فهرس الكتاب

دليل الفالحـــين - باب فضل بر أصدقاء الأب والأم والأقارب والزوجة وسائر من يندب إكرامه

رقم الحديث 341 ( عن ابن عمر رضي الله عنهما أن النبيّ قال: أبرّ البرّ) أي أكمله وأبلغه ( أنيصل الرجل) ومثله المرأة كما تقدم مراراً وإفراده بالذكر لشرفه ( ودّ أبيه) بضم الواو وتشديد الدال المهملة: وهو الحب، وعقب هذا الحديث قبل ذكر مخرجه بما بعده لأنه حديث واحد.
وفي الثاني بيان وقت صدور التحديث بابن عمر بالحديث.


رقم الحديث 342 ( وعن عبد الله بن دينار) هو أبو عبد الرحمن القرشي العدوي المدني مولى عبد الله بن عمر بن الخطاب سمع ابن عمر وأنساً وجماعة، روى عنه ابنه عبد الرحمن ويحيى الأنصاري وسهيل وربيعة الرأي وموسى بن عقبة، وهؤلاء تابعيون وخلائق غيرهم اتفقوا على توثيقه، توفي سنة سبع وعشرين ومائة.
( عن) قصة ( عبد الله بن عمر رضي الله عنهما) هي ( أن رجلاً من الأعراب) بفتح الهمزة أهل البدو من العرب، الواحد أعرابيّ بالفتح أيضاً، وهو الذي يكون صاحب نجعة، كذا في «المصباح» ، ولم أقف على من سماه ( لقيه) الضمير المستتر يعود للرجل والبارز لابن عمر ( بطريق مكة فسلم عليه عبد الله بن عمر وحمله على حمار كان يركبه) للتروّح عليه إذا مل ركوب الراحلة كما في «الزوائد» بعد ( وأعطاه عمامة كانت على رأسه) أي حينئذٍ يشد بها رأسه في السفر، والظاهر أنها غير ما يعتم به في الحضر كما يأذن به الرواية بعد، وهي تبين أيضاً أن ما وقع كان بعد تعرّفه بالرجل الأعرابي ( قال ابن دينار فقلنا) يحتمل أن يكون هو وباقي من مع ابن عمر وهو الظاهر من الضمير ويحتمل أنه وحده، وعبر بذلك إما لتأكيد الإضمار بصدور ذلك عنه أو لأمر آخر ( إنهم الأعراب وهم يرون باليسير فقال عبد الله بن عمر: إن أبا هذا كان وداً لعمر بن الخطاب رضي الله عنه) بضم الواو مصدر ود من باب تعب أي ذا ود عمر، أو وادّه أو مودوده وأطلق عليه المصدر مبالغة قال الحافظ وضم الواو في المصدر هو المشهور، وحكى الفراء فتحها فيه وحكى كسرها فيه فهو مثلث، قلت وقد حكاه ابن مالك في كتاب الأعلام في المثلث وسكت عليه، عبر بقوله لعمر الخ دون قوله لوالدي إشارة إلى أن لبره مقتضيات: الأوّل أنه ودّ أبيه.
والثاني أنه ودّ شيخه.
الثالث أنه ود رأس الصالحين، ودلالة لفظ عمر على هذين أظهر ( وإني سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول) الجملة المصدرية يحتمل كونها معطوفة على أن هذا الخ، ويحتمل أن تكون في محل الحال الثاني أقرب والرابط الواو ( إن أبرّ البر) أي أبلغه ( صلة الرجل أهل) أي أصحاب ( ودّ أبيه) أي حبه وإن لم يكونا أقربا للفرع ولا للأصل فإن برهم برّ ذي الود لهم من الأبوين وما أحسن ما قيل: أهوى العقيق ومن أقام بحبه وأهيله وهواهم لي مغنم ما ذاك إلا أن بدري منهم ولأجل عين ألف عين تكرم ( وفي رواية) أخرى ( عن ابن دينار عن) قصة ( ابن عمر أنه كان إذا خرج إلى مكة كان له حمار) هو الذكر من الحيوان الناهق والأنثى أتان وحمارة نادر والجمع حمير وحمر بضمتين وأحمرة كذا في «المصباح» ( يتروح) بتشديد الواو أي يستريح ( عليه إذا مل) أي إذا شثم وضجر ( ركوب الراحلة) أي المركب من الإبل ذكراً كان أو أنثى.
قال في «المصباح» وبعضهم يقول الناقة التي تصلح أن ترحل ( وعمامة يشد بها رأسه، فبينا) الألف فيه للإشباع كافة لبين عن الإضافة فالجملة بعده مستأنفة، ومثلها بينما ( هو يوماً على ذلك الحمار إذ مر به أعرابيّ فقال) يعني ابن عمر ( ألست فلان بن فلان) استفهام تقريري.
وفلان قال ابن السراج: كناية عن اسم يسمى به المحدث عنه خاص غالب، ويستعمل من غير أل في غير الآدمي، ومنه حديث أبي يعلى الموصلي بسند صحيح على شرط مسلم عن ابن عباس قال: «ماتت شاة لسودة بنت زمعة فقالوا: يا رسول الله ماتت فلانة، يعني الشاة» قال المصنف: هكذا في الأصل المصحح فلانة من غير أل فهو صريح في جواز ذلك، وعدم تعين أل فيه في غير الآدميين خلافاً للجوهري ( قال بلى، فأعطاه الحمار فقال: اركب هذا والعمامة) فـ ( ــقال اشدد) بضم الدال ( بها رأسك، فقال له بعض أصحابه) منهم ابن دينار كما دلت عليه الرواية السابقة، وقد يبهم الراوي نفسه لغرض ( غفر الله لك) فيه تنبيه علىأدب العتاب أن يقدم الدعاء للمخاطب ثم يعاتب، وهذا أخذ من قوله تعالى: { عفا الله عنك لم أذنت لهم} ( التوبة: 43) قال القاضي عياض في «الشفاء» : يجب على المسلم المجاهد نفسه، الرائض بزمام الشريعة خلقه أن يتأدب بآداب القرآن في قوله وفعله ومعاطاته ومحاوراته، وليتأمل هذه الملاطفة العجيبة والسؤال من رب الأرباب المنعم على الكل المستغني عن الجميع، ويتبين ما فيها من الفوائد وكيف ابتدأ بالإكرام قب العتب وآنس بالعفو قبل ذكر الذنب إن كان ثم ذنب اهـ.
( أعطيت) يحتمل أن يكون بتقديره همزة الاستفهام الإنكاري، ويحتمل أن يكون إخباراً لبيان لازم الخبر والأول أقرب: أي أعطيت ( هذا الأعرابي حماراً كنت تروّح) بتشديد الواو والرفع وحذفت من أوله إحدى التاءين تخفيفاً: أي تتروح ( عليه وعمامة كنت تشد بها رأسك، فقال) دفعاً لإنكار ما أنكروه عليه مما حاصله وضع الشيء في غير موضعه ببيان الحامل على ذلك ( إني سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: إن من أبرّ البر) لا ينافي إثبات «من» هنا إسقاطها في الأوّل لأنها مرادة، أو أنه أراد أنه أبرّ بالنسبة للمخاطب به ذلك الوقت كما تقدم قريباً ( صلة الرجل أهل ودّ أبيه بعد أن يولى) بضم التحتية وتشديد اللام المكسورة: أي بعد أن يموت.
قال العاقولي: والمعنى من جملة برّ الرجل بوالده أن يودّ أصحاب أبيه وأهل وده بعد موته.
وأقول: إن المعنى إن من جملة بره صلة أهل ود أبيه بعد موته ( وإن أباه) أي: أبا المعطي ( كان صديقاً لعمر رضي الله عنه) أي فلذا وصلته ( روى هذه الروايات كلها مسلم) فروى الرواية الأولى المذكورة عن ابن دينار فذكره، وروى الترمذي في البر والصلة من طريق آخر إلى الوليد عن دينار حديث «إن أبرّ البرّ صلة الولد أهل ودّ أبيه» من دون القصة، وقال صحيح.
وروى الرواية الثانية عنه عن الحسن الحلواني: ثنا يعقوب بن إبراهيم بن سعد، ثنا أبو الليث بن سعيد جميعاً عن يزيد بن عبد الله بن أسامة بن الهاد بن عبد الله بن دينار فذكره.
ورواه أبو داود من طريق الحرّ إلى يزيد فذكر الحديث دون القصة.


رقم الحديث 343 ( وعن أبي أسيد بضم الهمزة وفتح السين) المهملة وسكون التحتية بعدها دال مهملة ( مالك بن ربيعة) وقيل هلال بن ربيعة ومالك أثكر، ابن البدن بالموحدة والمهملة المفتوحتين والنون، هكذا نقله ابن هشام عن ابن إسحاق وابن عقبة عن الزهري، ورواه إسماعيل بن إبراهيم بن عقبة عن عمه موسى عن الزهري «بالبدى» بالياء فصحف، وإنما الصحيح النون ابن عامر بن عوف بن حارثة بن عمرو بن الخزرج بن ساعدة بن كعب بن الخزرج الأنصاري الخزرجي ( الساعدي) نسبة لجده ساعدة وهو مشهور بكنيته، شهد ( رضي الله عنه) بدراً وأحداً والمشاهد كلها مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال ابن أسحاق وغيره، وعمي قبل قتل عثمان رضي الله عنه، روي له عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ثمانية وعشرون حديثاً، له في الصحيحين أربعة أحاديث اتفقا على واحد منها، وللبخاري وحده حديثان، ولمسلم كذلك واحد، توفي أبو أسيد سنة ستين قاله المدايني، قال أبو نعيم إنه وهم، وقيل سنة خمس وستين.
وقال الواقدي وخليفة: سنة ثلاثين، قال ابن عبد البرّ: وهذا وهم فقيل إنه آخر من مات من البدريين، وكان عمره خمساً وسبعين سنة اهـ ملخصاً من «أسد الغابة» مما ذكره في الأسماء والكنى في ترجمته، وسكت عن تعيين محل وفاته، وفي كتاب «در السحابة في مواضع وفاة الصحابة» للصغاني أنه مات بالمدينة ( قال: بينا نحن جلوس عند النبيّ إذ جاءه رجل من بني سلمة) لم أقف على من سماه ( فقال: يا رسول الله هل بقى من برّ أبويّ) المأمور أنا به ( شيء أبرّهما به) أي لأبرهما به ( بعد موتهما؟ قال: نعم، الصلاة) أي الدعاء ( لهما) كما يدل عليه قوله تعالى: { وقل ربّ ارحمها} ( الإسراء: 24) ( والاستغفار) من عطف الخاص على العام اهتماماً: أي وتدعو بالمغفرة ( لهما، وانقاذ) بالذال المعجمة ( عهدهما) أي من وصية وصدقة وغير ذلك ( من بعدهما) تنازعه المبتدآت قبله ويحتمل أن المتعلق كائنات فيشمل الجميع ( وصلة الرحم التي لا توصل إلا بهما) قال الطيبي؛ التي ليست بصفة للمضاف إليه بل المضاف الصلة الموصوفة بأنها خالصة لحقهما ورضاهما، لالأمر آخر ولفظ البيهقي «وصلة رحمهما التي لا رحم لك إلا من قبلهما، فقال: ما أكثر هذا وأطيبه يا رسولالله، قال: ما عمل به فإنه يصل إليهما» قال العاقولي: وفي الحديث تنبيه على اغتنام فضيلة الصلة وأنها طاعة لا يكون إدراكها إلا من جهتهما، فإنه لو فرض أن إنساناً تولد من تراب مثلاً ولم يولد له لم يكن لذلك الإنسان سبيل إلى دخول الجنة من صلة الرحم، فإنه لا رحم له، فإذا كان الوالدان سبباً في مثل هذه الطاعة وجب رعايتهما وحفظهما فيها ( وإكرام صديقهما) وبمعناه حديث ابن عمر في الباب ( رواه أبو داود) في الأدب، وكذا أخرجه في الأدب بنحوه.


رقم الحديث 344 ( وعن عائشة رضي الله عنها قالت: ماغرت) بكسر الغين في «المصباح» : غار الرجل على امرأته غضب فيها، والمرأة على زوجها تغار من باب تعب غيراً وغيرة بالفتح وغاراً قال ابن السكيت: ولا يقال غيراً ولا غيرة بالكسر، وأغار الرجل امرأته تزوّج عليها فغارت عليه اهـ.
( على أحد من نساء النبيّ) يعني ضرائرها أمهات المؤمنين رضي الله عنهن ( ماغرت على خديجة رضي الله عنها) وذلك لما رأت لها عنده من مزيد المكانة الدالّ عليه إكثار ذكرها والتنويه بشكرها بعد فقدها، وكانت عائشة أحبّ سائر زوجاته الموجودات معها إليه، وبينت هذا المعنى بقولها: ( وما رأيتها قط) ظاهره لم يقع نظرها عليها وذلك لتقدم وفاتها على تمييز السيدة عائشة، فإنه كان سنها عند عهده بها بها ستّ سنين، وكان ذلك قبل الهجرة بسنتين، وقيل ثلاث، وقيل خمس وتوفيت السيدة خديجة قبل الهجرة بقريب من ذلك، ويحتمل أن يكون مرادها ما رأيتها عنده ضرة معي، ويعضد هذا قولها عند الشيخين «ولقد هلكت قبل أن يتزوجني بثلاث سنين» قال المصنف: أي قبل بنائه بها، أما العقد بها فكان موتها قبله بنحو سنة ونصف ( ولكن) أي وجه الغيرة أنه ( كان يكثر ذكرها) أي وفيه دليل المحبة، قال:» من أحب شيئاً أكثر من ذكره» ( وربما ذبح الشاة ثم يقطعها) يحتمل كون الإسناد فيها حقيقة، وذلك من مزيد تواضعه وكمال فضله، فقد كان يخصف نعله ويرقع ثوبه ويكون في مهنة أهله، ويحتمل أن يكون مجازاً.
أي يأمر بذلك،ويقعطها مضارع من باب التفعيل للتكثير ( أعضاء) جمع عضو بكسر أوّله وضمه وهو كل لحم وافر بعظمه ( ثم يبثها في صدائق) جمع صديقة كصحيفة أي في ذوات صداقة ( خديجة) يفعل ذلك حفظاً لعهدها وزيادة في برّها ( فربما) يحتمل التقليل والتكثير، والأول أقرب ( قلت له: كأن) بتخفيف النون واسمها ضمير منويّ: أي كأنه ( لم يكن في الدنيا امرأة إلا خديجة) أي فذلك المقتضى لمزيد الوداد، وأما وجود من يساويها في هذا الوصف في المقضي لهذا الشأن ( فيقول: إنها كانت وكانت) أي يثني عليها بأفعالها وفعالها وجاء في حديث آخر «أن عائشة قالت: أوليس قد أبدلك الله خيراً منها؟ فقال: لا وا، آمنت بي حين كفر بي قومي ونصرتني حين خذلني قومي وأعطتني مالها حين منعني قومي» أو كما قال ( وكان لي منها ولد) بفتحتين، وهو اسم جنس يصدق على الواحد والجمع، وجميع ولده منها إلا إبراهيم فمن مارية، قيل وإلاّ سقط اسمه عبد الله من السيدة عائشة ولم يثبت هذا، وإنما كنيت بابن أختها عبد الله بن الزبير ( متفق عليه) أخرجاه في فضائل خديجة، وأخرجه فيه الترمذي وقال حسن صحيح، وأخرجه فيه وفي الوفاة النسائي، وأخرجه ابن ماجه في الجنائز كذا في «الأطراف» للمزي.
( وفي رواية) هي فيهما إلى قوله خلائلها ( وإن) مخففة من الثقيلة واسمها محذوف: أي وإنه كان ليذبح الشاة، اللام هي الفارقة بين إن المخففة والنافية ( فيهدي في خلائلها) أي صدائقها جمع خليلة: وهي الصديقة ( ما يسعهن) أي يكفيهن ( منها) وفي «صحيح مسلم» «وإن كان ليذبح الشاة ثم ليهديها إلى خلائلها» .
( وفي رواية) لمسلم قالت ( كان إذا ذبح الشاة يقول: أرسلوا بها) يحتمل كون الباء للتبعيض كقوله تعالى: { يشرب بها عبدا ا} ( الإنسان: 6) قال في «المغنى» : أثبت هذا المعنى الأصمعي والفارسي والعتبي وابن مالك، قيل والكوفيون اهـ ملخصاً.
ويحتمل كونها مزيدة، ويؤيده ما تقدم في حديث مسلم «ثم يهديها» والأوّل أقرب بلغة الجميع، وحفظ العهد أنسب ( إلى أصدقاء خديجة) أي أصحاب صداقتها وأصدقاء جمع صديق، وتقدم أنه يقال على المذكر والمؤنث، ويقال فيها أيضاً صديقة.
( وفي رواية لهما) عن عائشة رواهاالبخاري في فضل خديجة ومسلم في الفضائل كذا في «الأطراف» للمزي.
وتعقبه الحافظ في «النكت» عليه بما حاصله أن البخاري لم يقل فيه: ثنا ولا أخبرنا إسماعيل بن محمد، فلذا جزم الحميدي في جميعه بأنه ذكره تعليقاً.
قال الحافظ: وقد وصله أبو عوانة عن محمد بن يحيى: ثنا إسماعيل بن خالد عن علي بن مسهر عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة اهـ.
( استأذنت) طلبت الإذن ( هالة) بتخفيف اللام ( بنت خويلد) بن أسد بن عبد العزى بن قصي ( أخت) أم المؤمنين ( خديجة) رضي الله عنها.
وهالة هذه أم العاص بن الربيع زوج السيدة زينت بنت سيدنا رسول الله، وليس لخديجة أخت غيرها اسمها هالة، قاله ابن الأثير في «أسد الغابة» ( على رسول الله) متعلق باستأذنت ( فعرف استئذان خديجة) أي تذكر عند استئذانها خديجة وكانت نغمتها تشبه نغمة خديجة؛ وأصل هذا أن من أحبّ محبوباً أحبّ محبوباته وما يتعلق به ويشبهه، وما أحسن ما قيل: أحبّ من أجلكم من كان يشبهكم حتى لقد صرت أهوى الشمس والقمرا أمرّ بالحجر القاسي فألثمه لأن قلبك قاس يشبه الحجرا وقال آخر: أشبهت عذالي فصت أحبهم إذ صار حظي منك حظي منهم ( فارتاح لذلك) افتعال من الراحة: أي حصلت له راحة نفسانية بسماع صوت هالة لتذكره عهد خديجة.
قال المصنف: أي هش لمحبتها وسر به لتذكره بها خديجة وأيامها، وفيه دليل حسن العهد وحفظ الود ورعاية حرمة الصاحب والعشير في حياته وبعد موته، وفي المطالع ارتاح أي هشّ ونشطت نفسه، وقيل حن إليها، وقيل سر بها، ومنه يرتاع للندى ويرتاح: أي يسرّ فيهش ( فقال: اللهم هالة بنت خويلد) قال القرطبي: يجوز فيه الرفع خبر مبتدأ: أي هذه هالة فأكرمها، والنصب عن إضمار فعل؛ أي أكرم هالة ونحوه مما يليق بالمعنى، وهذه الأخبار فيها فضل خديجة، والصحيح أنها أفضل أمهات المؤمنين لما لها من السوابق الجليلة والأيادي الجميلة، وقد أقرأها الحق السلام على لسان جبريل الأمين، ولم ير ذلك لغير الأنبياء إلا لها وللصديق الأكبر، أما عائشة فهي أكثر علماً وأفضل مما عداها من باقي الأمهات بلا خلاف ( قولهما فارتاح هو بالحاء) المهملة ( وفيالجمع بين الصحيحين لـ) - أبي عبد الله بن محمد بن أبي نصر فتوح ( الحميدي) بالتصغير نسبة لجده الأعلى حميد الأندلسي القرطبي ( فارتاع بالعين) أي المهملة ( ومعناه اهتم به) أي باستئذانها فرحاً وسروراً لمكانها من خديجة.


رقم الحديث 345 ( وعن أنس رضي الله عنه قال: خرجت مع جرير بن عبد الله البجلي رضي الله عنه) يحتمل أن يكون من قول أنس فيكون فيه أداء الفضل لأهله من أهله، ويحتمل أن يكون ممن بعده ( في سفر فكان يخدمني) وهو أسن مني ( فقلت له: لا تفعل) أي لسنك المقتضي لتوقيرك ( فقال) مبيناً لسبب تواضعه لأنس مع صغر سنه عنه ( إني قد رأيت الأنصار) علم بالغلبة على أولاد الأوس والخرزج؛ وهو اسم إسلامي كما تقدم أوّل الكتاب ( تصنع برسول الله) أي معه ( شيئاً) عظيماً لا تقوم العبارة بتفصيله، فلذا أجمل في مقالة ( آليت) بالمد أي أقسمت من الألية، وهي اليمين ( أن لا أصحب أحداً منهم) وإن كان أصغر مني ( إلا خدمته) إكراماً للنبيّ وإحساناً للمنتسب إلى خدمته والمحسن إليه.
قال المصنف: ففي الحديث دليل إكرام المحسن والمنتدب إليه وإن كان أصغر منه، وفيه تواضع جرير وفضيلته وإكرامه للنبيّ وإحسانه إلى من انتسب إلى من أحسن إليه ( متفق عليه) والله أعلم بالصواب وإليه المرجع والمآب.
3