فهرس الكتاب

دليل الفالحـــين - باب فضل الرجاء

رقم الحديث 440 ( وعن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي أنه قال: قال الله عز وجل: أنا عند ظن عبدي بي) قال ابن الجوزي أي في الرجاء وأمل العفو، قال القاري في «شرح الحصن الحصين» : ويؤيده ما أخرجه البيهقي في «شعب الإيمان» عن أبي هريرة قال: قال رسول الله: «أمر الله بعبد إلى النار فلما وقف على شفيرها التفت وقال: أما وا يا رب إنكان ظني بك لحسن فقال الله: ردوه أنا عند ظن عبدي بي» ذكره السيوطي في «البدور السافرة» ، وعليه فانظر بمعناه: أي الطرف الراجح، وقيل بمعنى اليقين، والمعنى أنا عند يقينه بي وعلمه بأن مصيره إليّ وحسابه عليّ وأن ما قضيت له به من خير أو شر فلا مرد له لديّ.
( فائدة) : الظن في الشرع ينقسم إلى واجب كحسن الظن با تعالى، وإلى حرام كسوء الظن به تعالى، قال تعالى: { وذلكم ظنكم الذي ظننتم بربكم أرداكم} ( فصلت: 23) وبكل من ظاهره العدالة، ومندوب وهو حسن الظن بمن ظاهره العدالة من المسلمين، وجائز كظن السوء بمن وقف مواقف التهم ( وأنا معه) أي بالرحمة والتوفيق والإعانة والنصر ( حيث ذكرني) بين الملأ أو في الخلاء ( وا أفرح بتوبة عبده من أحدهم يجد ضالته) الذي هو في غاية الاحتياج إليها والاضطرار كما بينته رواية أخرى في الصحيح ( بالفلاة) هي كما في «المصباح» الأرض التي لا ماء فيها وجمعها فلا، قال المصنف: قال العلماء: فرح اهو رضاه، قال المازري: الفرح ينقسم إلى وجوه منها السرور، والسرور يقارنه الرضى بالمسرور به، والمراد هنا أن الله يرضى توبة عبده أشد مما يرضى واجد ضالته بالفلاة فعبر عن الرضى بالفرح تأكيداً لمعنى الرضى في نفس السامع ومبالغة في تقريره ( ومن تقرّب إليّ) أي إلى فضلي ورحمتي بصالح العمل ( ذراعاً تقربت منه باعاً وإذا أقبل إليّ يمشي أقبلت إليه أهرول.
متفق عليه)
رواه البخاري في باب الرجاء ومسلم في باب التوبة ( وهذا لفظ إحدى روايات مسلم وتقدم شرحه) أي شرح قوله ومن تقرّب الخ، الموهم ظاهره المكان وجواز الأعراض على الباري سبحانه ( في الباب قبله) بما حاصل أنه مؤول بأن المراد بالتقرّب إليه التقرّب إلى فضله وإحسانه بصالح العمل، والمراد بتقربه تعالى من العامل إسباغ فضله عليه زيادة على قدر عمله ( وروي في الصحيحين) أي في رواية أخرى ( وأنا معه حين يذكرني بالنون) فيكون منصوباً على الظرفية الزمانية ( و) روي ( في هذهالرواية بالثاء) أي المثلثة ( وكلاهما) أي المرويين ( صحيح) زاد في شرح مسلم بعد قوله صحيح ظاهر المعنى وأفرد الخبر باعتبار لفظ «كلا» وهو الأصح، قال تعالى: { كلتا الجنتين آتت أكلها} ( الكهف: 33) ويجوز مطابقة معناهما وقد اجتمع الاستعمالان في قوله: كلاهما حين جد الجري بينهما قد أقلعا وكلا أنفيهما رابي

رقم الحديث 441 ( وعن جابر رضي الله عنه أنه سمع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قبل موته) أي قبل موت النبيّ ( بثلاثة أيام) كما صرح به في مسلم ( يقول: لا يموتن أحدكم إلا وهو محسن الظن با عزّ وجل) قال المصنف: وفي رواية «وهو يحسن الظن با» قال العلماء: هذا تحذير من القنوط وحث على الرجاء عند الخاتمة، وقد سبق «أنا عند ظن عبدي بي» قال العلماء: معنى إحسان الظن با أن يظن أنه يرحمه ويعفو عنه، قالوا وفي حال الصحة يكون خائفاً راجياً وسيأتي الخلاف في أنهما هل يكونان متساويين حينئذٍ أولا؟، وإذا دنت أمارات الموت غلب الرجاء أو محضه لأن مقصود الخوف الانكفاف عن المعاصي والقبائح والحرص على إكثار الطاعة وصالح العمل، وقد تعذر ذلك أو معظمه في هذه الحال فاستحب إحسان الظن المتضمن للافتقار إلى الله تعالى والإذعان له، ويؤيده حديث «يبعث كل عبد على ما مات عليه» قال العلماء: معناه يبعث على الحال التي مات عليها، قال القرطبي نهى أن يموتوا على غير حالة حسن الظن، وذلك ليس بمقدورهم بل المراد الأمر بتحسين الظن ليوافي الموت وهو عليه اهـ.
ونظيره قوله تعالى: { ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون} ( البقرة: 132) وفي «الديباجة» للدميري في «مروج الذهب» عن فقير بن مسكين.
قال: دخلت على الشافعي أعوده في مرض موته فقلت له كيف أصبحت يا أبا عبد الله قال أصبحت من الدنيا راحلاً ولإخواني مفارقاًولكأس المنية شارباً ولا أدري إلى الجنة تسير روحي فأهنيها أم إلى النار فأعزيها، وأنشأ يقول: لما قسا قلبي وضاقت مذاهبي جعلت الرجا مني لعفوك سلما تعاظمني ذنبي فلما قرنته بعفوك ربي كان عفوك أعظما اهـ.
وما يعزى للرافعي قوله: إذا أمسى فراشي من تراب وصرت مجاور الرب الرحيم فهنون أحبائي وقولوا لكل البشرى قدمت على كريم

رقم الحديث 442 (وعن أنس رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: قال الله تعالى يا ابن آدم) نداء لم يرد به واحد معين عدل إليه ليعلم من يتأتى نداؤه، وآدم عربي مشتق من أديم الأرض أي وجهها، وأصله أأدم بهمزتين وزن أفعل فأبدلت الثانية ألفاً ومنع الصرف للعلمية والوزن، وقيل أعجمي وعليه فمنع صرفه للعلمية والعجمة وأضيف إليه المنادى للعموم لأن إضافته المفرد تقيده فالنداء هنا لا يختص به منادى دون آخر (إنك ما دعوتني ورجوتني) أي مدة دعائك إياي نفعاً وصلاحاً وتأميلك خبر ما عندي (غفرت لك ما كان منك) أي محوت ما كان من الذنوب منك كذنب الكفر بالإيمان وغيره بالاستغفار (ولا أبالي) بما كان منك منها عظم أولا، وذلك لحسن رجاء العبد وا عند حسن ظن عبده به (يا ابن آدم لو بلغت ذنوبك عنان السماء) أي ما يملأ ما بينها وبين الأرض لو كان جسماً (ثم استغفرتني) أي سألتني غفران ذلك (غفرت لك) إياها وذلك لأنه تعالى كريم يقيل العثرات ويغفر الزلات وهذا مثال بالغ في الكثرة جيء به تنبيهاً على أن كرمه وفضله ورحمته لا تتناهى وأنها أكثر وأوسع مما ذكر (يا ابن آدم إنك لو أتيتني بقراب الأرض) أي ما يقارب ملأها (خطايا) جمع خطيئة، قال في «الصحاح» : وكان الأصل خطائىء على فعائل فلما اجتمعت الهمزتان قلبت ياء لأن قبلها كسرة ثم استثقلت والجمع ثقيل وهو معتل مع ذلك فقلبت الياء ألفاً ثم قلبت الهمزة الأولى ياء لخفائها بين الألفين اهـ.
(ثم لقيتني لا تشركبي) جملة في محل الحال من الفاعل (شيئاً) أي من الشرك أو من المعبودات (لأتيتك بقرابها مغفرة) أي لغفرتها لك وذلك لأن الإيمان به تعالى شرط في العفو عن الذنب غير الشرك لأنه أصل يبنى عليه قبول الطاعة والعفو عن المعصية، بخلاف الشرك إذ لا أصل معه يبنى عليه العفو عنه ولا بد أن يضم إلى الإيمان با تعالى الإيمان بنبيه محمد وبما جاء به هذا، والمراد من «أتيتك» غايته من المغفرة، أو إرادتها لاستحالته عليه وأتى به مشاكلة، والحديث من الأحاديث القدسية (رواه الترمذي وقال حديث حسن) زاد في «الجامع» بعد قوله حسن: غريب لا نعرفه إلا من هذا الوجه.
قال الحافظ العلائي في الأربعين: قلت: يعني غريباً من جهة أنس، وقد روي من حديث ابن عباس وأبي ذر ثم أخرج حديث ابن عباس من طريق الطبراني وحديث أبي ذر من طريقين وقال بعد إخراجه رواه الحافظ أبو عوانة في «صحيحه» .
قلت وذكر السخاوي في «تخريج الأربعين» الحديث التي جمعها المصنف أن لحديث أنس طريقاً آخر غير طريق الترمذي عند ابن فنجويه بنحو الحديث المذكور وقال بعد تخريجه سنده ضعيف والأوّل أصح (عنان السماء بفتح العين) المهملة وبنونين خفيفتين (قيل هو ما عنَّ) بتشديد النون (لك منها أي ظهر إذا رفعت رأسك، وقيل هو السحاب) هو ما اقتصر عليه صاحب «المصباح المنير» ، وعبارته: العنان قيل السحاب وزناً ومعنى الواحدة عنانة (وقراب الأرض بضم القاف وقيل بكسرها والضم أصح وأشهر، وهو ما يقارب ملأها) تقدم الكلام من المصنف أوائل باب الرجاء، وتقدم ما يتعلق به من الشرح ثمة.
باب الجمع بين الخوف من الله تعالى (والرجاء) لفضله وإحسانه (اعلم أن المختار للعبد) أي المكلف حراً كان أو رقيقاً ذكراً كان أو غيره (في حال صحته) أي سلامته من المرض (أن يكون خائفاً راجياً) ليزجره الخوف عن المخالفة ويبعثه الرجاء على اكتساب العمل الصالح (ويكون خوفه ورجاؤه سواء) لأن الغالب في القرآن ذكر الترغيب والترهيب مقترنين، وهذا أصح الوجهين عند الأصحاب، وقيل يكون خوفه أكثر، ومحل الخلاف ما لم يغلب عليه القنوط فيغلّب على نفسه باب الرجاء، وما لم يغلب عليه سعة الرجاء ويخشى انحلال ربقة التكليف فيغلب حينئذٍ باب الخوف (وفي حال المرض يتمحض الرجاء) لما تقدم في حديث «لا يموتن أحدكم إلا وهو يحسن الظن با» (وقواعد الشرع) جمع قاعدة، وهي قانون كلي يتعرف منه أحكام جزئياته، والشرع ما شرعه الله من الأحكام للعباد مما ينتظم به أمر معاشهم ومعادهم، وتسمى القاعدة قانوناً وضابطاً وأصلاً، ويرادف الشرع من حيث الماصدق الإسلام والدين والملة، وإن كانت متكلفة من حيث الاعتبار (من نصوص الكتاب) أي القرآن (والسنة) وهو ما أضيف إليه من قول أو صفة أو فعل أو تقرير (وغير ذلك) كالإجماع (متظاهرة على ذلك) أي المذكور والتظاهر بالهاء كأن بعضها يشد ظهر الدليل الآخر.
(قال تعالى) : { فلا يأمن مكر ا} ) قال البيضاوي: ومكر الله استعارة لاستدراج العبد وأخذه من حيث لا يحتسب ( { إلا القوم الخاسرون} ) أي الذين خسروا بالكفر وتركوا النظر والاعتبار.
(وقال تعالى) : { إنه لا ييأس} ) أي يقنط ( { من روح ا} ) أي من رحمته التي يحيى به العباد ( { إلا القوم الكافرون} ) با وصفاته فإن العارف لا يقنط من رحمته تعالى في شيء من الأحوال.
(وقال تعالى) : { يوم تبيض وجوه} ) وهو يوم القيامة تبيض وجوه المحقين سروراً ونوراً ( { وتسودّ وجوه} ) هي وجوهالمبطلين تسودّ خزاية ودحوراً.
(وقال تعالى) : { إن ربك لسريع العقاب} ) لمن عصاه ( { وإنه لغفور} ) لأهل طاعته.
( { رحيم} ) بهم.
(وقال تعالى) : { إن الأبرار} ) المؤمنين الصادقين ( { لفي نعيم} ) جنة ( { وإن الفجار} ) الكفار ( { لفي جحيم} ) نار محرقة.
(وقال تعالى) : ( { فأما من ثقلت موازينه} ) بأن رجحت حسناته على سيئاته ( { فهو في عيشة راضية} ) في الجنة: أي ذات رضى برضاها أي مرضية له ( { وأما من خفت موازينه} ) بأن رجحت سيئاته على حسناته ( { فأمه} ) مسكنه ( { هاوية} ) وبينها سبحانه مهولاً لشأنها بقوله ( { وما أدراك ماهيه نار حامية} ) نسأل الله العافية (والآيات في هذا المعنى) أي الجمع بين الرجاء والخوف (كثيرة، فجمع الخوف والرجاء في آيتين مقرونتين) كآية { إن الأبرار لفي نعيم وإن الفجار لفي جحيم} (الانفطار: 13 - 14) ؟ أو آيات (وذلك كثير في التنزيل) أو آية (كقوله) : { يوم تبيضّ وجوه وتسودّ وجوه} ) .


رقم الحديث -53 أي ما جاء فيه من الكتاب والسنة.
( قال الله تعالى) إخباراً أي مخبراً، ويجوز أن يكون منصوباً على المصدرية يكون الإخبار من أنواع القبول ( عن العبد الصالح) هو مؤمن آل فرعون ( وأفوض أمري إلى ا) أي أسلمه إلى الله تعالى ليعصمني من كل سوء ( إن الله بصير بالعباد) فيجيزهم وكأنه جواب بوعد المفهوم من قوله ( فوقاه الله سيئات ما مكروا) شدائد مكرهم، وقال البيضاوي: وقيل الضمير لموسى.