فهرس الكتاب

دليل الفالحـــين - باب كراهة الشرب من فم القربة ونحوهاوبيان أنه كراهة تنزيه لا تحريم.

رقم الحديث 762 ( عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: نهى رسول الله عن اختناث الأسقية) قال في «فتح الإله» : الاختناث افتعال من الخنث بالخاء المعجمة والنون والمثلثة: وهو الانطواء والتكثير والانثناء، والأسقية: جمع سقاء، والمراد المتخذ من الأدم صغيراً كان أو كبيراً، وقيل القربة قد تكون كبيرة وقد تكون صغيرة ولا يكون السقاء إلا صغيراً ( يعني أن تكسر) أي تثنى ( أفواهها فيشرب منها) وليس المراد الكسر حقيقة ولا إبانتها، والقائل يعني لم يصرح به، وقد أدرج التفسير في الخبر في رواية في البخاري، قال ابن المبارك: قال معمر أو غيره: هو الشرب من أفواهها، وقد جزم الخطابي أن تفسير الاختناث من كلام الزهري، ويحمل تفسير الاختناث بمطلق الشرب من أفواهها على القيد بكونه مع كسر فمها وقلب رأسها.
ووقع في مسند أبي بكر بن أبي شيبة في رواية في أول هذا الحديث «شرب رجل من سقاء فانساب في بطنه حيان فنهى رسول الله» فذكره، وكذا أخرجه الإسماعيلي من طريق أبي بكر وعثمان ابني أبي شيبة وفرقهما.
والأفواه جمع فم، وهو على سبيل الردّ إلى الأصل في فم لأنه فوه، نقصت منه الهاء لاستثقال هاءين في نحو فوهة، فلما لم تحتمل الواو بعد حذف الهاء لسكونها عوضت ميماً فقيل فم وهذا إذا أفرد، ويجوز أن يقتصر على الميم حالة إضافته فتعتوره حركات الإعراب ظاهرة، فإن أضيف إلى مضمر كفت الحركات ولا يضاف مع الميم إلا في ضرورة شعر كقوله: «يصبح ظمآن وفي البحر فمه» فإن أرادوا تصغيره أو تكسيره ردوه إلى الأصل فقالوا فويه وأفواه دون فم وأفمام اهـ ملخصاً ( متفق عليه) روياه في الأشربة من «صحيحيهما» ، ورواه أبو داود والترمذي وقال: حسن صحيح، وابن ماجه كلهم في الأشربة من «سننهم» .


رقم الحديث 763 ( وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: نهى رسول الله أن يشرب من في السقاء أو) شك من الراوي ( القربة) قال في «الفتح» : وكان الشك من سفيان، فقد وقع في رواية عبد الجبارين العلاء عن سفيان عند الإسماعيلي «من في السقاء» وفي رواية ابن أبي عمربدله عنده «من فم القربة» ( متفق عليه) روياه في الأشربة، ورواه ابن ماجه فيها.


رقم الحديث 764 ( وعن أم ثابت كبشة) بفتح الكاف وسكون الموحدة وبشين معجمة، قال ابن الأثير: ويقال كبيشة بالتصغير وتعرف بالبرصاء ( بنت ثابت) الأنصارية ( أخت حسان) بفتح المهملة الأولى وتشديد الثانية أحد شعراء النبي ( ابن ثابت رضي الله عنه) قدم ضميره لقربه وإن كان فيه ترك لترتيب نشر اللفّ ( وعنها) وعدل إلى ما عبر به مع ما فيه من الطول دفعاً لتوهم عود الضمير عليها وعلى أبيها فيوهم صحبته.
روي لها عن رسول الله حديث واحد ذكرها ابن الجوزي، خرّج لها الترمذي وابن ماجه، ثم ماجزم به المصنف من كونها أخت حسان، حكاه المزي في «الأطراف» بصيغة يقال إنها أخت حسان بن ثابت، وهي جدة عبد الرحمن بن أبي عمرة، وجزم ميرك في «شرح الشمائل» بما جزم به المصنف، واستظهره القاري وجزم الشارح به وقال: هي كسيبة الأنصارية من بني مالك بن النجار ( قالت: دخل عليّ رسول الله فشرب من في قربة معلقة قائماً) أتى بها لبيان أن النهي عن الشرب من فم القربة وعن القيام حال الشرب ليس على سبيل التحريم بل على سبيل التنزيه، أو أنه فعل ذلك لعدم إمكان الشرب حينئذ إلا كذلك ( فقمت إلى فيها) أي قاصدة إليه ( فقطعته، رواه الترمذي) في «جامعه» و «شمائله» ( وقال) في «جامعه» ( حديث حسن صحيح) غريب.
ورواه ابن ماجه أيضاً وابن الأثير في «أسد الغابة» ، وقال رواه الثلاثة: يعني ابن عبد البرّ وأبا نعيم وابن منده ( وإنما قطعتها) أي القربة بقطع فمها ( لتحفظ موضع فم رسول الله) أي عندها ( وتتبرك به) بالنصب عطفاً على تحفظ، والعطف هنا بالواو أحسن من عطف بعضهم لأحدهما على الثاني بأو الموهم أنه لأحدهم مع أنه لا مانع من كونه لهما كما صرح به المؤلف هنا.
وفي «شرح مسلم» فقال: وقطعته لأمرين فذكرهما ( وتصونه عن الابتذال) أي الامتهان ( وهذا الحديث) أي ما فيه من الشرب من في القربة وقائماً ( محمول على بيانالجواز) كما تقدم مع وجه آخر كذلك ( والحديثان السابقان) في النهي عن الشرب من في القربة ( لبيان الأفضل الأكمل، والله أعلم) فلا منافاة، وقد كان يجب عليه فعل المكروه ليشرعه ويعلم منه جوازه، فالكراهة بالنسبة لغيره لا له.
3