز عن النهي عنها، لأن ما لا يرضاه تعالى من الأفعال منهيّ عنه ( قال: فنظرت فإذا رسول الله) إذا فيهما فجائية وهي مضافة للجعلة بعدها وحذف خبر الجملة الثانية، ويحتمل أن يكون المحذوف المبتدأ: أي فإذا الذي أيقظني رسول الله ( رواه أبو داود) في الأدب من «سننه» ( بإسناد صحيح) فرواه عن محمد بن المثنى عن معاذ بن هشام عن يحيى بن أبي كثير عن أبي سلمة بن عبد الرحمن عن يعيش بن طخفة فذكره، ورواه النسائي أيضاً بهذا السند وبأسانيد أخر في الوليمة، ورواه ابن ماجه في الصلاة من «سننه» ببعضه، وقال فيه عن قيس بن طهفة عن طهفة بقصة نومه علة بطنه/

رقم الحديث 819 ( وعن أبي هريرة رضي الله عنه عن رسول الله قال: من قعد مقعداً) يحتمل أن يكون مصدراً ميمياً: أي من جلس جلوساً وأن يكون اسم مكان: أي في مكان الذي ( لم يذكر الله تعالى فيه) جملة في محل الصفة ( كانت عليه من الله ترة) فيه الرفع على أنه اسم كان وأحد الظرفين خبرها والثاني حال، ويجوز فيه النصب على أنه خبرها واسمها مستكن يعود على القعدة المفهومة مما قبله والظرفان كما تقدم، أو أنهما لغو متعلقان بترة لكونه بمعنى نقص ( ومن اضطجع) أي نام كما تقدم أو وضع جنبه وإن لم يتم لراحة ( مضطجعاً) يجوز فيه ما جاز في مقعد ( لا يذكرالله تعالى فيه) خالف بين لفظي النافي في الجملتين تفنناً في التعبير ( كانت عليه من الله ترة.
رواه أبو داود بإسناد حسن)
وروى النسائي وأحمد وابن حبان «وما مشى أحدكم ممشى لم يذكر الله فيه إلا كان عليه ترة، وما أوى أحدكم إلىفراشه لم يذكر الله فيه إلا كان عليه ترة» كذا في «الحصن» لابن الجزري ( الترة بكسر التاء المثناة من فوق) وتخفيف الراء، قال في «النهاية» : والهاء فيه عوض عن الواو المحذوفة: أي كعدة وزنة، إذ الأصل وتر ووعد وزن فحذف فاء كل وعوض عنها الهاء ( وهي النقص) بدأ به في النهاية ثم قال ( وقيل) أراد بالترة هنا ( التبعة) أي بفتح الفوقية وكسر الموحدة، قال في «المصباح» : هي ما تطلب من ظلامة ونحوها.
8