فهرس الكتاب

دليل الفالحـــين - باب الجمع بين الخوف والرجاء

رقم الحديث 443 ( وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: لو يعلم المؤمن ما عند ا) من العقوبة ( ما طمع بجنته أحد) وذلك لما يشهده من جلال الحق سبحانه ويخشاه من انتقامه وهو العدل في جميع ذلك ( ولو يعلم الكافر ما عند ا) من الرحمة ( ما قنط) من القنوط بالضم: وهو الإياس ( من رحمة ا) قال في «المصباح» : قنط يقنط من باب ضرب يضرب وتعب فهو قانط وقنوط وقنط.
وحكى الجوهري لغة ثالثة من باب قعد اهـ: أي مايئس من جنته أحد، بل كان يرجوها لما يعلمه من كثرة الرحمة وسعتها ( رواه مسلم) وفي «الجامع الصغير» رواه الترمذي، وهو منه عجيب كان حقه حيث ما هو في الصحيح عزوه إليه، وفي «المشارق» رمز متفق عليه، وتعقبه شارحه الكازروني بأن الحديث لمسلم انفرد به عن البخاري.


رقم الحديث 444 ( وعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: إذا وضعت الجنازة) أي بين يدي الرجال ليحملوها ( واحتملها الرجال على أعناقهم) قيد إذ لا يتولى حمل الجنازة ولو امرأة إلا الرجال إن وجدوا لضعف النساء غالباً فيكره لهن حملها، ويكره للرجال كراهة شديدة تمكينهن منها، بل أطال بعضهم في الانتصال لحرمته: نعم الأولى لا يتولى حمل المرأة من المغتسل إلى النعش وتسليمها لمن في القبر وحلّ ثيابها إلا النساء على أعناقهن ( فإن كانت صالحة) يحتمل أن المراد مطلق الصلاح وهو الإيمان، والصلاح الذي هو امتثال الأوامر واجتناب النواهي ( قالت: قدموني قدموني) اشتياقاً إلى ما أعدّه الله لها من نعيم القبر ونضارته ( وإن كانت غير صالحة قالت: يا ويلها) إضافته وما بعده إليها بضمير الغيبة على خلاف القياس من ويلي لأنه حكاية كلامها وكراهة أن الويل يضاف لنفس المتكلم، وهو كلمة جوع وتحسر، والمعنى: يا حسرته وندامته هذا وقتك فاحضريني.
والويل الهلاك ( أين تذهبون بها يسمع) الظاهر أنه بمعنى يستمع ( صوتها كل شيء) عمومه متناول للجماد ولا بعد في خلق قوّة الاستماع في الجماد ( إلا الإنسان) وحكمة استثنائه قوله ( ولو سمعه لصعق) بكسر العين: أي مات لشدة ذلك الصوت الناشيء عن شدة ما يرى مما أعد له من الويل والثبور ( رواه البخاري) في الجنائز.


رقم الحديث 445 ( وعن ابن مسعود رضي الله عنه قال: قال رسول الله: الجنة أقرب إلى أحدكم من شراك نعله) بكسر الشين المعجمة وتخفيف الراء وآخره كاف: أحد سيور النعل التي تكون في وجهها، ويطلق على كل سير وقى به القدم ( والنار مثل ذلك) أي في الأقربية.
قال ابن بطال: فيه أن الطاعة موصلة إلى الجنة وأن المعصية مقربة إلى النار وأن الطاعة والمعصية قد يكونان في أيسر الأشياء، وفي هذا المعنى حديث «إن الرجل ليتكلم بالكلمة» الحديث فينبغي للمرء أن لا يزهد في قليل من الخير أن يأتيه ولا في قليل من الشر أن يجتنبه فإنه لا يعلم الحسنة التي يرحمه الله بها ولا السيئة التي يسخط الله عليه بها وقال ابن الجوزي: معنى الحديث أن تحصيل الجنة سهل بتصحيح القصد وفعل الطاعة، والنار كذلك بموافقة الهوى وفعل المعصية اهـ.
من «فتح الباري» ( رواه البخاري) ورواه أحمد أيضاً كما في «الجامع الصغير» .
54

رقم الحديث -54 (اعلم أن المختار للعبد) أي المكلف حراً كان أو رقيقاً ذكراً كان أو غيره (في حال صحته) أي سلامته من المرض (أن يكون خائفاً راجياً) ليزجره الخوف عن المخالفة ويبعثه الرجاء على اكتساب العمل الصالح (ويكون خوفه ورجاؤه سواء) لأن الغالب في القرآن ذكر الترغيب والترهيب مقترنين، وهذا أصح الوجهين عند الأصحاب، وقيل يكون خوفه أكثر، ومحل الخلاف ما لم يغلب عليه القنوط فيغلّب على نفسه باب الرجاء، وما لم يغلب عليه سعة الرجاء ويخشى انحلال ربقة التكليف فيغلب حينئذٍ باب الخوف (وفي حال المرض يتمحض الرجاء) لما تقدم في حديث «لا يموتن أحدكم إلا وهو يحسن الظن با» (وقواعد الشرع) جمع قاعدة، وهي قانون كلي يتعرف منه أحكام جزئياته، والشرع ما شرعه الله من الأحكام للعباد مما ينتظم به أمر معاشهم ومعادهم، وتسمى القاعدة قانوناً وضابطاً وأصلاً، ويرادف الشرع من حيث الماصدق الإسلام والدين والملة، وإن كانت متكلفة من حيث الاعتبار (من نصوص الكتاب) أي القرآن (والسنة) وهو ما أضيف إليه من قول أو صفة أو فعل أو تقرير (وغير ذلك) كالإجماع (متظاهرة على ذلك) أي المذكور والتظاهر بالهاء كأن بعضها يشد ظهر الدليل الآخر.
(قال تعالى) : { فلا يأمن مكر ا} ) قال البيضاوي: ومكر الله استعارة لاستدراج العبد وأخذه من حيث لا يحتسب ( { إلا القوم الخاسرون} ) أي الذين خسروا بالكفر وتركوا النظر والاعتبار.
(وقال تعالى) : { إنه لا ييأس} ) أي يقنط ( { من روح ا} ) أي من رحمته التي يحيى به العباد ( { إلا القوم الكافرون} ) با وصفاته فإن العارف لا يقنط من رحمته تعالى في شيء من الأحوال.
(وقال تعالى) : { يوم تبيض وجوه} ) وهو يوم القيامة تبيض وجوه المحقين سروراً ونوراً ( { وتسودّ وجوه} ) هي وجوه المبطلين تسودّ خزاية ودحوراً.
(وقال تعالى) : { إن ربك لسريع العقاب} ) لمن عصاه ( { وإنه لغفور} ) لأهل طاعته.
( { رحيم} ) بهم.
(وقال تعالى) : { إن الأبرار} ) المؤمنين الصادقين ( { لفي نعيم} ) جنة ( { وإن الفجار} ) الكفار ( { لفي جحيم} ) نار محرقة.
(وقال تعالى) : ( { فأما من ثقلت موازينه} ) بأن رجحت حسناته على سيئاته ( { فهو في عيشة راضية} ) في الجنة: أي ذات رضى برضاها أي مرضية له ( { وأما من خفت موازينه} ) بأن رجحت سيئاته على حسناته ( { فأمه} ) مسكنه ( { هاوية} ) وبينها سبحانه مهولاً لشأنها بقوله ( { وما أدراك ماهيه نار حامية} ) نسأل الله العافية (والآيات في هذا المعنى) أي الجمع بين الرجاء والخوف (كثيرة، فجمع الخوف والرجاء في آيتين مقرونتين) كآية { إن الأبرار لفي نعيم وإن الفجار لفي جحيم} (الانفطار: 13 - 14) ؟ أو آيات (وذلك كثير في التنزيل) أو آية (كقوله) : { يوم تبيضّ وجوه وتسودّ وجوه} ) .