فهرس الكتاب

دليل الفالحـــين - باب الخوف

رقم الحديث 406 ( وعن أبي ذرّ) بفتح الذال المعجمة وتشديد الراء ( رضي الله عنه قال: قال رسول الله: إني أرى) أي أبصر أو أعلم ( ما لا ترون) أي تبصرون أو تعلمون ( أطت السماء وحق) بضم الحاء المهملة وتشديد القاف: أي ويحق ( لها أن تئطّ) أي لما فيها من أعمال البرّ وعمالها كما قال ( ما فيها موضع أربع أصابع إلا وملك) قال الدلجى: موضع بالتنوين، وقوله أربع أصابع ظرف مستقرّ لاعتماده على حرف النفي ( إلا وملك) حال من فاعل الظرف أعني موضعاً: أي وفيه ملك ( واضع) بالتنوين ويجوز تركه ( جبهته ساجداً) حال من الضمير قبله لكون المضاف بعض ما أضيف إليه ( تعالى) واستدل به على فضل السماء على الأرض، وهو المختار عند أصحابنا الشافعية فهي محل الطاعة ولم يقع عليها عصيان، وامتناع إبليس من السجود كان وهو خارج عنها، ويؤخذ منه فضل مواضع أعمال البرّ من الأرض على مواضع غيره، وقد أشار إليه إمامنا الشافعي بقوله: إني نظرت إلى البقاع وجدتها تشقى كما تشقى الرجال وتسعد ( وا) أتى به تأكيداً لما بعده ( لو تعلمون ما أعلم) من عظم جلال الله تعالى وشدةانتقامه ( لضحكتم قليلاً) خوفاً من سطوة المولى سبحانه ( ولبكيتم كثيراً) كذلك، وفي قوله قليلاً أولاً وكثيراً ثانياً إيماء إلى أن المطلوب من العبد أن لا ينتهي به الخوف إلى اليأس والقنوط بل يكون عنده بعض الرجاء فيعمل معه البر ويكون عنده من الخوف ما ينزجر به عن المخالفة، ويكون تارة في مظهر الجمال وتارة في مظهر الجلال ( وما تلذذتم بالنساء على الفرش) أي لشدة ما كان يحصل لكم من الوجل ( ولخرجتم إلى الصعدات) أي الطرقات ( تجأرون) بسكون الجيم وبعدها همزة مفتوحة: أي ترفعون أصواتكم بالاستغاثة إلى الله تعالى، والجملة في موضع الحال: أي رافعي أصواتكم متضرّعين ( إلى الله تعالى.
رواه الترمذي وقال حديث حسن)
قال ابن أَقَبْرَس: أخرجه مرفوعاً، وأخرجه أيضاً في الزهد، ويروى عن أبي ذرّ موقوفاً، وأخرجه ابن ماجه اهـ.
وكذا ذكر السيوطي في تخريج الشفاء أن ابن ماجه أخرجه أيضاً ( وأطت بفتح الهمزة وتشديد الطاء) المهملة ( وتئطّ بفتح التاء) أي الفوقية ( وبعدها همزة مكسورة) مكتوبة بصورة الياء على القاعدة ( والأطيط) بفتح الهمزة وكسر الطاء الأولى ( صوت الرجل) بالحاء المهملة هو ما يشد على البعير ويوضع عليه الحمل ويسمى بالكور.
قال في «النهاية» : وقد تكرر ذكر الرجل مفرداً وجمعاً وهو له كالسرج للفرس اهـ.
( والقتب) بفتح القاف والفوقية وبالموحدة قال في «المصباح» القتب للبعير جمعه أقتاب كسبب وأسباب وعليه فيكون من عطف الرديف ( وشبههما) من ذي الصوت ( ومعناه) أي معنى هذا الكلام ( أن كثرة من في السماء من الملائكة العابدين قد أثقلها حتى أطت) أي حصل الصوت منها كما يحصل من الرجل إذا ركب عليه، أجرى المصنف الكلام على ظاهره.
قال ابن الأثير في «النهاية» : وهذا مثل وإيذان بكثرة الملائكة، وإن لم يكن ثم أطيط إنما هو كلام تقريب أريد به تقرير عظمة الله تعالى.
زاد الدلجى بعد حكايته قوله فأفرغ هذا الكلام في قالب الاستعارة التمثيلية تقريباً وتقريراً لعظمة الله تعالى.
وقال ابن أقبرس: وهذا عندي على طريق الاستعارة بالكناية، شبهت السماء بذي الصوت من الإبل، ثم ذكر شيئاً من لوازم الإبل والأقتاب المركوب عليها وهو الصوت المعبر عنه بقوله أطت لينتقل الذهن منه إليه، وأنت خبير بما بين الكلامين يعني كلامه وكلام «النهاية» من الحسن اهـ.
وما ذكره من أن الاستعارة المكنية لفظ المشبه به مراداً به المشبه مذهبفيها، ومذهب الخطيب وعليه الجمهور أنها التشبيه المضمر في النفس وقرينتها الاستعارة التخييلية: أي إثبات لازم المشبه به للمشبه، والله أعلم ( والصعدات ضم الصاد والعين) وبالدال المهملة ( الطرقات) بضم أوليه جمع طريق ( ومعنى تجأرون تستغيثون) مضارع من الاستغاثة بالمثلثة: سؤال للغوث.


رقم الحديث 407 ( وعن أبي برزة) بموحدة ثم ( براء ثم زاي) ثم هاء ( نضلة) بفتح النون وسكون الضاد المعجمة ( ابن عبيد) بضم المهملة وفتح الموحدة وسكون التحتية، هذا هو الصحيح المشهور في اسمه واسم أبيه، ويقال نضلة بن عمرو ويقال نضلة بن عبد الله.
قال الحاكم في «تاريخ نيسابور» : وقيل اسمه عبد الله بن نضلة، وقيل نضلة بن دينار.
قال: وقيل كان اسمه نضلة بن دينار فسماه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عبد الله، وقال: «دينار» شيطان ( الأسلمي) من ولد أسلم بن أقصى بن حارثة ( رضي الله عنه) وأبو برزة كنية انفرد بها لا يعرف في الصحابة من يكنى بها غيره، كما قاله الحافظ أبو الفضل محمد بن ناصر بن محمد بن علي البغدادي في التنبيه على الغربيين وذكره الحاكم في الكنى المفردة، ومعناه: ليس في الناس من يكنى بها غيره ومراده من قبله، وإلا فقد كنى بها بعده أبو برزة الفضل بن محمد الحاسب.
أسلم أبو برزة قديماً وشهد مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فتح مكة، روي له عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ستة وأربعون حديثاً، اتفقا على حديثين، وانفرد البخاري بحديثين، ومسلم بأربعة.
نزل البصرة وولده بها ثم غزا خراسان.
وقيل: إنه رجع البصرة وبها توفي، وقيل توفي بخراسان في خلافة معاوية أو يزيد، وقيل توفي سنة ستين، وقيل سنة أربع وستين اهـ.
ملخصاً من «التهذيب» للمصنف.
( قال: قال رسول الله: لا تزول قدما عبد) أي من موقفه للحساب إلى جنة أو نار ( حتى يسأل) بالبناء للمفعول ( عن عمره) بضم أوليه ويسكن ثانيه تخفيفاً: أي حياته وبقائه في الدنيا ( فيما أفناه) في طاعة أم معصية، فما استفهامية فيه وفيما بعده وإثبات ألفها مع كونها مجرورة قليل والكثير حذفها ( وعن عمله فيمافعل فيه) لوجه الله تعالى خالصاً فيثاب عليه، أو رياء وسمعة فيعاقب عليه إن شاء الله تعالى.
( وعن ماله من أين اكتسبه) أمن حلال ذلك أو حرام ( وفيما أنفقه، وعن جسمه فيما أبلاه) في طاعة مولاه أم في سواه، ويستثنى من ذلك الأنبياء وبعض صالحي المؤمنين كالذين يدخلون الجنة بغير حساب ( رواه الترمذي) في أبواب الزهد من «جامعه» ( وقال: حديث حسن صحيح) وطريقه واحد، فالتقدير على ما قرره الحافظ العسقلاني في مثله كما تقدم حسن أو صحيح.


رقم الحديث 408 ( وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قرأ رسول الله: يومئذٍ تحدث أخبارها ثم قال أتدرون ما أخبارها؟) المحدثة بها ( قالوا: الله ورسوله أعلم) أي عالم، وليس مرادهم أن عندهم به علم، وا ورسوله أعلم بذلك منهم فأفعل فيه بمعنى أصل الفعل، ويحتمل كونه على ظاهره وسكوت العالم إما أدباً أو لزيادة استبصار ووقوف على ما لم يعلم ( قال: فإن أخبارها أن تشهد) بلسان قالها كما هو الظاهر ولا مانع منه لأنه ممكن وهو أبلغ في إلزام الحجة ( على كل عبد أو أمة بما علم على ظهرها) الظاهر أن العموم فيه مخصوص بغير ذي الأعمال المكفرة، ويحتمل عموم الخبر لهم ويكون شهادتها بذلك تذكيراً لمزيد إنعام الله عليه حيث سامحه بسوء عمله ولم يعاقبه عليه بل أثابه من فضل، وقوله: ( تقول عمل كذا وكذا في يوم كذا وكذا) تفصيل للشهادة وبيان لكيفتها وكذا كناية عن مقدار الشيء وعدته، وتكون كناية عن الأشياء فتقول فعلت كذا وقلت كذا، قال: فإن قلت: فعلت كذا وكذا فلتعدد الفعل، والأصل ذا ثم أدخل عليه كاف التشبيه بعد زوال معنى التشبيه والإشارة، وجعل كناية عما يراد به وهو معرفة فلا يدخله أل قاله في «المصباح» ( فهذهأخبارها) بفتح الهمزة جمع خبر ( رواه الترمذي) في الزهد والتفسير من «جامعه» ( وقال حديث حسن) ورواه النسائي في التفسير.


رقم الحديث 409 ( وعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: قال رسول الله: «كيف أنعم) بفتح العين من النعمة بفتح النون: وهي المسرة والفرح.
قال في «المصباح» : نعم عيشه ينعم من باب تعب: اتسع ولان: أي كيف أتسع في الدنيا وألتذ بها.
قال المظهري: أي كيف أطيب عيشاً وقد قرب أمر الساعة وكأنه خاف على أصحابه منها، وقد علم أنها لا تقوم إلا على أشرار الناس، أو حثّ لأصحابه على الوصية لمن بعدهم بالتهيؤ لها ( وصاحب القرن) أي الصور يعني الملك الموكل به وهو إسرافيل ( قد التقم القرن) أي وضع فاه عليه: قال المظهري في «المفاتيح» : يقال التقمت اللقمة: أي ابتلعتها يعني وضع الصور في فمه ( واستمع) أي أصغى ( الإذن) يحتمل أن يكون مفعولاً به أي يستمعه وينظر وأن يكون مفعولاً له ( متى يؤمر بالنفخ) أي بنفخ الصور ( فينفخ) أي عقب الأمر فحينئذٍ يصعق من في السموات والأرض: أي يموت ( فكأن ذلك) أي المذكور من قرب الساعة، وهي إنما تقوم على الأشرار ( ثقل) بفتح المثلثة وضم القاف: أي عظم ومصدره ثقل بوزن عنب كما في «المصباح» : أي فكأنه ثقل ( على أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال) أي النبيّ ( لهم: قولوا حسبنا) أي محسبنا وكافينا من أحسبه الشيء أي كفاه وهو خبر والمبتدأ هو ( اونعم الوكيل) أي الموكول إليه والمخصوص بالمدح مضمر بعد الواو والجملة الفعلية خبره، والأصح وقوع الجملة الإنشائية خبراً بلا تأويل وفي الكلام عطف خبرية على مثلها.
قال في «المفاتيح» : والدليل أن حسبك بمعنى محسبك وقوعه صفة للنكرة في نحو مررت برجل حسبك فلو لم يصح لكان اسم فاعل، وإضافته على معنى الانفصال لما وصف به النكرة لأنه مضاف لمعرفة ( رواه الترمذي) في أبواب الزهد من «جامعه» ( وقال: حديث حسن) ورواهالنسائي في التفسير من طريق عن أبي هريرة بنحوه ( القرن) بفتح القاف وسكون الراء مضاف لمعرفة ( الصور) بضم الصاد المهملة وسكون الواو وبالراء ( الذي قال الله تعالى) أي فيه ( ونفخ في الصور، كذا فسره رسول الله) قلت: رواه أحمد والترمذي وأبو داود والحاكم عن عبد الله بن عمر بن الخطاب رضي الله عنهما عن النبيّ قال: «الصور قرن ينفخ فيه» وفي الترمذي بيان سببه قال: «قال أعرابيّ: يا رسول الله ما الصور؟ قال: قرن ينفخ فيه» قال ابن رسلان: قوله الصور قرن هو على هيئة البوق دائرة رأسه كعرض السموات والأرض، ولأبي الشيخ في كتاب العظمة من حديث أبي هريرة «إن الله تعالى لما خلق السموات والأرض خلق الصور فأعطاه إسرافيل، فهو واضعه على فيه شاخص ببصره إلى العرش ينتظر متى يؤمر» .
وفي رواية لأبي الشيخ «فأطرق صاحب الصور وقد وكل به مستعداً ينظر نحو العرش مخافة أن يؤمر قبل أن يرتدّ إليه طرفه كأن عينيه كوكبان دريان» وإسنادهما جيد اهـ.


رقم الحديث 410 ( وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله «من خاف) أي خاف البيات ( أدلج) أي هرب في أوّل الليل ( ومن أدلج بلغ المنزل) الذي يأمن فيه البيات.
قال العاقولي: هذا مثل طالب الآخرة وكون الشيطان على طريقه، فإن تبتل بالطاعة وصبر مدة أيامه القلائل أمن فيه الشيطان.
وقال المظهري: أي من خاف الله فليهرب من المعاصي إلى طاعته تعالى ( ألا) أداة استفتاح ( إن سلعة ا) بكسر السين المهملة وجمعها سلع فهي كسدرة وسدر.
والسلعة: المتاع ( غالية) بالمعجمة: أي رفيعة القيمة ( ألا إن سلعة ا» ) هي الجنة وهي عزيزة لا يليق بثمنها إلا بذل النفس والمال ( رواه الترمذي) في باب الزهد ( وقال: حديث حسن) وروى عن مطرف عن أبي سعيد، وقيل عن ابن عباس اهـ.
( وأدلج بإسكان الدال) المهملة وبالجيم معناه ( سار من أول الليل) وهو أنسب بالحديث لكونه أدل على مزيد الاهتمام والاعتناء وأمكن في القصد للبعد عن العدو، وما ذكره المصنف هو ما في «النهاية» وزاد فيها «وادّلج» بالتشديد: إذا سار من آخره، والاسم منها الدلجة بالضم والفتح،ومنهم من يجعل الإدلاج أي بوزن إكرام مصدر أدلج بالتخفيف لليل كله ولم يفرق بين أوله وآخره، وأنشدوا لعلي: اصبر على السير والإدلاج في السحر اهـ.
قلت: وجرى على هذا الأخير صاحب «المصباح» ، وعبارته أدلج إدلاجاً مثل أكرم إكراماً: سار الليل كله فهو مدلج، وإن خرج آخر الليل فقد ادّلج بالتشديد اهـ.
وكأن المصنف جرى على القول المذكور في الأصل لأنه أنسب بالحديث لما ذكرنا ( والمراد التشمير في طاعة ا) أي إنه تمثيل لذلك كما سبق عن العاقولي وإلا فلا مسافة حسية تقطعها بسيرك ليلاً، إنما هي المجاهدات المورثة بالفضل الإلهي للمشاهدات.


رقم الحديث 411 ( وعن عائشة رضي الله عنها قالت: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: «يحشر الناس) عامّ مخصوص فقد جاء في صحيح مسلم «أول من يكسى يوم القيامة إبراهيم عليه السلام ثم أكسى» الحديث ( يوم القيامة حفاة) بضم أوله المهمل وبالفاء جمع حاف: وهو الذي لا حذاء في رجله ولا خف ( عراة) بالضبط المذكور جمع عار وهو الذي لا ثوب ببدنه ( غرلاً) أي غير مختونين، والفائدة في خلق الجلدة المقطوعة من الذكر والعلم عند الله تعالى التنبيه على إحكام خلقته إذ خلقه للأبد لا للفناء إذ لم ينقص من أعضائه بل أعيد كاملاً، أو أنه التزم عوده كما كان، قاله المظهري والثلاثة منصوبة على الحال من الفاعل ( قلت: يا رسول الله الرجال والنساء جميعاً) منصوب على الحال من الرجال الفاعل بمحذوف دل عليه ما قبله: أي الحشر حال كونهم مجموعين، وقولها ( ينظر بعضهم إلى بعض) يحتمل أن يكون حالاً من ذلك أو من ضمير جميعاً المستكن فيه وأن تكون مستأنفة لبيان السؤال عن جميعهم في الحشر ( فقال يا عائشة الأمر) أي هول الأمر وشدته ( أشد من أن يهمهم) بفتح التحتية وضم الهاء أو بضم التحتية وكسرها قال.
في «المصباح» : يقال أهمني الأمر بالألف: أقلقني، وهمني هما من باب قتل مثله ( ذلك» ) أي النفوس إنما تنظر لذلك عند الاستراحة وهم فيهول يذهل به الخليل عن خليله كما تقدم أوّل الباب.
( وفي رواية) هي «للصحيحين» أيضاً كما في «المشكاة» وهي عند النسائي وابن ماجه كما في «الجامع الكبير» ( «الأمر أشد من أن ينظر بعضهم إلى بعض» ) جاء في رواية ابن مردويه عن ابن عمر مرفوعاً «قالت عائشة: ينظر بعضهم إلى بعض، قال: شغل الناس يومئذٍ عن النظر وسموا بأبصارهم إلى السماء موقوفون أربعين سنة لا يأكلون ولا يشربون» ( متفق عليه) أخرجه البخاري في الرقاق ومسلم في أبواب صفة الجنة والنار ( غرلاً بضم الغين المعجمة) وسكون الراء ( أي غير مختونين) في «المصباح» : الغرلة مثل القلفة وزناً ومعنىً، وغرل غرلاً من باب تعب: إذا لم يختن فهو أغرل والأنثى غرلاء والجمع غرل من باب أحمر اهـ.
والله أعلم.
51

رقم الحديث -51 أي من الله عز وجل، قال الشيخ زكريا في «شرح الرسالة» : هو فزع القلب من مكروه يناله أو من محبوب يفوته.
وسببه تفكر العبد في المخلوقات كتفكره في تقصيره وإهماله وقلة مراقبته لما يرد عليه، وتفكره فيما ذكره الله عز وجل في كتابه من إهلاك من خالفه وما أعدّ له في الآخرة، وقد يعبر عن الخوف بالفزع والروع والرهبة والخيفة والخشية.
(قال الله تعالى) : { وإياي فارهبون} ) أي خافون خوفاً معه تحرز فيما تأتون وتذرون.
قال البيضاوي: وهو آكد في إفادة التخصيص من إياك نعبد لما فيه مع التقديم من تكرير المفعولية والفاء الجزائية الدالة على تضمن الكلام معنى الشرط كأنه قيل: إن كنتم راهبين شيئا فارهبون وفي الآية أن المؤمن ينبغي أن لا يخاف أحداً إلا الله سبحانه وتعالى.
(وقال تعالى) : { إن بطش ربك لشديد} ) البطش: هو الأخذ بعنف وشدة بالمأخوذ بحسب إرادته تعالى.
(وقال تعالى) : { وكذلك} أي ومثل ذلك الأخذ للأمم الماضين ( { أخذ ربك إذا أخذ القرى} ) أي أهلها وقرىء/ «إذ» لأن المعنى على المضي (وهي ظالمة) حال من القرى وهي في الحقيقة لأهلها، لكنها لما أقيمت مقامه أجريت عليها وفائدتها الإشعار بأنهم أخذوا لظلمهم وإنذار كل ظالم ظلم نفسه أو غيره من وخامة العاقبة ( { إن أخذه أليم شديد} ) وجيع غير مرجوّ الخلاص عنه وهو مبالغة في التهديد والتحذير ( { إن في ذلك} ) أي ما أنزل بالأمم الهالكة أو فيما قصه الله من قصصهم (لآية) لعبرة ( { لمن خاف عذاب الآخرة} ) يعتبر بها عظة لعلمه بأن ما حاق بهم أنموذج مما أعد للمجرمين في الآخرة أو ينزجر به عن موجبه لعلمه بأنها من إله مختار يعذب من يشاء ويرحم من يشاء، فإن من أنكر الآخرة وأحال فناء هذا العالم لم يقل بالفاعل المختار، وجعل تلك الوقائع لأسباب فلكية اتفقت في تلك الأيام لا لذنوب المهلكين بها ( { ذلك} ) إشارة إلى يوم القيامة وعذاب الآخرة دلّ عليه ( { يوم مجموع له الناس} ) أي يجمع له الناس، والتعبير له بالجمع للدلالة على ثبات معنى الجمع لما فيه من المحاسبة والمجازاة ( { وذلك يوم مشهود} ) أي مشهود فيه أهل السموات والأرض، واتسع فيه بإجراء الظرف مجرى المفعول، ولو جعل اليوم مشهوداً في نفسه لبطل الغرض من تعظيم اليوم وتمييزه فإن سائر الأيام كذلك ( { وما نؤخره} ) أي اليوم ( { إلا لأجل معدود} ) إلا لانتهاء مدة معدودة متناهية على خلاف المضاف وإرادة مدة التأجيل كلها بالأجل لا منتهاها فإنه غير معدود ( { يوم يأت} ) أي الجزاء أو اليوم كقوله { حتى تأتيهم الساعة} (الحج: 55) على أن يوم بمعنى حين أو الله تعالى كقوله: { هل ينظرون إلا أن يأتيهم ا} (البقرة: 21) ونحوه (لا تكلم) أي لا تتكلم (نفس) بما ينفع وينبغي من جواب أو شفاعة وهو الناصب للظرف، ويحتمل أن نفسه بإضمار أذكر أو بالانتهاء المحذوف (إلا بإذنه) أي بإذن الله كقوله: { لا يتكلمون إلا من أذن له الرحمن} (النبأ: 38) وهذا في موقف، وقوله: { هذا يوم لا ينطقون ولا يؤذن لهم فيعتذرون} (المرسلات: 35، 36) في موقف آخر أو المأذون فيه هي الجوابات الحقة والممنوع عنه هي الأعذار الباطنة ( { فمنهم شقى} ) وجبت له النار بمقتضى الوعيد ( { و} ) منهم ( { سعيد} ) وجبت له الجنة بمقتضى الوعد والضمير لأهل الموقف، وإن لم يذكروا لأنه معلوم مدلول عليه بقوله: { لا تكلم نفس} أو الناس ( { فأما الذين شقوا ففي النار لهم فيها زفير وشهيق} ) الزفير إخراج النفس والشهيق رده واستعمالها في أول النهيق وآخره، والمراد بهما الدلالة على شدة كربهم وغمهم فالمراد تشبيه حالهم بمن استولت الحرارة على قلبه وانحصر فيه روحه أو تشبيه صراخهم بأصوات الحمير.
(وقال تعالى) : { ويحذركم الله نفسه} ) أي يغضب عليكم من فعل ما حضر وملابسة ما منع.
(وقال تعالى) : { يوم} ) بدل من إذا الظرفية المتضمنة معنى الشرط المذكور في آخر الآية قبله ( { يفرّ المرء من أخيه وأمه وأبيه وصاحبته} ) أي زوجته ( { وبنيه} ) بدأ بالأخ ثم بالأبوين لأنهما أقرب ثم بالصاحبة والولد لأنهما أقرب والأخ من الأبوين والأخ إيذاناً أنه لا يقف لأحد منهم ( { لكل امرىء منهم يومئذٍ شأن يغنيه} ) أي يشغله عن شأن غيره: أي اشتغل كل بنفسه والجملة حال وهو دليل جواب إذا المحذوف، وقيل يفرّ حذراً من تبعاتهم، فيقول الأخ لم تواسني بمالك.
والأبوان قصرت في برنا، والصاحبة أطعمتني الحرام وفعلت، والولد لم تعلمني ولم ترشدني.
قال الكواشي: وهذا عام في كل كافر في كل موطن من مواطن القيامة وخاص بالمؤمن في بعض مواطنها.
(وقال تعالى) : { يا أيها الناس اتقوا ربكم إن زلزلة الساعة} ) تحريكها للأشياء على الإسناد المجازي أو تحريك الأشياء فيها فأضيفت إليها إضافة معنوية بتقدير وإضافة المصدر إلى الظرف على إجرائه مجرى المفعول به (شيء عظيم) هائل علل أمرهم بالتقوى بفظاعة الساعة ليتصوّرها بعقولهم ويعلموا أنه لا يؤمنهم منها سوى التدرع بلباس التقوى فيبقوا على أنفسهم ويتقوها بملازمة التقوى ( { يوم ترونها تذهل كل مرضعة عما أرضعت} ) تصوير لهولها والضمير للزلزلة ويوم منتصب بتذهل وقرىء معلوماً ومجهولاً: أي تذهلها الزلزلة، والذهول الذهاب عن الأمر بدهشة والمقصود الدلالة على أن هولها بحيث إذا دهشت التي ألقمت الرضيع ثديها نزعته عن فيه وذهلت عنه، وما موصولة أو مصدرية ( { وتضع كل ذات حمل حملها} ) أي جنينها، قال المصنف في آخر كتاب الإيمان من شرح مسلم: وقد اختلف العلماء في وقت وضع كل ذات حمل حملها وغيره من المذكور، فقيل عند زلزلة الساعة قبل خروجهم من النداي، وقيل هو يوم القيامة وليس فيها حمل ولا ولادة وتقديره تنتهي به الأهوال والشدائد إلى أن لو تصورت الحوامل هناك لوضعت حملهن، كما تقول العرب أصابنا أمر يشيب فيه الولد، يريدون شدته اهـ.
( { وترى الناس سكارى} ) كأنهم سكارى ( { وما هم بسكارى} ) حقيقة ( { ولكن عذاب الله شديد} ) فأرهقهم هوله بحيث طير عقولهم وأذهب تمييزهم.
(وقال تعالى) : { ولمن خاف مقام ربه} ) موقفه الذي يقف فيه العباد للحساب.
أو قيامه على أحواله من قام عليه إذا راقبه.
أو مقام الخائف عند ربه للحساب بأحد المعنيين فأضافه إلى الربّ تفخيماً وتهويلاً ربه، ومقام مفخم للمبالغة ( { جنتان} ) جنة لعقيدته وأخرى لعمله، أو جنة لفعل الطاعات وأخرى لاجتناب المعاصي، أو جنة يثاب بها، وأخرى يتفضل بها عليه أو روحانية وجسمانية (الآيات) إلى أواخر السورة.
وفيه أن هذه الآيات من آيات الوعد المثيرة للرجاء لا من آيات الوعيد الباعثة للخوف وكأن المصنف عقَّب الآيات الأول بها إيماء إلى أنه ينبغي أن يكون للمؤمن خوف يمنعه من العصيان ورجاء يبعثه على الطاعة وعمل البرّ، وقدم تلك على هذه لأنها أدلة الباب وأساس بنيانه، وإيماء إلى أن الخوف من باب التخلية، والرجاء من باب التحلية، بالمهملة والأول مقدم، وختم بما هو من قبيل الأول لمناسبته بالباب فقال: (وقال تعالى) : { وأقبل بعضهم على بعض يتساءلون} ) أي يسأل بعض أهل الجنة بعضاً عن أحواله وأعماله ( { قالوا إنا كنا قبل في أهلنا مشفقين} ) خائفين من عصيان الله تعالى معتنين بطاعته، أو وجلين من المعاقبة ( { فمنّ الله علينا} ) بالرحمة والتوفيق ( { ووقانا عذاب السموم} ) عذاب النار النافذة في المسامّ نفوذ السموم ( { إنا كنا من قبل} ) أي: من قبل ذلك في الدنيا ( { ندعوه} ) نعبده أو نسأله الوقاية ( { إنه هو البر} ) المحسن، وقرىء بفتح الهمزة: أي لأنه ( { الرحيم} ) الكثير الرحمة (والآيات) الواردة (في الباب) أي في باب الخوف (كثيرة جداً) بكسر الجيم أي قطعاً (والغرض) أي المطلوب (الإشارة إلى بعضها) تبركاً وتشرفاً (وقد حصل) .
(وأما في الأحاديث) المرفوعة (فكثيرة جداً فنذكر منها طرفاً) أي جانباً، والطرف حال لأنه كان وصفاً لظرف قدم عليه ومن فيه للبيان (وبا) لا بغيره (التوفيق) وهو لغة جعل الأسباب موافقة للمسببات.
وشرعاً خلق قدرة الطاعة في العبد.