فهرس الكتاب

دليل الفالحـــين - باب فضل الاعتكاف

رقم الحديث -230 هو لغة: لزوم الشيء ولو شراً، وشرعاً: مكث مخصوص على وجه مخصوص، والأصل فيه الكتاب والسنة والإِجماع.
وهو من الشرائع القديمة، وسكت المصنف عن ذكر ما يتعلق به من الكتاب، كقوله تعالى: ( وطهر بيتي للطائفين والقائمين) ( 26) الآية نسياناً.


رقم الحديث 1268 ( عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يعتكف العشر الأواخر من مضان) بالنصب على الظرفية أي: يوقعه فيها ( متفق عليه) .


رقم الحديث 1269 ( وعن عائشة رضي الله عنها أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يعتكف العشر الأواخر من رمضان) لما بعد العشرين منه ولو كان ناقصاً، فإطلاق العشر عليه تغليب ( حتى توفاه الله) غاية لما دلت عليه كان من الدوام، قيل: لغة، وقيل: عرفاً ( ثم اعتكف أزواجه بعده) أي: في العشر المذكور ( متفق عليه) .


رقم الحديث 1270 ( وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يعتكف في كل رمضان عشرة أيام) وكان أولاً يعتكف العشر الأوسط طلباً لليلة القدر، ثم علم أنها في العشر الأخير فصار يعتكف كما يومىء إليه حديث سعيد المذكور في باب الاعتكاف من البخاري ( فلما كان العام) بالنصب على الظرفية خبراً لكان، وبالرفع على أنها تامة ( الذي قبض فيه اعتكف عشرين يوماً) زيادة اجتهاد في الطاعة؛ لدنو الأجل ولعله أخلذه، أي: دنو الأجل كما صرح به في خطابه لبنته السيدة فاطمة رضي الله عنها، من مدارسته جبريل معه ذلك العام القرآن مرتين، ففي الحديث الحض على الاجتهاد في التعبد، والإِعراض عن الأعراض الدنيوية عند خواتم العمر وسن الكبر ( رواه البخاري) وما أومأ إليه أحاديث الباب من كون المعتكف صائماً والمدة متطاولة هو الأفضل، وإلا فأقله عند إمامنا الشافعي ما يسمى لبثاً إذا اقترن بالنية ولا يشترط فيه محموم خلافاً لبعض الأئمة.
كتاب الحج هو بفتح الحاء وكسرها لغة: القصد، أو كثرته إلى من يعظم، وشرعاً: قصد الكعبة لأداء أعمال مخصوصة، والأصل فيه الكتاب والسنة والإِجماع، وهو من الشرائع القديمة.
روي أن آدم عليه الصلاة والسلام حج أربعين سنة من الهند ماشياً وأن جبريل قال له: إن الملائكة كانوا يطوفون قبلك بهذا البيت سبعة آلاف سنة.
وقال ابن إسحاق: لم يبعث الله نبياً بعد إبراهيم إلا حج، والذي صرح به غيره أن ما من نبي إلا حج.
خلافاً لمن استثنى هوداً وصالحاً صلى الله على نبينا وعليهم وسلم.
وفي وجوبه على من قبلنا خلاف.
قيل: الصحيح، إنه لم يجب إلا علينا واستغرب، والصحيح أنه من أفضل العبادات، خلافاً للقاضي حسين في قوله: إنه أفضلها لاشتماله على المال والبدن ( قال الله تعالى: ولله على الناس) قيل: دخل فيه الجني بناء على أنه من نوس إذا تحرك، وبه صرّح في عباب اللغة، فيجب الحج على مستطيعه وبه صرّح التقي السبكي ( حج البيت) علم بالغلبة على الكعبة ( من استطاع إليه سبيلاً) بأن وجد الزاد والراحلة، كما ثبت تفسيره بذلك مرفوعاً في حديث رواه الحاكم في المستدرك، ومن فيه فاعل المصدر المضاف لمفعوله.
أي: ولله على الناس أن يحج البيت المستطيع منهم، فإن لم يحج المستطيع أثم الناس أجمع، أو بدل بعض من الناس، والرابط مقدر، أي: منهم وعليه اقتصر المحقق البيضاوي، أو في موضع رفع بالابتداء على أنها موصولة ضمنت معنى الشرط، أو شرطية، وحذف الخبر والجواب أي: من استطاع فليحج، ويؤيد الابتداء قوله: ( ومن كفر فإن الله غني عن العالمين) قال البيضاوي: وضع من كفر موضع من لم يحج تأكيداً لوجوبه وتغليظاً على تاركه، ولذلك قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: "من مات ولم يحج فليمت إن شاء يهودياً أو نصرانياً" وقد أكد أمر الحج في هذه الآية من وجوه الدلالة على وجوبه، بصيغة الخبر وإبرازه في الصورة الاسمية، وإيراده على وجه يفيد أنه حق واجب لله في رقاب الناس، وتعميم الحكم أولاً وتخصيصه ثانياً، فإنه كإيضاح بعد إبهام، وتنبيه وتكرير للمراد.
وتسمية ترك الحج كفراً من حيث إنه فعل الكفرة، وذكر الاستغناء فإنه في هذا الموضع مما يدل على المقت والخذلان، وقوله ( عن العالمين) بدل عنه؛ لما فيه من مبالغة التعميم والدلالة على الاستغناء عنه بالبرهان، والإِشعار بعظيم السخط؛ لأنه تكليف شاق جامع بين كسر النفس، وإتعاب البدن، وصرف المال والتجرد، عن الشهوات، والإقبال على الله عز وجل.
روي أنه لما نزل صدر الآية "جمع رسول الله أرباب الملل فخطبهم وقال: إن الله كتب عليكم الحج فحجوا فآمنت به ملة واحدة وكفرت به خمس الملل : فنزل ( ومن كفر فإن الله غني عن العالمين) ".