فهرس الكتاب

دليل الفالحـــين - باب حَثّ السلطان والقاضي وغيرهما من ولاة الأمورعلى اتخاذ وزير صالح وتحذيرهم من قرناء السوء والقبول منهم

رقم الحديث -82 باب حث بفتح المهملة وتشديد المثلثة أي تحريض ( السلطان) أي ذي السلطنة سواء فيه الإمام ومن دونه ( والقاضي) أي من يقضي بين الناس بالأحكام الشرعية ( وغيرهما من ولاة الأمور) من الشرطيين وولاة الأخبار وقوله ( على اتخاذ وزير صالح) متعلق بحثّ والوزير مأخوذ من الوزر الثقل لأنه يحمل على الملك ثقل التدبير وجمعه وزراء، والمراد بصلاحه إقامة العدل وإعانته عليه ( وتحذيرهم من قرناء السوء) وذلك لأن المرء على دين خليله كما جاء في الحديث ( و) تحذيرهم من ( القبول منهم) وذلك لأن قبول إشاراتهم تحرّضهم على السعي في الفساد.
( قال الله تعالى) : ( { الأخلاء} ) جمع خليل كنبيّ وأنبياء ( { يومئذ} ) أي يوم القيامة وهو ظرف لقوله ( { بعضهم لبعض عدوّ} ) أي معاد والفصل بالمبتدأ غير مانع والجملة خبر قوله الأخلاء ( إلا المتقين) فإن محبتهم تبقى يومئذ ولا تزول.


رقم الحديث 678 ( وعن أبي سعيد) الخدري ( وأبي هريرة رضي الله عنهما أن رسول الله قال: ما بعث الله من نبي) من مزيدة لتأكيد العموم المستفاد من النكرة في سياق النفي ( ولا استخلف من خليفة إلا كانت) أي وجدت ( له بطانتان) بكسر الوحدة خلاف الظهارة وبطانة الرجل صاحب سره والمراد بها هنا الداعي، قال المحب الطبري: البطانة الأولياء والأصفياء وهو مصدر وضع موضع الإسم يصدق على الواحد والمذكر وفروعهما ( بطانة تأمره بالمعروف) أي ما عرف واستحسن شرعاً من نشر ألوية العدل وبسط الإنصاف وإقامة الشرائع في رعاياه ( وتحضه) بفتح الفوقية وضم المهملة وتشديد الضاد المعجمة أي يحمله ( عليه وبطانةتأمره بالشرّ) أي تدعوه إليه ( وتحضه) أي تحرضه ( عليه والمعصوم من عصم الله) قال الشيخ أكمل الدين: أراد به نفسه لأنه بين في حديث آخر أن كل واحد وكل به قرينه من الجنة وقرينه من الملائكة إلا أن الله تعالى أعان نبينا فأسلم قرينه من الجن ولم يبق له داع إلى الشرّ اهـ «أقول» إن أريد من العصمة منع الوقوع في الذنب مع استحالته فهو كما قال من قصر الأمر عليه إذ لا عصمة لأحد من الأمة، وإن أريد منها الحفظ من الذنب مع جواز الوقوع فيه فلا اختصاص به، والمراد من قوله والمعصوم من عصم الله، إما المنع من الوسواس ابتداء بمنع قرينه من ذلك وإن كان باقياً على كفره والله على كل شيء قدير، أو عدم قراره في نفسه، ومثله غير مؤاخذ بذلك لحديث «إن الله تجاوز لأمتي ما حدّثت به أنفسها ما لم تتكلم أو تعمل» أو صرف نفسه عن العمل بقضية ذلك الوسواس والله أعلم، وقريب منه على الوجه الثاني حديث عائشة الآتي بعده وهذا بناء عى أن المراد بالبطانة القرين والملك وقد بين.
قال ابن التين: ويحتمل أن يكون المراد بهما ذلك.
ويحتمل أن يكون الوزيرين، وقال الكرماني: يحتمل أن يراد بهما النفس الأمارة بالسوء، والنفس اللوّامة المحرّضة على الخير، إذ لكل منهما قوة ملكية وقوة حيوانية اهـ.
قال في فتح الباري: والحمل على الجميع أولى إلا أنه جائز ألا يكون لبعضهم إلا البعض ( رواه البخاري) في كتاب القدر والأحكام من «صحيحه» ، ورواه النسائي في البيعة وفي السير من «سننه» .


رقم الحديث 679 ( وعن عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله: إذا أراد الله بالأمير خيراً) أورده في فتح الباري بلفظ «من ولي منكم عملاً فأراد الله به خيراً» والباقي سواء وأورده في «الجامع الصغير» كما أورده المصنف، وتنكير خيراً للتعظيم فيشمل الخاص والعام، وذلك لأن من أعطى ذلك وفق لخيري الدارين، وفسر الخير بالجنة ( جعل له وزير صدق) في القول والفعل والظاهر والباطن وأضافه إلى الصدق لأنه الأساس في الصحبة وغيرها، وقال الطيبي: أصله وزير صادق ثم وزير صدق على الوصف به ذهاباً إلى أنه نفس الصدق مخبراًعنه به، ثم أضيف لمزيد الاختصاص، والمراد من الوزير فيه الصاحب المؤازر ( إن نسي) ما يحتاج إليه أو ضلّ عنه من حكم شرعي أو قضية مظلوم أو مصالح لرعية ( ذكره) وهداه ( وإن ذكر) ذلك ( أعانه) عليه بالرأي والقول والفعل.
وأدب الوزارة وما يتأكد عليه فعله مذكور في كتاب الأحكام السلطانية للماوردي، وفي كتاب سراج الملوك للطرطوشي وغيرهما من كتب السياسة ( وإذا أراد به غير ذلك) الخير بأن أراد به شرّاً.
وعبر عنه بما ذكر إيماء إلى الترحيض على اجتناب الشرّ لأنه إذا اجتنب ذكر اسمه لبشاعته وشناعته فلان يجتنب المسمى به أولى، والإتبان فيه باسم الإشارة الموضوع للبعيد تعظيم للخير وإعلاء لرتبته تحضيضاً على طلبه والسعي في تحصيله ( جعل له وزير سوء) بضم السين المهملة وفتحها، والمراد وزير سوء في القول والفعل نظير ما سبق في ضده ( إن نسي) أي ترك مالاً بد منه ( لم يذكره) به لأنه ليس عنده من النور القلبي ما يحمله على ذلك ( وإن ذكر لم يعنه) بل يسعى في صرفه عنه لشرارة طبعه وسوء صنعه ( رواه أبو داود بإسناد جيد) ورواه البيهقي أيضاً، قال السيوطي في «شرح التقريب» نقلا عن الحافظ بن حجر: في أثناء كلام وهذا يدل على أن ابن الصلاح يرى التسوية بين الجيد والصحيح، وكذا قال البلقيني بعد أن نقل ذلك، ومن ذلك يعلم أن الجودة يعبر بها عن الصحة، وكذا قال غيره: لا مغايرة بين جيد وصحيح عندهم إلا أن الجهبذ منهم لا يعدل عن صحيح إلى جيد إلا لنكتة كأن يرتقي الحديث عنده عن الحسن لذاته، ويتردد في بلوغه الصحة، فالوصف به أنزل رتبة من الوصف بصحيح، قال وكذا القوى اهـ.
فلذا قال المصنف في السند: إنه ( على شرط مسلم) أي برجال روى عنهم مسلم في «صحيحه» ، وإلا فالصحيحان ليس لهما شرط ولا لأحدهما شرط مصرح به في شيء من كتابيهما.
83